فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرئ مخففًا والتشديد مبالغة في الوفاء.
وعن الحسن: ما أمره الله بشيء إلا وفى به، وعن عطاء بن السائب: عهد أن لا يسأل مخلوقًا فلما قذف في النار قال له جبريل: ألك حاجة؟ فقال أما إليك فلا.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «وفي عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار وهي صلاة الضحى».
ورُوي «ألا أخبركم لم سمى الله خليله الذي وفى؟ كان يقول إذا أصبح وإذا أمسى: {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ} إلى {حِينٍ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18]» وقيل: وفي سهام الإسلام وهي ثلاثون: عشرة في (التوبة) {التائبون} [التوبة: 112]، وعشرة في (الأحزاب) {إِنَّ المسلمين} [الآية: 35] وعشرة في (المؤمنين) {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} [المؤمنون: 1] ثم أعلم بما في صحف موسى وإبراهيم فقال: {أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} تزر من وزر يزر إذا اكتسب وزرًا وهو الإثم، و(أن) مخففة من الثقيلة والمعنى أنه لا تزر والضمير ضمير الشأن ومحل (أن) وما بعدها الجر بدلًا من {مَا في صُحُفِ موسى} أو الرفع على هو أن لا تزر كأن قائلًا قال: وما في صحف موسى وإبراهيم؟ فقيل: {أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} أي لا تحمل نفس ذنب نفس.
{وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} إلا سعيه وهذه أيضًا مما في صحف إبراهيم وموسى، وأما ما صح في الأخبار من الصدقة عن الميت والحج عنه فقد قيل: إن سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنيًا على سعي نفسه وهو أن يكون مؤمنًا كان سعي غيره كأنه سعي نفسه لكونه تابعًا له وقائمًا بقيامه، ولأن سعي غيره لا ينفعه إذا عمله لنفسه ولكن إذا نواه به فهو بحكم الشرع كالنائب عنه والوكيل القائم مقامه {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى} أي يرى هو سعيه يوم القيامة في ميزانه {ثُمَّ يُجْزَاهُ} ثم يجزى العبد سعيه.
يقال: جزاه الله عمله وجزاه على عمله بحذف الجار وإيصال الفعل، ويجوز أن يكون الضمير للجزاء.
ثم فسره بقوله: {الجزاء الأوفى} أو أبدله عنه {وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} هذا كله في الصحف الأولى.
والمنتهى مصدر بمعنى الانتهاء أي ينتهي إليه الخلق ويرجعون إليه كقوله: {وإلى الله المصير} [آل عمران: 28] {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى} خلق الضحك والبكاء.
وقيل: خلق الفرح والحزن.
وقيل: أضحك المؤمنين في العقبى بالمواهب وأبكاهم في الدنيا بالنوائب و{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} قيل: أمات الآباء وأحيا الأبناء، أو أمات بالكفر وأحيا بالإيمان، أو أمات هنا وأحيا ثمة {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى} إذا تدفق في الرحم يقال منى وأمنى {وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى} الإحياء بعد الموت {وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى} وأعطى القنية وهي المال الذي تأثلته وعزمت أن لا تخرجه من يدك.
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} هو كوكب يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر وكانت خزاعة تعبدها، فأعلم الله أنه رب معبودهم هذا {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولى} هم قوم هود وعاد الأخرى إرم {عَادٍ الولى} مدني وبصري غير سهل بإدغام التنوين في اللام وطرح همزة {أُوْلِى} ونقل ضمتها إلى لام التعريف {وَثَمُودَاْ فَمَا أبقى} حمزة وعاصم الباقون {وَثَمُودَاْ} وهو معطوف على {عَادًا} ولا ينصب ب {فَمَا أبقى} لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبله لا تقول: زيدًا فضربت، وكذا ما بعد النفي لا يعمل فيما قبله، والمعنى وأهلك ثمود فما أبقاهم.
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أي أهلك قوم نوح {مِن قَبْلُ} من قبل عاد وثمود {إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} من عاد وثمود لأنهم كانوا يضربونه حتى لا يكون به حرام وينفرون عنه حتى كانوا يحذرون صبيانهم أن يسمعوا منه {والمؤتفكة} والقرى التي ائتفكت بأهلها أي انقلبت وهم قوم لوط يقال: أفكه فأتفك {أهوى} أي رفعها إلى السماء على جناح جبريل ثم أهواها إلى الأرض أي أسقطها و{المؤتفكة} منصوب ب {أهوى} {فغشاها} ألبسها {مَا غشى} تهويل وتعظيم لما صب عليها من العذاب وأمطر عليها من الصخر المنضود {فَبِأَىّ الاء رَبّكَ} أيها المخاطب {تتمارى} تتشكك بما أولاك من النعم أو بما كفاك من النقم، أو بأي نعم ربك الدالة على وحدانيته وربوبيته تشكك {هذا نَذِيرٌ} أي محمد منذر {مّنَ النذر الأولى} من المنذرين الأولين.
وقال: {الأولى} على تأويل الجماعة أو هذا القرآن نذير من النذر الأولى أي إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي أنذر بها من قبلكم {أَزِفَتِ الآزفة} قربت الموصوفة بالقرب في قوله: {اقتربت الساعة} [القمر: 1] {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ} أي ليس لها نفس كاشفة أي مبينة متى تقوم كقوله: {لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} [الأعراف: 187].
أو ليس لها نفس كاشفة أي قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله تعالى غير أنه لا يكشفها {أَفَمِنْ هذا الحديث} أي القرآن {تَعْجَبُونَ} إنكارًا {وَتَضْحَكُونَ} استهزاء {وَلاَ تَبْكُونَ} خشوعًا {وَأَنتُمْ سامدون} غافلون أو لاهون لاعبون، وكانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء ليشغلوا الناس عن استماعه {فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا} أي فاسجدوا لله واعبدوه ولا تعبدوا الآلهة، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

{والنجم إِذَا هوى} فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنها الثريا لأنها غلب عليها التسمية بالنجم، ومعنى هوى غرب وانتثر يوم القيامة، الثاني أنه جنس النجوم، ومعنى هوى كما ذكرنا، أو انقضت تَرْجُم الشياطين. الثالث أنه من نجوم القرآن، وهو الجملة التي تنزل، وهوى على هذا معناه نزل {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غوى} هذا جواب القسم، والخطاب لقريش، وصاحبكم هو النبي صلى الله عليه وسلم، فنفى عنه الضلال والغيّ، والفرق بينهما: أن الضلال بغير قصد، والغيّ بقصد وتكسب {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} أي ليس يتكلم بهواه وشهوته، إنما يتكلم بما يوحي الله إليه {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى} يعني القرآن.
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} ضمير المفعول للقرآن أو للنبي صلى الله عليه وسلم، والشديد القوي: جبريل، وقيل: الله تعالى، والأول أرجح لقوله: {ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العرش} [التكوير: 20] والقُوى جمع: قوة {ذُو مِرَّةٍ} أي ذو قوّة، وقيل: ذو هيئة حسنة، والأول هو الصحيح في اللغة {فاستوى} أي استوى جبريل في الجو؛ إذ رآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو بحراء، وقيل: معنى استوى: ظهر في صورته على ستمائة جناح، قد سدّ الأفق بخلاف ما كان يتمثل به من الصور إذا نزل بالوحي، وكان غالبًا ما ينزل في صورة الصحابي دحية الكلبي {وَهُوَ بالأفق الأعلى} الضمير لجبريل وقيل: لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والأول أصح {ثُمَّ دَنَا فتدلى} الضميران لجبريل أي دنا من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فتدلّى في الهواء، وهو عند بعضهم من المقلوب تقديره: فتدلى فدنا.
{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى} القابُ: مقدار المسافة، أي كان جبريل من سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام في القرب بمقدار قوسين عربيتين، ومعناه من طرف العود إلى الطرف الآخر، وقيل: من الوتر إلى العود، وقيل: ليس القوس التي يرمى بها، وإنما هي ذراع تقاس بها المقادير ذكر الثعلبي. وقال: إنه من لغة أهل الحجاز، وتقدير الكلام: فكان مقدار مسافة جبريل من سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام مثل قاب قوسين. ثم حذفت هذه المضافات، ومعنى {أَوْ أدنى} أو أقرب و{أَوْ} هنا مثل قوله: {أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] وأشبه التأويلات فيها أنه إذا نظر إليه البشر احتمل عنده أن يكون قاب قوسين أو يكون أدنى، وهذا الذي ذكرنا أن هذه الضمائر المتقدمة لجبريل هو الصحيح، وقد ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، وقيل: إنها لله تعالى، وهذا القول يردّ عليه الحديث والعقل، إذ يجب تنزيه الله تعالى عن تلك الأوصاف من الدنو والتدلي وغير ذلك.
{فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى} في هذه الضمائر ثلاثة أقوال: الأول أن المعنى أوحى الله إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم. الثاني أوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى، وعاد الضمير على الله في القولين، لأن سياق الكلام يقتضي ذلك وإن لم يتقدم ذكره، فهو كقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} [القدر: 1]. الثالث أوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى، وفي قوله: {مَآ أوحى} إبهام مراد يقتضي التفخيم والتعظيم.
{مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بعينه، بل صدق بقلبه أن الذي رآه بعينه حق، والذي رأى هو جبريل، يعني حين رآه بمقدار ملأ الأفق، وقيل: رأى ملكوت السموات والأرض، والأول أرجح لقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى} وقيل: الذي رآه هو الله تعالى، وقد أنكرت ذلك عائشة، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: «نور أنَّى أراه»؟ {أَفَتُمَارُونَهُ على مَا يرى} هذا خطاب لقريش، والمعنى أتجادلونه على ما يرى، وكانت قريش قد كذبت لما قال إنه رأى ما رأى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى} أي لقد رأى محمد جبريل عليهما الصلاة والسلام مرة أخرى وهو ليلة الإسراء، وقيل: ضمير المفعول لله تعالى، وأنكرت ذلك عائشة، وقالت: «من زعم أن محمدًا رأى ربه ليلة الإسراء فقد أعظم الفرية على الله تعالى: {عِندَ سِدْرَةِ المنتهى} هي شجرة في السماء السابعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثمرتها كالقلال وورقها كآذان الفيلة»، وسميت سدرة المنتهى؛ لأن إليها ينتهي علم كل عالم، ولا يعلم ما وراءها إلا الله تعالى. وقيل: سميت بذلك لأن ما نزل من أمر الله يلتقي عندها، فلا يتجاوزها ملائكة العلو إلى أسفل، ولا يتجاوزها ملائكة السفل إلى أعلى {عِندَهَا جَنَّةُ المأوى} يعني أن الجنة التي وعدها الله عباده هي سدة المنتهى، وقيل: هي جنة أخرى تأوي إليها أرواح الشهداء، والأول أظهر وأشهر.
{إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى} فيه إبهام لقصد التعظيم، قال ابن مسعود: غشيها فراش من ذهب، وقيل: كثرة الملائكة، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فغشيها ألوان لا أدري ما هي وهذا أولى أن تفسر به الآية: {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى} أي ما زاغ بصر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عما رآه من العجائب، بل أثبتها وتيقنها، {وَمَا طغى}: أي ما تجاوز ما رأى إلى غيره.
{لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى} يعني ما رأى ليلة الإسراء من السموات والجنة والنار والملائكة والأنبياء وغير ذلك. ويحتمل أن تكون الكبرى مفعولًا أو نعتًا لآيات ربه، والمعنى يختلف على ذلك.
{أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى} هذه أوثان كانت تعبد من دون الله، فخاطب الله من كان يعبدها من العرب على وجه التوبيخ لهم، وقال ابن عطية: الرؤيا هنا رؤية العين؛ لأن الأوثان المذكورة أجرام مرئية، فأما اللات فصنم كان بالطائف، وقيل: كان بالكعبة، وأما العزّى فكانت صخرة بالطائف، وقيل: شجرة فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها تدعو بالويل؛ فضربها بالسيف حتى قتلها، وقيل: كانت بيتًا تعظمه العرب وأصل لفظ العزى مؤنثة الأعز، وأما مناة فصخرة كانت لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة. وكانت أعظم هذه الأوثان قال ابن عطية: ولذلك قال تعالى: الثالثة الأخرى فأكدها بهاتين الصفتين، وقال الزمخشري: الأخرى ذم وتحقير أي المتأخرة الوضيعة القدر.
ومنه: {قالتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ} [الأعراف: 38].
{أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى} كانوا يقولون: إن الملائكة وهذه الأوثان بنات الله، فأنكر الله عليهم ذلك أي كيف تجعلون لأنفسكم الأولاد الذكور، وتجعلون لله البنات التي هي عندكم حقيرة بغيضة، وقد ذكر هذا المعنى في النحل وغيرها، ويحتمل أن يكون أنكر عليهم جعل هذه الأوثان شركاء الله تعالى؛ مع أنهن إناث والإناث حقيرة بغيضة عندهم.
{تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضيزى} أي هذه القسمة التي قسمتم جائرة غير عادلة، يعني جعلهم الذكور لأنفسهم والإناث لله تعالى ووزن ضيزى فُعلى بضم الفاء، ولكنها كسرت لأجل الياء التي بعدها.
{إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ} الضمير للأوثان، وقد ذكر هذا المعنى في [الأعراف: 71] في قوله: {أتجادلونني في أَسْمَاءٍ} {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} يعني أنهم يقولون أقوالًا بغير حجة كقولهم: إن الملائكة بنات الله، وقولهم: إن الأصنام تشفع لهم غير ذلك.
{أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تمنى} أم هنا للإنكار، والإنسان هنا جنس بني آدم: أي ليس لأحد ما يتمنى بل الأمر بيد الله، وقيل: إن الإشارة إلى ما طمع فيه الكفار من شفاعة الأصنام، وقيل: إلى قول العاصي بن وائل: لأوتين مالًا وولدًا، وقيل: هو تمني بعضهم أن يكون نبيًا، والأحسن حمل اللفظ على إطلاقه.
{وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السماوات} الآية: رد على الكفار في قولهم: إن الأوثان تشفع لهم، كأنه يقول: الملائكة الكرام لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا بإذن الله فكيف أوثانكم؟ {إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَاءُ ويرضى} معناه أن الملائكة لا يشفعون لشخص إلا بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة فيه ويرضى عنه.
{لَيُسَمُّونَ الملائكة تَسْمِيَةَ الأنثى} يعني قولهم: إن الملائكة بنات الله، ثم ردّ عليهم بقوله: {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ}.
{ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ العلم} أي إلى ذلك انتهى علمهم، لأنهم عملو ما ينفع في الدنيا ولم يعلموا ما ينفع في الآخرة {لِيَجْزِيَ} اللام متعلقة بمعنى ما قبلها والتقدير: أن الله مالك أمر السموات والأرض ليجزي الذي أساءوا بما عملوا وقيل: يتعلق بضل واهتدى {كَبَائِرَ الإثم} ذكرنا الكبائر في [النساء: 31] {إِلاَّ اللمم} فيه إربعة أقوال: الأول: أنه صغائر الذنوب فالاستثناء على هذا منقطع. الثاني: أنه الإلمام بالذنوب على وجه الفلتة والسقطة دون دوام عليها. الثالث: أنه ما ألموا به في الجاهلية من الشرك والمعاصي: الرابع: أنه الهمّ بالذنوب وحديث النفس به دون أن يفعل {أَجِنَّةٌ} جمع جنين {فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ} أي لا تنسبوا أنفسكم إلى الصلاح والخير، قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون نهى عن أن يزكي بعض الناس بعضًا، وهذا بعيد لأنه تجوز التزكية في الشهادة وغيرها.
{أَفَرَأَيْتَ الذي تولى} الآية: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل: نزلت في العاصي بن وائل {وأكدى} أي قطع العطاء وأمسك.
{وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى} قيل: وفي طاعة الله في ذبح ولده، وقيل: وفي تبليغ الرسالة، وقيل: وفي شرائع الإسلام، وقيل: وفي الكلمات التي ابتلاه الله بهن، وقيل: وفي هذه العشر الآيات.
{أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} ذكر فيما تقدم، وهذه الجملة لما في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام.
{وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} السعي هنا بمعنى العمل، وظاهرها أنه لا ينتفع أحد بعمل غيره، وهي حجة لمالك في قوله: لا يصوم أحد عن وليه إذا مات وعليه صيام، واتفق العلماء على أن الأعمال المالية كالصدقة والعتق يجوز أن يفعلها الإنسان عن غيره، ويصل نفعها إلى من فعلت عنه، واختلفوا في الأعمال كالصلاة والصيام وقيل: إن هذه الآية منسوخة بقوله: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] والصحيح أنها مُحكمة لأنها خبر: والأخبار لا تنسخ. وفي تأويلها ثلاثة أقوال: الأول: أنها إخبار عما كان في شريعة غيرنا فلا يلزم في شريعتنا الثاني: أن للإنسان ما عمل بحق وله ما عمل له غيره بهبة العامل له، فجاءت الآية في أثبات الحقيقة دون ما زاد عليها الثالث: أنها في الذنوب، وقد اتفق أنه لا يحتمل أحد ذنب أحد، ويدل على هذا قوله بعدها: {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} وكأنه يقول: لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ولا يؤاخذ إلا بذنب نفسه: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى} قيل: معناه يراه الخلق يوم القيامة، والأظهر أنه صاحب لقوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7].
{وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى} فيه قولان أحدهما أن معناه إلى الله المصير في الآخرة، والآخر أن معناه أن العلوم تنتهي إلى الله، ثم يقف العلماء عند ذلك، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا فكرة في الرب.