فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي كائنًا على حالٍ قد قدَّرَها الله تعالى من غيرِ تفاوتٍ أو على حالٍ قدرتْ وسويتْ وهو أنَّ قدرَ ما أُنزلَ على قدرِ ما أُخرجَ أو على أمرٍ قدرَهُ الله تعالى وهو هلاكُ قومِ نوحٍ بالطُّوفانِ {وَحَمَلْنَاهُ} أي نوحًا عليهِ السلام {على ذَاتِ ألواح} أي أخشابٍ عريضةٍ {وَدُسُرٍ} ومساميرَ جمعُ دِسارٍ من الدَّسرِ وهو الدفعُ وهي صفةٌ للسفينةِ أقيمتْ مقامَها من حيثُ إنَّها كالشرح لها تؤدِّي مُؤدَّاها {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} بمرأى منَّا أي محفوظةً بحفظِنا {جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ} أي فعلنَا ذلكَ جزاءَ لنوحٍ عليهِ السلام لأنَّه كانَ نعمةً كفرُوها فإنَّ كلَّ نبيَ نعمةٌ من الله تعالى على أمتهِ ورحمةٌ وأيُّ نعمةٍ ورحمةٍ وقد جُوِّزَ أن يكونَ على حذفِ الجارِّ وإيصالِ الفعلِ إلى الضميرِ واستتارُه في الفعلِ بعد انقلابِه مرفوعًا.
وقرئ {لَمنْ كَفَرَ} أي للكافرينَ.
{وَلَقَدْ تركناها} أي السفينةَ أو الفعلةَ {ءايَةً} يعتبرُ بَها من يقفُ على خَبرِها. وقال قَتَادةُ أبقاهَا الله تعالى بأرضِ الجزيةِ، وقيلَ: على الجُودِّي دَهْرًا طويلًا حتى نظرَ إليها أوائلُ هذه الأمةِ.
{فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} أي معتبرٍ بتلكَ الآيةِ الحقيقةِ بالاعتبارِ وقرئ {مُذْتكرٍ} على الأصلِ و{مُذَّكرٍ} بقلبِ التاءِ ذالًا والإدغام فيَها {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} استفهامُ تعظيمٍ وتعجيبٍ أيْ كانا على كيفيةٍ هائلةٍ لا يُحيطُ بَها الوصفُ، والنذرُ جمعُ نذيرٍ بمَعْنى الإنذارِ.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان} الخ جملةٌ قسميةٌ وردتْ في أواخرِ القصصِ الأربعِ تقريرًا لمضمونِ ما سبقَ من قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءهُم مّنَ الأنباء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بالغة فَمَا تُغْنِى النذر} وتنبيهًا على أنَّ كلَّ قصةٍ منها مستقلةٌ بإيجابِ الإدكارِ كافيةٌ في الازدجارِ ومع ذلكَ لم تقعْ واحدةٌ في حيزِ الاعتبارِ، أي وبالله لقد سهَّلَنا القرآن لقومِكَ بأنْ أنزلناهُ على لغتِهم وشحنَّاهُ بأنواعِ المواعظِ والعبرِ وصرَّفنا فيهِ من الوعيدِ والوعدِ {لِلذّكْرِ} أي للتذكرِ والاتعاظِ {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} إنكارٌ ونفيٌ للمتعظِ على أبلغِ وجهٍ وآكدِه حيثُ يدلُّ على أنَّه لا يقدرُ أحدٌ أنْ يجيبَ المستفهَم بنَعَمْ وحَملُ تيسيرِه على تسهيلِ حفظِه بجزالةِ نظمِه وعذوبِة ألفاظِه وعباراتِه مما لا يساعدُه المقامُ. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {اقتربت الساعة وانشق القمر} أي: قربت، ولا شك أنها قد صارت باعتبار نسبة ما بقي بعد قيام النبوّة المحمدية إلى ما مضى من الدنيا قريبة.
ويمكن أن يقال: إنها لما كانت متحققة الوقوع لا محالة كانت قريبة، فكلّ آت قريب {وانشق القمر} أي: وقد انشقّ القمر، وكذا قرأ حذيفة بزيادة (قد)، والمراد الانشقاق الواقع في أيام النبوّة معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا ذهب الجمهور من السلف والخلف.
قال الواحدي: وجماعة المفسرين على هذا إلاّ ما روى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال: المعنى: سينشقّ القمر، والعلماء كلهم على خلافه.
قال: وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر؛ لأن انشقاقه من علامات نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوّته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة.
قال ابن كيسان: في الكلام تقديم وتأخير، أي: انشقّ القمر، واقتربت الساعة.
وحكى القرطبي عن الحسن مثل قول عطاء أنه الانشقاق الكائن يوم القيامة.
وقيل: معنى {وانشقّ القمر}: وضح الأمر وظهر، والعرب تضرب بالقمر المثل فيما وضح، وقيل: انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه، وطلوعه في أثنائها، كما يسمى الصبح فلقًا لانفلاق الظلمة عنه.
قال ابن كثير: قد كان الانشقاق في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة.
قال: وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات.
قال الزجاج: زعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله أن القمر ينشقّ يوم القيامة، والأمر بين في اللفظ، وإجماع أهل العلم، لأن قوله: {وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقولواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} يدلّ على أن هذا كان في الدنيا لا في القيامة.
انتهى، ولم يأت من خالف الجمهور، وقال إن الانشقاق سيكون يوم القيامة إلاّ بمجرد استبعاد، فقال: لأنه لو انشق في زمن النبوّة لم يبق أحد إلاّ رآه؛ لأنه آية والناس في الآيات سواء.
ويجاب عنه بأنه لا يلزم أن يراه كل أحد لا عقلًا، ولا شرعًا، ولا عادة، ومع هذا، فقد نقل إلينا بطريق التواتر، وهذا بمجرده يدفع الاستبعاد، ويضرب به في وجه قائله.
والحاصل أنا إذا نظرنا إلى كتاب الله، فقد أخبرنا بأنه انشقّ، ولم يخبرنا بأنه سينشق، وإن نظرنا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الصحيح، وغيره من طرق متواترة أنه قد كان ذلك في أيام النبوّة، وإن نظرنا إلى أقوال أهل العلم، فقد اتفقوا على هذا، ولا يلتفت إلى شذوذ من شذّ، واستبعاد من استبعد، وسيأتي ذكر بعض ما ورد في ذلك إن شاء الله.
{وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقولواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} قال الواحدي: قال المفسرون: لما انشقّ القمر قال المشركون: سحرنا محمد، فقال الله: {وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً} يعني: انشقاق القمر يعرضوا عن التصديق والإيمان بها، ويقولوا: سحر قويّ شديد يعلو كل سحر، من قولهم استمرّ الشيء: إذا قوي واستحكم، وقد قال بأن معنى {مستمرّ}: قوي شديد جماعة من أهل العلم.
قال الأخفش: هو مأخوذ من إمرار الحبل، وهو شدّة فتله، وبه قال أبو العالية، والضحاك، واختاره النحاس، ومنه قول لقيط:
حتَّى استمرّت على شَر لا يزنه ** صِدْقُ العزيمة لا رثا ولا ضَرَعا

وقال الفراء، والكسائي، وأبو عبيدة: {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} أي: ذاهب، من قولهم مرّ الشيء، واستمرّ إذا ذهب، وبه قال قتادة، ومجاهد، وغيرهما، واختاره النحاس.
وقيل: معنى مستمرّ: دائم مطرد، ومنه قول الشاعر:
ألا إنما الدنيا ليال وأعصر ** وليس على شيء قديم بمستمر

أي: بدائم باق، وقيل: {مستمرّ}: باطل، روي هذا عن أبي عبيدة أيضًا.
وقيل: يشبه بعضه بعضًا، وقيل: قد مرّ من الأرض إلى السماء، وقيل: هو من المرارة، يقال: مرّ الشيء صار مرًّا، أي: مستبشع عندهم.
وفي هذه الآية أعظم دليل على أن الانشقاق قد كان، كما قررناه سابقًا.
ثم ذكر سبحانه تكذيبهم، فقال: {وَكَذَّبُواْ واتبعوا أَهْوَاءهُمْ} أي: وكذبوا رسول الله، وما عاينوا من قدرة الله، واتبعوا أهواءهم، وما زيّنه لهم الشيطان الرجيم، وجملة: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} مستأنفة لتقرير بطلان ما قالوه من التكذيب، واتباع الأهواء، أي: وكل أمر من الأمور منته إلى غاية، فالخير يستقرّ بأهل الخير، والشرّ يستقر بأهل الشرّ.
قال الفراء: يقول يستقرّ قرار تكذيبهم، وقرار قول المصدّقين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب.
قال الكلبي: المعنى لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر، وما كان منه في الآخرة فسيعرف.
قرأ الجمهور {مستقرّ} بكسر القاف، وهو مرتفع على أنه خبر المبتدأ وهو (كل).
وقرأ أبو جعفر، وزيد بن علي بجر (مستقرّ) على أنه صفة ل {أمر}، وقرأ شيبة بفتح القاف، ورويت هذه القراءة عن نافع.
قال أبو حاتم: ولا وجه لها، وقيل: لها وجه بتقدير مضاف محذوف، أي: وكل أمر ذو استقرار، أو زمان استقرار، أو مكان استقرار، على أنه مصدر، أو ظرف زمان، أو ظرف مكان {وَلَقَدْ جَاءهُم مّنَ الأنباء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أي: ولقد جاء كفار مكة، أو الكفار على العموم من الأنباء، ومن أخبار الأمم المكذبة المقصوصة علينا في القرآن {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أي: ازدجار على أنه مصدر ميميّ، يقال: زجرته: إذا نهيته عن السوء ووعظته، ويجوز أن يكون اسم مكان، والمعنى: جاءهم ما فيه موضع ازدجار، أي: أنه في نفسه موضع لذلك، وأصله: مزتجر، (وتاء) الافتعال تقلب دالًا مع الزاي والدال والذال، كما تقرّر في موضعه، وقرأ زيد بن عليّ: (مزجّر) بقلب تاء الافتعال زايًا وإدغام الزاي في الزاي، و(من) في قوله: {مّنَ الأنباء} للتبعيض، وهي وما دخلت عليه في محل نصب على الحال، وارتفاع {حِكْمَةٌ بالغة} على أنها خبر مبتدأ محذوف، أو بدل من (ما) بدل كل من كل، أو بدل اشتمال، والمعنى: أن القرآن حكمة قد بلغت الغاية ليس فيها نقص ولا خلل، وقرئ بالنصب على أنها حال من ما أي: حال كون ما فيه مزدجر حكمة بالغة {فَمَا تُغْنِى النذر} (ما) يجوز أن تكون استفهامية، وأن تكون نافية، أي: أيّ شيء تغني النذر، أو لم تغن النذر شيئًا، والفاء لترتيب عدم الإغناء على مجيء الحكمة البالغة، والنذر جمع نذير بمعنى: المنذر، أو بمعنى الإنذار على أنه مصدر.
ثم أمره الله سبحانه بالإعراض عنهم، فقال: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أي: أعرض عنهم حيث لم يؤثر فيهم الإنذار، وهي منسوخة بآية السيف {يَوْمَ يَدْعُو الداع إلى شيء نُّكُرٍ} انتصاب الظرف إما بفعل مقدّر، أي: اذكر، وإما ب {يخرجون} المذكور بعده، وإما بقوله: {فَمَا تُغْنِى}، ويكون قوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} اعتراض، أو بقوله: {يَقول الكافرون} أو بقوله: {خُشَّعًا} وسقطت الواو من {يدع} اتباعًا للفظ، وقد وقعت في الرسم هكذا، وحذفت الياء من الداع للتخفيف، واكتفاء بالكسرة، والداع: هو إسرافيل، والشيء النكر: الأمر الفظيع الذي ينكرونه استعظامًا له لعدم تقدّم العهد لهم بمثله.
قرأ الجمهور بضم الكاف.
وقرأ ابن كثير بسكونها تخفيفًا.
وقرأ مجاهد، وقتادة بكسر الكاف، وفتح الراء على صيغة الفعل المجهول {خُشَّعًا أبصارهم} قرأ الجمهور: {خشعًا} جمع خاشع.
وقرأ حمزة، والكسائي وأبو عمرو: {خاشعًا} على الإفراد، ومنه قول الشاعر:
وَشَبَاب حَسَن أَوْجُهُهُم من ** إياد بن نِزارِ بن مَعد

وقرأ ابن مسعود (خاشعة) قال الفراء: الصفة إذا تقدّمت على الجماعة جاز فيها التذكير والتأنيث والجمع، يعني: جمع التكسير لا جمع السلامة؛ لأنه يكون من الجمع بين فاعلين، ومثل قراءة الجمهور قول امرىء القيس:
وقوفًا بها صحبي عليّ مطيهم ** يقولون لا تهلك أسى وتجلد

وانتصاب {خشعًا} على الحال من فاعل يخرجون، أو من الضمير في {عنهم}، والخشوع في البصر: الخضوع والذلة، وأضاف الخشوع إلى الأبصار؛ لأن العزّ والذلّ يتبين فيها {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} أي: يخرجون من القبور، وواحد الأجداث: جدث، وهو القبر، كأنهم لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض جراد منتشر، أي: منبث في الأقطار مختلط بعضه ببعض.
{مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} الإهطاع: الإسراع، أي: قال كونهم مسرعين إلى الداعي، وهو إسرافيل، ومنه قول الشاعر:
بِدجْلةَ دَارهُم ولقد أرَاهُمْ ** بِدجْلَةََ مُهْطِْعين إلى السَّماعِ

أي: مسرعين إليه، وقال الضحاك: مقبلين، وقال قتادة: عامدين.
وقال عكرمة: فاتحين آذانهم إلى الصوت، والأوّل أولى، وبه قال أبو عبيدة، وغيره، وجملة: {يَقول الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} في محل نصب على الحال من ضمير {مهطعين}، والرابط مقدر، أو مستأنفة جواب سؤال مقدّر؛ كأنه قيل: فماذا يكون حينئذ، والعسر: الصعب الشديد، وفي إسناد هذا القول إلى الكفار دليل على أن اليوم ليس بشديد على المؤمنين.
ثم ذكر سبحانه تفصيل بعض ما تقدّم من الأنباء المجملة فقال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} أي: كذبوا نبيهم، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} تفسير لما قبله من التكذيب المبهم، وفيه مزيد تقرير وتأكيد، أي: فكذبوا عبدنا نوحًا، وقيل المعنى: كذبت قوم نوح الرسل، فكذبوا عبدنا نوحًا بتكذيبهم للرسل فإنه منهم.
ثم بيّن سبحانه أنهم لم يقتصروا على مجرّد التكذيب، فقال: {وَقالواْ مَجْنُونٌ} أي: نسبوا نوحًا إلى الجنون، وقوله: {وازدجر} معطوف على قالوا، أي: وزجر عن دعوى النبوّة، وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر، والدال بدل من تاء الافتعال، كما تقدّم قريبًا، وقيل: إنه معطوف على {مجنون} أي: وقالوا إنه ازدجر.
أي: ازدجرته الجنّ، وذهبت بلبه، والأوّل أولى.
قال مجاهد: هو من كلام الله سبحانه أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسبّ وأنواع الأذى.
قال الرازي: وهذا أصح؛ لأن المقصود تقوية قلب النبيّ صلى الله عليه وسلم بذكر من تقدّمه.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى مَغْلُوبٌ فانتصر} أي: دعا نوح ربه على قومه بأني مغلوب من جهة قومي، لتمرّدهم عن الطاعة، وزجرهم لي عن تبليغ الرسالة، فانتصر لي، أي: انتقم لي منهم.
طلب من ربه سبحانه النصرة عليهم لما أيس من إجابتهم، وعلم تمرّدهم وعتوّهم، وإصرارهم على ضلالتهم.
قرأ الجمهور: {أني} بفتح الهمزة، أي: بأني.
وقرأ ابن أبي إسحاق، والأعمش بكسر الهمزة، ورويت هذه القراءة عن عاصم على تقدير إضمار القول، أي: فقال.
ثم ذكر سبحانه ما عاقبهم به فقال: {فَفَتَحْنَا أبواب السماء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ} أي منصبّ انصبابًا شديدًا، والهمر: الصبّ بكثرة، يقال: همر الماء والدمع يهمر همرًا، وهمورًا: إذا كثر، ومنه قول الشاعر:
أعينيّ جُودا بالدَّموعِ الهَوَامرِ ** على خيرِ بَادٍ من مَعَدٍّ وحَاضِرِ

ومنه قول امرىء القيس يصف عينًا:
رَاحَ تمرّ به الصَّبَا ثم انْتَحَى ** فيه بشُؤْبوُب جَنُوبٍ مُنْهَمرِ

قرأ الجمهور {فتحنا} مخففًا.
وقرأ ابن عامر، ويعقوب بالتشديد {وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُونًا} أي: جعلنا الأرض كلها عيونًا متفجرة، والأصل: فجرنا عيون الأرض.
قرأ الجمهور {فجرنا} بالتشديد.
وقرأ ابن مسعود، وأبو حيوة، وعاصم في رواية عنه بالتخفيف.
قال عبيد بن عمير: أوحى الله إلى الأرض أن تخرج ماءها، فتفجرت بالعيون.
{فَالْتَقَى الماء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي: التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قضي عليهم، أي: كائنًا على حال قدّرها الله وقضى بها.
وحكى ابن قتيبة أن المعنى على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر، بل كان ماء السماء وماء الأرض على سواء.