فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الرماني وجماعة: ويحتمل أن يكون مصدرًا، {كالعاقبة}، {وخائنة الأعين}، أي ليس لها كشف من دون الله.
وقيل: يحتمل أن يكون التقدير حال كاشفة.
{أفمن هذا الحديث}.
وهو القرآن، {تعجبون} فتنكرون، {وتضحكون} مستهزئين، {ولا تبكون} جزعًا من وعيده.
{وأنتم سامدون}، قال مجاهد: معرضون.
وقال عكرمة: لاهون.
وقال قتادة: غافلون.
وقال السدّي: مستكبرون.
وقال ابن عباس: ساهون.
وقال المبرد: جامدون، وكانوا إذا سمعوا القرآن غنوا تشاغلًا عنه.
وروي أنه عليه الصلاة والسلام لم ير ضاحكًا بعد نزولها.
فاسجدوا: أي صلوا له، {واعبدوا}: أي أفردوه بالعبادة، ولا تعبدوا اللات والعزى ومناة والشعرى وغيرها من الأصنام.
وخرّج البغوي بإسناد متصل إلى عبد الله، قال: أول سورة نزلت فيها السجدة النجم، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجد من خلفه إلا رجلًا رأيته أخذ كفًا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرًا، والرجل أمية بن خلف.
وروي أن المشركين سجدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حرف أبي وعبد الله: تضحكون بغير واو.
وقرأ الحسن: {تعجبون} {تضكحون}، بغير واو وبضم التاء وكسر الجيم والحاء.
وفي قوله: {ولا تبكون}، حض على البكاء عند سماع القرآن.
والسجود هنا عند كثير من أهل العلم، منهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ووردت به أحاديث صحاح، وليس يراها مالك هنا.
وعن زيد بن ثابت: أنه قرأ بها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسجد، والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} أي خَلقًا ومُلكًا لا لغيرِه أصلًا لا استقلالًا ولا اشتراكًا. وقوله تعالى: {لِيَجْزِىَ} الخ متعلقٌ بما دلَّ عليهِ أعلمُ الخ وما بينهما اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَهُ فإنَّ كونَ الكُلِّ مخلوقًا له تعالى ممَّا يقررُ علمَهُ تعالى بأحوالِهم {ألا يعلمُ منْ خلقَ} كأنَّه قيلَ فيعلمُ ضلالَ من ضلَّ واهتداءَ من اهتدَى ويحفظُهما ليجزيَ {الذين أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ} أي بعقابِ ما عملُوا من الضلالِ الذي عبَّر عنْهُ بالإساءةِ بيانًا لحالهِ أو بسببِ ما عملوا.
{وَيِجْزِى الذين أَحْسَنُواْ} أي اهتدوا {بالحسنى} أي بالمثوبةِ الحْسْنَى التي هي الجنةُ أو بسببِ أعمالِهم الحُسْنَى، وقيلَ متعلقٌ بما دلَّ عليهِ قوله تعالى: {وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} كأنَّه قيلَ خلقَ ما فيهمَا ليجزيَ الخ، وقيلَ: متعلقٌ بضلَّ واهتدَى على أن اللامَ للعاقبةِ أي هُو أعلمُ بمن ضلَّ ليؤولَ أمرُه إلى أنْ يجزيَهُ الله تعالى بعملِه وبمنِ اهتدَى ليؤولَ أمرُهُ إلى أنْ يجزيَهُ بالحُسْنَى وفيهِ من البُعدِ ما لا يَخْفى، وتكريرُ الفعلِ لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بأمرِ الجزاءِ والتنبيهِ على تباينِ الجزاءينِ.
{الذين يَجْتَنِبُونَ كبائر الإثم} بدلٌ من الموصولِ الثَّانِي. وصيغةُ الاستقبال في صلتِه للدلالةِ على تجددِ الاجتناب واستمرارِه، أو بيانٌ أو نعتٌ أو منصوبٌ على المدحِ، وكبائرُ الإثمِ ما يكبرُ عقابُه من الذنوبِ وهو ما رتبَ عليه الوعيدُ بخصوصِه. وقرئ {كبيرَ الإثمِ}، على إرادةِ الجنسِ أو الشركِ {والفواحش} وما فُحش من الكبائِر خُصُوصًا {إِلاَّ اللمم} أي إلا ما قلَّ وصغُرَ فإنَّه مغفورٌ ممَّن يجتنبُ الكبائرَ قيلَ هي النظرةُ والغمزةُ والقبلةُ وقيلَ هي الخطرةُ من الذنبِ وقيلَ كلُّ ذنبٍ لم يذكرِ الله عليهِ حدًَّا ولا عذابًا، وقيلَ عادةُ النفسِ الحينِ بعد الحين والاستثناءُ منقطعٌ {إِنَّ رَبَّكَ واسع المغفرة} حيث يغفرُ الصغائرَ باجتنابِ الكبائرِ، فالجملةُ تعليلٌ لاستثناءِ اللممِ وتنبيهٌ على أنَّ إخراجَهُ عن حُكمِ المؤاخذةِ به ليسَ لخلوهِ عن الذنبِ في نفسِه بل لسَعةِ المغفرةِ الربانَّيةِ وقيلَ المَعْنى له أن يغفرَ لمن يشاءُ من المؤمنينَ ما يشاءُ من الذنوبِ صغيرِها وكبيرِها، ولعلَّ تعقيبَ وعيدِ المسيئينَ ووعدِ المحسنينَ بذلكَ حينئذٍ لئلاَّ ييأسَ صاحبُ الكبيرةِ من رحمتِه تعالى ولا يتوهَم وجوبَ العقابِ عليه تعالى.
{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ} أي بأحوالِكم يعلمُها {إِذْ أَنشَأَكُمْ} في ضمنِ إنشاءِ أبيكم آدمَ عليهِ السلام {مّنَ الأرض} إنشاءً إجماليًا حسبَما مرَّ تقريرُه مرارًا {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ} أي ووقتَ كونِكم أجنةً {فِى بُطُونِ أمهاتكم} على أطوارٍ مختلفةٍ مترتبةٍ لا يخفى عليه حالٌ من أحوالِكم وعملٌ من أعمالِكم التي منْ جُملتِها اللممُ الذي لولا المغفرةُ الواسعةُ لأصابكُم وبالُه فالجملةُ استئنافٌ مقررٌ لما قبلَها والفاءُ في قوله تعالى: {فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ} لترتيبِ النَّهي عن تزكيةِ النفسِ على ما سبقَ منْ أنَّ عدمَ المؤاخذةِ باللممِ ليسَ لعدمِ كونِه من قبيلِ الذنوبِ بلْ لمحضِ مغفرتِه تعالى مع علمِه بصدورِه عنكُم أي إذَا كانَ الأمرُ كذلكَ فلا تُثنوا عليها بالطهارةِ عن المعاصِي بالكليةِ أو بما يستلزمُها من زكاءِ العملِ ونماءِ الخير بلِ اشكرُوا الله تعالى على فضلهِ ومغفرتِه.
{هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى} المعاصيَ جميعًا، وهو استئنافٌ مقررٌ للنَّهي ومشعرٌ بأنَّ فيهم منْ يتقيها بأسرِها، وقيلَ كانَ ناسٌ يعملونَ أعمالًا حسنةً ثم يقولونَ صلاتُنا وصيامُنا وحجُّنا فنزلتْ وهَذا إذا كانَ بطريقِ الإعجابِ أو الرياءِ فأمَّا منِ اعتقدَ أنَّ ما عملَهُ من الأعمالِ الصالحةِ من الله تعالى وبتوفيقِه وتأييدهِ ولم يقصدْ بهِ التمدحَ لم يكنْ من المزكينَ أنفسَهُم فإن المسرةَ بالطاعةِ طاعةٌ وذكرَهَا شكرٌ.
{أَفَرَأَيْتَ الذي تولى} أي عنِ اتباعِ الحقِّ والثباتِ عليهِ {وأعطى قَلِيلًا} أي شيئًا قليلًا أو إعطاءً قليلًا {وأكدى} أي قطعَ العطاءَ من قولهم أكدَى الحافرُ إذا بلغَ الكُديةَ أي الصَّلابةَ كالصَّخرةِ فلا يمكنه أنْ يحفرَ قالوا نزلتْ في الوليدِ بنِ المغيرةَ كانَ يتبعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيَّره بعضُ المشركينَ، وقال له تركتَ دينَ الأشياخِ وضلَّلتَهم فقال أخشَى عذابَ الله فضمن أنْ يتحملَ عنه العذابَ إن أعطاهُ بعضَ مالِه فارتدَّ وأعطاهُ بعضَ المشروطِ وبخلَ بالباقِي وقيلَ نزلتْ في العاصِ بنِ وائلٍ السَّهميِّ لما أنَّه كانَ يوافقُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في بعضِ الأمورِ، وقيلَ في أبي جهلٍ كان رُبَّما يوافقُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم في بعضِ الأمورِ، وكان يقول والله ما يأمرُنا محمدٌ إلا بمكارمِ الأخلاقِ وذلكَ قوله تعالى: {وأعطى قَلِيلًا وأكدى} والأولُ هو الأشهرُ المناسبُ لما بعدَهُ من قوله تعالى: {عِلْمُ الغيب فَهُوَ يرى أَمْ} الخ أي أعندَهُ علمٌ بالأمورِ الغيبيةِ التي منْ جُملتِها تحمّلُ صاحبِه عنه يومَ القيامةِ.
{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ موسى وإبراهيم الذي وفى} أيْ وفَّر وأتمَّ ما ابتُلي به من الكلماتِ أو أُمرَ به أو بالغَ في الوفاءِ بما عاهدَ الله وتخصيصُه بذلكَ لاحتمالِه ما لم يحتملْهُ غيرُه كالصبرِ على نارِ نمرودَ حتَّى إنه أتاهُ جبريلُ عليهِ السلام حينَ يُلقى في النَّارِ فقال ألكَ حاجةٌ فقال أمَّا إليكَ فَلاَ وعلى ذبحِ الولدِ ويُروَى أنَّه كانَ يمشِي كلَّ يومٍ فرسخًا يرتادُ ضيفًا فإنْ وافقَهُ أكرمَهُ وإلا نَوَى الصومَ وتقديمُ مُوسى لما أنَّ صحفَهُ التي هي التوراةُ أشهرُ عندَهُم وأكثرُ.
{أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} أي أنهُ لا تحملُ نفسٌ من شأنِها الحملُ حِملَ نفسٍ أُخْرَى على أنَّ (أن) هيَ المخففةُ منَ الثقيلةِ وضميرُ الشأنِ الذي هو اسمُها محذوفٌ والجملةُ المنفيةُ خبرُها ومحلُّ الجملةُ الجرُّ على أنَّها بدلٌ ممَّا في صحفِ مُوسى أو الرفعُ على أنَّها خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ كأنَّهُ قيلَ: ما في صحفِهما فقيلَ هو أنْ لا تزرُ الخ والمَعْنى أنَّه لا يُؤاخذُ أحدٌ بذنبِ غيرِه ليتخلصَ الثَّانِي عن عقابةِ ولا يقدحُ في ذلك قوله عليهِ الصَّلاةُ والسلام منْ سَنَّ سُنَّةً سيئةً فعليهِ وزرُهَا ووزرُ مَنْ عمِلَ بها إلى يومِ القيامةِ فإنَّ ذلكَ وزرُ الإضلالِ الذي هُو وزرُهُ. وقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} بيانٌ لعدمِ انتفاعِ الإنسانِ بعملِ غيرِه من حيثُ جلبُ النفعِ إليهِ إثرَ بيانِ عدمِ انتفاعِه بهِ منْ حيثُ دفعُ الضررِ عنْهُ، وأما شفاعةُ الأنبياءِ عليهم السلام واستغفارُ الملائكةِ عليهم السلام ودعاءُ الأحياءِ للأمواتِ وصدقتُهم عنُهم وغيرُ ذلكَ ممَّا لا يكادُ يُحصَى من الأمورِ النافعةِ للإنسانِ مع أنَّها ليستْ من عملِه قطعًا فحيثُ كان مناطُ منفعةِ كلِّ منهَا عمله الذي هو الإيمانُ والصَّلاحُ ولم يكن لشيءٍ منها نفعٌ مَا بدونِه جُعل النافعُ نفسَ عملِه وإنْ كان بانضمامِ عملِ غيرِه إليهِ وأنْ مخففةٌ كأختِها معطوفةٌ عليهَا وكَذا قوله تعالى: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى} أي يُعرضُ عليهِ ويكشفُ له يومَ القيامةِ في صحيفتِه وميزانِه من أريتُه الشيءَ.
{ثُمَّ يُجْزَاهُ} أي يُجزى الإنسانُ سعيَهُ يقال جزاهُ الله بعملِه وجَزَاهُ على عملِه بحذفِ الجارِّ وإيصالِ الفعلِ ويجوزُ أن يُجعلَ الضميرُ للجزاءِ ثم يُفسَّرَ بقوله تعالى: {الجزاء الأوفى} أو يبدلُ هو عنْهُ كما في قوله تعالى: {وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ} {وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} أي انتهاءَ الخلقِ ورجوعَهم إليهِ تعالى لا إلى غيرِه استقلالًا ولا اشتراكًا وقرئ بكسرِ إِنَّ على الابتداءِ {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى} أي هو خلقَ قُوتَي الضحكِ والبكاءِ {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ} لا يقدرُ على الإماتةِ والإحياءِ غيرُه فإنَّ أثرَ القاتلِ نقضُ البنيةِ وتفريقُ الاتصالِ وإنما يحصلُ الموتُ عندَهُ بفعلِ الله تعالى على العادةِ {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى} تدفقُ في الرحمِ أو تخلقُ أو يقدرُ منها الولدُ من مَنَى بمعنى قَدر {وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى} أي الإحياءَ بعد الموتِ وفاءً بوعدِه وقرئ {النشاءةَ} بالمدِّ وهي أيضًا مصدرُ نشأَهُ.
{وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى} وأعطَى القُنيةَ وهي ما يُتأثلُ من الأموالِ وأفردَها بالذكرِ لأنَّها أشرفُ الأموالِ أو أَرْضى، وتحقيقُه جعلُ الرِّضا له قنيةً {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} أي ربُّ معبودِهم وهي العَبورُ وهي أشدُّ ضياءً من الغِميصاءِ وكانتْ خزاعةُ تعبدُها سنَّ لهم ذلكَ أبو كبشةَ رجلٌ من أشرافِهم وكانتْ قرِيشٌ تقول لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أبو كبشةَ تشبيهًا له عليهِ الصَّلاةُ والسلام به لمخالفتِه إيَّاهم في دينِهم.
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولى} هي قومُ هودٍ عليه السلام وعادٌ الأُخرى إرامُ، وقيلَ: الأُولى القدماءُ لأنَّهم أُوْلى الأممِ هلاكًا بعدَ قومِ نوحٍ، وقرئ {عادًا} نِ الاولى بحذف الهمزةِ ونقل ضمتها إلى اللام وعادَ لُّولى بإدغام التنوين في اللام وطرح همزة أولى ونقل حركتها إلى لام التعريف.
{وَثَمُودُ} عطفٌ عَلى عادًا لأنَّ ما بعدَهُ لا يعملُ فيهِ وقرئ {وثمودًا} بالتنوينِ {فَمَا أبقى} أي أحدًا من الفريقينِ {وَقَوْمَ نُوحٍ} عطفٌ عليهِ أَيْضًا {مِن قَبْلُ} أي من قبلِ إهلاكِ عادٍ وثمودَ {إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} من الفريفينِ حيثُ كانُوا يؤذونَهُ وينفّرون الناسَ عنْهُ وكانُوا يحذرونَ صبيانَهُم أن يسمعُوا منه وكانوا يضربونَهُ عليه الصَّلاةُ والسلام حتَّى لا يكونُ به حَراكٌ وما أثر فيهم دُعاؤُه قريبًا من ألفِ سنةٍ {والمؤتفكة} هي قُرَى قومِ لوطٍ ائتفكتْ بأهلِها أي انقلبتْ بِهم {أهوى} أي أسقطَها إلى الأرضِ بعد أنْ رفعَها على جناحِ جبريلَ عليهِ السلام إلى السماءِ {فغشاها مَا غشى} من فنونِ العذابِ وفيه منَ التهويلِ والتفظيعِ ما لا غايةَ وراءَهُ {فَبِأَىّ ءَالاء رَبّكَ تتمارى} تشكُ. والخطابُ للرسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسلام على طريقةِ قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} أو لكلِّ أحدٍ. وإسنادُ فعلِ التَّمارِي إلى الواحدِ باعتبارِ تعددِه بحسبِ تعددِ متعلقِه فإنَّ صيغةَ التفاعلِ وإن كانتْ موضوعةً لإفادةِ صدورِ الفعلِ عن المتعدد ووقوعِه عليهِ بحيث يكونُ كلٌّ منْ ذلكَ فاعلًا ومفعولًا معًا لكنَّها قد تجردُ عن المَعْنى الثانِي فيرادُ بها المَعْنى الأولَ فقط كما في يتداعونهم أي يدعونهم وقد تُجرّد عنهم أيضًا فيُكتفى بتعدد الفعل بتعدد متعلّقه كما فيما نحن فيه فإن المِراء متعددٌ بتعدد الآلاء فتدبر، وتسمية الأمور المعدودة آلاءَ مع أن بعضها نِقمٌ لِما أنها أيضًا نعم من حيث إنها نُصرة للأنبياءِ والمؤمنين وانتقام لهم وفيها عظاتَ وعِبر للمعتبرين.
{هذا نَذِيرٌ مّنَ النذر الأولى} هَذا إمَّا إشارةٌ إلى القرآن، والنذيرُ مصدرٌ، أو إِلى الرسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسلام والنذيرُ بمَعْنى المُنذرِ، وأيًا ما كانَ فالتنوينُ للتفخيمِ ومِنْ متعلقةٌ بمحذوفٍ هو نعتٌ لنذيرٌ مقررٌ له ومتضمنٌ للوعيدِ أي هَذا القرآن الذي تشاهدونَهُ نذيرٌ من قبيلِ الإنذاراتِ المتقدمةِ التي سمعتُم عاقبتَها، أو هذا الرسولُ منذرٌ من جنسِ المنذرينَ الأولينَ والأُولى على تأويلِ الجماعةِ لمراعاةِ الفواصلِ وقد علمتُم أحوالَ قومِهم المنذرين وفي تعقيبهِ بقوله تعالى: {أَزِفَتِ الأزفة} إشعارٌ بأنَّ تعذيبَهُم مؤخرٌ إلى يومِ القيامةِ أي دنتِ الساعةُ الموصوفةُ بالدنوِّ في نحوِ قوله تعالى: {اقتربت الساعة} {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ} أي ليسَ لها نفسٌ قادرةٌ على كشفِها عندَ وقوعِها إلا الله تعالى لكنَّه لا يكشفُهَا أو ليسَ لها الآنَ نفسٌ كاشفةٌ بتأخيرِها إلا الله تعالى فإنَّه المؤخِّرُ لَها أو ليسَ لها كاشفةٌ لوقتِها إلا الله تعالى كقوله تعالى: {لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} أو ليسَ لها من غيرِ الله تعالى كشفٌ على أنَّ كاشفةٌ مصدرٌ كالعافيةِ.
{أَفَمِنْ هذا الحديث} أي القرآن {تَعْجَبُونَ} إنكارًا {وَتَضْحَكُونَ} استهزاءً مع كونِه أبعدَ شيءٍ من ذلكَ {وَلاَ تَبْكُونَ} حُزنًا على ما فرَّطُّتم في شأنِه وخوفًا من أنْ يَحيقَ بكُم ما حاقَ بالأممِ المذكورةِ {وَأَنتُمْ سامدون} أي لاهونَ أو مستكبرونَ من سَمد البعيرُ إذا رفعَ رأسَهُ أو مغنونَ لتشغَلوا النَّاسَ عن استماعِه من السمودِ بمَعْنى الغناءِ على لغةِ حِميرَ أو خاشعونَ جامدونَ من السمودِ بمَعْنى الجمودِ والخشوعِ كما في قول مَنْ قال:
رَمَى الحِدْثانُ نِسْوةَ آلِ سَعْد ** بمقْدَارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودًا

فردَّ شعورَهُنَّ السودَ بِيْضًَا ** وردَّ وجوهُنَّ البيضَ سُودًا

والجملةُ حالٌ مِنْ فاعلِ لا تبكونَ خَلاَ أنَّ مضمونَها على الوجهِ الأخيرِ قيدٌ للنفيِّ والإنكارُ واردٌ على نَفي البكاءِ والسمودِ معًا، وعلى الوجوهِ الأُولِ قيدٌ للنفي والإنكارُ متوجهٌ إلى نفي البكاءِ ووجودِ السمودِ والأولُ أوفَى بحقِّ المقامِ فتدبرْ. والفاءُ في قوله تعالى: {فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا} لترتيبِ الأمرِ أو موجبهِ على ما تقررَ من بُطلانِ مقابلةِ القرآن بالإنكارِ والاستهزاءِ ووجوبِ تلقيهِ بالإيمانِ مع كمالِ الخضوعِ والخشوعِ أي وإذَا كانَ الأمرُ كذلِكَ فاسجدُوا لله الذي أنزلَهُ واعبدُوه. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {والنجم إِذَا هوى}.
قال ابن عباس رضي الله عنه: أقسم الله تعالى بالقرآن، إذا نزل نجومًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتًا بعد وقت.
الآية، والآيتان، والسورة، والسورتان، وكان بين أوله وآخره إحدى وعشرون سنة.
قال مجاهد: أقسم الله بالثريا إذا غابت، وسقطت.
والعرب تسمي الثريا: نجمًا.
ويقال: أقسم بالكواكب المضيئة.
ويقال: أقسم بجميع الكواكب.
{مَا ضَلَّ صاحبكم} وذلك أن قريشًا قالوا له: قد تركت دين آبائك، وخرجت من الطريق؛ وتقول شيئًا من ذات نفسك فنزل: {والنجم إِذَا هوى} {مَا ضَلَّ صاحبكم} يعني: ما ترك دين أبيه إبراهيم {وَمَا غوى} يعني: لم يضل قومًا.
والغاوي والضال واحد.
يقال: الضلال: قبل البيان.
والفساد؛ بعد البيان.