فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم بعث إليها خالدًا فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها فضربها بالسيف حتى قتلها وهو يقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك ** إني رأيت الله قد أهانك

ورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: «تلك العزى ولن تعبد أبدًا» وقال ابن زيد: كانت العزى بالطائف، وقال أبو عبيدة: كانت بالكعبة، وأيده في البحر بقول أبي سفيان في بعض الحروب للمسلمين لنا العزى ولا عزى لكم؛ وذكر فيه أنه صنم وجمع بمثل ما تقدم، {ومناة} قيل: صخرة كانت لهذيل وخزاعة، وعن ابن عباس لثقيف، وعن قتادة للأنصار بقديد، وقال أبو عبيدة: كانت بالكعبة أيضًا، واستظهر أبو حيان أنها ثلاثتها كانت فيها قال: لأن المخاطب في قوله تعالى: {أفرأيتم} قريش وفيه بحث، ومناة مقصورة قيل: وزنها فعلة، وسميت بذلك لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها أي تراق، وقرأ ابن كثير على ما في البحر {مناءة} بالمد والهمز كما في قوله:
ألا هل أتي تميم بن عبد (مناءة) ** على النأى فيما بيننا ابن تميم

ووزنها مفعلة فالألف منقلبة عن واو كما في مقالة، والهمزة أصل وهي مشتقة من النوء كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنوار تبركًا بها، والظاهر أن {الثالثة الأخرى} صفتان لمناة وهما على ما قيل: للتأكيد فإن كونها ثالثة وأخرى مغايرة لما تقدمها معلوم غير محتاج للبيان، وقال بعض الأجلة: {الثالثة} للتأكيد، و{الأخرى} للذم بأنها متأخرة في الرتبة وضيعة المقدار، وتعقبه أبو حيان بأن آخر ومؤنثة أخرى لم يوضعا لذم ولا لمدح وإنما يدلان على معنى غير، والحق أن ذلك باعتبار المفهوم الأصلي وهي تدل على ذم السابقتين أيضًا قال في الكشف: هي اسم ذم يدل على وضاعة السابقتين بوجه أيضًا لأن {أخرى} تأنيث آخر تستدعي المشاركة مع السابق فإذا أتى بها لقصد التأخر في الرتبة عملًا بمفهومها الأصلي إذ لا يمكن العمل بالمفهوم العرفي لأن السابقتين ليستا ثالثة أيضًا استدعت المشاركة قضاءًا لحق التفضيل، وكأنه قيل: {الأخرى} في التأخر انتهى وهو حسن، وذكر في نكتة ذم مناة بهذا الذم أن الكفرة كانوا يزعمون أنها أعظم الثلاثة فأكذبهم الله تعالى بذلك.
وقال الإمام: {الأخرى} صفة ذم كأنه قال سبحانه: {ومناة الثالثة} الذليلة وذلك لأن اللات كان على صورة آدمي {والعزى} صورة نبات {ومناة} صورة صخرة، فالآدمي أشرف من النبات، والنبات أشرف من الجماد فالجماد متأخر ومناة جماد فهي في أخريات المراتب، وأنت تعلم أنه لا يتأتى على كل الأقوال، وقيل: {الأخرى} صفة للعزى لأنها ثانية اللات، والثانية يقال لها {الأخرى} وأخرت لموافقة رؤوس الآي، وقال الحسن ابن المفضل: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير والعزى الأخرى {ومناة الثالثة كَذَبَ الفؤاد مَا رأى أفتمارونه على مَا يرى وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أخرى عِندَ سِدْرَةِ المنتهى عِندَهَا جَنَّةُ المأوى إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى لَقَدْ رأى مِنْ ءايات رَبّهِ الكبرى أَفَرَءيْتُمُ} الخ والهمزة للإنكار والفاء لتوجيهه إلى ترتيب الرؤية على ما ذكر من شؤون الله تعالى المنافية لها غاية المنافاة وهي علمية عند كثير، ومفعولها الثاني على ما اختاره بعضهم محذوف لدلالة الحال عليه، فالمعنى أعقيب ما سمعتم من آثار كمال عظمة الله عز وجل في ملكه وملكوته وجلاله وجبروته وإحكام قدرته ونفاذ أمره رأيتم هذه الأصنام مع غاية حقارتها بنات الله سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)}.
توبيخ مبني على ذلك التوبيخ ومداره تفضيل جانب أنفسهم على جنابه عز وجل حيث جعلوا له تعالى الإناث واختاروا لأنفسهم الذكور، ومناط الأول نفس تلك النسبة، وقيل: المعنى {أَرَءيْتُمْ} هذه الأصنام مع حقارتها وذلتها شركاء لله سبحانه مع ما تقدم من عظمته، وقيل: المعنى اخبروني عن آلهتكم هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة في الآي السابقة، وقيل: المعنى أظننتم أن هذه الأصنام التي تعبدونها تنفعكم؛ وقيل المعنى {فرأيتم} هذه الأصنام إن عبدتموها لا تنفعكم وإن تركتموها لا تضركم، ولا يخفى أن قوله تعالى: {الاخرى أَلَكُمُ} الخ لا يلتئم مع ما قبله على جميع هذه الأقوال التئامة على القول السابق، وقيل: إن قوله سبحانه: {أَلَكُمُ} الخ في موضع المفعول الثاني للرؤية وخلوها عن العائد إلى المفعول الأول لما أن الأصل أخبروني أن اللات والعزى ومناة ألكم الذكر وله هن أي تلك الأصنام فوضع موضعها الأنثى لمراعاة الفواصل وتحقيق مناط التوبيخ وهو على تكلفه يقتضي اقتصار التوبيخ على ترجيح جانبهم الحقير الذليل على جناب الله تعالى العزيز الجليل من غير تعرض للتوبيخ على نسبة الولد إليه سبحانه، وفي الكشف وجه النظم الجليل أنه بعدما صور أمر الوحي تصويرًا تامًا وحققه بأن ما يستمعه وحي لا شبهة فيه لأنه رأى الآتي به وعرفه حق المعرفة قال سبحانه: {أفتمارونه على مَا يرى} [النجم: 12] على معنى أتلاحونه بعد هذه البيانات على ما يرى من الآيات المحقق لأنه على بينة من ربه سبحانه هاديًا مهديًا، وأني يبقى للمراء مجال وقد رآه نزلة أخرى؟! وعرفه حق المعرفة، ثم قيل: {لَقَدْ رأى مِنْ ءايات} [النجم: 18] الخ تنبيهًا على أن ما عدّ منها فهو أيضًا نفي للضلالة والغواية وتحقيق للدراية والهداية.
وقوله تعالى: {أَفَرَءيْتُمُ} [النجم: 19] عطف على تمارونه وإدخال الهمزة لزيادة الإنكار والفاء لأن القول بأمثاله مسبب عن الطبع والعناد وعدم الإصغاء لداعي الحق، والمعنى أبعد هذا البيان تستمرون على ما أنتم عليه من المراء فترون اللات والعزى ومناة أولادًا له تعالى ثم أخسها وسد مسد المفعول الثاني قوله تعالى: {أَلَكُمُ} الخ زيادة للإنكار فعلى هذا ليس {أَفَرَءيْتُمُ} في معنى الاستخبار وجاز أن يكون في معناه على معنى {أفتمارونه} فأخبروني هل لكم الذكر وله الأنثى، والقول مقدر أي فقل لهم أخبروني والمعنى هو كذا تهكمًا وتنبيهًا على أنه نتيجة مرائهم وأن من كان هذا معتقده فهو على الضلال الذي لا ضلال بعده ولا يبعد عن أمثاله نسبة الهادين المهديين إلى ما هو فيه من النقص انتهى، وما ذكره أولًا أولى وهو ليس بالبعيد عما ذكرنا.
{تِلْكَ} إشارة إلى القسمة المنفهمة من الجملة الاستفهامية {إِذًا قِسْمَةٌ ضيزى} أي جائرة حيث جعلتم له سبحانه ما تستنكفون منه وبذلك فسر ضيزى ابن عباس وقتادة، وفي معناه قول سفيان منقوصة، وابن زيد مخالفة، ومجاهد ومقاتل عوجاء، والحسن غير معتدلة، والظاهر أنه صفة، واختلف في يائه فقيل: منقلبة عن واو، وقيل: أصلية، ووزنه فعلى بضم الفاء كحبلى وأنثى، ثم كسرت لتسلم الياء كما فعل ذلك في بيض جمع أبيض فإن وزنه فعل بضم الفاء كحمر ثم كسرت الفاء لما ذكر ومثله شائع، ولم يجعل وزنه فعلى بالكسر ابتداءًا لما ذهب إليه سيبويه من أن فعلى بالكسر لم يجىء عن العرب في الصفات وجعله بعضهم كذلك متمسكًا بورود ذلك.
فقد حكى ثعلب مشية حيكى، ورجل كيصى، وغيره امرأة عز هي وامرأة سعلى، ورد بأنه من النوادر والحمل على الكثير المطرد في بابه أولى، وأيضًا يمكن أن يقال في حيكى وكيصى ما قيل في ضيزى؛ ويمنع ورود عز هي وسعلى فإن المعروف عزهاة وسعلاة، وجوز أن يكون ضيزى فعلى بالكسر ابتداءًا على أنه مصدر كذكرى ووصف به مبالغة، ومجىء هذا الوصف في المصادر كما ذكر، والأسماء الجامدة كدفلى وشعرى، والجموع كحجلى كثير، وقرأ ابن كثير {ضئزى} بالهمز على أنه مصدر وصف به، وجوز أن يكون وصفًا وهو مضموم عومل معاملة المعتل لأنه يؤول إليه.
وقرأ ابن زيد {ضيزى} بفتح الضاد وبالياء على أنه كدعوى أو كسكرى، ويقال ضؤزى بالواو والهمز وضم الفاء؛ وقد حكى الكسائي ضأز يضأز ضأزًا بالهمز وأنشد الأخفش:
فإن تنأ عنها تقتنصك وإن تغب ** فسهمك (مضؤز) وأنفك راغم

والأكثر ضاز بلا همز كما في قول امرىء القيس:
(ضازت) بنو أسد بحكمهم ** إذ يجعلون الرأس كالذنب

وأنشده ابن عباس على تفسيره السابق.
{إِنْ هِىَ} الضمير للأصنام أي ما الأصنام باعتبار الألوهية التي تدعونها {إِلاَّ أَسْمَاء} محضة ليس فيها شيء مّا أصلًا من معنى الألوهية؛ وقوله تعالى: {سَمَّيْتُمُوهَا} صفة للأسماء وضميرها لها لا للأصنام، والمعنى جعلتموها أسماء فإن التسمية نسبة بين الاسم والمسمى فإذا قيست إلى الاسم فمعناها جعله اسمًا للمسمى وإن قيست إلى المسمى فمعناها جعله مسمى للاسم وإنما اختير هاهنا المعنى الأول من غير تعرض للمسمى لتحقيق أن تلك الأصنام التي يسمونها آلهة أسماء مجردة ليس لها مسميات قطعًا كما في قوله سبحانه: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء} [يوسف: 40] الآية لا أن هناك مسميات لكنها لا تستحق التسمية، وقيل: هي للأسماء الثلاثة المذكورة حيث كانوا يطلقونها على تلك الأصنام لاعتقادهم أنها تستحق العكوف على عبادتها والأعزاز والتقرب إليها بالقرابين، وتعقب بأنه لو سلم دلالة الأسماء المذكورة على ثبوت تلك المعاني الخاصة للأصنام فليس في سلبها عنها مزيد فائدة بل إنما هي في سلب الألوهية عنها كما هو زعمهم المشهور في حق جميع الأصنام على وجه برهاني فإن انتفاء الوصف بطريق الأولوية أي ما هي شيء من الأشياء إلا أسماء خالية عن المسميات وضعتموها {أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ} بمقتضى الأهواء الباطلة {مَّا أَنزَلَ الله بِهَا مِن سلطان} برهان يتعلقون به {إِن يَتَّبِعُونَ} أي ما يتبعون فيما ذكر من التسمية والعمل بها {إِلاَّ الظن} إلا توهم أن ما هم عليه حق توهمًا باطلًا، فالظن هنا مراد به التوهم وشاع استعماله فيه، ويفهم من كلام الراغب أن التوهم من أفراد الظن {وَمَا تَهْوَى الأنفس} أي والذي تشتهيه أنفسهم الأمارة بالسوء على أن {مَا} موصولة وعائدها مقدر وأل في الأنفس للعهد، أو عوض عن المضاف إليه، وجوز كون {مَا} مصدرية وكذا جوز كون أل للجنس والنفس من حيث هي إنما تهوى غير الأفضل لأنها مجبولة على حب الملاذ وإنما يسوقها إلى حسن العاقبة العقل، والالتفات في {يَتَّبِعُونَ} إلى الغيبة للإيذان بأن تعداد قبائحهم اقتضى الإعراض عنهم، وحكاية جناياتهم لغيرهم.
وقرأ ابن عباس وابن مسعود وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى بن عمر {تتبعون} بتاء الخطاب {وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ الهدى} حال من ضمير.
{أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24)}.
{يَتَّبِعُونَ} مقررة لبطلان ما هم عليه من اتباع الظن والهوى، والمراد بالهدى الرسول صلى الله عليه وسلم أو القرآن العظيم على أنه بمعنى الهادي أو جعله هدى مبالغة أي ما يتبعون إلا ذلك، والحال لقد جاءهم من ربهم جل شأنه ما ينبغي لهم معه تركه واتباع سبيل الحق.
وحاصله {يَتَّبِعُونَ} ذلك في حال ينافيه، وجوز أن تكون الجملة معترضة وهي أيضًا مؤكدة لبطلان ذلك {أَمْ للإنسان مَا تمنى} {أَمْ} منقطعة مقدرة ببل وهي للانتقال من بيان أن ما هم عليه غير مستند إلا إلى توهمهم وهوى أنفسهم إلى بيان أن ذلك مما لا يجدي نفعًا أصلًا؛ والهمزة وهي للإنكار والنفي أي بل ليس للإنسان كل ما يتمناه وتشتهيه نفسه، ومفاده قيل: رفع الإيجاب الكلي ومرجعه إلى سالبة جزئية، وإليه يشير قول بعضهم: المراد نفي أن يكون للكفرة ما كانوا يطمعون فيه من شفاعة الآلهة والظفر بالحسنى عند الله تعالى يوم القيامة وما كانوا يشتهونه من نزول القرآن على رجل من إحدى القريتين عظيم ونحو ذلك، ويفهم من كلام بعض المحققين أن المراد السلب الكلي، والمعنى لا شيء مما يتمناه الإنسان مملوكًا له مختصًا به يتصرف فيه حسب إرادته ويتضمن ذلك نفي أن يكون للكفرة ما ذكر وليس الإنسان خاصًا بهم كما قيل، وقوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)}.
تعليل لانتفاء ذلك فإن اختصاص ملك أمور الآخرة والأولى جميعًا به تعالى مقتض لانتفاء أن يكون للإنسان أمر من الأمور بل ما شاء الله تعالى له كان وما لم يشأ لم يكن، وقدمت الآخرة اهتمامًا برد ما هو أهمّ أطماعهم عندهم من الفوز فيها، ولذا أردف ذلك بقوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)}.
لما جرى في صفة الوحي ومشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام ما دل على شؤون جليلة من عظمة الله تعالى وشرف رسوله صلى الله عليه وسلم وشرف جبريل عليه السلام إذ وصف بصفات الكمال ومنازل العزة كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالعروج في المنازل العليا، كان ذلك مما يثير موازنة هذه الأحوال الرفيعة بحال أعظم آلهتهم الثلاث في زعمهم وهي: اللاتُ، والعزَّى، ومناةُ التي هي أحجار مقرّها الأرض لا تملك تصرفًا ولا يعرج بها إلى رفعة.
فكان هذا التضاد جامعًا خياليًا يقتضي تعقيب ذكر تلك الأحوال بذكر أحوال هاته.
فانتقل الكلام من غرض إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم موحىً إليه بالقرآن، إلى إبطال عبادة الأصنام، ومناط الإِبطال قوله: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباءكم ما أنزل الله بها من سلطان}.
فالفاء لتفريع الاستفهام وما بعده على جملة {أفتمارونه على ما يرى} [النجم: 12] المفرعة على جملة {ما كذب الفؤاد ما رأى} [النجم: 11].
والروية في {أفرأيتم} يجوز أن تكون بَصَرية تتعدّى إلى مفعول واحد فلا تطلب مفعولًا ثانيًا ويكون الاستفهام تقريريًا تهكميًا، أي كيف ترون اللات والعزّى ومناةَ بالنسبة لما وصف في عظمة الله تعالى وشرف ملائكته وشرف رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا تهكم بهم وإبطال لإِلهية تلك الأصنام بطريق الفحوى، ودليله العيان.
وأكثر استعمال (أرأيت) أن تكون للرؤية البصرية على ما اختاره رضيّ الدين.
وتكون جملة {ألكم الذكر} الخ استئنافًا وارتقاء في الرد أو بَدلَ اشتمال من جملة {أفرأيتم اللات والعزى} لأن مضمونها مما تشتمل عليه مزاعمهم، كانوا يزعمون أن اللات والعزى ومناة بنات الله كما حكى عنهم ابن عطية وصاحب (الكشاف) وسياق الآيات يقتضيه.
ويجوز أن تكون الرؤية علمية، أي أزعمتم اللات والعزى ومناةَ، فحذف المفعول الثاني اختصارًا لدلالة قوله: {ألكم الذكر وله الأنثى} عليه، والتقدير: أزعمتموهن بنات الله، أتجعلون له الأنثى وأنتم تبتغون الأبناء الذكور، وتكون جملة {ألكم الذكر} الخ بيانًا للإِنكار وارتقاء في إبطال مزاعمهم، أي أتجعلون لله البنات خاصة وتغتبطون لأنفسكم بالبنين الذكور.
وجعل صاحب (الكشف) قوله: {ألكم الذكر وله الأنثى} سادًّا مسدَّ المفعول الثاني لفعل أرأيتم.
وأيضًا لما كان فيما جرى من صفة الوحي ومنازل الزلفى التي حظي بها النبي صلى الله عليه وسلم وعظمة جبريل إشعار بسعة قدرة الله تعالى وعظيم ملكوته مما يسجِّل على المشركين في زعمهم شركاء لله أصنامًا مثل اللات والعزى ومناة.
فسادَ زعمهم وسفاهة رأيهم أعقب ذكر دلائل العظمة الإِلهية بإبطال إلهية أصنامهم بأنها أقل من مرتبة الإِلهية إذ تلك أوهام لا حقائق لها ولكن اخترعتها مُخيّلات أهل الشرك ووضعوا لها أسماء ما لها حقائق، ففرّع {أفرأيتم اللات والعزى} الخ فيكون الاستفهام تقريريًا إنكاريًّا، والرؤية علميةَ والمفعول الثاني هو قوله: {إن هي إلا أسماء سميتموها}.
5
وتكون جملة {ألكم الذكر وله الأنثى} الخ معترضة بين المفعولين للارتقاء في الإِنكار، أي وزعمتوهن بنات لله أو وزعمتم الملائكة بنات لله.