فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثالث: أنه وفَّى الطاعة فيما فعل بابنه، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال القرظي.
والرابع: أنه وفَّى ربَّه جميع شرائع الإسلام، روى هذا المعنى عكرمة عن ابن عباس.
والخامس: أنه وفَّى ما أُمر به من تبليغ الرِّسالة، روي عن ابن عباس أيضًا.
والسادس: أنه عَمِل بما أُمر به، قاله الحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، وقال مجاهد: وفَّى ما فُرض عليه.
والسابع: أنه وفَّى بتبليغ هذه الآيات، وهي: {ألاّ تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أُخْرى} وما بعدها، وهذا مروي عن عكرمة، ومجاهد، والنخعي.
والثامن: وفَّى شأن المناسك، قاله الضحاك.
والتاسع: أنه عاهد أن لا يَسأل مخلوقًا شيئًا، فلمّا قُذف في النار قال له جبريل، ألَكَ حاجةٌ؟ فقال: أمّا إليك فلا، فوفَّى بما عاهد، ذكره عطاء بن السائب.
والعاشر: أنه أدَّى الأمانة، قاله سفيان بن عيينة.
ثم بيَّن ما في صحفهما فقال: {ألاّ تَزِرُ وازِرةٌ وِزْرَ أُخْرى} أي: لا تَحْمِل نَفْس حاملةٌ حِْملَ أُخْرى؛ والمعنى: لا تؤخَذ بإثم غيرها.
{وأن ليس للإنسان إِلاّ ما سعى} قال الزجّاج: هذا في صحفهما أيضًا.
ومعناه: ليس للإنسان إِلاّ جزاء سعيه، إِن عَمِل خيرًا جُزِي عليه خيرًا، وإِن عَمِل شَرًّا.
جزي شَرًّا.
واختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال.
أحدها: أنها منسوخة بقوله: {وأَتْبَعْناهم ذُرِّياتِهم بإيمان} [الطور: 21] فأُدخل الأبناء الجَنَّة بصلاح الآباء، قاله ابن عباس، ولا يصح، لأن لفظ الآيتين لفظ خبر، والأخبار لا تُنْسَخ.
والثاني: أن ذلك كان لقوم إبراهيم وموسى، وأما هذه الأمَّة فلهم ما سَعَوا وما سعى غيرُهم، قاله عكرمة، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته: إنَّ أبي مات ولم يحُجَّ، فقال: «حُجِّي عنه».
والثالث: أن المراد بالإنسان هاهنا: الكافر، فأمّا المؤمن، فله ما سعى وما سُعي له، قاله الربيع بن أنس.
والرابع: أنه ليس للإنسان إلاّ ما سعى من طريق العدل، فأمّا مِنْ باب الفَضْل، فجائز أن يَزيده اللهُ عز وجل ما يشاء، قاله الحسين بن الفضل.
والخامس: أن معنى {ما سعى} ما نوى، قاله أبو بكر الورّاق.
والسادس: ليس للكافر من الخير إلا ما عمله في الدُّنيا، فيُثاب عليه فيها حتى لا يبقى له في الآخرة خير، ذكره الثعلبي.
والسابع: أن اللام بمعنى (على) فتقديره: ليس على الإنسان إلا ما سعى.
والثامن: أنه ليس له إلاّ سعيه، غير أن الأسباب مختلفة، فتارة يكون سعيه في تحصيل قرابة وولد يترحم عليه وصديق، وتارة يسعى في خِدمة الدِّين والعبادة، فيكتسب محبة أهل الدِّين، فيكون ذلك سببا حصل بسعيه، حكى القولين شيخنا علي بن عبيد الله الزاغوني.
قوله تعالى: {وأنَّ سَعْيَه سوف يُرَى} فيه قولان.
أحدهما: سوف يُعْلَم، قاله ابن قتيبة.
والثاني: سوف يرى العبدُ سعيَه يومَ القيامة، أي: يرى عمله في ميزانه، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {يُجْزاه} الهاء عائدة على السعي {الجزاءَ الأَوْفَى} أي: الأكمل الأَتمّ.
{وأنَّ إلى ربِّك المُنتهى} أي: مُنتهى العباد ومَرجِعهُم.
قال الزجاج: هذا كُلُّه في صحف إبراهيم وموسى.
قوله تعالى: {وأنَّه هو أضْحك وأبْكى} قالت عائشة: مَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوم يضحكون، فقال: «لو تَعْلَمونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكتم قليلًا، ولبَكَيتم كثيرًا»، فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية، فرجع إليهم، فقال: ما خطَوْتُ أربعينَ خطوة حتى أتاني جبريل، فقال: إئت هؤلاء فقُل لهم: إن الله يقول: وأنَّه هو أضحك وأبْكى، وفي هذا تنبيه على أن جميع الأعمال بقضاء الله وقدره حتى الضحك والبُكاء.
وقال مجاهد: أضْحكَ أهلَ الجَنَّة، وأبكى أهل النّار.
وقال الضحاك: أضْحَك الأرض بالنبات.
وأبكى السماءَ بالمطر.
قوله تعالى: {وأنَّه هو أمات} في الدُّنيا {وأحْيا} للبعث.
{وأنَّه خَلَق الزَّوجَين} أي: الصِّنفين {الذَّكر والأنثى} من جميع الحيوانات، {مِنْ نُطْفة إذا تُمْنى} فيه قولان.
أحدهما: إذا تُراق في الرَّحِم، قاله ابن السائب.
والثاني: إذا تُخْلق وتُقَدَّر، {وأنَّ عليه النَّشْأةَ الأخْرى} وهي الخَلْق الثاني للبعث يوم القيامة.
{وأنَّه هو أغْنى} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أغنى بالكفاية، قاله ابن عباس.
والثاني: بالمعيشة، قاله الضحاك.
والثالث: بالأموال، قاله أبو صالح.
والرابع: بالقناعة، قاله سفيان.
وفي قوله: {أقنى} ثلاثة أقوال:
أحدها: أرْضى بما أعطى، قاله ابن عباس.
والثاني: أخْدم، قاله الحسن، وقتادة، وعن مجاهد كالقولين.
والثالث: جعل للإنسان قِنْيَةً، وهو أصل مال، قاله أبو عبيدة.
قوله تعالى: {وأنَّه هو ربُّ الشِّعْرى} قال ابن قتيبة: هو الكوكب الذي يطْلُع بعد الجَوْزاء، وكان ناس من العرب يعبُدونها.
قوله تعالى: {وأنَّه أهلك عادًا الأولى} قرأ ابن كثير، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {عادًا الأولى} منوَّنة.
وقرأ نافع، وأبو عمرو: {عادًا لُولى} موصولة مدغمة.
ثم فيهم قولان.
أحدهما: أنهم قوم هود، وكان لهم عقب فكانوا عادًا الأخرى، هذا قول الجمهور.
والثاني: أن قوم هود هم عادٌ الأخرى، وهم من أولاد عادٍ الأولى، قاله كعب الأحبار.
وقال الزجاج: وفي {الأولى} لغات، أجودها سكون اللام وإثبات الهمزة، والتي تليها في الجودة ضم اللام وطرح الهمزة، ومن العرب من يقول: لُولى، يريد: الأُولى، فتطرح الهمزة لتحرّك اللاّم.
قوله تعالى: {وقومَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} أي: مِن قَبْل عادٍ وثمودَ {إنَّهم كانوا هُمْ أظلمَ وأطغى} من غيرهم، لطول دعوة نوح إيّاهم، وعتوّهم.
{والمُؤتفِكةُ} قُرى قوم لوط {أهوى} أي: أسقط، وكان الذي تولَّى ذلك جبريل بعد أن رفعها، وأتبعهم اللهُ بالحجارة، فذلك قوله: {فغشّاها} أي: ألبسها {ما غشَّى} يعني الحجارة {فبأيِّ آلاءِ ربِّكَ تتمارى} هذا خطاب للإنسان، لمّا عدَّد اللهُ ما فعله ممّا يَدلُّ على وحدانيَّته قال: فبأيِّ نِعم ربِّك التي تدُلُّ على وحدانيَّته تتشكَّك؟ وقال ابن عباس: فبأي آلاءِ ربِّك تكذِّب يا وليد، يعني الوليد بن المغيرة.
قوله تعالى: {هذا نذيرٌ} فيه قولان.
أحدهما: أنه القرآن، نذيرٌ بما أنذرتْ الكتبُ المتقدِّمة، قاله قتادة.
والثاني: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، نذيرٌ بما أنذرتْ به الأنبياءُ، قاله ابن جريج.
قوله تعالى: {أزِفت الآزفة} أي: دَنَت القيامة، {ليس لها مِنْ دُون الله كاشفة} فيه قولان.
أحدهما: إذا غَشِيَت الخَلْقَ شدائدُها وأهوالُها لمْ يَكْشِفها أحد ولم يرُدَّها، قاله عطاء، وقتادة، والضحاك.
والثاني: ليس لعِلْمها كاشف دونَ الله، أي: لا يَعلم عِلْمها إلاّ الله، قاله الفراء، قال: وتأنيث {كاشفة} كقوله: {هل ترى لهم من باقيةٍ} [الحاقة: 8] يريد: مِن بقاءٍ؛ والعافية والباقية والناهية كُلُّه في معنى المصدر.
وقال غيره: تأنيث {كاشفة} على تقدير: نفس كاشفة.
قوله تعالى: {أفَمِن هذا الحديث} قال مقاتل: يعني القرآن {تَعْجَبونَ} تكذيبًا به، {وتَضْحَكون} استهزاءً {ولا تَبْكون} ممّا فيه من الوعيد؟! ويعني بهذا كفار مكة، {وأنتم سامِدون} فيه خمسة أقوال.
أحدها: لاهون، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الفّراء والزجّاج.
قال أبو عبيدة: يقال: دَعْ عنك سُمودَك، أي: لَهْوك.
والثاني: مُعْرِضون، قاله مجاهد.
والثالث: أنه الغِناء، وهي لغة يمانية، يقولون: اسْمُد لنا، أي: تَغَنَّ لنا، رواه عكرمة عن ابن عباس.
وقال عكرمة: هو الغِناء بالحِمْيَريَّة.
والرابع: غافلون، قاله قتادة.
والخامس: أشِرون بَطِرون، قاله الضحاك.
قوله تعالى: {فاسْجُدوا لله} فيه قولان.
أحدهما: أنه سُجود التلاوة، قاله ابن مسعود.
والثاني: سُجود الفرض في الصلاة.
قال مقاتل: يعني بقوله: {فاسْجُدوا}: الصلوات الخمس.
وفي قوله: {واعْبُدوا} قولان.
أحدهما: أنه التوحيد.
والثاني: العبادة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {والنجم إذا هوى}.
قال ابن عباس يعني الثريا إذا سقطت وغابت والعرب تسمي الثريا نجمًا ومنه قولهم إذا طلع النجم عشاء ابتغى الراعي كساء وجاء في الحديث عن أبي هريرة مرفوعًا: «ما طلع النجم قط وفي الأرض من العاهة شيء إلا رفع» أراد بالنجم الثريا، وقيل: هي نجوم السماء كلها وهويها غروبها فعلى هذا لفظه واحد ومعناه الجمع.
وروي عن ابن عباس أنه الرجوم من النجوم وهي ما ترمى به الشياطين عند استراق السمع.
وقيل: هي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة.
وقيل: أراد بالنجم القرآن سمي نجمًا لأنه نزل نجومًا متفرقة في عشرين سنة وهو قول ابن عباس أيضًا.
وقيل: النجم هو النبت الذي لا ساق له وهويه سقوطه إذا يبس على الأرض.
وقيل: النجم هو محمد صلى الله عليه وسلم وهويه نزوله ليلة المعراج من السماء وجواب القسم قوله تعالى: {ما ضل صاحبكم} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم ما ضل عن طريق الهدى {وما غوى} أي ما جهل.
وقيل: الفرق بين الضلال والغي أن الضلال هو أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقًا أصلًا والغواية أن لا يكون له طريق إلى مقصده مستقيم وقيل: إن الضلال أكثر استعمالًا من الغواية {وما ينطق عن الهوى} أي بالهوى والمعنى لا يتكلم بالباطل وذلك أنهم قالوا: إن محمدًا يقول القرآن من تلقاء نفسه {إن هو} أي ما هو يعني القرآن وقيل: نطقه في الدين {إلا وحي} من الله {يوحى} إليه.
{علمه شديد القوى} يعني جبريل علم محمدًا صلى الله عليه وسلم ما أوحى الله إليه وكونه شديد القوى أنه اقتلع قرى قوم لوط وحملها على جناحه حتى بلغ بها السماء ثم قلبها وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين وكان هبوطه بالوحي على الأنبياء أسرع من رجعة الطرف {ذو مرة} أي ذو قوة وشدة.
وقال ابن عباس: ذو منظر حسن وقيل: ذو خلق طويل حسن.
{فاستوى} يعني جبريل {وهو} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم والمعنى استوى جبريل ومحمد ليلة المعراج {بالأفق الأعلى} عند مطلع الشمس وقيل: فاستوى يعني جبريل وهو كناية عن جبريل أيضًا أي قام في صورته التي خلقه الله فيها وهو بالأفق الأعلى وذلك أن جبريل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي الأنبياء قبله فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على صورته التي جبل عليها فأراه نفسه مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء فأما التي في الأرض فبالأفق الأعلى والمراد بالأفق الأعلى جانب المشرق وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بحراء، فطلع له جبريل من ناحية المشرق، فسد الأفق إلى المغرب فخرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشيًا عليه فنزل جبريل عليه، الصلاة والسلام في صورة الآدميين فضمه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وهو قوله تعالى: {ثم دنا فتدلى} وأما التي في السماء فعند سدرة المنتهى ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة التي خلق عليها إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى}.
اختلف العلماء في معنى هذه لآية فروي عن مسروق بن الأجدع قال قلت لعائشة فأين قوله ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى؟ قالت ذلك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل وإنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته فسد الأفق أخرجاه في الصحيحين.
وعن زر بن حبيش في قوله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى} وفي قوله: {ما كذب الفؤاد ما رأى} وفي قوله: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} قال: فيها كلها أن ابن مسعود قال رأى جبريل له ستمائة جناح زاد في رواية أخرى رأى جبريل في صورته أخرجه مسلم والبخاري في قوله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى} فعلى هذا يكون معنى الآية ثم دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فتدلى إلى محمد صلى الله عليه وسلم فكان منه قاب قوسين أو أدنى أي: بل أدنى وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير تقديره ثم تدلى فدنا لأن التدلي سبب الدنو.
وقال آخرون: ثم دنا الرب من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى أي فقرب منه حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى وقد ورد في الصحيحين في حديث المعراج من رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى.
وهذه رواية أبي سلمة عن ابن عباس والتدلي هو النزول إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ عبد الحق في كتابه.
الجمع بين الصحيحين، بعد ذكر حديث أنس من رواية شريك، وقد زاد فيه زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة.
وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين كابن شهاب وثابت البناني وقتادة يعني عن أنس فلم يأت أحد منهم بما أتى به وفي رواية شريك قدم وآخر وزاد ونقص فيحتمل أن هذا اللفظ من زيادة شريك في الحديث وقال الضحاك دنا محمد صلى الله عليه وسلم من ربه فتدلى أي فأهوى للسجود فكان منه قاب قوسين أو أدنى والقاب القدر والقوس الذي يرمي به وهو رواية عن ابن عباس.