فصل: (سورة القمر: الآيات 33- 42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ألا عللاني قبل نوح النوائح ** وقبل اضطراب النفس بين الجوانح

وقبل غد يا لهف نفسي في غد ** إذا راح أصحابي ولست برائح

أراد وقت الموت ولم يرد غدا بعينه. ومنه قول الحطيئة:
للموت فيها سهام غير مخطئة ** من لم يكن ميتا في اليوم مات غدا

2- التشبيه: وفي قوله: {فكانوا كهشيم المحتظر} تشبيه مرسل لإهلاكهم وإفنائهم.

.[سورة القمر: الآيات 33- 42]:

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِبًا إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)}.

.اللغة:

{حاصِبًا} ريحا حصبتهم أي رمتهم بالحجارة والحصباء، قال الفرزدق:
مستقبلين شمال الشام تضربنا ** بحاصب كنديف القطن منثور

وفي المختار: الحصباء بالمدّ الحصى ومنه المحصّب وهو موضع بالحجاز والحاصب الريح الشديدة تثير الحصى والحصب بفتحتين ما تحصب به النار أي ترمى وكل ما ألقيته في النار فقد حصبتها به وبابه ضرب. وسيأتي المزيد من معناه في باب الإعراب.
{بِسَحَرٍ} سحر إذا كان نكرة يراد به سحر من الأسحار يقال رأيت زيدا سحرا من الأسحار ولو أريد من يوم معين لمنع من الصرف لأنه معرفة معدول عن السحر لأن حقه أن يستعمل في المعرفة بأل، وعبارة الزمخشري: {بسحر بقطع من الليل} وهو السدس الأخير منه وقيل: هما سحران فالسحر الأعلى قبل انصداع الفجر والآخر عند انصداعه وأنشد:
يا سائلي إن كنت عنها تسأل ** مرّت بأعلى السحرين تذأل

وصرف لأنه نكرة. هذا وقد اختلف في تعريف الممنوع فقيل إنه ممنوع من الصرف للتعريف والعدل أما التعريف ففيه خلاف فقيل هو معرفة بالعلمية لأنه جعل علما لهذا الوقت وقيل يشبه العلمية لأنه تعريف بغير أداة ظاهرة كالعلم وأما العدل فإن صيغته معدولة عن السحر المقرون بأل لأنه لما أريد به معين كان الأصل فيه أن يذكر معرّفا بأل فعدل عن اللفظ بأل وقصد به التعريف فمنع من الصرف، وقال السهيلي والشلوبين الصغير معرف معروف واختلف في منع تنوينه فقال السهيلي: هو على نية الإضافة وقال الشلوبين على نيّة أل.

.الإعراب:

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} فعل ماض وفاعل و{بالنذر} متعلقان بكذبت.
{إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ} إن واسمها وجملة {أرسلنا} خبرها و{عليهم} متعلقان بأرسلنا و{حاصبا} مفعول به و{إلا} أداة استثناء و{آل لوط} مستثنى بإلا وفي هذا الاستثناء وجهان أحدهما أنه متصل ويكون المعنى أنه أرسل الحاصب على الجميع إلا أهله فإنه لم يرسل عليهم والثاني أنه منقطع ويكون المعنى أنه لم يرسل على آل لوط والوجه هو الأول، و{نجيناهم} فعل وفاعل و{بسحر} متعلقان بنجيناهم.
{نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} {نعمة} مفعول مطلق ملاق لعامله في المعنى وهو {نجيناهم} إذ الإنجاء نعمة، أو مفعول لأجله تعليل لأنجيناهم وإليه جنح الزمخشري واقتصر عليه و{من عندنا} صفة لنعمة و{كذلك} متعلق بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف أي مثل ذلك الإنجاء و{نجزي} فعل مضارع مرفوع و{من} موصول مفعول به وجملة {شكر} صلة الموصول.
{وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ} الواو حرف عطف واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق و{أنذرهم} فعل وفاعل مستتر ومفعول به أول و{بطشتنا} مفعول به ثان أو هو منصوب بنزع الخافض قولان، والفاء حرف عطف وتماروا فعل ماض والواو فاعل أي تدافعوا بالإنذار على وجه الجدال و{بالنذر} متعلقان بتماروا.
{وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ} الجملة عطف على الجملة السابقة و{عن ضيفه} متعلقان براودوه، {فطمسنا} عطف على {راودوه} و{أعينهم} مفعول به والفاء عاطفة ومعطوفها محذوف أي فقلنا لهم وجملة ذوقوا مقول القول المحذوف و{عذابي} مفعول {ذوقوا} {ونذر} عطف على {عذابي} وحذفت ياء المتكلم كما تقدم.
{وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ} عطف أيضا و{بكرة} ظرف متعلق بصبحهم أي من غير يوم معين و{عذاب} فاعل و{مستقر} نعت لعذاب أي لا يزول عنهم.
{فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} تقدم إعرابها.
{وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} تقدم إعراب نظيرها.
{كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} كلام مستأنف مسوق للردّ على سؤال نشأ من حكاية مجيء النذر كأنه قيل فماذا فعلوا حينئذ فقيل كذبوا، و{بآياتنا} متعلقان بكذبوا و{كلها} تأكيد لآياتنا، {فأخذناهم} الفاء عاطفة وأخذناهم فعل وفاعل ومفعول به و{أخذ عزيز} مفعول مطلق و{مقتدر} صفة لعزيز والإضافة من إضافة المصدر لفاعله.

.البلاغة:

التكرير: في الآيات المتقدمة تكرير ملحوظ مقصود والغاية منه التذكير والانتباه من سنة الغفلة التي قد تطرأ على الأذهان فتحجبها عن التأمل والتدبّر، وترين عليها سجوف الجهالات حتى ما تكاد تبصر شيئا وسيأتي المزيد من هذا الفن في سورة الرحمن.

.[سورة القمر: الآيات 43- 55]:

{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقولونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)}.

.الإعراب:

{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ} {أكفّاركم}: الهمزة للاستفهام الإنكاري الذي هو بمعنى النفي وكفّاركم مبتدأ و{خير} خبر و{من أولئكم} متعلقان بخير و{أم} منقطعة بمعنى بل فهي للإضراب والانتقال إلى وجه آخر من التبكيت و{لكم} خبر مقدم و{براءة} مبتدأ مؤخر و{في الزبر} نعت لبراءة.
{أَمْ يَقولونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} {أم} تقدم القول فيها و{يقولون} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل و{نحن} مبتدأ و{جميع} خبر و{منتصر} نعت لجميع لأنه بمعنى جمع والجملة مقول القول، وإنما وحّد منتصر للفظ بجميع فإنه واحد في اللفظ وإن كان اسما للجماعة كالرهط والجيش وقيل لم يقل منتصرون لموافقة رؤوس الآي وهو جيد.
{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} السين حرف استقبال ويهزم فعل مضارع مبني للمجهول والجمع نائب فاعل {ويولون} عطف على {سيهزم} و{الدبر} مفعول به، ولم يقل الأدبار لموافقة رؤوس الآي أيضا ولأنه اسم جنس لأن كل واحد يولي دبره.
{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ} {بل} حرف إضراب وعطف و{الساعة} مبتدأ و{موعدهم} خبر والواو حرف عطف و{الساعة} مبتدأ و{أدهى} خبر {وأمرّ} عطف على {الساعة} ولك أن تجعل الواو للحال.
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} إن واسمها {في ضلال} خبرها.
{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} {يوم} الظرف متعلق بقول محذوف أي يقال لهم يوم يسحبون وجملة {يسحبون} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{في النار} متعلقان بيسحبون و{على وجوههم} متعلقان بمحذوف حال و{ذوقوا} فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة مقول القول المقدّر و{مسّ} مفعول به و{سقر} مضاف إليه وهي علم لجهنم ولذلك منعت من الصرف لأنها علم مؤنث.
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} إن واسمها و{كل شيء} نصب على الاشتغال بفعل محذوف يفسره ما بعده أي إنّا خلقنا كل شيء خلقناه وجملة الفعل المحذوف في محل رفع خبر {إنّا} وجملة {خلقناه} مفسّرة لا محل لها، وقد نشب خلاف طويل حول هذه الآية لخصناه لك في باب الفوائد، و{بقدر} متعلقان بمحذوف حال من كل أي مقدّرا محكما مرتبا.
{وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} الواو عاطفة و{ما} نافية و{أمرنا} مبتدأ و{إلا} أداة حصر و{واحدة} خبر أمرنا و{كلمح} متعلقان بمحذوف حال من متعلق الأمر وهو الشيء المأمور بالوجود أي حال كونه يوجد سريعا و{بالبصر} متعلقان بلمح.
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} تقدم إعراب نظيرها قريبا.
{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} الواو عاطفة و{كل} مبتدأ و{شيء} مضاف إليه وجملة {فعلوه} صفة و{في الزبر} خبر أي الكتب جمع زبور.
{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} مبتدأ وخبر أي مسطور في اللوح المحفوظ.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} إن واسمها و{في جنات} خبرها {ونهر} عطفت على {جنات}.
{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} الجار والمجرور بدل بعض من كل من قوله: {في جنات} لأن المقعد بعض الجنات ولك أن تعلقه بمحذوف على أنه خبر ثان لإن و{عند مليك} ظرف متعلق بمحذوف صفة لجنات أو لمقعد وقيل هو خبر ثان أو ثالث لإن و{مليك} صيغة مبالغة.

.الفوائد:

1- شجر خلاف بين أهل السنّة والمعتزلة حول قوله تعالى: {إنّا كل شيء خلقناه بقدر} وكان قياس ما مهّد النحاة رفع {كل} لكن لم يقرأ بها واحد من السبعة لأن الكلام مع الرفع جملة واحدة ومع النصب جملتان فالرفع أخصر مع أنه لا مقتضى للنصب هاهنا من أحد الأصناف الستة وهي الأمر والنهي والاستفهام والتمنّي والترجّي والتحضيض، ولا نجد هنا مناسب عطف ولا غيره مما يعدّونه من محال اختيارهم للنصب، فإذا تبين ذلك علم أنه إنما عدل عن الرفع إجمالا لسر لطيف يعين اختيار النصب وهو أنه لو رفع لوقعت الجملة التي هي خلقناه صفة لشيء ورفع قوله: {بقدر} خبرا عن {كل شيء} المقيد بالصفة ويحصل الكلام على تقدير إنّا كل شيء مخلوق لنا بقدر فأفهم ذلك أن مخلوقا ما يضاف إلى غير اللّه تعالى ليس بقدر، وعلى النصب يصير الكلام إنّا خلقنا كل شيء بقدر فيفيد عموم نسبة كل مخلوق إلى اللّه تعالى، فلما كانت هذه الفائدة لا توازيها الفائدة اللفظية على قراءة الرفع مع ما في الرفع من نقصان المعنى ومع ما في هذه القراءة المستفيضة من مجيء المعنى تاما كفلق الصبح لا جرم أجمعوا على العدول عن الرفع إلى النصب.
على أن الزمخشري وهو من رؤوس المعتزلة وأعلامهم حاول خرق الإجماع ونقل قراءة بالرفع و{خلقناه} في موضع الصفة وبقدر هو الخبر أو جملة {خلقناه} هي الخبر وبقدر حال وعبارته: {كل شيء} منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر وقرئ {كل شيء} بالرفع. وقد انفرد بها أبو السمال وهي شاذة.