فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}.
أصل هذه المسألة؟
أصل هذه المسألة أن بعض السابقين إلى الإسلام كانت لهم قرابات لم تسلم. وكان هؤلاء الأقرباء من الفقراء وكان المسلمون يحبون أن يعطوا هؤلاء الأقارب الفقراء شيئا من مالهم، ولكنهم تحرجوا أن يفعلوا ذلك فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر.
وهاهي ذي أسماء بنت أبي بكر الصديق وأمها قتيلة كانت مازالت كافرة. وتسأل أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعطي من مالها شيئا لأمها حتى تعيش وتقتات. وينزل الحق سبحانه قوله: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء}، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمت على أمي وهي راغبة. أفأصل أمي؟ قال: «نعم صلي أمك» رواه البخارى ومسلم. ولقد أراد بعض من المؤمنين أن يضيقوا على أقاربهم ممن لم يؤمنوا حتى يؤمنوا، لكن الرحمن الرحيم ينزل القول الكريم: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء}.
إنه الدين المتسامي. دين يريد أن نعول المخلوق في الأرض من عطاء الربوبية وإن كان لا يلتقي معنا في عطاء الألوهية؛ لأن عطاء الألوهية تكليف، وعطاء الربوبية رزق وتربية. والرزق والتربية مطلوبات لكل من كان على الأرض؛ لأننا نعلم أن أحدًا في الوجود لم يستدع نفسه في الوجود، وإنما استدعاه خالقه، ومادام الخالق الأكرم هو الذي استدعى العبد مؤمنًا أو كافرًا، فهو المتكفل برزقه. والرزق شيء، ومنطقة الإيمان بالله شيء آخر، فيقول الحق: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء}.
أو أن الآية حينما نزلت في الحث على النفقة ربما أن بعض الناس تكاسل، وربما كان بعض المؤمنين يعمدون إلى الرديء من أموالهم فينفقونه. وإذا كان الإسلام قد جاء ليواجه النفس البشرية بكل أغيارها وبكل خواطرها، فليس بعجيب أن يعالجهم من ذلك ويردهم إلى الصواب إن خطرت لهم خاطرة تسيء إلى السلوك الإيماني. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب حين ينزل أي أمر أن يلتفت المسلمون إليه لفتة الإقبال بحرارة عليه، فإذا رأى تهاونًا في شيء من ذلك حزن، فيوضح له الله: عليك أن تبلغهم أمر الله في النفقة، وما عليك بعد ذلك أن يطيعوا. {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء}.
ولقائل أن يقول: مادام الله هو الذي يهدي فيجب أن نترك الناس على ما هم عليه من إيمان أو كفر، وما علينا إلا البلاغ، ونقول لأصحاب هذا الرأي: تنبهوا إلى معطيات القرآن فيما يتعلق بقضية واحدة، هذه القضية التي نحن بصددها هي الهداية، ولنستقرئ الآيات جميعا، فسنجد أن الذين يرون أن الهداية من الله، وأنه ما كان يصح له أن يعذب عاصيًا، لهم وجهة نظر، والذين يقولون: إن له سبحانه أن يعذبهم؛ لأنه ترك لهم الخيار لهم وجهة نظر، فما وجهة النظر المختلفة حتى يصير الأمر على قدر سواء من الفهم؟ إن الحق سبحانه وتعالى حينما يتكلم في قرآنه الكلام الموحي، فهو يطلب منا أن نتدبره، ومعنى أن نتدبره ألا ننظر إلى واجهة النص ولكن يجب أن ننظر إلى خلفية النص. {أفلا يتدبرون} يعني لا تنظر إلى الوجه، ولكن انظر ما يواجه الوجه وهو الخلف.
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} من الآية [82 سورة النساء].
فالحق سبحانه وتعالى قد قال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} من الآية [17 سورة فصلت].
كيف يكون الله قد هداهم، ثم بعد ذلك يستحبون العمى على الهدى؟ إذن معنى هدام أي دلهم على الخير. وحين دلهم على الخير فقد ترك فيهم قوة الترجيح بين البدائل، فلهم أن يختاروا هذا، ولهم أن يختاروا هذا، فلما هداهم الله ودلهم استحبوا العمى على الهدى. والله يقول لرسول في نصين آخرين في القرآن الكريم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} من الآية [56 سورة القصص].
فنفى عنه أنه يهدي. وأثبت له الحق الهداية في آية أخرى يقول فيها: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} من الآية [52 سورة الشورى].
فكيف يثبت الله فعلًا واحدًا لفاعل واحد ثم ينفي الفعل ذاته عن الفاعل ذاته؟ نقول لهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدل الناس على منهج الله ولكن ليس عليه أن يحملهم على منهج الله؛ لأن ذلك ليس من عمله هو، فإذا قال الله: {إنك لا تهدي} أي لا تحمل بالقصر والقهر من أحببت، وإنما أنت {تهدي} أي تدل فقط، وعليك البلاغ وعلينا الحساب. إذن فقول الحق: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} ليس فيه حجة على القسرية الإيمانية التي يريد بعض المتحللين أن يدخلوا منها إلى منفذ التحلل النفسي عن منهج الله ونقول لهؤلاء: فيه فرق بين هداية الدلالة وهداية المعونة، فالله يهدي المؤمن ويهدي الكافر أي يدلهم، ولكن من آمن به يهديه هداية المعونة، ويهديه هداية التوفيق، ويهديه هداية تخفيف أعمال الطاعة عليه.
{ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم} تلك قضية تعالج الشح منطقيًا، وكل معطٍ من الخلق عطاؤه عائد إليه هو، ولا يوجد معطٍ عطاؤه لا يعود عليه إلا الله، هو وحده الذي لا يعود عطاؤه لخلقه عليه، لأنه سبحانه أزلا وقديما وقبل أن يخلق الخلق له كل صفات الكمال، فعطاء الإنسان يعود إلى الإنسان وعطاء ربنا يعود إلينا. ولذلك قال بعض السلف الذين لهم لمحة إيمانية: ما فعلت لأحد خيرًا قط؟ فقيل له: أتقول ذلك وقد فعلت لفلان كذا ولفلان كذا ولفلان كذا؟ فقال: إنما فعلته لنفسي. فكأنه نظر حينما فعل للغير أنه فعل لنفسه. ولقد قلنا سابقا: إن العارف بالله الحسن البصري كان إذا دخل عليه من يسأله هش في وجهه وبش وقال له: مرحبًا بمن جاء يحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة.
إذن فقد نظر إلى أنه يعطيه وإن كان يأخذ منه. فالحق سبحانه وتعالى يعالج في هذه القضية {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم} أي إياكم أن تظنوا أنني أطلب منكم أن تعطوا غيركم، لقد طلبت منكم أن تنفقوا لأزيدكم أنا في النفقة والعطاء، ثم يقول: {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} ومعنى التوفية: الأداء الكامل. ولا تظنوا أنكم تنفقون على من ينكر معروفكم؛ لأن ما أنفقتم من خير فالله به عليم. إذن فاجعل نفقتك عند من يجحد، ولا تجعل نفقتك عند من يحمد، لأنك بذلك قد أخذت جزاءك ممن يحمدك وليس لدى الله جزاء لك.
كنت أقول دائما للذين يشكون من الناس نكران الجميل ونسيان المعروف: أنتم المستحقون لذلك؛ لأنكم جعلتموهم في بالكم ساعة أنفقتم عليهم، ولو جعلتم الله في بالكم لما حدث ذلك منهم أبدًا. {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله} أهذه الآية تزكية لعمل المؤمنين، أم خبر أريد به الأمر؟ إنها الاثنان معا، فهي تعني أنفقوا ابتغاء وجه الله. {وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} أنتم لا تظلمون من الخلق، ولا تظلمون من الخالق، أما من الخلق فقد استبرأتم دينكم وعرضكم حين أديتم بعض حقوق الله في أموالكم، فلن يعتدي أحد عليكم ليقول ما يقول، وأما عند الله فهو سبحانه يوفي الخير أضعاف أضعاف ما أنفقتم فيه.
وبعد ذلك يتكلم الحق سبحانه وتعالى عن مصرف من مصارف النفقة كان في صدر الإسلام: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)}.
أخرج الفريابي وعبد بن حميد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين، فسألوا فنزلت هذه الآية: {ليس عليك هداهم} إلى قوله: {وأنتم لا تظلمون} فرخص لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن لا نتصدق إلا على أهل الإِسلام حتى نزلت هذه الآية: {ليس عليك هداهم} إلى آخرها. فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصدق على المشركين، فنزلت {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله} فتصدق عليهم».
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَصَدَّقُوا إلا على أهل دينكم. فأنزل الله: {ليس عليك هداهم} إلى قوله: {وما تفعلوا من خير يوف إليكم}» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدقوا على أهل الأديان».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية قال: كره الناس أن يتصدقوا على المشركين، فأنزل الله: {ليس عليك هداهم} فتصدق الناس عليهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان أناس من الأنصار لهم أنساب وقرابة من قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم ويريدونهم أن يسلموا فنزلت {ليس عليك هداهم} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجالًا من الصحابة قالوا: أنتصدق على من ليس من أهل ديننا؟ فنزلت {ليس عليك هداهم} الآية.
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: كان الرجل من المسلمين إذا كان بينه وبين الرجل من المشركين قرابة وهو محتاج لا يتصدق عليه، يقول: ليس من أهل ديني. فنزلت {ليس عليك هداهم}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: سأله رجل ليس على دينه فأراد أن يعطيه، ثم قال: ليس على ديني. فنزلت {ليس عليك هداهم}.
وأخرج سفيان وابن المنذر عن عمرو الهلالي قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتصدق على فقراء أهل الكتاب؟ فأنزل الله: {ليس عليك هداهم} الآية. ثم دلوا على الذي هو خير وأفضل، فقيل: {للفقراء الذين أحصروا} [البقرة: 273] الآية.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: كانوا يعطون فقراء أهل الذمة صدقاتهم، فلما كثر فقراء المسلمين قالوا: لا نتصدق إلا على فقراء المسلمين، فنزلت {ليس عليك هداهم} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: أما {ليس عليك هداهم} فيعني المشركين، وأما النفقة فبين أهلها فقال: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} [البقرة: 273].
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله: {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله} قال: إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: نفقة المؤمن لنفسه، ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} قال: هو مردود عليك فما لك ولهذا تؤذيه وتمن عليه، إنما نفقتك لنفسك وابتغاء وجه الله والله يجزيك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب في قوله: {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} قال: إنما نزلت هذه الآية في النفقة على اليهود والنصارى. اهـ.