فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال عطاء بن أبي أسلم: يعني: أفرح وأحزن، لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء.
سمعت ابا منصور الحمساذي يقول: سمعت أبا بكر بن عبد الله الرازي يقول: سمعت يوسف بن جبير يقول: سئل طاهر المقدسي: اتضحك الملائكة؟ فقال: ما ضحك من دون العرش منذ خلقت جهنم، وقيل لعمر: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم والله، والإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي، وقال مجاهد: أضحك اهل الجنة في الجنة، وأبكى أهل النار في النار، وقال الضحاك: أضحَك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر، وقيل: أضحك الاسحار بالانوار وأبكى السماء بالأمطار.
ذون النون: أضحك قلوب المؤمنين والعارفين بشمس معرفته، وأبكى قلوب الكافرين العاصين بظلمة نكرته ومعصيته. سهل: أضحك المطيع بالرحمة وأبكى العاصي بالسخط. محمد بن علي الترمذي: أضحك المؤمن في الآخرة، وأبكاه في الدنيا. قسام بن عبد الله: أضحك اسنانهم وأبكى قلوبهم وأنشد في معناه:
اللسن تضحك والأحشاء تحترق ** وإنما ضحكها زور ومختلق

يا رُبّ باك بعين لا دموع لها ** ورُبّ ضاحك سنَ مابه رمق

{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ} أفنى في الدنيا {وَأَحْيَا} للبعث، وقيل: أمات الآباء وأحيى الأبناء، وقيل: أمات النطفة وأحيى النسمة، وقيل: أمات الكافر بالنكرة والقطيعة، وأحيى المؤمن بالمعرفة والوصلة، قال سبحانه: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122]، وقال القاسم: أمات عن ذكره وأحيى بذكره. ابن عطاء: أمات بعدله وأحيا بفضله، وقيل: أمات بالمنع والبخل وأحيى بالجود والبذل.
{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى} تصبّ في الرحم، يقال: مني الرجل وأمنى، قاله الضحاك، وعطاء بن أبي رياح، وقال آخرون: تُقدَّر، يقال: منيت الشيء إذا قدّرته، ويقال: إرضَ بما يمنى لك الماني، ومنه سمّيت المنية؛ لأنها مقدّرة، وأصلها مميّنة.
{وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى} الخلق الآخر، يعيدهم أحياءً.
{وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى} قال أبو الصلاح: أغنى الناس بالمال، وأقنى: أعطى القينة وأصول الأموال. الضحّاك: أغنى بالذهب والفضة وصنوف الأموال، وأقنى بالإبل والغنم والبقر. مجاهد والحسن وقتادة: أخدم. ابن عباس: أرضى بما أعطى، وهي رواية بن أبي نجيح وليث عن مجاهد. سليمان التيمي عن الحضرمي: أغنى نفسه وأفقر الخلائق إليه. ابن زيد: أغنى: أكثر وأفقر: أقل، وقرأ {يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الإسراء: 30]. الأخفش أقنى: أفقر. ابن كيسان: أولد.
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} وهي كوكب خلف الجوزاء تتبعه، يقال له مرزم الجوزاء، وهما شعريان يقال لأحدهما: العبور، وللأُخرى: الغميضاء.
وقالت العرب في خرافاتها: إن سهيلا والشعرتين كانت مجتمعة فأخذ سهيل فصار يمانيًا فتبعته الشعرى العبور فعبرت المجرة، فسمّيت العبور، فأقامت الغميضاء فبكت لفقد سهيل حتى غمضت عينها؛ لأنه أخفى من الآخر، وأراد هاهنا الشعرى العبور، وكانت خزاعة تعبده، وأول مَن سنّ لهم ذلك رجل من أشرافهم يقال له: أبو كبشة عبدالشعرى العبور وقال: لأن النجوم تقطع السماء عرضًا والشعرى طولا فهي مخالفة لها، فعبدتها خزاعة جميعًا، فلمّا خرج رسول الله على خلاف العرب في الدين شبّهوه بأبي كبشة فسمّوه بأبي كبشة، بخلافه إياهم كخلاف أبي كبشة في عبادة الشعرى.
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولى} وهم قوم هود.
وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو ويعقوب {عادًا الأُولى} مدرجًا مدغمًا، وهمز واوه نافع برواية المسيبي، وقال بطريق الحلواني:، والعرب تفعل ذلك فتقول: قم لان عنّا. يريدون قم الآن عنّا وضمّ لثنين يريدون: ضم الإثنين.
{وَثَمُودَ} يعني قوم صالح {فَمَآ أبقى وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى والمؤتفكة} المنقلبة، وهي قرى لوط الأربع: صنواهم، وداذوما، وعامورا، وسدوم.
{أهوى} يعني اهواها جبريل إلى الأرض بعدما رفعها إلى السماء.
{فَغَشَّاهَا مَا غشى} يعني الحجارة المنضودة المسوّمة.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ} أي نعمائه عليك {تتمارى} تشك وتجادل.
{هذا} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم {نَذِيرٌ} رسول {مِّنَ النذر} الرسل {الأولى} أرسل إليكم كما أُرسلوا الى أقوامهم، وهذا كما يقال: فلان واحد من بني آدم، وواحد من الناس، وقال أبو ملك: يعني هذا الذي أنذرتكم به من وقائع الأُمم الخالية العاصية في صحف إبراهيم وموسى.
{أَزِفَتِ الآزفة} قربت القيامة.
{لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ} مطهرة مقيمة، و(الهاء) فيه للمبالغة، بيانه قوله: {لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ} [الأعراف: 187]، وقال قتادة: ليس لها من دون الله رادّ، وقيل: ليس لها من دون الله كشف وقيام، ولا تقوم إلاّ بإقامة الله إياها، وهي على هذا القول اسم و(الهاء) فيه كالهاء في الباقية والعافية والراهية. ثم قال لمشركي العرب: {أَفَمِنْ هذا الحديث تَعْجَبُونَ} يعني القرآن {وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} ساهون لاهون غافلون. يقال: دع عنك سمودك أي لهوك، وهي رواية الوالبي والعوفي عن ابن عباس، وقال عكرمة: عنه هو الغناء وكانوا إذا سمعوا القرآن سمدوا ولعبوا، وهي لغة أهل اليمن يقولون: اسمدْ لنا أي تغنَّ.
قال الكلبي: السامد: الحزين بلسان طي، وبلسان أهل اليمن: اللاهي. الضحّاك: أشرون بطرون. قال: وقال ابن عباس: كانوا يمرّون على النبي صلى الله عليه وسلم شامخين، ألم تر إلى الفحل يخطر شامخًا. عكرمة: هو الغناء باللغة الحميرية.
قال أبو عبيدة: يقال للجارية: اسمدي لنا أي غنّي. مجاهد: غضاب مبرطمون، فقيل له: ما البرطمة قال الإعراض.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن صقلاب، قال: حدّثنا ابن أبي الخصيب. قال: حدّثنا محمد بن يونس، قال: حدّثنا عبد الله بن عمرو الباهلي قال: حدّثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: لمّا نزلت هذه الآية {أَفَمِنْ هذا الحديث تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ} بكى أهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلمّا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينهم بكى معهم فبكينا ببكائه، فقال صلى الله عليه وسلم «لا يلج النار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنة مصرّ على معصية، ولو لم تذنبوا لجاء الله سبحانه بقوم يذنبون ثم يغفر لهم».
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد قال: حدّثنا أبي. قال: حدّثنا إبراهيم بن خالد، قال: حدّثنا رباح قال: حدّثنا أبو الجراح عن رجل من أصحابهم يقال له: حارم أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبريل وعنده رجل يبكي فقال له: من هذا؟ قال: فلان «قال: إنّا نزن أعمال بني آدم كلها إلاّ البكاء فإن الله سبحانه ليطفئ بالدمعة بحورًا من نيران جهنم».
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا ابن حمدان بن عبد الله، قال: حدّثنا إبراهيم بن سهلويه قال: حدّثنا جعفر بن محمد أبو بكر الجرار، قال: حدّثنا سعيد بن يعقوب والطالقاني، قال: حدّثنا الوليد بن مسلم، قال: حدّثنا إسماعيل بن رافع، قال: حدّثني ابن أبي مليكة الأحول عن عبد الله بن السايب، قال: قدم علينا سعد بن أبي وقاص بعدما كفّ بصره، فأتيته مسلّمًا عليه، فانتسبني فانتسبت، فقال: مرحبًا بابن أخي بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا».
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا القطيعي، قال: حدّثنا عبد الله، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا وكيع، قال: حدّثنا زياد بن أبي مسلم عن صالح أبي الخليل، قال: لما نزل {أَفَمِنْ هذا الحديث تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ} ما رُأيَ النبي صلى الله عليه وسلم ضاحكًا.
{فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا} أخبرنا الحسين قال: حدّثنا ابن حمدان، قال: حدّثنا ابن ماهان، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن محبوب بن حسان البصري، قال: حدّثنا عبد الوارث ابن سعيد قال: حدّثنا ايوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم فسجد فيها، فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس.
وأخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا مكي بن عبدان، قال: حدّثنا محمد بن يحيى، قال: وفيما قرأت على عبد الله بن نافع، وحدّثني مطرف بن عبد الله، عن ملك، عن ابن شهاب، عن عبد الرَّحْمن الأعرج عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قرأ لهم {والنجم إِذَا هوى} فسجد فيها.
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا بن حمدان، قال: حدّثنا بن ماهان، قال: حدّثنا عبد الله ابن مسلمة عن ابن أبي ذيب عن زيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قرأ عند النبي بالنجم صلى الله عليه وسلم فلم يسجد فيها. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة النجم:
مكية إلا آية 32 فمدنية، وآياتها 62 وقيل 61 آية.
نزلت بعد الإخلاص.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

.[سورة النجم: الآيات 1- 18]:

{وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (10) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (11) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18)}.
النجم: الثريا، وهو اسم غالب لها. قال:
إذا طلع النّجم عشاء ** ابتغى الرّاعى كساء

أو جنس النجوم. قال:
فباتت تعد النّجم في مستحيرة

يريد النجوم {إِذا هَوى} إذا غرب أو انتثر يوم القيامة. أو النجم الذي يرجم به إذا هوى: إذا انقض. أو النجم من نجوم القرآن، وقد نزل منجما في عشرين سنة، إذا هوى: إذا نزل. أو النبات إذا هوى: إذا سقط على الأرض. وعن عروة بن الزبير أنّ عتبة بن أبى لهب وكانت تحته بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أراد الخروج إلى الشام، فقال: لآتين محمدا فلأوذينه، فأتاه فقال: يا محمد، هو كافر بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل في وجه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وردّ عليه ابنته وطلقها، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك»، وكان أبو طالب حاضرا، فوجم لها وقال: ما كان أغناك يا ابن أخى عن هذه الدعوة! فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره، ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلا، فأشرف عليهم راهب من الدير فقال لهم: إن هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب لأصحابه: أغيثونا يا معشر قريش هذه الليلة، فإنى أخاف على ابني دعوة محمد، فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم، وأحدقوا بعتبة، فجاء الأسد يتشمم وجوههم، حتى ضرب عتبة فقتله. وقال حسان:
من يرجع العام إلى أهله ** فما أكيل السّبع بالرّاجع

{ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ} يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم: والخطاب لقريش، وهو جواب القسم، والضلال: نقيض الهدى، والغى نقيض الرشد، أي: هو مهتد راشد وليس كما تزعمون من نسبتكم إياه إلى الضلال والغى، وما أتاكم به من القرآن ليس بمنطق يصدر عن هواه ورأيه، وإنما هو وحى من عند اللّه يوحى إليه. ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء، ويجاب بأنّ اللّه تعالى إذا سوّغ لهم الاجتهاد، كان الاجتهاد وما يستند إليه كله وحيا لا نطقا عن الهوى {شَدِيدُ الْقُوى} ملك شديد قواه، والإضافة غير حقيقية، لأنها إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها، وهو جبريل عليه السلام، ومن قوّته أنه اقتلع قرى قوم لوط من الماء الأسود، وحملها على جناحه، ورفعها إلى السماء ثم قلبها، وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين، وكان هبوطه على الأنبياء وصعوده في أوحى من رجعة الطرف، ورأى إبليس يكلم عيسى عليه السلام على بعض عقاب الأرض المقدّسة، فنفحه بجناحه نفحة فألقاه في أقصى جبل بالهند {ذُو مِرَّةٍ} ذو حصافة في عقله ورأيه ومتانة في دينه فَاسْتَوى فاستقام على صورة نفسه الحقيقية دون الصورة التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحي، وكان ينزل في صورة دحية، وذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحب أن يراه في صورته التي جبل عليها، فاستوى له في الأفق الأعلى وهو أفق الشمس فملأ الأفق. وقيل: ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة في الأرض، ومرة في السماء {ثُمَّ دَنا} من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم {فَتَدَلَّى} فتعلق عليه في الهواء. ومنه: تدلت الثمرة، ودلى رجليه من السرير. والدوالي: الثمر المعلق. قال:
تدلّى عليها بين سب وخيطة

ويقال: هو مثل القرلى: إن رأى خيرا تدلى، وإن لم يره تولى {قابَ قَوْسَيْنِ} مقدار قوسين عربيتين: والقاب والقيب، والقاد والقيد، والقيس: المقدار. وقرأ زيد بن على: {قاد}. وقرئ: {قيد}، و{قدر}. وقد جاء التقدير بالقوس والرمح، والسوط، والذراع، والباع، والخطوة، والشبر، والفتر، والأصبع. ومنه «لا صلاة إلى أن ترتفع الشمس مقدار رمحين». وفي الحديث «لقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع قدّه خير من الدنيا وما فيها» والقدّ: السوط.
ويقال: بينهما خطوات يسيرة. وقال:
وقد جعلتني من حزيمة أصبعا

فإن قلت: كيف تقدير قوله: {فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ}؟ قلت: تقديره فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين، فحذفت هذه المضافات كما قال أبو على في قوله:
وقد جعلتني من حزيمة أصبعا

أى: ذا مقدار مسافة أصبع {أَوْ أَدْنى} أي على تقديركم، كقوله تعالى: {أَوْ يَزِيدُونَ}. إِلى {عَبْدِه} إلى عبد اللّه، وإن لم يجر لاسمه عزّ وجل ذكر، لأنه لا يلبس، كقوله (عَلى ظَهْرِها). {ما أَوْحى} تفخيم للوحى الذي أوحى إليه: قيل أوحى إليه «إنّ الجنة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك» {ما كَذَبَ} فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام، أي: ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذبا، لأنه عرفه، يعنى: أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه، ولم يشك في أنّ ما رآه حق وقرئ: {ما كذب}، أي صدقه ولم يشك أنه جبريل عليه السلام بصورته {أَفَتُمارُونَهُ} من المراء وهو الملاحاة والمجادلة واشتقاقه من مرى الناقة، كأن كل واحد من المتجادلين يمرى ما عند صاحبه. وقرئ: {أفتمرونه}: أفتغلبونه في المراء، من ماريته فمريته، ولما فيه من معنى الغلبة عدّى بعلى، كما تقول: غلبته على كذا: وقيل: أفتمرونه: أفتجحدونه. وأنشدوا:
لئن هجوت أخا صدق ومكرمة ** لقد مريت أخا ما كان يمريكا