فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد ذكرنا تفسيره فنقول: {أغنى} يعني دفع حاجته ولم يتركه محتاجًا لأن الفقير في مقابلة الغني، فمن لم يبق فقيرًا بوجه من الوجوه فهو غني مطلقًا، ومن لم يبق فقيرًا من وجه فهو غني من ذلك الوجه، قال صلى الله عليه وسلم: «أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم» وحمل ذلك على زكاة الفطر، ومعناه إذا أتاه ما احتاج إليه، وقوله تعالى: {أقنى} معناه وزاد عليه الإقناء فوق الإغناء، والذي عندي أن الحروف متناسبة في المعنى، فنقول لما كان مخرج القاف فوق مخرج الغين جعل الإقناء لحالة فوق الإغناء، وعلى هذا فالإغناء هو ما آتاه الله من العين واللسان، وهداه إلى الارتضاع في صباه أو هو ما أعطاه الله تعالى من القوت واللباس المحتاج إليهما وفي الجملة كل ما دفع الله به الحاجة فهو إغناء؛ وكل ما زاد عليه فهو إقناء.
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)}.
إشارة إلى فساد قول قوم آخرين، وذلك لأن بعض الناس يذهب إلى أن الفقر والغنى بكسب الإنسان واجتهاده فمن كسب استغنى، ومن كسل افتقر وبعضهم يذهب إلى أن ذلك بالبخت، وذلك بالنجوم، فقال: {هُوَ أغنى وأقنى} وإن قائل الغنى بالنجوم غالط، فنقول هو رب النجوم وهو محركها، كما قال تعالى: {هُوَ رَبُّ الشعرى} وقوله: {هُوَ رَبُّ الشعرى} لإنكارهم ذلك أكد بالفصل، والشعرى نجم مضيء، وفي النجوم شعريان إحداهما شامية والأخرى يمانية، والظاهر أن المراد اليمانية لأنهم كانوا يعبدونها.
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)}.
لما ذكر أنه: {أغنى وأقنى} [النجم: 48] وكان ذلك بفضل الله لا بعطاء الشعرى وجب الشكر لمن قد أهلك وكفى لهم دليلًا حال عاد وثمود وغيرهم: و{عَادًا الأولى} قيل: بالأولى تميزت من قوم كانوا بمكة هم عاد الآخرة، وقيل: الأولى لبيان تقدمهم لا لتمييزهم، تقول: زيد العالم جاءني فتصفه لا لتميزه ولكن لتبين علمه، وفيه قراءات {عَادًا الأولى} بكسر نون التنوين لالتقاء الساكنين، و{عَادٍ الأولى} بإسقاط نون التنوين أيضًا لالتقاء الساكنين كقراءة {عُزَيْرٌ ابن الله} [التوبة: 30] {وَقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد} [الإخلاص: 1، 2] و{عَادًا الأولى} بإدغام النون في اللام ونقل ضمة الهمزة إلى اللام و{عادالؤلي} بهمزة الواو وقرأ هذا القارئ {على سؤقه} ودليله ضعيف وهو يحتمل هذا في موضع {المؤقدة} و{المؤصدة} للضمة والواو فهي في هذا الموضع تجزي على الهمزة، وكذا في سؤقه لوجود الهمزة في الأصل، وفي موسى وقوله لا يحسن.
{وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)} يعني وأهلك ثمود وقوله: {فَمَا أبقى} عائد إلى عاد وثمود أي فما أبقى عليهم، ومن المفسرين من قال: فما أبقاهم أي فما أبقى منهم أحدًا ويؤيد هذا قوله تعالى: {فَهَلْ ترى لَهُم مّن بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8] وتمسك الحجاج على من قال: إن ثقيفًا من ثمود بقوله تعالى: {فَمَا أبقى}.
{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)}.
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أي أهلكهم {مِن قَبْلُ} والمسألة مشهورة في قبل وبعد تقطع عن الإضافة فتصير كالغاية فتبنى على الضمة.
أما البناء فلتضمنه الإضافة، وأما على الضمة فلأنها لو بنيت على الفتحة لكان قد أثبت فيه ما يستحقه بالإعراب من حيث إنها ظروف زمان فتستحق النصب والفتح مثله، ولو بنيت على الكسر لكان الأمر على ما يقتضيه الإعراب وهو الجر بالجار فبنى على ما يخالف حالتي إعرابها.
وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} أما الظلم فلأنهم هم البادئون به المتقدمون فيه «ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها» والبادىء أظلم، وأما أطغى فلأنهم سمعوا المواعظ وطال عليهم الأمد ولم يرتدعوا حتى دعا عليهم نبيهم، ولا يدعو نبي على قومه إلا بعد الإصرار العظيم، والظالم واضع الشيء في غير موضعه، والطاغي المجاوز الحد فالطاغي أدخل في الظلم فهو كالمغاير والمخالف فإن المخالف مغاير مع وصف آخر زائد، وكذا المغاير والمضاد وكل ضد غير وليس كل غير ضدًا، وعليه سؤال وهو أن قوله: {وَقَوْمَ نُوحٍ} المقصود منه تخويف الظالم بالهلاك، فإذا قال: هم كانوا في غاية الظلم والطغيان فأهلكوا يقول الظالم هم كانوا أظلم فأهلكوا لمبالغتهم في الظلم، ونحن ما بالغنا فلا نهلك، وأما لو قال أهلكوا لأنهم ظلمة لخاف كل ظالم فما الفائدة في قوله: {أَظْلَمَ}؟ نقول: المقصود بيان شدتهم وقوة أجسامهم فإنهم لم يقدموا على الظلم والطغيان الشديد إلا بتماديهم وطول أعمارهم، ومع ذلك ما نجا أحد منهم فما حال من هو دونهم من العمر والقوة فهو كقوله تعالى: {أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا} [الزخرف: 8].
{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)}.
المؤتفكة المنقلبة، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرئ: {والمؤتفكات} والمشهور فيه أنها قرى قوم لوط لكن كانت لهم مواضع ائتفكت فهي مؤتفكات، ويحتمل أن يقال المراد كل من انقلبت مساكنه ودثرت أماكنه ولهذا ختم المهلكين بالمؤتفكات كمن يقول: مات فلان وفلان وكل من كان من أمثالهم وأشكالهم.
المسألة الثانية:
{أهوى} أي أهواها بمعنى أسقطها، فقيل: أهواها من الهوى إلى الأرض من حيث حملها جبريل عليه السلام على جناحه، ثم قلبها، وقيل: كانت عمارتهم مرتفعة فأهواها بالزلزلة وجعل عاليها سافلها.
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: {والمؤتفكة أهوى} على ما قلت: كقول القائل والمنقلبة قلبها وقلب المنقلب تحصيل الحاصل، نقول: ليس معناه المنقلبة ما انقلبت بنفسها بل الله قلبها فانقلبت.
المسألة الرابعة:
ما الحكمة في اختصاص المؤتفكة باسم الموضع في الذكر، وقال في عاد وثمود، وقوم نوح اسم القوم؟ نقول: الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن ثمود اسم الموضع فذكر عادًا باسم القوم، وثمود باسم الموضع، وقوم نوح باسم القوم والمؤتفكة باسم الموضع ليعلم أن القوم لا يمكنهم صون أماكنهم عن عذاب الله تعالى ولا الموضع يحصن القوم عنه فإن في العادة تارة يقوي الساكن فيذب عن مسكنه وأخرى يقوي المسكن فيرد عن ساكنه وعذاب الله لا يمنعه مانع، وهذا المعنى حصل للمؤمنين في آيتين أحدهما قوله تعالى: {وَكَفَّ أَيْدِىَ الناس عَنْكُمْ} [الفتح: 20] وقوله تعالى: {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مّنَ الله} [الحشر: 2] ففي الأول لم يقدر الساكن على حفظ مسكنه وفي الثاني لم يقو الحصن على حفظ الساكن والوجه الثاني: هو أن عادًا وثمود وقوم نوح، كان أمرهم متقدمًا، وأماكنهم كانت قد دثرت، ولكن أمرهم كان مشهورًا متواترًا، وقوم لوط كانت مساكنهم وآثار الانقلاب فيها ظاهرة، فذكر الأظهر من الأمرين في كل قوم.
{فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)}.
يحتمل أن يكون ما مفعولًا وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون فاعلًا يقال: ضربه، وعلى هذا نقول: يحتمل أن يكون الذي غشَّ هو الله تعالى فيكون كقوله تعالى: {والسماء وَمَا بناها} [الشمس: 5] ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى سبب غضب الله عليهم أي غشاها عليهم السبب، بمعنى أن الله غضب عليهم بسببه، يقال لمن أغضب ملكًا بكلام فضربه الملك كلامك الذي ضربك.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)}.
قيل هذا أيضًا مما في الصحف، وقيل هو ابتداء كلام والخطاب عام، كأنه يقول: بأي النعم أيها السامع تشك أو تجادل، وقيل: هو خطاب مع الكافر، ويحتمل أن يقال مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقال: كيف يجوز أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: {تتمارى} لأنا نقول هو من باب: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] يعني لم يبق فيه إمكان الشك، حتى أن فارضًا لو فرض النبي صلى الله عليه وسلم ممن يشك أو يجادل في بعض الأمور الخفية لما كان يمكنه المراء في نعم الله والعموم هو الصحيح كأنه يقول: بأي آلاء ربك تتمارى أيها الإنسان، كما قال: {يا أيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} [الانفطار: 6] وقال تعالى: {وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيء جَدَلًا} [الكهف: 54] فإن قيل: المذكور من قبل نعم والآلاء نعم، فكيف آلاء ربك؟ نقول: لما عد من قبل النعم وهو الخلق من النطفة ونفخ الروح الشريفة فيه والإغناء والإقناء، وذكر أن الكافر بنعمه أهلك قال: {فَبِأَىّ آلاء رَبّكَ تتمارى} فيصيبك مثل ما أصاب الذين تماروا من قبل، أو تقول: لما ذكر الإهلاك، قال للشاك: أنت ما أصابك الذي أصابهم وذلك بحفظ الله إياك: {فَبِأَىّ آلاء رَبّكَ تتمارى} وسنزيده بيانًا في قوله: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} [الرحمن: 13] في مواضع.
{هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)}.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
المشار إليه بهذا ماذا؟ نقول فيه وجوه أحدها: محمد صلى الله عليه وسلم من جنس النذر الأولى ثانيها: القرآن ثالثها: ما ذكره من أخبار المهلكين، ومعناه حينئذ هذا بعض الأمور التي هي منذرة، وعلى قولنا: المراد محمد صلى الله عليه وسلم فالنذير هو المنذر و{مِنْ} لبيان الجنس، وعلى قولنا: المراد هو القرآن يحتمل أن يكون النذير بمعنى المصدر، ويحتمل أن يكون بمعنى الفاعل، وكون الإشارة إلى القرآن بعيد لفظًا ومعنى، أما معنى: فلأن القرآن ليس من جنس الصحف الأولى لأنه معجز وتلك لم تكن معجزة، وذلك لأنه تعالى لما بين الوحدانية وقال: {فَبِأَىّ آلاء رَبّكَ تتمارى} [النجم: 55] قال: {هذا نَذِيرٌ} إشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإثباتًا للرسالة، وقال بعد ذلك: {أَزِفَتِ الآزفة} [النجم: 57] إشارة إلى القيامة ليكون في الآيات الثلاث المرتبة إثبات أصول ثلاث مرتبة، فإن الأصل الأول هو الله ووحدانيته ثم الرسول ورسالته ثم الحشر والقيامة، وأما لفظًا فلأن النذير إن كان كاملًا، فما ذكره من حكاية المهلكين أولى لأنه أقرب ويكون على هذا من بقي على حقيقة التبعيض أي هذا الذي ذكرنا بعض ما جرى ونبذ مما وقع، أو يكون لابتداء الغاية، بمعنى هذا إنذار من المنذرين المتقدمين، يقال: هذا الكتاب، وهذا الكلام من فلان وعلى الأقوال كلها ليس ذكر الأولى لبيان الموصوف بالوصف وتمييزه عن النذر الآخرة كما يقال: الفرقة الأولى احترازًا عن الفرقة الأخيرة، وإنما هو لبيان الوصف للموصوف، كما يقال: زيد العالم جاءني فيذكر العالم، إما لبيان أن زيدًا عالم غير أنك لا تذكره بلفظ الخبر فتأتي به على طريقة الوصف، وإما لمدح زيد به، وإما لأمر آخر، والأولى على العود إلى لفظ الجمع وهو النذر ولو كان لمعنى الجمع لقال: من النذر الأولين يقال من الأقوام المتقدمة والمتقدمين على اللفظ والمعنى. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى} أي المرجع والمردّ والمصير فيعاقب ويثيب.
وقيل: منه ابتداء المِنَّة وإليه انتهاء الأمان.
وعن أبيّ بن كعب قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى} قال: «لا فكرة في الربّ» وعن أنس: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذ ذكر الله تعالى فانْته».
قلت: ومن هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام: «يأتي الشيطان أحدَكم فيقول من خَلَق كذا وكذا حتى يقول له من خَلَق ربَّكَ فإذا بلغ ذلك فلْيستِعذْ بالله ولْيَنْته» وقد تقدّم في آخر (الأعراف).
ولقد أحسن من قال:
ولا تُفْكِرنْ في ذِي العُلاَ عَزَّ وجهُهُ ** فإنَّكَ تُردَى إنْ فعلتَ وتُخْذَلُ

ودونَك مصنوعَاتِه فاعتَبِرْ بِها ** وقُلْ مِثلَ ما قال الخلِيلُ المبَجَّلُ

قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى}.
ذهبت الوسائط وبقيت الحقائق لله سبحانه وتعالى فلا فاعل إلا هو؛ وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لا والله ما قال رسول الله قطٌّ إنّ الميِّت يعذَّب ببكاء أحدٍ، ولكنه قال: «إنّ الكافرَ يزيدهُ الله ببكاء أهله عذابًا وإنّ الله لهو أضحك وأبْكَى وما تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» وعنها قالت: مَرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على قوم من أصحابه وهم يضحكون، فقال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا» فنزل عليه جبريل فقال: يا محمد! إن الله يقول لك: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى}.
فرجع إليهم فقال: «ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال ايت هؤلاء فقل لهم إن الله تعالى يقول: {هُوَ أَضْحَكَ وأبكى}» أي قضى أسباب الضحك والبكاء.
وقال عطاء بن أبي مسلم: يعني أفرح وأحزن؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء.
وقيل لعمر: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم! والإيمان والله أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي.
وقد تقدّم هذا المعنى في (النمل) و(براءة).
قال الحسن: أضحك الله أهل الجنة في الجنة، وأبكى أهل النار في النار.
وقيل: أضحك من شاء في الدنيا بأن سَرَّه وأبكى من شاء بأن غَمَّه.
الضحاك: أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر.
وقيل: أضحك الأشجار بالنَّوَّار، وأبكى السحاب بالأمطار.
وقال ذو النون: أضحك قلوب المؤمنين والعارفين بشمس معرفته، وأبكى قلوب الكافرين والعاصين بظلمة نكرته ومعصيته.
وقال سهل بن عبد الله: أضحك الله المطيعين بالرحمة وأبكى العاصين بالسخط.
وقال محمد بن علي الترمذي: أضحك المؤمن في الآخرة وأبكاه في الدنيا.
وقال بسام بن عبد الله: أضحك الله أسنانهم وأبكى قلوبهم.
وأنشد:
السِّنُّ تَضحَكُ والأحشاءُ تَحْتَرِقُ ** وإنما ضِحْكُها زُورٌ ومُخْتَلَقُ

يا رُبَّ باكٍ بِعَيْنٍ لا دموعَ لها ** ورُبَّ ضاحِكِ سنٍّ ما بِهِ رَمَقُ

وقيل: إن الله تعالى خصّ الإنسان بالضحك والبكاء من بين سائر الحيوان، وليس في سائر الحيوان من يضحك ويبكي غير الإنسان.
وقد قيل: إن القرد وحده يضحك ولا يبكي، وإن الإبل وحدها تبكي ولا تضحك.
وقال يوسف بن الحسين: سئل طاهر المقدسي أتضحك الملائكة؟ فقال: ما ضحكوا ولا كلّ من دون العرش منذ خلقت جهنم.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} أي قضى أسباب الموت والحياة.
وقيل: خلق الموت والحياة كما قال: {الذي خَلَقَ الموت والحياة} [الملك: 2] قاله ابن بحر.
وقيل: أمات الكافر بالكفر وأحيا المؤمن بالإيمان؛ قال الله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] الآية.
وقال: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الذين يَسْمَعُونَ والموتى يَبْعَثُهُمُ الله} [الأنعام: 36] على ما تقدّم، وإليه يرجع قول عطاء: أمات بعدله وأحيا بفضله.
وقول من قال: أمات بالمنع والبخل وأحيا بالجود والبذل.
وقيل: أمات النطفة وأحيا النَّسَمة.