فصل: تفسير الآيات (31- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل في صورته إلاّ مرّتين، أما واحدة: فإنه سأله أن يراه في صورته فأراه صورته، فسدّ الأفق، وأما الثانية: فإنه كان معه حيث صعد، فذلك قوله: {وَهُوَ بالافق الأعلى}.
{لَقَدْ رأى مِنْ ءايات رَبّهِ الكبرى} قال: خلق جبريل.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت جبريل عند سدرة المنتهى له ستمائة جناح»، وأخرجه أحمد عنه أيضًا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس {وَهُوَ بالافق الاعلى} قال: مطلع الشمس.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن مسعود في قوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى} قال: رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم جبريل له ستمائة جناح.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عنه في قوله: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلة رفرف أخضر قد ملأ ما بين السماء والأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ثُمَّ دَنَا فتدلى} قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم دنا فتدلى إلى ربه.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، عنه قال: دنا ربه فتدلى.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} قال: دنا جبريل منه حتى كان قدر ذراع أو ذراعين.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: القاب: القيد، والقوسين: الذراعين.
وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم اقترب من ربه، فكان قاب قوسين أو أدنى، ألم ترى إلى القوس ما أقربها من الوتر.
وأخرج النسائي، وابن المنذر، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس {فأوحى إلى عَبْدِهِ مَا أوحى} قال: عبده محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج مسلم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في قوله: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى}.
{وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أخرى} قال: رأى محمد ربه بقلبه مرّتين.
وأخرج نحوه عنه عبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: رأى محمد ربه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عنه قال: رأى محمد ربه مرّتين مرّة ببصره، ومرّة بفؤاده.
وأخرج الترمذي وحسنه، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي عنه أيضًا قال: لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه عزّ وجلّ.
وأخرج النسائي، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنه أيضًا قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد؟ وقد روي نحو هذا عنه من طرق.
وأخرج مسلم، والترمذي، وابن مردويه عن أبي ذرّ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: «نور أنى أراه؟» وأخرج مسلم، وابن مردويه عنه: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: «رأيت نورًا» وأخرج عبد بن حميد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه، ولم يره ببصره.
وأخرج مسلم عن أبي هريرة في قوله: {وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أخرى} قال: جبريل.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، والترمذي، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن مسعود قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة ينتهي ما يعرج من الأرواح، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، فيقبض منها {إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى} قال: فراش من ذهب.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود قال: الجنة في السماء السابعة العليا، والنار في الأرض السابعة السفلى.
وأخرج البخاري، وغيره عن ابن عباس قال: كان اللات رجلًا يلتّ السويق للحاجّ.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عنه أن العزى كانت ببطن نخلة، وأن اللات كانت بالطائف، وأن مناة كانت بقديد.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {ضيزى} قال: جائرة لا حقّ لها. اهـ.

.تفسير الآيات (31- 32):

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا ربما أوهم أن من ضل على هذه الحالة ليس في قبضه، قال نافعًا لهذا الإبهام مبينًا أن له الأسماء الحسنى ومقتضياتها في العالم موضع والحال أنه له أو عطفًا على ما تقديره: فللّه من في السماوات ومن في الأرض: {ولله} أي الملك الأعظم وحده {ما في السماوات} من الذوات والمعاني فيشمل ذلك السماوات والأراضي، فإن كل سماء في التي تليها، والأرض في السماء {وما في الأرض} وكذلك الأراضي والكل في العرش وهو ذو العرش العظيم.
ولما أمره صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم وسلاه وأعلمه أن الكل في ملكه، فلو شاء لهداهم ورفع النزاع، ولكنه له في ذلك حكم تحار فيها الأفكار، علل الإعراض كما تقدم في الجاثية في قوله: {قل للذين آمنوا يغفروا} [الجاثية: 14] بقوله: {ليجزي} أي يعاقب هو سبحانه كافيًا لك ما أهمك من ذلك، ويجوز أن يكون التقدير: وكما أنه سبحانه مالك ذلك فهو ملكه ليحكم بجزاء كل على حسب ما يستحق، فإن الحكم نتيجة الملك {الذين أساؤوا} بالضلال {بما عملوا} أي بسببه وبحسبه إما بواسطتك وبسيوفك وسيوف أتباعك إذا أذنت لكم في القتال، وإما بغير ذلك بالموت حتف الأنف بضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم، ثم بعذاب الآخرة على جميع ذنوبهم من غير أن يكون عجل لهم في الدنيا شيء ينقص بسببه عذاب الآخرة {ويجزي} أي يثبت ويكرم {الذين أحسنوا} أي على ثباتهم على الدين وصبرهم عليه وعلى أذى أعدائهم {بالحسنى} أي الثبوت الذي هو في غاية الحسن ما بعدها غاية، فإن الحسنى تأنيث الأحسن.
ولما وعد الذين وقع منهم الإحسان، وصفهم فقال: {الذين يجتنبون} أي يكلفون أنفسهم ويجهدونها على أن يتركوا {كبائر الإثم} أي ما عظم الشارع إثمه بعد تحريمه بالوعيد والحد، وعطف على {كبائر الإثم} قوله: {والفواحش} والفاحشة من الكبائر ما يكرهه الطبع وينكره العقل ويستخسّه.
ولما أفهم هذا التقييد أن من خالط ما دون كان مغفورًا له، صرح به فقال: {إلا} أي لكن {اللمم} معفو، فمن خالطه لا يخرج عن عداد من أحسن، فهو استثناء منقطع، ولعله وضع فيه {إلا} موضع {لكن} إشارة إلى الصغير يمكن أن يكون كبيرًا باستهانته مثلًا كما قال تعالى: {وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم} [النور: 15] واللمم هو صغار الذنوب، والمراد هنا ما يحصل منها في الأحيان كأنه وقع في صحابه فلتة بغير اختيار منه، لا ما يتخذ عادة أو يكثر حتى يصير كالعادة، قال الرازي في اللوامع: وأصله مقاربة الذنب ثم الامتناع منه قبل الفعل، قال ذو النون: ذكر الفاحشة من العارف كفعلها من غيره- انتهى.
يقال: وألم بالمكان- إذا قل لبثه فيه، وقال البغوي: قال السدي: قال أبو صالح أنه سئل عن اللمم فقال: هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده، قال: فذكرت ذلك لابن عباس- رضي الله عنهما- فقال: لقد أعانك عليها ملك كريم، ثم قال البغوي: فأصل الملم والإلمام ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين، ولا يكون له إعادة ولا إقامة عليه- انتهى- وعلى هذا يصح أن يكون الاستثناء متصلًا.
ولما كان الملوك لا يغفرون لمن تكررت ذنوبه إليهم وإن صغرت، فكان السامع يستعظم أن يغفر ملك الملوك سبحانه مثل هذا، علل ذلك بقوله: {إن ربك} أي المحسن إليك بإرسالك رحمة للعالمين والتخفيف عن أمتك {واسع المغفرة} فهو يغفر الصغائر حقًا أوجبه على نفسه ويغفر الكبائر إن شاء بخلاف غيره من الملوك فإنه لو أراد ذلك ما أمكنه اتباعه، ولو جاهد حتى تمكن من ذلك في وقت فسدت مملكته فأدى ذلك إلى زوال الملك من يده أو اختلاله.
ولما وصف الذين أحسنوا فكان ربما وقع في وهم أنه لا يعلمهم سبحانه إلا بأفعالهم، وربما قطع من عمل بمضمون الآية أنه ممن أحسن، قال نافيًا لذلك: {هو أعلم بكم} أي بذواتكم وأحوالكم منك بأنفسكم {إذ} أي حين {أنشاكم} ابتداء {من الأرض} التي طبعها طبع الموت: البرد واليبس بإنشاء أبيكم آدم عليه السلام منها وتهيئتكم للتكوين بعد أن لم يكن فيكم تقوية قريبة ولا بعيدة أصلًا يميز الثواب الذي يصلح لتكونكم منه والذي لا يصلح {وإذ} أي حين {أنتم أجنة} أي مستورون.
ولما كان البشر قد يكون في بطن الأرض وإن كان الجنين معروفًا للطفل في البطن، حقق معناه بقوله: {في بطون أمهاتكم} بعد أن مزج بذلك التراب البارد اليابس الماء والهواء، فنشأت الحرارة والرطوبة، فكانت هذه الأربعة الأخلاط الزكية والدنية، ولكن لا علم لكم أصلًا، فهو يعلم إذ ذاك ما أنتم صائرون إليه من خير وشر وإن عملتم مدة من العمر بخلاف ذلك فإنه يعلم ما جبلكم عليه من ذلك وأنتم لا تعلمون إلا ما يكون في أنفسكم حال كونه أنكم لا تحيطون به إذ ذاك علمًا.
ولما كان من عادة من سلم من الذنوب أن يفتخر على من قارفها لما بني الإنسان عليه من محبة الفخر لما جبل عليه من النقصان، وكان حاله قد يتبدل فيسبق عليه الكتاب فيشقى، سبب عن ذلك قوله: {فلا تزكوا} أي تمدحوا بالزكاة وهو البركة والطهارة عن الدناءة {أنفسكم} أي حقيقة بان يثني على نفسه فإن تزكيته لنفسه من علامات كونه محجوبًا عن الله- قال القشيري- أو مجازًا بأن يثني على غيره من إخوانه فإنه كثيرًا ما يثني بشيء فيظهر خلافه، وربما حصل له الأذى بسببه «وإن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع» الحديث، ولذلك علل بقوله: {هو أعلم} أي منكم ومن جميع الخلق {بمن اتقى} أي جاهد نفسه حتى حصل فيه تقوى، فهو يوصله فوق ما يؤمل من الثواب في الدارين، فكيف بمن صارت له التقوى وصفًا ثابتًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إشارة إلى كمال غناه وقدرته ليذكر بعد ذلك ويقول: إن ربك هو أعلم من الغني القادر لأن من علم ولم يقدر لا يتحقق منه الجزاء فقال: {وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال الزمخشري: ما يدل على أنه يعتقد أن اللام في قوله: {لِيَجْزِىَ} كاللام في قوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] وهو جرى في ذلك على مذهبه فقال: {وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} معناه خلق ما فيهما لغرض الجزاء وهو لا يتحاشى مما ذكره لما عرف من مذهب الاعتزال، وقال الواحدي: اللام للعاقبة كما في قوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} [القصص: 8] أي أخذوه وعاقبته أنه يكون لهم عدوًا، والتحقيق فيه وهو أن حتى ولام الغرض متقاربان في المعنى، لأن الغرض نهاية الفعل، وحتى للغاية المطلقة فبينهما مقاربة فيستعمل أحدهما مكان الآخر، يقال: سرت حتى أدخلها ولكي أدخلها، فلام العاقبة هي التي تستعمل في موضع حتى للغاية، ويمكن أن يقال: هنا وجه أقرب من الوجهين وإن كان أخفى منهما وهو أن يقال: إن قوله: {لِيَجْزِىَ} متعلق بقوله: ضل واهتدى لا بالعلم ولا بخلق ما في السموات، تقديره كأنه قال: هو أعلم بمن ضل واهتدى: {لِيَجْزِىَ} أن من ضل واهتدى يجزي الجزاء، والله أعلم به، فيصير قوله: {وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} كلامًا معترضًا، ويحتمل أن يقال: هو متعلق بقوله تعالى: {فَأَعْرَضَ} [النجم: 29] أي أعرض عنهم ليقع الجزاء، كما يقول المريد فعلًا لمن يمنعه منه زرني لأفعله، وذلك لأن ما دام النبي صلى الله عليه وسلم لم ييأس ما كان العذاب ينزل والإعراض وقت اليأس، وقوله تعالى: {وَيِجْزِى الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى} حينئذ يكون مذكورًا ليعلم أن العذاب الذي عند إعراضه يتحقق ليس مثل الذي قال تعالى فيه: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] بل هو مختص بالذين ظلموا وغيرهم لهم الحسنى، وقوله تعالى في حق المسيء {بِمَا عَمِلُواْ} وفي حق المحسن {بالحسنى} فيه لطيفة لأن جزاء المسيء عذاب فنبه على ما يدفع الظلم فقال: لا يعذب إلا عن ذنب، وأما في الحسنى فلم يقل: بما عملوا لأن الثواب إن كان لا على حسنة يكون في غاية الفضل فلا يخل بالمعنى هذا إذا قلنا الحسنى هي المثوبة بالحسنى، وأما إذا قلنا الأعمال الحسنى ففيه لطيفة غير ذلك، وهي أن أعمالهم لم يذكر فيها التساوي، وقال في أعمال المحسنين {الحسنى} إشارة إلى الكرم والصفح حيث ذكر أحسن الإسمين والحسنى صفة أقيمت مقام الموصوف كأنه تعالى قال بالأعمال الحسنى كقوله تعالى: {الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180] وحينئذ هو كقوله تعالى: {لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 7] أي يأخذ أحسن أعمالهم ويجعل ثواب كل ما وجد منهم لجزاء ذلك الأحسن أو هي صفة المثوبة، كأنه قال: ويجزي الذين أحسنوا بالمثوبة الحسنى أو بالعاقبة الحسنى أي جزاؤهم حسن العاقبة وهذا جزاء فحسب، وأما الزيادة التي هي الفضل بعد الفضل فغير داخلة فيه.
{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}.
ثم قال تعالى: {الذين يَجْتَنِبُونَ كبائر الإثم والفواحش إِلاَّ اللمم} (الذين) يحتمل أن يكون بدلًا عن الذين أحسنوا وهو الظاهر، وكأنه تعالى قال ليجزي الذين أساءوا ويجزي الذين أحسنوا، ويتبين به أن المحسن ليس ينفع الله بإحسانه شيئًا وهو الذي لا يسيء ولا يرتكب القبيح الذي هو سيئة في نفسه عند ربه فالذين أحسنوا هم الذين اجتنبوا ولهم الحسنى، وبهذا يتبين المسيء والمحسن لأن من لا يجتنب كبائر الإثم يكون مسيئًا والذي يجتنبها يكون محسنًا، وعلى هذا ففيه لطيفة وهو أن المحسن لما كان هو من يجتنب الآثام فالذي يأتي بالنوافل يكون فوق المحسن، لكن الله تعالى وعد المحسن بالزيادة فالذي فوقه يكون له زيادات فوقها وهم الذين لهم جزاء الضعف، ويحتمل أن يكون ابتداء كلام تقديره الذين يجتنبون كبائر الإثم يغفر الله لهم والذي يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ واسع المغفرة} وعلى هذا تكون هذه الآية مع ما قبلها مبينة لحال المسيء والمحسن وحال من لم يحسن ولم يسيء وهم الذين لم يرتكبوا سيئة وإن لم تصدر منهم الحسنات، وهم كالصبيان الذين لم يوجد فيهم شرائط التكليف ولهم الغفران وهو دون الحسنى، ويظهر هذا بقوله تعالى بعده: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرض وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ} أي يعلم الحالة التي لا إحسان فيها ولا إساءة، كما علم من أساء وضل ومن أحسن واهتدى، وفيه مسائل: