فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الثالثة:
ما المراد بالذي فيها؟ نقول قوله تعالى: {أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} [النجم: 38، 39] وما بعده من الأمور المذكورة على قراءة من قرأ أن بالفتح وعلى قراءة من يكسر ويقول: {وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} [النجم: 42] ففيه وجوه أحدها: هو ما ذكر بقوله: {أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} وهو الظاهر، وإنما احتمل غيره، لأن صحف موسى وإبراهيم ليس فيها هذا فقط، وليس هذا معظم المقصود بخلاف قراءة الفتح، فإن فيها تكون جميع الأصول على ما بين ثانيها: هو أن الآخرة خير من الأولى يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ هذا لَفِى الصحف الأولى صُحُفِ إبراهيم وموسى} [الأعلى: 18، 19] ثالثها: أصول الدين كلها مذكورة في الكتب بأسرها، ولم يخل الله كتابًا عنها، ولهذا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] وليس المراد في الفروع، لأن فروع دينه مغايرة لفروع دينهم من غير شك.
المسألة الرابعة:
قدم موسى هاهنا ولم يقل كما قال في {سَبِّحِ اسم رَبّكَ الأعلى} [الأعلى: 1] فهل فيه فائدة؟ نقول: مثل هذا في كلام الفصحاء لا يطلب له فائدة، بل التقديم والتأخير سواء في كلامهم فيصح أن يقتصر على هذا الجواب، ويمكن أن يقال: إن الذكر هناك لمجرد الإخبار والإنذار وههنا المقصود بيان انتفاء الأعذار، فذكر هناك على ترتيب الوجود صحف إبراهيم قبل صحف موسى في الإنزال، وأما هاهنا فقد قلنا إن الكلام مع أهل الكتاب وهم اليهود فقدم كتابهم، وإن قلنا الخطاب عام فصحف موسى عليه السلام كانت كثيرة الوجود، فكأنه قيل لهم انظروا فيها تعلموا أن الرسالة حق، وأرسل من قبل موسى رسل والتوحيد صدق والحشر واقع فلما كانت صحف موسى عند اليهود كثيرة الوجود قدمها، وأما صحف إبراهيم فكانت بعيدة وكانت المواعظ التي فيها غير مشهورة فيما بينهم كصحف موسى فأخر ذكرها.
المسألة الخامسة:
كثيرًا ما ذكر الله موسى فأخر ذكره عليه السلام لأنه كان مبتلى في أكثر الأمر بمن حواليه وهم كانوا مشركين ومتهودين والمشركون كانوا يعظمون إبراهيم عليه السلام لكونه أباهم، وأما قوله تعالى: {وفى} ففيه وجهان أحدهما: أنه الوفاء الذي يذكر في العهود وعلى هذا فالتشديد للمبالغة يقال وفى ووفى كقطع وقطع وقتل وقتل، وهو ظاهر لأنه وفى بالنذر وأضجع ابنه للذبح، وورد في حقه: {قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} [الصافات: 105] وقال تعالى: {إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين} [الصافات: 106] وثانيهما: أنه من التوفية التي من الوفاء وهو التمام والتوفية الإتمام يقال وفاه أي أعطاه تامًا، وعلى هذا فهو من قوله: {وَإِذَا ابتلى إبراهيم رَبُّهُ بكلمات فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124] وقيل: {وفى} أي أعطى حقوق الله في بدنه، وعلى هذا فهو على ضد من قال تعالى فيه: {وأعطى قَلِيلًا وأكدى} مدح إبراهيم ولم يصف موسى عليه السلام، نقول: أما بيان توفيته ففيه لطيفة وهي أنه لم يعهد عهدًا إلا وفى به، وقال لأبيه: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي} [يوسف: 98] فاستغفر ووفى بالعهد ولم يغفر الله له، فعلم {أن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} وأن وزره لا تزره نفس أخرى، وأما مدح إبراهيم عليه السلام فلأنه كان متفقًا عليه بين اليهود والمشركين والمسلمين ولم ينكر أحد كونه وفيًا، وموفيًا، وربما كان المشركون يتوقفون في وصف موسى عليه السلام، ثم قال تعالى: {أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} وقد تقدم تفسيره في سورة الملائكة، والذي يحسن بهذا الموضع مسائل:
الأولى: أنا بينا أن الظاهر أن المراد من قوله: {بِمَا في صُحُفِ موسى} هو ما بينه بقوله: {أَلاَّ تَزِرُ} فيكون هذا بدلًا عن ما وتقديره أم لم ينبأ بألا تزر وذكرنا هناك وجهين أحدهما: المراد أن الآخرة خير وأبقى وثانيهما: الأصول.
المسألة الثانية:
{أَلاَّ تَزِرُ} أن خفيفة من الثقيلة كأنه قال: أنه لا تزر وتخفيف الثقيلة لازم وغير لازم جائز وغير جائز، فاللازم عندما يكون بعدها فعل أو حرف داخل على فعل، ولزم فيها التخفيف، لأنها مشبهة بالفعل في اللفظ والمعنى، والفعل لا يمكن إدخاله على فعل فأخرج عن شبه الفعل إلى صورة تكون حرفًا مختصًا بالفعل فتناسب الفعل فتدخل عليه.
المسألة الثالثة:
إن قال قائل: الآية مذكورة لبيان أن وزر المسيء لا يحمل عنه وبهذا الكلام لا تحصل هذه الفائدة لأن الوازرة تكون مثقلة بوزرها فيعلم كل أحد أنها لا تحمل شيئًا ولو قال لا تحمل فارغة وزر أخرى كان أبلغ تقول ليس كما ظننت، وذلك لأن المراد من الوازرة هي التي يتوقع منها الوزر والحمل لا التي وزرت وحملت كما يقال: شقاني الحمل، وإن لم يكن عليه في الحال حمل، وإذا لم تزر تلك النفس التي يتوقع منها ذلك فكيف تتحمل وزر غيرها فتكون الفائدة كاملة.
وقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} تتمة بيان أحوال المكلف فإنه لما بين له أن سيئته لا يتحملها عنه أحد بين له أن حسنة الغير لا تجدي نفعًا ومن لم يعمل صالحًا لا ينال خيرًا فيكمل بها ويظهر أن المسيء لا يجد بسبب حسنة الغير ثوابًا ولا يتحمل عنه أحد عقابًا، وفيه أيضًا مسائل:
الأولى: {لَّيْسَ للإنسان} فيه وجهان أحدهما: أنه عام وهو الحق وقيل عليه بأن في الأخبار أن ما يأتي به القريب من الصدقة والصوم يصل إلى الميت والدعاء أيضًا نافع فللإنسان شيء لم يسمع فيه، وأيضًا قال الله تعالى: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وهي فوق ما سعى، الجواب عنه أن الإنسان إن لم يسع في أن يكون له صدقة القريب بالإيمان لا يكون له صدقته فليس له إلا ما سعى، وأما الزيادة فنقول: الله تعالى لما وعد المحسن بالأمثال والعشرة وبالأضعاف المضاعفة فإذا أتى بحسنة راجيًا أن يؤتيه الله ما يتفضل به فقد سعى في الأمثال، فإن قيل: أنتم إذن حملتم السعي على المبادرة إلى الشيء، يقال: سعى في كذا إذا أسرع إليه، والسعي في قوله تعالى: {إِلاَّ مَا سعى} معناه العمل يقال: سعى فلان أي عمل، ولو كان كما ذكرتم لقال: إلا ما سعى فيه نقول على الوجهين جميعًا: لابد من زيادة فإن قوله تعالى: {لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} ليس المراد منه أن له عين ما سعى، بل المراد على ما ذكرت ليس له إلا ثواب ما سعى، أو إلا أجر ما سعى، أو يقال: بأن المراد أن ما سعى محفوظ له مصون عن الإحباط فإذن له فعله يوم القيامة الوجه الثاني: أن المراد من الإنسان الكافر دون المؤمن وهو ضعيف، وقيل بأن قوله: {لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} كان في شرع من تقدم، ثم إن الله تعالى نسخه في شرع محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للإنسان ما سعى وما لم يسع وهو باطل إذ لا حاجة إلى هذا التكلف بعدما بان الحق، وعلى ما ذكر فقوله: {مَا سعى} مبقى على حقيقته معناه له عين ما سعى محفوظ عند الله تعالى ولا نقصان يدخله ثم يجزى به كما قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7].
المسألة الثانية:
أن {مَا} خبرية أو مصدرية؟ نقول: كونها مصدرية أظهر بدليل قوله تعالى: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى} أي سوف يرى المسعي، والمصدر للمفعول يجيء كثيرًا يقال: هذا خلق الله أي مخلوقه.
المسألة الثالثة:
المراد من الآية بيان ثواب الأعمال الصالحة أو بيان كل عمل، نقول: المشهور أنهما لكل عمل فالخير مثاب عليه والشر معاقب به والظاهر أنه لبيان الخيرات يدل عليه اللام في قوله تعالى: {للإنسان} فإن اللام لعود المنافع وعلى لعود المضار تقول: هذا له، وهذا عليه، ويشهد له ويشهد عليه في المنافع والمضار، وللقائل الأول أن يقول: بأن الأمرين إذا اجتمعا غلب الأفضل كجموع السلامة تذكر إذا اجتمعت الإناث مع الذكور، وأيضًا يدل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزاء الأوفى} [النجم: 41] والأوفى لا يكون إلا في مقابلة الحسنة، وأما في السيئة فالمثل أو دونه العفو بالكلية.
المسألة الرابعة:
{إِلاَّ مَا سعى} بصيعة الماضي دون المستقبل لزياد الحث على السعي في العمل الصالح وتقريره هو أنه تعالى لو قال: ليس للإنسان إلا ما يسعى، تقول النفس إني أصلي غدًا كذا ركعة وأتصدق بكذا درهمًا، ثم يجعل مثبتًا في صحيفتي الآن لأنه أمر يسعى وله فيه ما يسعى فيه، فقال: ليس له إلا ما قد سعى وحصل وفرغ منه، وأما تسويلات الشيطان وعداته فلا اعتماد عليها.
{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} أي يعرض عليه ويكشف له من أريته الشيء، وفيه بشارة للمؤمنين على ما ذكرنا، وذلك أن الله يريه أعماله الصالحة ليفرح بها، أو يكون يرى ملائكته وسائر خلقه ليفتخر العامل به على ما هو المشهور وهو مذكور لفرح المسلم ولحزن الكافر، فإن سعيه يرى للخلق، ويرى لنفسه ويحتمل أن يقال: هو من رأى يرى فيكون كقوله تعالى: {وَقُلِ اعملوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 105] وفيها وفي الآية التي بعدها مسائل:
المسألة الأولى:
العمل كيف يرى بعد وجوده ومضيه؟ نقول فيه وجهان:
أحدهما: يراه على صورة جميلة إن كان العمل صالحًا.
ثانيهما: هو على مذهبنا غير بعيد فإن كل موجود يرى، والله قادر على إعادة كل معدوم فبعد الفعل يرى.
وفيه وجه ثالث: وهو أن ذلك مجاز عن الثواب يقال: سترى إحسانك عند الملك أي جزاءه عليه وهو بعيد لما قال بعده: {ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزاء الأوفى}.
المسألة الثانية:
الهاء ضمير السعي أي ثم يجزى الإنسان سعيه بالجزاء، والجزاء يتعدى إلى مفعولين قال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 12] ويقال: جزاك الله خيرًا، ويتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بحرف يقال: جزاه الله على عمله الخير الجنة، ويحذف الجار ويوصل الفعل فيقال: جزاه الله عمله الخير الجنة، هذا وجه، وفيه وجه آخر وهو أن الضمير للجزاء، وتقديره ثم يجزى جزاء ويكون قوله: {الجزاء الأوفى} تفسيرًا أو بدلًا مثل قوله تعالى: {وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ} [الأنبياء: 3] فإن التقدير والذين ظلموا أسروا النجوى، الذين ظلموا، والجزاء الأوفى على ما ذكرنا يليق بالمؤمنين الصالحين لأنه جزاء الصالح، وإن قال تعالى: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَّوفُورًا} [الإسراء: 63] وعلى ما قيل: يجاب أن الأوفى بالنظر إليه فإن جهنم ضررها أكثر بكثير مع نفع الآثام فهي في نفسها أوفى.
المسألة الثالثة:
{ثُمَّ} لتراخي الجزاء أو لتراخي الكلام أي ثم نقول يجزاه فإن كان لتراخي الجزاء فكيف يؤخر الجزاء عن الصالح، وقد ثبت أن الظاهر أن المراد منه الصالح؟ نقول: الوجهان محتملان وجواب السؤال هو أن الوصف بالأوفى يدفع ما ذكرت لأن الله تعالى من أول زمان يموت الصالح يجزيه جزاء على خيره ويؤخر له الجزاء الأوفى، وهي الجنة أو نقول الأوفى إشارة إلى الزيادة فصار كقوله تعالى: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى} [يونس: 26] وهي الجنة: {وَزِيَادَةٌ} وهي الرؤية فكأنه تعالى قال وأن سعيه سوف يرى ثم يرزق الرؤية، وهذا الوجه يليق بتفسير اللفظ فإن الأوفى مطلق غير مبين فلم يقل: أوفى من كذا، فينبغي أن يكون أوفى من كل واف ولا يتصف به غير رؤية الله تعالى.
المسألة الرابعة:
في بيان لطائف في الآيات الأولى: قال في حق المسيء: {أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} وهو لا يدل إلا على عدم الحمل عن الوازرة وهذا لا يلزم منه بقاء الوزر عليها من ضرورة اللفظ، لجواز أن يسقط عنها ويمحو الله ذلك الوزر فلا يبقى عليها ولا يتحمل عنها غيرها ولو قال: لا تزر وازرة إلا وزر نفسها كان من ضرورة الاستثناء أنها تزر، وقال في حق المحسن: ليس للإنسان إلا ما سعى، ولم يقل: ليس له ما لم يسع لأن العبارة الثانية ليس فيها أن له ما سعى، وفي العبارة الأولى أن له ما سعى، نظرًا إلى الاستثناء، وقال: في حق المسيء بعبارة لا تقطع رجاءه، وفي حق المحسن بعبارة تقطع خوفه، كل ذلك إشارة إلى سبق الرحمة الغضب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الذي تولى وأعطى قَلِيلًا وأكدى} الآيات لما بيّن جهل المشركين في عبادة الأصنام ذكر واحدًا منهم معينًا بسوء فعله.
قال مجاهد وابن زيد ومقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيّره بعض المشركين، وقال: لِمَ تركتَ دين الأشياخ وضَلَّلتهم وزعمت أنهم في النار؟! قال: إني خشيت عذاب الله؛ فضمن له إن هو أعطاه شيئًا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله، فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ثم بخل ومنعه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل: كال الوليد مدح القرآن ثم أمسك عنه فنزل: {وأعطى قَلِيلًا} أي من الخير بلسانه {وَأَكْدَى} أي قطع ذلك وأمسك عنه.
وعنه أنه أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد الإيمان ثم تولى فنزلت: {أَفَرَأَيْتَ الذي تولى} الآية.
وقال ابن عباس والسُّدي والكلبي والمسيّب بن شريك: نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يتصدّق وينفق في الخير، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سَرْح: ما هذا الذي تصنع؟ يوشك ألاّ يبقى لك شيء.
فقال عثمان: إن لي ذنوبًا وخطايَا، وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوها فقال له عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها.
فأعطاه وأشهد عليه، وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة فأنزل الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الذي تولى} {وأعطى قَلِيلًا وأكدى} فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله.
ذكر ذلك الواحديّ والثعلبيّ.
وقال السّديّ أيضًا: نزلت في العاص بن وائل السَّهْميّ، وذلك أنه كان ربما يوافق النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال محمد بن كعب القرظيّ: نزلت في أبي جهل بن هشام، قال: واللَّهِ ما يأمر محمدٌ إلا بمكارم الأخلاق؛ فذلك قوله تعالى: {وأعطى قَلِيلًا وأكدى}.
وقال الضحاك: هو النَّضْر بن الحرث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ارتد عن دينه، وضمن له أن يتحمل عنه مأثم رجوعه.
وأصل {أَكْدَى} من الكُدْية يقال لمن حَفَر بئرًا ثم بلغ إلى حجر لا يتهيّأ له فيه حَفْر: قد أَكْدَى، ثم استعملته العرب لمن أعطى ولم يُتمِّم، ولمن طلب شيئًا ولم يبلغ آخره.
وقال الحُطَيْئة:
فأعطى قليلًا ثم أَكْدَى عطاءَه ** ومن يَبْذُلِ المعروفَ في الناسِ يُحَمِد

قال الكسائيّ وغيره: أَكْدَى الحافُر وأَجبْل إذا بلغ في حَفْره كُدْية أو جبلًا فلا يمكنه أن يَحفِر.
وحفر فأَكْدَى إذا بلغ إلى الصُّلْب.
ويقال: كدِيت أصابعه إذا كَلَّتْ من الحفر.
وكَدِيت يدهُ إذا كَلَّتْ فلم تعمل شيئًا.