فصل: تفسير الآيات (57- 62):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثَّالث: بمعنى وصف الحقِّ بالشريك والولد: {أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقولونَ وَلَدَ اللَّهُ}.
الرّابع: بمعنى قَذْف المحصنات: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ}.
الخامس: بمعنى الصّرف والقَلْب {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي يُصْرف، {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أي تُصرفون.
السّادس: بمعنى الانقلاب: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى}.
السّابع: بمعنى السّحر: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} أي ما يسحرون.
والإِفك في الأَصل كلّ مصروف عن وجهه الذي يحقّ أَن يكون عليه.
وقوله تعالى: {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} استعمله في ذلك لمّا اعتقدوا أَنَّ ذلك من الكذب.
ورجل مأفوك: مصروف عن الحقِّ إِلى الباطل، وعن العقل إِلى الخيال. اهـ.

.تفسير الآيات (57- 62):

قوله تعالى: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان كل آت قريبًا، وكانت الساعة- وهي ما أنذر به من القيامة ومما دونها- لابد من إتيانها لما وقع من الوعد الصادق به المتحف بالدلائل التي لا تقبل شكًا بوجه من الوجوه، فكان باعتبار ذلك لا شيء أقرب منها، قال دالًا على ذلك بصيغة الماضي الذي قد تحقق وقوعه وباشتقاق الواقع الفاعل مما منه الفعل: {أزفت الآزفة} أي دنت الساعة الدانية في نفسها التي وصفت لكم بالفعل بالقرب غير مرة لأنها محط الحكمة وإظهار العظمة، وما خلق الخلق إلا لأجلها، المشتملة على الضيق وسوء العيش من القيامة، وكل ما وعدتموه في الدنيا مما يكون به ظهور هذا الدين وقمع المفسدين.
ولما ضاق الخناق من ذكرها على هذا الوجه، تشوف السامع إلى دفعها، فاستأنف قوله: {ليس لها} واستدرك بقوله: {من دون الله} أي من أدنى رتبة من رتبة الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا {كاشفة} أي كاشف يوجدها ويقيمها ويجلي علمها، أو يدفع كربها وهمها وإن بالغ في الكشف وبذلك الجهد فيه، فالهاء للمبالغة، ويجوز أن تكون مصدرًا كالجاثية والكاذبة والباقية فيكون الهاء للتأنيث.
ولما أفهم هذا أن الله يكشفها أي يكشف كربها ممن يريد من عباده ويثقله على من يشاء، ويكشف علمها بإقامتها، ولا حيلة لغيره في شيء من ذلك بوجه، سبب عنه وعما تقدمه من الإنذار قوله منكرًا موبخًا، {أفمن هذا الحديث} أي القول العظيم الذي يأتيكم على سبيل التجدد بحسب الوقائع والحاجات {تعجبون} إنكارًا وهو في غاية ما يكون من ترقيق القلوب.
ولما كان المعجب قد يمسك نفسه عن الضحك، بين أنهم ليسوا كذلك فقال: {وتضحكون} أي استهزاء تجددون ذلك في كل وقت مبتدأ ضحككم منه وهو بعيد من ذلك، ولما كان إنما يورث الحزن بكونه نزل بالحزن قال: {ولا تبكون} أي كما هو حق من يسمعه.
ولما كان البكاء قد يكون على التقصير في العمل، بين أن الأمر أخطر من ذلك فقال: {وأنتم} أي والحال أنكم في حال بكائكم {سامدون} أي دائبون في العمل جاهدون في العمل، فإن الأمر جد، فالدأب في العمل والجد فيه حينئذ علة للبكاء، فكأنه قيل: ولا تدأبون في العمل فتبكون، وإنما قلت ذلك لأن سمد معناه دأب في العمل ورفع رأسه تكبرًا وعلًا، وسمد الإبل: جد في السير، وسار سيرًا شديدًا، واسمادّ: ورم، وسمد: قام متحيرًا وحزن وسر وغفل ولهًا وقام وحصل ونام واهتم وتكبر وتحير وبطر وأشر، وسمد الأرض: سهلها، وأيضًا جعل فيها السماد، أي السرقين، والشعر: استأصله، وهو لك سمدًا أي سرمدًا، والسميد: الحواري، ذكر ذلك مبسوطًا القزاز في جامعه وصاحب القاموس.
فالمادة كما ترى تدور على انتشارها على الدأب في العمل فتارة بذكر مبدئه الباعث عليه، وتارة الناشئ عنه، وتارة ما بينهما، وهو الجد في العمل، فينطلق الاسم على كل من ذلك تارة حقيقة ومرة بمجاز الأول، وأخرى بمجاز الكون، فالقصد باعث، وكذا الاهتمام والقيام ورفع الرأس ناشئان عنهما، وذلك أوله، والسدم بمعنى احرص والهم واللهج بالشيء، والسديم: الضباب الرقيق، هو مبدأ الكشف، والمسدم: البعير المهمل وما دبر ظهره، كأنه من الإزالة، وركية سدم: متدفقة- للمعالجة في فتحها، ولأن تدفقها دأب في العمل، وكذا سدم الباب أي ردمه، والدسم: الودك، لأنه منشط على العمل ومنشأ منه، والوضر والدنس، ودسم المطر الأرض: بلها قليلًا، لأنه مبدأ الكثير، والقارورة: سدها، والباب: أغلقه، لأنه يعالج في فتحه، والدسمة: غبرة إلى السواد- كأنه مبدأ السواد والدسيم لما لم يكن أبواه من نوع واحد- كأنه مبدأ لكل نوع منهما ولأنه يلزم الخلط في العادة العلاج، ومنه الدسمة للرديء من الرجال- كأنه لم يكمل فيه النوع، ولأن نقص الشيء عن عادته يلزمه العلاج والفعل بالاختيار، والديسم: الرفيق بالعمل المشفق، وأنا على دسم من الأمر أي طرف منه، والمسد- محركة: المحور من الحديد، لأنه آلة الفتل، وحبل من الليف أو ليف المقل لأنه محل الدأب، والمساد: نحى السمن، ودمسه: دفنه، يصلح أن يكون مبدأ ومقصدًا، ومنه دمس بينهم: أصلح لأنه دفن أحقادهم وعالج في ذلك، والدمس: إخفاء الشيء والظلام، لأنه منشئ التعب، ودمس الموضع: درس- للتعب في معرفته، ودمس الإهاب: غطاه فيمشط شعره، والدمس: الشخص، وبالتحريك: ما غطى، والدودمس بالضم: حية مجر نفشة الغلاصيم تنفخ فتحرق ما أصابت بنفخها، ومن آثاره الناشئة عن الورم، وكذ القيام متحيرًا والغفلة والسرور والحزن واللهو والنوم والكبر والتبختر والعلو والعتا، والسميد أي الحواري، والسمد بمعنى السرمد: والسمد: الهم مع ندم أو الغيظ مع حزن، والديماس: الكن، وما بين ذلك سمد الأرض والشعر والسير الشديد والجد فيه، وهو نفس الدأب، وكذا السديم للكثير الذكر، وماء مسدم وعاشق مسدم: شديد العشق، والدسيم: ظلمة السواد، والدسيم، الكثير الذكر، ودسم البعير: طلاه بالحناء- والمسد: إداب السير- وبالتحريك: المضفور المحكم الفتل، ورجل ممسود: مجدول الخلق- شبه به- وهي بها، ودمس بينهم: أصلح، وهو من الدفن أيضًا لأنه دفن أحقادهم فنبين أن جعل السمود في الآية بمعنى الدأب في العمل هو الأولى، وأن كون الجملة حالًا من جعلها معطوفة على {تضحكون}- انتهى والله أعلم.
ولما حث على السمود، فسره مسببًا عن الاستفهام ومدخوله قوله: {فاسجدوا} أي اخضعوا خضوعًا كثيرًا بالسجود الذي في الصلاة {لله} أي الملك الأعظم {واعبدوا} أي بكل أنواع العبادة فإنه {ما ضل صاحبكم} عن الأمر بذلك {وما غوى} قال الرازي في اللوامع: قال الإمام محمد بن علي الترمذي: تعبدنا ربنا مخلصين أن نكون له كالعبيد وأن يكون لعبيده كما هو لهم- انتهى، ولو كان السمود بمعنى اللهو كان الأنسب تقديمه على {تبكون}- والله أعلم، وقد ظهر أن آخرها نتيجة أولها، ومفصلها ثمرة موصلها- والله الهادي. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)}.
وهو كقوله تعالى: {وَقَعَتِ الواقعة} [الواقعة: 1] ويقال: كانت الكائنة.
وهذا الاستعمال يقع على وجوه منها ما إذا كان الفاعل صار فاعلًا لمثل ذلك الفعل من قبل، ثم صدر منه مرة أخرى مثل الفعل، فيقال: فعل الفاعل أي الذي كان فاعلًا صار فاعلًا مرة أخرى، يقال: حاكه الحائك أي من شغله ذلك من قبل فعله، ومنها ما يصير الفاعل فاعلًا بذلك الفعل، ومنه يقال: «إذا مات الميت انقطع عمله» وإذا غصب العين غاصب ضمنه، فقوله: {أَزِفَتِ الآزفة} يحتمل أن يكون من القبيل الأول أي قربت الساعة التي كل يوم يزداد قربها فهي كائنة قريبة وازدادت في القرب، ويحتمل أن يكون كقوله تعالى: {وَقَعَتِ الواقعة} أي قرب وقوعها وأزفت فاعلها في الحقيقة القيامة أو الساعة، فكأنه قال: أزفت القيامة الآزفة أو الساعة أو مثلها.
{لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)}.
فيه وجوه أحدها: لا مظهر لها إلا الله فمن يعلمها لا يعلم إلا بإعلام الله تعالى إياه وإظهاره إياها له، فهو كقوله تعالى: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} [لقمان: 34] وقوله تعالى: {لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} [الأعراف: 187].
ثانيها: لا يأتي بها إلا الله، كقوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ فَلاَ كاشف لَهُ إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 17] وفيه مسائل:
الأولى: {مِنْ} زائدة تقديره ليس لها غير الله كاشفة، وهي تدخل على النفي فتؤكد معناه، تقول: ما جاءني أحد وما جاءني من أحد، وعلى هذا يحتمل أن يكون فيه تقديم وتأخير، تقديره ليس لها من كاشفة دون الله، فيكون نفيًا عامًا بالنسبة إلى الكواشف، ويحتمل أن يقال: ليست بزائدة بل معنى الكلام أنه ليس في الوجود نفس تكتشفها أي تخبر عنها كما هي ومتى وقتها من غير الله تعالى يعني من يكشفها فإنما يكشفها من الله لا من غير الله يقال: كشف الأمر من زيد، ودون يكون بمعنى غير كما في قوله تعالى: {أإِفكًا ءالِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ} [الصافات: 86] أي غير الله.
المسألة الثانية:
كاشفة صفة لمؤنث أي نفس كاشفة، وقيل هي للمبالغة كما في العلامة وعلى هذا لا يقال بأنه نفى أن يكون لها كاشفة بصيغة المبالغة ولا يلزم من الكاشف الفائق نفي نفس الكاشف، لأنا نقول: لو كشفها أحد لكان كاشفًا بالوجه الكامل، فلا كاشف لها ولا يكشفها أحد وهو كقوله تعالى: {وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ} [ق: 29] من حيث نفى كونه ظالمًا مبالغًا، ولا يلزم منه نفي كونه ظالمًا، وقلنا هناك: إنه لو ظلم عبيده الضعفاء بغير حق لكان في غاية الظلم وليس في غاية الظلم فلا يظلمهم أصلًا.
المسألة الثالثة:
إذا قلت: إن معناه ليس لها نفس كاشفة، فقوله: {مِن دُونِ الله} استثناء على الأشهر من الأقوال، فيكون الله تعالى نفسًا لها كاشفة؟ نقول: الجواب عنه من وجوه الأول: لا فساد في ذلك قال الله تعالى: {وَلاَ أَعْلَمُ مَا في نَفْسِكَ} [المائدة: 116] حكاية عن عيسى عليه السلام والمعنى الحقيقة.
الثاني: ليس هو صريح الاستثناء فيجوز فيه أن لا يكون نفسًا الثالث: الاستثناء الكاشف المبالغ.
{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)}.
قيل: من القرآن، ويحتمل أن يقال: هذا إشارة إلى حديث: {أَزِفَتِ الآزفة} [النجم: 57] فإنهم كانوا يتعجبون من حشر الأجساد وجمع العظام بعد الفساد.
{وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)}.
وقوله تعالى: {وَتَضْحَكُونَ} يحتمل أن يكون المعنى وتضحكون من هذا الحديث، كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُم بآياتنا إِذَا هُم مِنْهَا يَضْحَكُونَ} [الزخرف: 47] في حق موسى عليه السلام، وكانوا هم أيضًا يضحكون من حديث النبي والقرآن، ويحتمل أن يكون إنكارًا على مطلق الضحك مع سماع حديث القيامة، أي أتضحكون وقد سمعتم أن القيامة قربت، فكان حقًا أن لا تضحكوا حينئذ.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَبْكُونَ} أي كان حقًا لكم أن تبكوا منه فتتركون ذلك وتأتون بضده.
{وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)}.
وقوله تعالى: {وَأَنتُمْ سامدون} أي غافلون، وذكر باسم الفاعل، لأن الغفلة دائمة، وأما الضحك والعجب فهما أمران يتجددان ويعدمان.
{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}.
يحتمل أن يكون الأمر عامًا، ويحتمل أن يكون التفاتًا، فيكون كأنه قال: أيها المؤمنون اسجدوا شكرًا على الهداية واشتغلوا بالعبادة، ولم يقل: اعبدوا الله إما لكونه معلومًا، وإما لأن العبادة في الحقيقة لا تكون إلا لله، فقال: {واعبدوا} أي ائتوا بالمأمور، ولا تعبدوا غير الله، لأنها ليست بعبادة، وهذا يناسب السجدة عند قراءته مناسبة أشد وأتم مما إذا حملناه على العموم.
والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَزِفَتِ الآزفة} أي قربت الساعة ودنت القيامة.
وسماها آزفة لقرب قيامها عنده؛ كما قال: {يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 6] وقيل: سماها آزفة لدنوّها من الناس وقربها منهم ليستعدّوا لها؛ لأن كل ما هو آت قريب.
قال:
أَزِفَ التَّرَحُّلُ غيرَ أنّ رِكَابَنَا ** لمَّا تَزَلْ بِرِحالنا وكأَنْ قَدِ

وفي الصحاح: أَزِف الترحل يَأْزَف أَزَفًا أي دنا وأَفِد؛ ومنه قوله تعالى: {أَزِفَتِ الآزفة} يعني القيامة، وأزِف الرجل أي مَجِل فهو آزِف على فاعل، والمتآزِف القصير وهو المتداني.
قال أبو زيد: قلت لأعرابي ما الْمُحْبَنْطِىءُ؟ قال: المتَكَأْكِىءُ.
قلت: ما الْمُتَكأْكِىُء؟ قال: المتآزِف.
قلت: ما المتآزف؟ قال: أنت أحمق وتركني وَمَّر.
{لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ} أي ليس لها من دون الله من يؤخرها أو يقدّمها.
وقيل: كاشفة أي انكشاف أي لا يكشف عنها ولا يبديها إلا الله؛ فالكاشفة اسم بمعنى المصدر والهاء فيه كالهاءِ في العاقبة والعافية والداهية والباقية؛ كقولهم: ما لفلان من باقية أي من بقاء.
وقيل: أي لا أحد يردّ ذلك؛ أي إن القيامة إذا قامت لا يكشفها أحد من آلهتهم ولا ينجيهم غير الله تعالى.
وقد سميت القيامة غاشية، فإذا كانت غاشية كان ردّها كشفًا، فالكاشفة على هذا نعت مؤنث محذوف؛ أي نفس كاشفة أو فرقة كاشفة أو حال كاشفة.
وقيل: إِن {كاشِفة} بمعنى كاشف والهاء للمبالغة مثل راوية وداهية.
قوله تعالى: {أَفَمِنْ هذا الحديث} يعني القرآن.
وهذا استفهام توبيخ {تَعْجَبُونَ} تكذيبًا به {وَتَضْحَكُونَ} استهزَاء {وَلاَ تَبْكُونَ} انزجارا وخوفًا من الوعيد.
وروي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ما رؤي بعد نزول هذه الآية ضاحكًا إلا تبسُّمًا وقال أبو هريرة: لما نزلت {أَفَمِنْ هذا الحديث تَعْجَبُونَ} قال أهل الصفة:
{إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ} [البقرة: 156] ثم بكوا حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم بكاءهم بكى معهم فبكينا لبكائه؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا يِلج النارَ مَن بكى من خشية الله ولا يدخل الجنة مُصِرٌّ على معصية الله ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيغفر لهم ويرحمهم إنه هو الغفور الرحيم» وقال أبو حازم: نزل جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يبكي، فقال له: من هذا؟ قال: هذا فلان؛ فقال جبريل: إنا نزِن أعمال بني آدم كلها إلا البكاء، فإن الله تعالى ليطفىء بالدمعة الواحدة بحورًا من جهنم.
قوله تعالى: {وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} أي لاهون معرضون.
عن ابن عباس؛ رواه الوالبيّ والعوفيّ عنه.
وقال عكرمة عنه: هو الغناء بلغة حِمْيَر؛ يقال: سمِّد لنا أي غنِّ لنا، فكانوا إذا سمعوا القرآن يتلى تغنوا ولعبوا حتى لا يسمعوا.