فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الضحاك: سامدون شامخون متكبرون.
وفي الصحاح: سمَدَ سُمُودًا رفع رأسه تكبُّرًا وكل رافع رأسه فهو سامد؛ قال:
سَوَامِدُ اللَّيْلِ خِفَافُ الأَزْوَادْ

يقول: ليس في بطونها علف.
وقال ابن الأعرابي: سَمَدت سُمُودًا علوت.
وسَمَدَت الإبلُ في سيرها جدّت.
والسُّمُود اللّهو، والسامد الّلاهي؛ يقال للقَيْنة: أَسمِدينا؛ أي ألهينا بالغناء.
وتسميد الأرض أن يجعل فيها السماد وهو سِرْجين ورَمَاد.
وتسميد الرأس استئصال شعره، لغة في التّسبِيد.
واسمأد الرجل بالهمز اسمئدادا أي وَرِم غضبًا.
وروي عن عليّ رضي الله عنه أن معنى {سَامِدُونَ} أن يجلسوا غير مصلّين ولا منتظرين الصلاة.
وقال الحسن: واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام؛ ومنه ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه خرج والناس ينتظرونه قيامًا فقال: «مالي أراكم سامدين» حكاه الماوردي.
وذكره المهدوي عن عليّ، وأنه خرج إلى الصلاة فرأى الناس قيامًا (ينتظرونه) فقال: «ما لكم سامدون» قاله المهدوي.
والمعروف في اللغة: سَمَد يَسْمُد سُمُودًا إذا لَهَا وأعرض.
وقال المبرّد: سامدون خامدون؛ قال الشاعر:
أَتَى الحِدْثَانُ نِسوةَ آلِ حَرْبٍ ** بمَقْدورٍ سَمَدْنَ له سُمُودًا

وقال صالح أبو الخليل: لما قرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم {أَفَمِنْ هذا الحديث تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} لم يُرَ ضاحكًا إلا مبتسمًا حتى مات صلى الله عليه وسلم. ذكره النحاس.
قوله تعالى: {فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا} قيل: المراد به سجود تلاوة القرآن.
وهو قول ابن مسعود.
وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقد تقدّم أوّل السورة من حديث ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سجد فيها وسجد معه المشركون.
وقيل: إنما سجد معه المشركون لأنهم سمعوا أصوات الشياطين في أثناء قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى} وأنه قال: تلك الغَرَانِيقُ الْعُلاَ وشفاعتهنّ تُرْتَجَى.
كذا في رواية سعيد بن جُبير ترتجى.
وفي رواية أبي العالية وشفاعتهنّ ترتضى، ومثلهنّ لا يناسى.
ففرح المشركون وظنوا أنه من قول محمد صلى الله عليه وسلم على ما تقدّم بيانه في (الحج).
فلما بلغ الخبر بالحبشة مَن كان بها من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم رجعوا ظنًّا منهم أنّ أهل مكة آمنوا؛ فكان أهل مكة أشدّ عليهم وأخذوا في تعذيبهم إلى أن كشف الله عنهم.
وقيل: المراد سجود الفرض في الصلاة وهو قول ابن عمر؛ كان لا يراها من عزائم السجود.
وبه قال مالك.
وروى أبيّ ابن كعب رضي الله عنه: كان آخر فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم ترك السجود في المفصّل.
والأوّل أصح وقد مضى القول فيه آخر (الأعراف) مبينًا والحمد لله رب العالمين.
تم تفسير سورة (والنجم). اهـ.

.قال الألوسي:

{أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)} أي قربت الساعة الموصوفة بالقرب في غير آية من القرآن، فأل في {الازفة} كاللعهد لا للجنس، وقيل: {الازفة} علم بالغلبة للساعة هنا، وقيل: لا بأس بإرادة الجنس ووصف القريب بالقرب للمبالغة.
{لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله} أي غير الله تعالى أو إلا الله عز وجل {كَاشِفَةٌ} نفس قادرة على كشفها إذا وقعت لكنه سبحانه لا يكشفها؛ والمراد بالكشف الإزالة، وقريب من هذا ما روى عن قتادة وعطاء والضحاك أي إذا غشيت الخلق أهوالها وشدائدها لم يكشفها ولم يردها عنهم أحد، أو ليس لها الآن نفس كاشفة أي مزيلة للخوف منها فإنه باق إلى أن يأتي الله سبحانه بها وهو مراد الزمخشري بقوله: أوليس لها الآن نفس كاشفة بالتأخير، وقيل: معناه لو وقعت الآن لم يردّها إلى وقتها أحد إلا الله تعالى، فالكشف بمعنى التأخير وهو إزالة مخصوصة.
وقال الطبري والزجاج: المعنى ليس لها من دون الله تعالى نفس كاشفة تكشف وقت وقوعها وتبينه لأنها من أخفى المغيبات، فالكشف بمعنى التبيين والآية كقوله تعالى: {لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} [الأعراف: 187] والتاء في {كَاشِفَةٌ} على جميع الأوجه للتأنيث، وهو لتأنيث الموصوف المحذوف كما سمعت، وبعضهم يقدر الموصوف حالًا، والأول أولى؛ وجوز أن تكون للمبالغة مثلها في علامة، وتعقب بأن المقام يأباه لإيهامه ثبوت أصل الكشف لغيره عز وجل وفيه نظر، وقال الرماني وجماعة: يحتمل أن يكون {كَاشِفَةٌ} مصدرًا كالعافية، وخائنة الأعين أي ليس لها كشف من دون الله تعالى.
{أَفَمِنْ هذا الحديث} أي القرآن {تَعْجَبُونَ} إنكارًا.
{وَتَضْحَكُونَ} استهزاءًا مع كونه أبعد شيء من ذلك {وَلاَ تَبْكُونَ} حزنًا على ما فرطتم في شأنه وخوفًا من أن يحيق بكم ما حاق بالأمم المذكورة.
{وَأَنتُمْ سامدون} أي لاهون كما روى عن ابن عباس جوابًا لنافع بن الأزرق، وأنشد عليه قول هزيلة بنت بكر وهي تبكي قوم عاد:
ليت (عادًا) قبلوا الحق ** ولم يبدوا جحودا

قيل قم فانظر إليهم ** ثم دع عنك (السمودا)

وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه سئل عن السمود، فقال: البرطمة وهي رفع الرأس تكبرًا أي وأنتم رافعون رؤوسكم تكبرًا، وروى تفسيره بالبرطمة عن مجاهد أيضًا، وقال الراغب: السامد اللاهي الرافع رأسه من سمد البعير في سيره إذا رفع رأسه، وقال أبو عبيدة: السمود الغناء بلغة حمير يقولون: يا جارية اسمدي لنا أي غنى لنا، وروى نحوه عن عكرمة، وأخرج عبد الرزاق والبزار وابن جرير والبيهقي في (سننه) وجماعة عن ابن عباس أنه قال: هو الغناء باليمانية وكانوا إذا سمعوا القرآن غنوا تشاغلًا عنه، وقييل: يفعلون ذلك ليشغلوا الناس عن استماعه، والجملة الاسمية على جميع ذلك حال من فاعل لا تبكون ومضمونها قيد للنفي والانكار متوجه إلى نفي البكاء ووجود السمود، وقال المبرد: السمود الجمود والخشوع كما في قوله:
رمى الحدثان نسوة آل سعد ** بمقدار سمدن له (سمودا)

فرد شعورهن السود بيضا ** ورد وجوههن البيض سودا

والجملة عليه حال من فاعل {تبكون} [النجم: 60] أيضًا إلا أن مضمونها قيد للمنفى، والإنكار وارد على نفي البكاء والسمود معًا فلا تغفل، وفي حرف أبيّ وعبد الله تضحكون بغير واو، وقرأ الحسن {تعجبون} {تضحكون} بغير واو وضم التاءين وكسر الجيم والحاء، واستدل بالآية كما في أحكام القرآن على استحباب البكاء عند سماع القرآن وقراءته، أخرج البيهقي في (شعب الايمان) عن أبي هريرة قال: لما نزلت {أَفَمِنْ هذا الحديث} [النجم: 59] الآية بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينهم بكى معهم فبكينا ببكائه فقال عليه الصلاة والسلام: «لا يلج النار من بكى من خشية الله تعالى ولا يدخل الجنة مصرّ على معصيته ولو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم».
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي شيبة وهناد وغيرهم عن صالح أبي الخليل قال: لما نزلت هذه الآية {أَفَمِنْ هذا الحديث تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ} [النجم: 59-60] ما ضحك النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا أن يتبسم ولفظ عبد بن حميد فما رؤى النبي عليه الصلاة والسلام ضاحكًا ولا متبسمًا حتى ذهب من الدنيا وفيه سد باب الضحك عند قراءة القرآن ولو لم يكن استهزاءًا والعياذ بالله عز وجل.
{فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا}.
الفاء لترتيب الأمر أو موجبه على ما تقرر من بطلان مقابلة القرآن بالتعجب والضحك وحقية مقابلته بما يليق به، ويدل على عظم شأنه أي وإذا كان الأمر كذلك فاسجدوا لله تعالى الذي أنزله واعبدوه جل جلاله، وهذه آية سجدة عند أكثر أهل العلم، وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم عندها.
أخرج الشيخان. وأبو داود. والنسائي. وابن مردويه عن ابن مسعود قال: أول سورة أنزلت فيها سجدة {والنجم} فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الناس كلهم إلا رجلًا. الحديث.
وأخرج ابن مردويه. والبيهقي في السنن عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ النجم فسجد بنا فأطال السجود وكذا عمر رضي الله تعالى عنه، أخرج سعيد بن منصوب عن سبرة قال: صلى بنا عمر بن الخطاب الفجر فقرأ في الركعة الأولى سورة يوسف، ثم قرأ في الثانية سورة النجم فسجد، ثم قام فقرأ {إذا زلزلت} ثم ركع، ولا يرى مالك السجود هنا، واستدل له بما أخرجه أحمد. والشيخان. وأبو داود. والترمذي. والنسائي والطبراني وغيرهم عن زيد بن ثابت قال: قرأت النجم عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد فيها، وأجيب بأن الترك إنما ينافي وجوب السجود وليس بمجمع عليه وهو عند القائل به على التراخي في مثل ذلك على المختار وليس في الحديث ما يدل على نفيه بالكلية فيحتمل أنه عليه الصلاة والسلام سجد بعد، وكذا زيد رضي الله تعالى عنه، نعم التأخير مكروه تنزيهًا ولعله فعل لبيان الجواز، أو لعذر لم نطلع عليه، وما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس من قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة ناف وضعيف، وكذا قوله فيما رواه أيضًا عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في النجم بمكة فلما هاجر إلى المدينة تركها على أن الترك إنما ينافي كما سمعت الوجوب، والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)}.
تتنزل هذه الجملة من التي قبلها منزلة البيان للإِنذار الذي تضمّنه قوله: {هذا نذير} [النجم: 56].
فالمعنى: هذا نذير بآزفة قربت، وفي ذكر فعل القرب فائدة أخرى زائدة على البيان وهي أن هذا المنذَر به دَنا وقته، فإنّ: أزف معناه: قَرب وحقيقته القرب المكان، واستعير لقرب الزمان لكثرة ما يعاملون الزمان معاملة المكان.
والتنبيه على قرب المنذر به من كمال الإِنذار للبدار بتجنب الوقوع فيما ينذر به.
وجيء لفعل {أزفت} بفاعل من مادة الفعل للتهويل على السامع لتذهب النفس كل مذهب ممكن في تعيين هذه المحادثة التي أزفت، ومعلوم أنها من الأمور المكروهة لورود ذكرها عقب ذكر الإِنذار.
وتأنيث {الأزفة} بتأويل الوقعة، أو الحادثة كما يقال: نَزلت به نازلة، أو وقعت الواقعة، وغشيته غاشية، والعرب يستعملون التأنيث دلالة على المبالغة في النوع، ولعلهم راعوا أن الأنثى مصدر كثرة النوع.
والتعريف في {الأزفة} تعريف الجنس، ومنه زيادة تهويل بتمييز هذا الجنس من بين الأجناس لأن في استحضاره زيادة تهويل لأنه حقيق بالتدبر في المخلَص منه نظير التعريف في {الحمد لله} [الفاتحة: 2]، وقولهم: أرسلها العِراك.
والكلام يحتمل آزفة في الدنيا من جنس ما أُهلك به عاد وثمود وقوم نوح فهي استئصالهم يوم بدر، ويحتمل آزفة وهي القيامة.
وعلى التقديرين فالقرب مراد به التحقق وعدم الانقلاب منها كقوله تعالى: {اقتربت الساعة} [القمر: 1] وقوله: {إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا} [المعارج: 6، 7].
وجملة {ليس لها من دون الله كاشفة} مستأنفة بيانية أو صفة ل {الأزفة}.
و {كاشفة} يجوز أن يكون مصدرًا بوزن فاعلة كالعافية، وخائنة الأعين، وليس لوقعتها كاذبة.
والمعنى ليس لها كشف.
ويجوز أن يكون اسمَ فاعل قرن بهاء التأنيث للمبالغة مثل راوية، وباقعة، وداهية، أي ليس لها كاشف قوي الكشف فضلًا عمن دونه.
والكشف يجوز أن يكون بمعنى التعرية مراد به الإِزالة مثل ويكشف الضر، وذلك ضد ما يقال: غشية الضر.
فالمعنى: لا يستطيع أحد إزالة وعيدها غير الله، وقد أخبر بأنها واقعة بقوله: {ليس لها من دون الله كاشفة} كناية عن تحقق وقوعها.
ويجوز أن يكون الكشف بمعنى إزالة الخفاء، أي لا يبين وقت الآزفة أحد له قدرة على البيان على نحو قوله تعالى: {لا يجليها لوقتها إلا هو} [الأعراف: 187].
فالمعنى: أن الله هو العالم بوقتها لا يعلمه أحد إلا إذا شاء أن يطلع عليه أحدًا من رسله أو ملائكته.
و {من دون الله} أي غير الله، و{من} مزيدة للتوكيد، وهو متعلق بالكون الذي ينوى في خبر ليس قوله: {لها}.
{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)}.
تفريع على {هذا نذير من النذر الأولى} [النجم: 56] وما عطف عليه وبُينّ به من بيان أو صفة، فرع عليه استفهام إنكار وتوبيخ.
والحديث: الكلام والخبر.
والإِشارة إلى ما ذكر من الإِنذار بأخبار الذين كذبوا الرسل، فالمراد بالحديث بعض القرآن بما في قوله: {أفبهذا الحديث أنتم مدهنون} [الواقعة: 81].
ومعنى العجب هنا الاستبعاد والإِحالة كقوله: {أتعجبين من أمر الله} [هود: 73]، أو كناية عن الإنكار.
والضحك: ضحك الاستهزاء.
والبكاء مستعمل في لاَزمه من خشية الله كقوله تعالى: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعًا} [الإسراء: 109].
ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين حيث حلوا بحجر ثمود في غزوة تبوك «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم» أي ضارعين الله أن لا يصيبكم مثل ما أصابهم أو خاشين أن يصيبكم مثل ما أصابهم.
والمعنى: ولا تخشون سوء عذاب الإِشراك فتقلعوا عنه.
و {سامدون}: من السمود وهو ما في المرء من الإِعجاب بالنفس، يقال: سمد البعير، إذا رفع رأسه في سيره، مُثل به حال المتكبر المعرض عن النصح المعجب بما هو فيه بحال البعير في نشاطه.