فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما علم من هذا أنه سبحانه فصل الأمر بينهم، تشوف السامع إلى علم ذلك فقال تعالى مستأنفًا دالًا بأنهم طالبوه بآية دالة على صدقه: {إنا} أي بما لنا من العظمة {مرسلو الناقة} أي موجدوها ومخرجوها كما اقترحوا من حجر أهلناه لذلك وخصصناه من بين الحجارة دلالة على إرسالنا صالحًا عليه السلام: مخصصين له من بين قومه، وذلك أنهم قالوا لصالح عليه السلام: نريد أن نعرف المحق منا بأن ندعو آلهتنا وتدعو إلهك فمن أجابه إلهه علم أنه المحق، فدعوا أوثانهم فلم تجبهم، فقالوا: ادع أنت، فقال: فما تريدون؟ قالوا: تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة تبعر عشراء، فأجابهم إلى ذلك بشرط الإيمان، فوعدوه بذلك وأكدوا فكذبوا بعد ما كذبوا في أن آلهتهم تجيبهم، وصدق هو صلى الله عليه وسلم في كل ما قال فأخبره ربه سبحانه أنه يجيبهم إلى إخراجها {فتنة لهم} أي امتحانًا يخالطهم به فيميلهم عن حالتهم التي وعدوا بها ويجيبهم عنها، وسبب سبحانه عن ذلك أمره بانتظارهم فيما يصنعون بعد إخراجهم لما توصلهم إليه عواقب الفتنة فقال: {فارتقبهم} أي كلف نفسك انتظارهم فيما يكون لهم جزاء على أعمالهم انتظار من يحرسهم وهو عالم عليم فإنهم واصلون بأعمالهم إلى الداهية التي تسمى بأم العرقوب ليكونوا كمن جعل في رقبته، ودل بصيغة الافتعال على أنه يكون له منه أذى بالغ قبل انفصال النزاع فقال: {واصطبر} أي عالج نفسك واجتهد في الصبر عليهم {ونبئهم} أي أخبرهم إخبارًا عظيمًا بأمر عظيم، وهو أن الماء الذي يشربونه وهو ماء بئرهم {أن الماء قسمة بينهم} أي بين ثمود وبين الناقة، غلب عليها ضمير من يعقل، يعني إذا بعثناها كان لهم يوم لا تشاركهم فيه في الماء، ولها يوم لا تدع في البئر قطرة يأخذها أحد منهم، وتوسع الكل بدل الماء لبنًا.
ولما أخبر بتوزيع الماء، أعلم أنه على وجه غريب بقوله استئنافًا: {كل شرب} أي من ذلك وحظ منه ومورد البرو وقت يشرب فيه {محتضر} أي أهل لما فيه من الأمر العجيب أن يحضره الحاضرون حضورًا عظيمًا، وتتكلف أنفسهم لذلك لأنه صار في كثرته وحسنه كماء الحاضرة للبادية وتأهل لأن تعارضه حاضروه من حسنه ويرجعوا إليه وأن يجتمع عليه الكثير ويعودوا أنفسهم عليه.
ولما كان التقدير: فكان الأمر كما ذكرنا، واستمر الأمد الذي ضربنا فافتتنوا كما أخبرنا {فنادوا} بسبب الفتنة {صاحبهم} قذار بن سالف الذي انتدبوه بطرًا وأشرًا لقتل الناقة وكذبنا فيها بوعدهم الإيمان وإكرامها بالإحسان وهو أشقى الأولين {فتعاطى} أي أوقع بسبب ندائهم التعاطي الذي لا تعاطي مثله، فتناول ما لا يحق له أن يتناوله بسبب الناقة وهو سيفه بيده قائمًا في الأمر الناشئ عن هذا الأخذ على كل حال، ورفع رأسه بغاية الهمة ومد يديه مدًا عظيمًا ورفعها وقام على أصابع رجليه حين عاطوه ذلك أي سألوه فيه فطاوعهم وتناول الناقة بذلك السيف غير مكترث ولا مبال {فعقر} أي فتسبب عن هذا الجد العظيم أن صدق فيما أثبت لهم الكذب في الوعد بالإحسان إليها والأشر، وهو إيقاع العقر الذي ما كان في ذلك الزمان عقر مثله وهو عقر الناقة التي هي آية الله وإهلاكها.
ولما وقع كذبهم على هذا الوجه العظيم المبني على غاية الأشر، حقق الله تعالى صدقه في توعدهم على تقدير وقوع ذلك، فأوقع عذابهم سبحانه على وجه هو من عظمه أهل لأن يتساءل عنه، فنبه سبحانه على عظمة بإيراده في أسلوب الاستفهام مسببًا عن فعل الأشقى فقال: {فكيف كان} وحافظ على مقام التوحيد كما مضى فقال: {عذابي} أي كان على حال ووجه هو أهل لأن يجتهد في الإقبال على تعرفه والسؤال عنه {ونذر} أي إنذاري.
ولما علم تفرغ ذهن السائل الواعي، استأنف قوله مؤكدًا إشارة إلى أن عذابهم مما يستلذ وينجح به، وإرغامًا لمن يستبعد النصيحة الواحد بفعل مثل ذلك، وإعلامًا بأن القدرة على عذاب من كذب من غيرهم كهي على عذابهم فلا معنى للتكذيب: {إنا} بما لنا من العظمة {أرسلنا} إرسالًا عظيمًا، ودل على كونه عذابًا بقوله: {عليهم صيحة} وحقر شأنهم بالنسبة إلى عظمة عذابهم بقوله تعالى: {واحدة} صاحها عليهم جبريل عليه السلام فلم يكن بصيحته هذه التي هي واحدة طاقة، وتلاشى عندها صياحهم حين نادوا صاحبهم لعقر الناقة.
ولما تسبب عنها هلاكهم قال: {فكانوا} كونًا عظيمًا {كهشيم المحتظر} أي محطمين كالشجر اليابس الذي جعله الراعي ومن في معناه ممن يجعل شيئًا يأوي إليه ويحتفظ به ويحفظ به ماشيته في وقت ما لا يقاله (؟) وهو حظيره أي شيء مستدير مانع في ذلك الوقت لمن يدخل إليه فهو يتهشم ويتحطم كثير منه وهو يعمله فتدوسه الغنم ثم تتحطم أولًا فأولًا، وكل ما سقط منه شيء فداسته الغنم كان هشيمًا، وكأنه الحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته.
ولما كان التقدير: فلقد أبلغنا في الموعظة لكل من يسمع هذه القصة، عطف عليه قوله مؤكدًا لأجل من يعرض عن هذا القرآن ويعلل إعراضه عنه بصعوبته: {ولقد يسرنا} أي على ما لنا من القدرة والعظمة {القرآن} أي الكتاب الجامع لكل خير، الفارق بين كل ملبس {للذكر} أي الحفظ والتذكير والتذكر وحصول النباهة به والشرف إلى الدارين.
ولما كان هذا غاية في وجوب الإقبال عليه لجميع المتولين، قال: {فهل من مدكر} أي ناظر فيه بسبب قولنا هذا بعين الإنصاف والتجرد عن الهوى ليرى كل ما أخبرنا به فنعينه عليه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم بين الله تعالى حال قوم آخرين.
فقال: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)}.
وقد تقدم تفسيره غير أنه في قصة عاد قال: {كَذَّبَتْ} [القمر: 18] ولم يقل: بالنذر، وفي قصة نوح قال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ بالنذر} [الشعراء: 105] فنقول: هذا يؤيد ما ذكرنا من أن المراد بقوله: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [القمر: 9] أن عادتهم ومذهبهم إنكار الرسل وتكذيبهم فكذبوا نوحًا بناء على مذهبهم وإنما صرح هاهنا لأن كل قوم يأتون بعد قوم وأتاهما رسولان فالمكذب المتأخر يكذب المرسلين جميعًا حقيقة والأولون يكذبون رسولًا واحدًا حقيقة ويلزمهم تكذيب من بعده بناء على ذلك لأنهم لما كذبوا من تقدم في قوله: الله تعالى واحد، والحشر كائن، ومن أرسل بعده كذلك قوله ومذهبه لزم منه أن يكذبوه ويدل على هذا أن الله تعالى قال في قوم نوح: {فَكَذَّبُوهُ فأنجيناه} [الأعراف: 64] وقال في عاد: {وتلكَ عَادٌ جَحَدُواْ بآيات رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ واتبعوا} [هود: 59] وأما قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} [الشعراء: 105] فإشارة إلى أنهم كذبوا وقالوا ما يفضي إلى تكذيب جميع المرسلين، ولهذا ذكره بلفظ الجمع المعرف للاستغراق، ثم إنه تعالى قال هناك عن نوح: {رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ} [الشعراء: 117] ولم يقل: كذبوا رسلك إشارة إلى ما صدر منهم حقيقة لا أن ما ألزمهم لزمه.
إذا عرفت هذا فلما سبق قصة ثمود ذكر رسولين ورسولهم ثالثهم قال: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر} هذا كله إذا قلنا إن النذر جمع نذير بمعنى منذر، أما إذا قلنا إنها الإنذارات فنقول: قوم نوح وعاد لم تستمر المعجزات التي ظهرت في زمانهم، وأما ثمود فأنذروا وأخرج لهم ناقة من صخرة وكانت تدور بينهم وكذبوا فكان تكذيبهم بإنذارات وآيات ظاهرة فصرح بها، وقوله: {فَقالواْ أَبَشَرًا مّنَّا واحدا نَّتَّبِعُهُ} [القمر: 24] يؤيد الوجه الأول، لأن من يقول لا أتبع بشرًا مثلي وجميع المرسلين من البشر يكون مكذبًا للرسل والباء في قوله: {بالنذر} يؤيد الوجه الثاني لأنا بينا أن الله تعالى في تكذيب الرسل عدى التكذيب بغير حرف فقال: {كَذَّبُوهُ} [الأعراف: 64] {وَكَذَّبُواْ رُسُلُنَا} [غافر: 70] {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} [القمر: 9] {وكذبوني} [المؤمنون: 26] وقال: {وَكَذَّبُواْ بِآياتِ رَّبُّهُمْ} [الأنفال: 54] {وبآياتنا} [البقرة: 39] فعدى بحرف لأن التكذيب هو النسبة إلى الكذب والقائل هو الذي يكون كاذبًا حقيقة والكلام والقول يقال فيه كاذب مجازًا وتعلق التكذيب بالقائل أظهر فيستغني عن الحرف بخلاف القول، وقد ذكرنا ذلك وبيناه بيانًا شافيًا.
{فَقالوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)}.
وفي قوله تعالى: {فَقالواْ أَبَشَرًا مّنَّا واحدا نَّتَّبِعُهُ} مسائل:
المسألة الأولى:
زيدًا ضربته وزيد ضربته كلاهما جائز والنصب مختار في مواضع منها هذا الموضع وهو الذي يكون ما يرد عليه النصب والرفع بعد حرف الاستفهام، والسبب في اختيار النصب أمر معقول وهو أن المستفهم يطلب من المسئول أن يجعل ما ذكره بعد حرف الاستفهام مبدأ لكلامه ويخبر عنه، فإذا قال: أزيد عندك معناه أخبرني عن زيد واذكر لي حاله، فإذا انضم إلى هذه الحالة فعل مذكور ترجح جانب النصب فيجوز أن يقال: أزيدًا ضربته وإن لم يجب فالأحسن ذلك فإن قيل: من قرأ {أَبَشَرٌ مّنَّا واحدا نَّتَّبِعُهُ} كيف ترك الأجود؟ نقول: نظرًا إلى قوله تعالى: {فَقالواْ} إذ ما بعد القول لا يكون إلا جملة والاسمية أولى والأولى أقوى وأظهر.
المسألة الثانية:
إذا كان بشرًا منصوبًا بفعل، فما الحكمة في تأخر الفعل في الظاهر؟ نقول: قد تقدم مرارًا أن البليغ يقدم في الكلام ما يكون تعلق غرضه به أكثر وهم كانوا يريدون تبيين كونهم محقين في ترك الاتباع فلو قالوا: أنتبع بشرًا يمكن أن يقال نعم اتبعوه وماذا يمنعكم من اتباعه، فإذا قدموا حاله وقالوا هو نوعنا بشر ومن صنفنا رجل ليس غريبًا نعتقد فيه أنه يعلم ما لا نعلم أو يقدر مالا نقدر وهو واحد وحيد وليس له جند وحشم وخيل وخدم فكيف نتبعه، فيكونون قد قدموا الموجب لجواز الامتناع من الاتباع، واعلم أن في هذه الآية إشارات إلى ذلك أحدها: نكروه حيث قالوا {أَبَشَرًا} ولم يقولوا: أنتبع صالحًا أو الرجل المدعي النبوة أو غير ذلك من المعرفات والتنكير تحقير ثانيها: قالوا أبشرًا ولم يقولوا أرجلًا ثالثها: قالوا {مِنَّا} وهو يحمل أمرين أحدهما من صنفنا ليس غريبًا، وثانيهما {مِنَّا} أي تبعنا يقول القائل لغيره أنت منا فيتأذى السامع ويقول: لا بل أنت منا ولست أنا منكم، وتحقيقه أن من للتبعيض والبعض يتبع الكل لا الكل يتبع البعض رابعها: {واحدا} يحتمل أمرين أيضًا أحدهما: وحيدًا إلى ضعفه وثانيهما: واحدًا أي هو من الآحاد لا من الأكابر المشهورين، وتحقيق القول في استعمال الآحاد في الأصاغر حيث يقال: هو من آحاد الناس هو أن من لا يكون مشهودًا بحسب ولا نسب إذا حدث عنه من لا يعرفه فلا يمكن أن يقول عنه قال فلان أو ابن فلان فيقول قال واحد وفعل واحد فيكون ذلك غاية الخمول، لأن الأرذل لا ينضم إليه أحد فيبقى في أكثر أوقاته واحدًا فيقال: للأرذال آحاد.
وقوله تعالى عنهم: {إِنَّا إِذًا لَّفِى ضلال وَسُعُرٍ} يحتمل وجهين أحدهما: أن يكونوا قد قالوا في جواب من يقول لهم إن لم تتبعوه تكونوا في ضلال، فيقولون له: لا بل إن تبعناه نكون في ضلال ثانيهما: أن يكون ذلك ترتيبًا على ما مضى أي حاله ما ذكرنا من الضعف والوحدة فإن اتبعناه نكون في ضلال وسعر أي جنون على هذا الوجه، فإن قلنا: إن ذلك قالوه على سبيل الجواب فيكون القائل قال لهم: إن لم تتبعوه فإنا إذًا في الحال في ضلال وفي سعر في العقبى فقالوا: لا بل لو اتبعناه فإنا إذًا في الحال في ضلال وفي سعر من الذل والعبودية مجازًا فإنهم ما كانوا يعترفون بالسعير.
المسألة الثالثة:
السعير في الآخرة واحد فكيف جمع؟ نقول: الجواب عنه من وجوه أحدها: في جهنم دركات يحتمل أن تكون كل واحدة سعيرًا أو فيها سعير ثانيها: لدوام العذاب عليهم فإنه كلما نضجت جلودهم يبدلهم جلودًا كأنهم في كل زمان في سعير آخر وعذاب آخر ثالثها: لسعة السعير الواحد كأنها سعر يقال للرجل الواحد: فلان ليس برجل واحد بل هو رجال.
{أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)}.
وقد تقدم أن النفي بطريق الاستفهام أبلغ لأن من قال: ما أنزل عليه الذكر ربما يعلم أو يظن أو يتوهم أن السامع يكذبه فيه فإذا ذكر بطريق الاستفهام يكون معناه أن السامع يجيبني بقوله: ما أنزل فيجعل الأمر حينئذ منفيًا ظاهرًا لا يخفى على أحد بل كل أحد يقول: ما أنزل، والذكر الرسالة أو الكتاب إن كان ويحتمل أن يراد به ما يذكره من الله تعالى كما يقال الحق ويراد به ما يحل من الله وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قولهم أألقي بدل أأنزل وفيه إشارة إلى ما كانوا ينكرونه من طريق المبالغة وذلك لأن الإلقاء إنزال بسرعة والنبي كان يقول: «جاءني الوحي مع الملك في لحظة يسيرة» فكأنهم قالوا: الملك جسم والسماء بعيدة فكيف ينزل في لحظة فقالوا: أألقي وما قالوا: أأنزل، وقولهم عليه إنكار آخر كأنهم قالوا: ما ألقى ذكر أصلًا، قالوا: إن ألقى فلا يكون عليه من بيننا وفينا من هو فوقه في الشرف والذكاء، وقولهم أألقى بدل عن قولهم أألقي الله للإشارة إلى أن الإلقاء من السماء غير ممكن فضلًا عن أن يكون من الله تعالى.
المسألة الثانية:
عرفوا الذكر ولم يقولوا: أألقى عليه ذكر، وذلك لأن الله تعالى حكى إنكارهم لما لا ينبغي أن ينكر فقال: أنكروا الذكر الظاهر المبين الذي لا ينبغي أن ينكر فهو كقول القائل: أنكروا المعلوم.
المسألة الثالثة:
{بَلِ} يستدعي أمرًا مضروبًا عنه سابقًا فما ذاك؟ نقول قولهم: أألقى للإنكار فهم قالوا: ما ألقى، ثم إن قولهم: أألقى عليه الذكر لا يقتضي إلا أنه ليس بنبي، ثم قالوا: بل هو ليس بصادق.
المسألة الرابعة:
{الكذاب} فعال من فاعل للمبالغة أو يقال: بل من فاعل كخياط وتمار؟ نقول: الأول هو الصحيح الأظهر على أن الثاني من باب الأولى لأن المنسوب إلى الشيء لابد له من أن يكثر من مزاولة الشيء فإن من خاط يومًا ثوبه مرة لا يقال له خياط، إذا عرفت هذا فنقول المبالغة إما في الكثرة، وإما في الشدة فالكذاب، إما شديد الكذب يقول مالا يقبله العقل أو كثير الكذب، ويحتمل أن يكونوا وصفوه به لاعتقادهم الأمرين فيه وقولهم: {أَشِرٌ} إشارة إلى أنه كذب لا لضرورة وحاجة إلى خلاص كما يكذب الضعيف، وإنما هو استغنى وبطر وطلب الرياسة عليكم وأراد اتباعكم له فكان كل وصف مانعًا من الاتباع لأن الكاذب لا يلتفت إليه، ولا سيما إذا كان كذبه لا لضرورة، وقرئ: {أَشِرٌ} فقال المفسرون: هذا على الأصل المرفوض في الأشر والأخير على وزن أفعل التفضيل، وإنما رفض الأصل فيه لأن أفعل إذا فسر قد يفسر بأفعل أيضًا والثاني بأفعل ثالث، مثاله إذا قال: ما معنى الأعلم؟ يقال: هو الأكثر علمًا فإذا قيل: الأكثر ماذا؟ فيقال: الأزيد عددًا أو شيء مثله فلابد من أمر يفسر به الأفعل لا بمن بابه فقالوا: أفعل التفضيل والفضيلة أصلها الخير والخير أصل في باب أفعل فلا يقال: فيه أخير، ثم إن الشر في مقابلة الخير يفعل به ما يفعل بالخير فيقال هو شر من كذا وخير من كذا والأشر في مقابلة الأخير، ثم إن خيرًا يستعمل في موضعين: أحدهما: مبالغة الخير بفعل أو أفعل على اختلاف يقال: هذا خير وهذا أخير ويستعمل في مبالغة خير على المشابهة لا على الأصل فمن يقول: أشر يكون قد ترك الأصل المستعمل لأنه أخذ في الأصل المرفوض بمعنى هو شر من غيره وكذا معنى الأعلم أن علمه خير من علم غيره، أو هو خير من غرة الجهل كذلك القول في الأضعف وغيره.