فصل: تفسير الآيات (42- 56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فرفع درجات الأولاد سواء قلنا انهم الكبار أو الصغار نفع حاصل لهم وإنما حصل لهم بعمل آبائهم لا بعمل أنفسهم.
اعلم أولا أن ما روي عن ابن عباس من أن هذا كان شرعا لمن قبلنا فنسخ في شرعنا غير صحيح بل آية وأن ليس للإنسان محكمة كما أن القول بأن المراد بالإنسان خصوص الكافر غير الصحيح أيضا والجواب من ثلاثة أوجه:
الأول- إن الآية إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره لأنه لم يقل وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى.
وإنما قال وأن ليس للإنسان.
وبين الأمرين فرق ظاهر لأن سعي الغير ملك لساعيه إن شاء بذله لغيره فانتفع به ذلك الغير وإن شاء أبقاه لنفسه وقد أجمع العلماء على انتفاع الميت بالصلاة عليه والدعاء له والحج عنه ونحو ذلك مما ثبت الانتفاع بعمل الغير فيه.
الثاني- أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم إذ لو كانوا كفارا لما حصل لهم ذلك فإيمان العبد وطاعته سعي منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين كما وقع في الصلاة في الجماعة فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفردا وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في الجماعة.
وهذا الوجه يشير بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفردا وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في الجماعة.
وهذا الوجه يشير ليه قوله تعالى: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}.
الثالث- إن السعي الذي حصل به رفع درجات الأولاد ليس للأولاد كما هو نص قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}.
ولكنه من سعي الآباء فهو سعي الآباء أقر الله عيونه بسببه بأن رفع إليهم أولادهم ليتمتعوا في الجنة برؤيتهم فالآية تصدق الأخرى ولا تنافيها لأن المقصود بالرفع إكرام الآباء لا الأولاد فانتفاع الأولاد تبع فهو بالنسبة إليهم تفضل من الله عليهم بما ليس لهم كما تفضل بذلك على الولدان والحور العين والخلق الذين ينشؤهم للجنة والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.تفسير الآيات (42- 56):

قوله تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كانت رؤية الأعمال لا تقطع برؤية المتوكلين بها من الملائكة أو غيرها ممن أقامه الله لذلك، وكان الرائي كلما كان أكثر كان الأمر أهول، وكان رؤية الملك الأعظم أخوف، قال عاطفًا على {لا تزر} مبينًا بحروف الغاية أن الرائين للأعمال كثير لكثرة جنوده سبحانه: {وأن إلى ربك} أي المحسن إليك لا غيره {المنتهى} أي الانتهاء برجوع الخلائق حسًا بالبعث ومعنى بالعمل والعلم، وإسناد الأمور وإرسال الآمال، ومكان رجوعهم وزمانه كما كان منه المبتدأ، أكد ذلك خلقًا لذلك كله وحسابًا عليه، روى البغوي من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال «لا فكرة في الرب» قال: ومثل هذا ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنه لا يحيط به الفكرة» ورواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس- رضي الله عنهما: «لا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره»، هذا هو المراد وهو واضح، فمن أول الآية باتحاد أو غير ذلك من الإلحاد فعليه لعنة الله وعلى الذاب عنه والساكت عنه.
ولما ذكر تعالى الأمور الاختيارية وقدمها لأنها محط للبلاء وسلب علمها عن أصحابها، وحذر من عاقبتها بإحاطته بكل شيء، وكان معنى ذلك أنه القادر على غيره والعالم لا غيره، عطف عليه قوله ذاكرًا للأمور الاضطرارية التي هي في غاية التنافي إكمالًا للدليل على أنه يعلم ما في النفوس دون أصحابها وغيرهم وأنه إليه المنتهى إعادة وإبداء، يوقف ما يشاء على ما يريد من الأسباب التي تفعل بإذنه من الضحك أو البكاء وغيرهما من الأمور المنافية التي لولا الإلف لها لقضى الإنسان أن المتلبس بأحدهما لا يتلبس بضده أصلًا من غيرها {وأنه} ولما كانت التأثيرات الإدراكية تحال على أسبابها، أكد الكلام فيها فقال: {هو} أي لا غيره {أضحك وأبكى} أي ولا يعلم أحد قبل وقت الضحك أو البكاء أنه يضحك أو يبكي ولا أنه يأتيه ما يعجبه أو يحزنه، ولو قيل له حالة الضحك أنه بعد ساعة يبكي لأنكر ذلك، وربما أدركه ما أبكاه وهو في الضحك وبالعكس.
ولما كانت الإماتة والإحياء أعظم تنافيًا بما مضى، فكانت القدرة على إيجادها في الشخص الواحد أعظم ما يكون، وكان ربما نسب إلى من قتل داوى من مرض أو أطلق من وجب قتله، أكد فقال: {وأنه هو} أي لا غيره.
ولما كان الإلباس في الموت أكبر، وكان الموت انسب للبكاء، والإحياء أنسب للضحك، وكان طريق النشر المشوش أفصح، قدمه فقال: {أمات وأحيا} وإن رأيتم أسبابًا ظاهرية فإنه لا عبرة بها أصلًا في نفس الأمر بل هو الذي خلقها.
ولما كان ذكر الإحياء، وكان تصنيف الولد إلى نوعيه ظاهرًا في اختصاصه، بل وهو في غاية التعذر على من سواه، أعراه عن مثل التأكيد في الذي قبله فقال: {وأنه خلق الزوجين} ثم فسرها بقوله: {الذكر والأنثى} فإنه لو كان ذلك في غيره لمنع البنات لأنها مكروهة لكل أحد، ثم ذكر ما يظهر ولا بد أنه من صنعه فتسبب أن مادة الاثنين واحدة وهو الماء الذي هو أشد الأشياء امتزاجًا فقال: {من نطفة} وصور كونها منها بقوله: {إذا تمنى} أي تراق وتدفق بالفعل لا قبل ذلك ليمكن فيه طعن بأنه كان بدءًا أو غيره بل أنتم تعلمون أنه لا يخلق الولد إلا بعد الإمناء بالفعل، وخرج أصله ما يمكن خلقًا من خلق الله أن يعرف بمجرد رؤيته أهو صالح للأنثى فقط أو للذكر فقط أو لهما أو للأشكال بالخنوثة.
ولما ساق هذه الأشياء دليلًا على إحاطة علمه فلزمها أن دلت على تمام قدرته، وختمها بالنشأة الأولى فلزم من ذلك الإقرار حتمًا بأنه قادر على البعث، عبر بما يتقضي أنه لما تقدم به وعده على جميع ألسنة رسله صار واجبًا عليه بمعنى أنه لابد من كونه لأنه لا يبدل القول لديه، لا غير ذلك، فعبر بحرف الاستعلاء تأكيدًا له ردًا لإنكارهم إياه فقال: {وأن عليه} أي خاصًا به علمًا وقدرة {النشأة} أي الحياة وهو ممدود لابن كثير وأبي عمرو ومقصور لغيرهما مصدر نشأ- إذا حنى وربى وسن {الأخرى} أي التي ينشأ بها الخلق بعد أن يميتهم.
ولما كان الغنى والفقر من الأمور المتوسطة بين الاختيارية والاضطرارية له بكل الأمرين لسبب وكان مقسومًا بين الإناث والذكور بحكمة ربانية لا ينفع الذكر فيها قوته ولا يضر الأنثى ضعفها، وكان ذكر النشأة الآخرة كالمعترض إنما أوجب ذكر النشأة الأولى، تعقب ذكرهما به وكان ذكر الغنى مع أنه يدل على الفقر أليق بالامتنان، والنسبة إلى الرب، وكان الغنى الحقيقي إنما يكون في تلك الدار، أخر ذكره فقال: {وأنه} ولما كان ربما نسب إلى السعي وغيره، أكد بالفعل فقال: {هو} أي وحده من غير نظر إلى سعي ساع ولا غيره {أغنى} ولما كان الغنى في الحقيقة إنما هو غنى النفس، وهو رضاها بما قسم لها وسكونها وطمأنينتها، وإنما سمي ذو المال غنيًا لأن المال بحيث تطمئن معه النفس، فمن كان راضيًا بكل ما قسم الله به فهو غني، وهو في الجنانة مغني وإن كان في الدنيا {وأقنى} أي أمكن من المال وأرضى بجميع الأحوال قال البغوي: أعطى أصول المال وما يدخر بعد الكفاية، قال: وقال الأخفش أقنى أفقر- انتهى.
ونقل الأصبهاني مثله عن أبي زيد، فتكون الهمزة للإزالة ويقال، أفناه بكذا أرضاه، وأقناه الصد: أمكنه منه.
ولما كانت الشعرى لأنها تقطع السماء عرضًا أدل النجوم بعد تمام القدرة على الفعل بالاختيار مع أنها مما دخل تحت ذلك الجنس المقسم به أول السورة، وهي لمرورها في سيرها عرضًا على جميع المنازل التي كانت العرب تستمطر بها وتنسب بالإتيان بالحد الموجب للغنى إليها كانت قد عبدها من دون الله أبو كبشة الخزاعي لكونها عنده أجل الكواكب، قال تعالى دالًا بالتأكيد على سفاهة من عبدها: {وأنه هو} أي لا غيره {رب الشعرى} أي الكاملة في معناها وهي العبور، وأهل علم النجوم يقولون، إن الأحكام النجومية المنسوبة إليها أصح ما ينسب إلى العالم العلوي، وهي نجم يضيء خلف الجوزاء، ويسمى كلب الجبال، وسميت الجوزاء بالجبار تشبيهًا لها بملك على كرسيه وعلى رأسه تاج، وقال الرازي في اللوامع: هي أحد كوكبي ذراعي الأسد، وقال ابن القاص في كتاب دلائل القبلة: وترى عند صلاة الصبح نيرة زائدًا نورها على نور سائر الكواكب حولها، وقد طمس الصبح نور سائر الكواكب، وأما الشعرى الأخرى فهي الغميصاء- بالغين المعجمة والصاد المهملة- فهي أقل نورًا منها، ولذلك سميت الغميصاء، وقال القزاز في جامعه: وقيل: بكت على أختها فغمصت عينها، أي غارت وذهبت.
ولما دل سبحانه على كمال علمه وشمول قدرته بأمور الخافقين: العلوي والسفلي، فكان ذلك داعيًا إلى الإقبال على ما يرضيه، وناهيًا عن الإلمام بما يسخطه، شرع في التهديد لمن وقف عن ذلك بما وقع في مصارع الأولين من عجائب قدرته فقال: {وأنه أهلك عادًا} ولم يأت بضمير الفصل لأنه لم يدع في أحد غيره إهلاكهم، وهول أمرهم بقوله: {الأولى} أي القدماء في الزمان جدًا دلالة على أنه المنصرف في جميع الأزمنة، وقدمهم لأن الشر أتاهم من حيث ظنوه خيرًا وجزموا بأنه من الأنواء النافعة التي كانت عادتهم استمطارها، وقيل: إن عادًا قبيلتان: والأولى قوم هود عليه السلام والأخرى إرم ذات العماد- قاله جماعة منهم القشيري، قال البغوي: وكان لهم عقب فكانوا عادًا الأخرى، وقال ابن جرير: وعادًا الأولى هم الذين عنى الله بقوله: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم} [الفجر: 6- 7] وإنما قيل لهم عادًا الأولى لأن بني لقيم بن هزال هزيل بن عنبل بن عاد كانوا أيأم أرسل الله على هؤلاء عذابه سكانًا بمكة مع إخوانهم من العمالقة ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام فلم يصبهم من العذاب ما أصاب قومه وهم عاد الأخرى، ثم هلكوا بعد بغي بعضنهم على بعض فتفانوا، وقال غير ابن جرير: إن إرم هم عاد الأخرى، وعطف عليهم قوله: {وثمودًا} أي أهلكهم ثم سبب عن الإهلاك قوله: {فما أبقى} أي من الفريقين أحدًا، ومن قال: إن عادًا قبيلتان جعل عدم الإبقاء خاصًا بثمود، وقراءة عاصم وحمزة ويعقوب بمنع الصرف نص في أنه قوم صالح عليه السلام، وقراءة الباقين بالصرف أنسب للإهلاك والإعدام.
ولما قدم من كان إهلاكهم بنفس الريح التي هي مبدأ الأمطار الآتية لهم في السحاب، وأتبعهم من إهلاكهم بها بحملها للصيحة إرجافها بهم، أتبعهم من كان إهلاكهم بالماء الذي هو غاية السحاب فقال: {وقوم نوح} أي أهلكهم لأجل ظلمهم بالتكذيب، ولما كان إهلاكهم في بعض الزمان الماضي قال: {من قبل} أي قبل الفريقين فصار في الكلام تهويلان يهزان القلب ويفعلان في النفس وصف هؤلاء بالقبيلتين وأولئك بالأولى، ولولا تقديمهم ما كان هذا، وعلل هلاكهم بما يؤذن أنه لا فرق عنده بين قوي وضعيف وقليل وكثير مؤكدًا لان ما اشتهر من طغيان عاد يوجب أنهم أطغى الناس: {إنهم كانوا} أي بما لهم من الأخلاق التي هي كالجبال التي لا انفكاك عنها {هم} أي خاصة {أظلم} من الطائفتين المذكورتين {وأطغى} أي وأشد تجاوزًا في الظلم وعلوًا وإسرافًا في المعاصي وتجبرًا وعتوًا لتمادي دعوة نوح عليه السلام ولأنهم أطول أعمارًا وأشد أبدانًا، وكانوا مع ذلك ملء الأرض، ويجوز أن يكون الضمير للفرق الثلاثة.
ولما ذكر الهلاك بالريح العاصفة الناشئة عنها ثم بالماء الناشئ عن السحاب الناشئ عن الريح، ذكر الإهلاك بالريح والنار والماء إعلامًا بأنه الفاعل وحده بما أراد من العذاب من العناصر التي سبب الحياة مجتمعة ومنفردة، فقال مقدمًا عن العامل إعلامًا بالتخصيص بما ذكر من العذاب إفادة بإنه تعالى قادر على كل شيء فلم يعذب فرقة بما عذب به الأخرى: {والمؤتفكة} أي المدن المقلبة عن وجوهها إلى أقفائها بقدرة جعلتها من شدتها وعظمتها كأنها انقلبت نفسها من غير قالب وذلك أنه سبحانه فتقها من الأرض ففتقها ثم دفعها في الهواء إلى عنان السماء ثم قلبها وأتبعها حجارة النار الكبريتية وغمرها بالماء الذي لا يشبهه شيء من مياه الدنيا، ولذلك قال: {أهوى} أي رفع وحط وأنزل، فكان الإنزال إهواءً حقيقيًا، والرفع مجازيًا لأنه سببه وهي مدن قوم لوط عليه السلام، وأشار إلى الحجارة والماء بقوله مسببًا عن الإهواء ومعقبًا له: {فغشاها} أي أتبعها ما غطاها فكان لها بمنزلة الغشاء، وهولها بقوله: {ما غشى} أي أمرًا عظيمًا من الحجارة وغيرها لا يسع العقول وصفه، وقد اشتمل ما ذكره سبحانه من الصحف على بيان ما ينفع من الأعمال وما يضر وبيان التوحيد باحاطة الله سبحانه بالنهايات التي لا نهاية بعدها علمًا وقدرة لاختصاصه ببيان المصنوعات وببيان البعث للتخويف بالآجل وإهلاك المرتدين للتخويف بالعاجل لمن كان قلبه جافيًا عن النفوذ إلى الآجل.
ولما أهلك كل واحدة من هذه الفرقة فلم يبق من فجارها أحد، وأنجى من أطاعه منهم فلم يهلك منهم أحد، وكان إهلاكه لكل منها بشيء غير ما هلك به الفريق الآخر، فدل كل من ذلك على تمام علمه وكمال قدرته، وكان كمل ما تقدم في هذه السورة من النعم والنقم لكونه كان أتم أوجه الحكم نعمة على كل مؤمن لما فيها من الترغيب في ثوابه والترهيب من عقابه، خاطب سبحانه رأس المؤمنين لأن خطابه له أشد في تذكير غيره فقال مسببًا عما مضى: {فبأيّ آلاء ربك} أي عطية المحسن إليك التي هي وجه الإنعام والإكرام وهي إشارة المعرفة به سبحانه بمنزلة ظل الشخص من الشخص كما أنه لايتصور ظل إلا لشخص فكذلك فعل الفاعل ولا أثر للمؤثر {تتمارى} أي تشك بإجالة الخواطر في فكرك في إرادة هداية قومك بحيث لا تريد أن أحدًا منهم يهلك وقد حكم ربك بإهلاك كثير منهم لما اقتضته حكمته، وكان بعض خطرك في تلك الإجالة يشكك بعضًا، ولما تم الكلام على هذا المنهاج البديع والنمط الرفيع في حسان البيان للمواعظ والشرع والقصص القديمة والإنذار العظيم التام على وجه معجز من وجوه شتى، أنتج قوله مرغبًا مرهبًا خاتمًا السورة بما بدأ هنا به من ذكره صلى الله عليه وسلم: {هذا} النبي صلى الله عليه وسلم {نذير} أي محذر بليغ التحذير، ولما كانت الرسل الماضون عليهم الصلاة والسلام قد تقررت رسالتهم في النفوس وسكنت إليها القلوب، بحيث أنه لا يسع إنكارها، فكان قد أخبر عن إنكار من كذبهم لأجل تكذيبهم، وإنجائهم وإنجاء من صدقهم لأجل نصرتهم، وكان لا فرق بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك إلا أن الرحمة به أبلغ وأغلب، مرعبًا في اتباعه مرهبًا من نزاعه، قال: {من النذر الأولى} يجب له ما وجب لهم وأنتم كالمنذرين الأولين، فاحذروا ما حل بالمكذبين منهم وارجوا ما كان للمصدقين. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)}.