فصل: تفسير الآيات (41- 48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال قتادة: هو العظام النخرة المحترقة.
وقال سعيد بن جبير: هو التراب المتناثر من الحيطان في يوم ريح.
وقال سفيان الثوري: هو ما يتناثر من الحظيرة إذا ضربتها بالعصي.
قال ابن زيد: العرب تسمي كل شيء كان رطبًا فيبس هشيمًا، ومنه قول الشاعر:
ترى جيف المطيّ بجانبيه ** كأن عظامها خشب الهشيم

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} قد تقدم تفسير هذا في هذه السورة.
ثم أخبر سبحانه عن قوم لوط بأنهم كذبوا رسل الله، كما كذبهم غيرهم، فقال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر} وقد تقدّم تفسير النذر قريبًا.
ثم بيّن سبحانه ما عذبهم به، فقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حاصبا} أي: ريحًا ترميهم بالحصباء، وهي الحصى.
قال أبو عبيدة، والنضر بن شميل: الحاصب: الحجارة في الريح.
قال في الصحاح: الحاصب: الريح الشديدة التي تثير الحصباء، ومنه قول الفرزدق:
مستقبلين شمال الشام يضربها ** بحاصب كنديف القطن منثور

{إِلاَّ الَ لُوطٍ نجيناهم بِسَحَرٍ} يعني: لوطًا ومن تبعه، والسحر: آخر الليل، وقيل: هو في كلام العرب اختلاط سواد الليل ببياض أوّل النهار، وانصرف {سحر} لأنه نكرة لم يقصد به سحر ليلة معينة، ولو قصد معينًا لامتنع.
كذا قال: الزجاج، والأخفش، وغيرهما.
وانتصاب {نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا} على العلة، أو على المصدرية، أي: إنعامًا منا على لوط، ومن تبعه.
{كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ} أي: مثل ذلك الجزاء نجزي من شكر نعمتنا، ولم يكفرها {وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا} أي: أنذر لوط قومه بطشة الله بهم، وهي عذابه الشديد، وعقوبته البالغة {فَتَمَارَوْاْ بالنذر} أي: شكوا في الإنذار ولم يصدّقوه، وهو تفاعلوا من المرية، وهي الشك {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} أي: أرادوا منه تمكينهم ممن أتاه من الملائكة ليفجروا بهم، كما هو دأبهم، يقال راودته عن كذا مراودة وروادًا، أي: أردته، وراد الكلام يروده رودًا، أي: طلبه، وقد تقدّم تفسير المراودة مستوفى في سورة يوسف {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} أي: صيرنا أعينهم ممسوحة لا يرى لها شقّ، كما تطمس الريح الأعلام بما تسفي عليها من التراب.
وقيل: أذهب الله نور أبصارهم مع بقاء الأعين على صورتها.
قال الضحاك: طمس الله على أبصارهم، فلم يروا الرسل، فرجعوا {فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ} قد تقدّم تفسيره في هذه السورة {وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} أي: أتاهم صباحًا عذاب مستقرّ بهم نازل عليهم لا يفارقهم ولا ينفك عنهم.
قال مقاتل: استقرّ بهم العذاب بكرة، وانصراف {بكرة} لكونه لم يرد بها وقتًا بعينه، كما سبق في {بسحر}: {فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} قد تقدّم تفسير هذا في هذه السورة، ولعل وجه تكرير تيسير القرآن للذكر في هذه السورة الإِشعار بأنه منة عظيمة لا ينبغي لأحد أن يغفل عن شكرها.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} قال: باردة {فِى يَوْمِ نَحْسٍ} قال: أيام شداد.
وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم الأربعاء يوم نحس مستمر»، وأخرجه عنه ابن مردويه من وجه آخر مرفوعًا.
وأخرجه ابن مردويه عن عليّ مرفوعًا.
وأخرجه ابن مردويه أيضًا عن أنس مرفوعًا، وفيه قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال:
«أغرق الله فيه فرعون وقومه، وأهلك فيه عادًا، وثمود» وأخرج ابن مردويه، والخطيب بسند.
قال السيوطي: ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر» وأخرج ابن المنذر عنه {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} قال: أصول النخل {مُّنقَعِرٍ} قال: منقلع.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا في الآية قال: أعجاز سواد النخل.
وأخرج ابن المنذر عنه أيضًا {وَسُعُرٍ} قال: شقاء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضًا قال: {كَهَشِيمِ المحتظر} قال: كحظائر من الشجر محترقة.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا في الآية قال: كالعظام المحترقة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عنه قال: كالحشيش تأكله الغنم. اهـ.

.تفسير الآيات (41- 48):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقولونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الآخر ينبغي له أن يحذر ما وقع للأول، وكان قوم فرعون قد جاء بعد قوم لوط عليه السلام، فكان ربما ظن أنهم لم ينذروا لأن من علم أن العادة جرت أن من كذب الرسل هلك أنكر أن يحصل ممن تبع ذلك تكذيب، قال مقسمًا: {ولقد جاء آل فرعون} أي ملك القبط بمصر وأشرافه الذين إذا رؤوا كان كأنه رئي فيهم لشدة قربهم منه وتخلقهم بأخلاقهم {النذر} أي الإنذارات والمنذرون بنذارة موسى وهارون عليهما السلام، فإن نذارة بعض الأنبياء كنذارة الكل لأنه يأتي أحد منهم إلا وله من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، والمعجزات كلها متساوية في خرق العادة، وكان قد أنذرهم يوسف عليه السلام، ولما كان كأنه قيل: فما فعلوا عند مجيء ذلك إليهم، قال: {كذبوا} أي تكذيبًا عظيمًا متسهينين {بآياتنا} التي أتاهم بها موسى عليه السلام وغيرها لأجل تكذيبهم بها على ما لها من العظمة المعرفة قطعًا عن أنها من عندنا.
ولما كانت خوارق العادات كما مضى متساوية الأقدام في الدلالة على صدق الآتي بها، وكانوا قد صمموا على أنه مهما أتاهم بآية كذبوا بها، كانوا كأنهم قد أتتهم كل آية فلذلك قال: {كلها} وسبب عن ذلك القول: {فأخذناهم} أي بما لنا من العظمة بنحو ما أخذنا به قوم نوح من الإغراق {أخذ عزيز} أي لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء {مقتدر} أي لا يعجل بالأخذ لأنه لا يخاف الفوت ولا يخشى معقبًا لحكمه، بالغ القدرة إلى حد لا يدرك الوصف كنهه لأن صيغة الافتعال مبناها على المعاجلة من عاجل فعلًا أجهل نفسه فيه، فكان على أتم الوجوه، وهذه الغاية هي المرادة ليس غيرها، فهو تمثيل لأنه سبحانه يخاطبنا بما نعبده، وبهذه المبالغة فلم يلفت منهم أحد، وقد ختمت القصص بمثل ما افتتحت به من عذاب المفسدين بالإغراق ليطابق الختم البدء، وكانت نجاة المصلحين من الأولين بالسفينة، وكانت نجاة المصلحين من الآخرين بأرض البحر كانت هي سفينتهم، ليكون الختم أعظم من البدء كما هو شأن أهل الاقتدار.
ولما بلغت هذه المواعظ الانتهاء، وعلت أقدامها على رتبة السها، ولم يبين ذلك كفار قريش عن شرادهم، ولا فتر من جحودهم وعنادهم، كان لسان حالهم قائلًا: إنا لا نخاف شيئًا من هذا، فكان الحال مقتضيًا لأن يقال لهم إلزامًا بالحجة: {أكفاركم} الراسخون منكم في الكفر الثابتون عليه يا أيها المكذبون لهذا النبي الكريم الساترون لشموس دينه {خير} في الدنيا بالقوة والكثرة أو الدين عند الله أو عند الناس {من أولائكم} أي الكفار أي الكفار العظماء الجبابرة الأشداء الذين وعظناكم بهم في هذه السورة ليكون ذلك سببًا لافتراق حالهم منهم فيأمنوا العذاب مع جامع التكذيب وإن لم يكن لهم براءة من الله {أم لكم} أجمعين دونهم كفاركم وغير كفاركم {براءة} من العذاب من الله {في الزبر} أي الكتب الآتية من عنده أأمنتم بها من العذاب مع أنهم خير منكم، فالآية من الاحتباك: أثبت الخيرية أولًا دليلًا على حذفها ثانيًا، والبراءة ثانيًا دليلًا على حذفها أولًا.
ولما بلغوا إلى هذا الحد من التمادي في الكفر مع المواعظ البالغة والاستعطاف المكين، استحقوا أعظم الغضب، فأعرض عنهم الخطاب إيذانًا بذلك وإهانة لهم واحتقارًا وإقبالًا على النبي صلى الله عليه وسلم تسلية فقال عاطفًا على ما تقديره: أيدعون جهلًا ومكابرة شيئًا من هذين الأمرين: {أم يقولون} أي هؤلاء الذي أنت بين أظهرهم تعاملهم باللين في القال والقيل والصفح الجميل امتثالًا لأمرنا تعظيمًا لقدرك فاستهانوا بك: {نحن جميع} أي جمع واحد مبالغ في اجتماعه فهو في الغاية من الضم فلا افتراق له {منتصر} أي على كل من يناويه لأنهم على قلب رجل واحد، فالإفراد للفظ {جميع} ولإفهام هذا المعنى، أو أن كل واحد محكوم له بالانتصار.
ولما كان لسان الحال ناطقًا بأنهم يقولون: هذا كله فأي الفريقين خير مقامًا وأحسن نديًا ونحوها، وقال بعضهم: لئن بعثنا لأوتينا وولدًا، ولا شك أنهم كانوا في غاية الاستحالة لغلبة المؤمنين لهم على قلتهم وضعفهم، استأنف الجواب بقوله: {سيهزم} بأيسر أمر من أي هازم كان بوعد لا خلف فيه، وقراءة الجمهور بالبناء للمفعول مفهمة للعظمة بطريقة كلام القدرين، فهي أبلغ من قراءة يعقوب بالنون والبناء للفاعل الدالة على العظمة صريحًا {الجمع} الذي تقدم أنه بولغ في جمعه فصدق الله وعده وهزموا في يوم بدر وغيره في الدنيا عن قريب، ولم يزالوا يضعفون حتى اضمحل أمرهم وزال بالكلية سرهم، وهي من دلائل النبوة البينة {ويولون الدبر} أي يقع توليتهم كلهم بهذا الجنس بأن يكون واليًا لها من منهم مع الهزيمة لأنه لم يتولهم في حال الهزيمة نوع مسكنة يطمعون بها في الخيار، وكل من إفراد الدبر والمنتصر وجمع المولين أبلغ مما لو وضع غيره موضعه وأقطع للتعنت.
ولما ونقع هذا في الدنيا، وكان في يوم بدر، وكان ذلك من أعلام النبوة، وكان ربما ظن ظان أن ذلك هو النهاية، كان كأنه قيل: ليس ذلك الموعد الأعظم: {بل الساعة} القيامة التي يكون فيها الجمع الأعظم والهول الأكبر {موعدهم} أي الأعظم للجزاء المتوعد به {والساعة أدهى} من كل ما يفرض وقوعه في الدنيا، أفعل تفضيل من الداهية وهي أمر هائل لا يهتدي لدوائه {وأمر} لأن عذابها للكافر غير مفارق ومزايل.
ولما أخبر عن الساعة بهذا الإخبار الهائل، علله مقسمًا لأهلها مجملًا بعض ما لهم عند قيامها بقوله مؤكدًا لما أظهروا من التكذيب: {إن المجرمين} أي القاطعين لما أمر الله بأن يوصل {في ضلال} أي عمى عن القصد بتكذيبهم بالبعث محيط بهم مانع من الخلاص من دواهي الساعة وغيرها، ومن الوصول إلى شيء من مقاصدهم التي هم عليها الآن معتمدون {وسعر} أي نيران تضطرم وتتقد غاية الاتقاد {يوم} أي في ذلك اليوم الموعود به {يسحبون} أي في الساعة دائمًا بأيسر وجه إهانة لهم من أي صاحب كان {في النار} أي الكاملة في النارية {على وجوههم} لأنهم في غاية الذل والهوان جزاء بما كانوا يذلون أولياء الله تعالى، مقولا لهم من أي قائل اتفق: {ذوقوا} أي لأنهم لا منعة لهم ولا حمية عندهم بوجه {مس سقر} أي ألم مباشرة الطبقة النارية التي تلفح بحرها فتلوح الجسم وتذيبه فيسيل ذهنه.
وعصارًا كما يسيل الدبس وعصارة الرطب فتسمى النخلة بذلك مسقارًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41)} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
ما الفائدة في لفظ: {آل فِرْعَوْنَ} بدل قوم فرعون؟ نقول: القوم أعم من الآل، فالقوم كل من يقوم الرئيس بأمرهم أو يقومون بأمره، والآل كل من يؤول إلى الرئيس خيرهم وشرهم أو يؤول إليهم خيره وشره، فالبعيد الذي لا يعرفه الرئيس ولا يعرف هو عين الرئيس وإنما يسمع اسمه، فليس هو بآله، إذا عرفت الفرق، نقول: قوم الأنبياء الذين هم غير موسى عليهم السلام، لم يكن فيهم قاهر يقهر الكل ويجمعهم على كلمة واحدة، وإنما كانوا هم رؤساء وأتباعًا، والرؤساء إذا كثروا لا يبقى لأحد منهم حكم نافذ على أحد، أما على من هو مثله فظاهر، وأما على الأراذل فلأنهم يلجئون إلى واحد منهم ويدفعون به الآخر، فيصير كل واحد برأسه، فكأن الإرسال إليهم جميعًا، وأما فرعون فكان قاهرًا يقهر الكل، وجعلهم بحيث لا يخالفونه في قليل ولا كثير، فأرسل الله إليه الرسول وحده، غير أنه كان عنده جماعة من التابعين المقربين مثل قارون تقدم عنده لماله العظيم، وهامان لدهائه، فاعتبرهم الله في الإرسال، حيث قال: في مواضع: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا إلى فِرْعَوْنَ} [الزخرف: 46] وقال تعالى: {بآياتنا} {إلى فرعون وهامان وقارون} [غافر: 23، 24] وقال في العنكبوت: {وقارون وَفِرْعَوْنَ وهامان وَلَقَدْ جَاءهُمْ موسى} [العنكبوت: 39] لأنهم إن آمنوا آمن الكل بخلاف الأقوام الذين كانوا قبلهم وبعدهم، فقال: {وَلَقَدْ جَاء ءالَ فِرْعَوْنَ النذر} وقال كثيرًا مثل هذا كما في قوله: {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: 46]، {وَقال رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمانه} [غافر: 28] وقال: بلفظ الملأ أيضًا كثيرًا.
المسألة الثانية:
قال: {وَلَقَدْ جَاء} ولم يقل في غيرهم جاء لأن موسى عليه السلام ما جاءهم، كما جاء المرسلون أقوامهم، بل جاءهم حقيقة حيث كان غائبًا عن القوم فقدم عليهم، ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا جَاء ءالَ لُوطٍ المرسلون} [الحجر: 61] وقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة: 128] حقيقة أيضًا لأنه جاءهم من الله من السموات بعد المعراج، كما جاء موسى قومه من الطور حقيقة.
المسألة الثالثة:
النذر إن كان المراد منها الإنذارات وهو الظاهر، فالكلام الذي جاءهم على لسان موسى ويده تلك، وإن كان المراد الرسل فهو لأن موسى وهرون عليهما السلام جاءه وكل مرسل تقدمهما جاء لأنهم كلهم قالوا ما قالا من التوحيد وعبادة الله وقوله بعد ذلك: {كَذَّبُواْ بئاياتنا} من غير فاء تقتضي ترتب التكذيب على المجيء فيه وجهان أحدهما: أن الكلام تم عند قوله: {وَلَقَدْ جَاء ءالَ فِرْعَوْنَ النذر} وقوله: {كَذَّبُواْ} كلام مستأنف والضمير عائد إلى كل من تقدم ذكرهم من قوم نوح إلى آل فرعون ثانيهما: أن الحكاية مسوقة على سياق ما تقدم، فكأنه قال: (فكيف كان عذابي ونذر وقد كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم)، وعلى الوجه الأول آياتنا كلها ظاهرة، وعلى الوجه الثاني المراد آياته التي كانت مع موسى عليه السلام وهي التسع في قول أكثر المفسرين، ويحتمل أن يقال: المراد أنهم كذبوا بآيات الله كلها السمعية والعقلية فإن في كل شيء له آية تدل على أنه واحد.
وقوله تعالى: {فأخذناهم} إشارة إلى أنهم كانوا كالآبقين أو إلى أنهم عاصون يقال: أخذ الأمير فلانًا إذا حبسه، وفي قوله: {عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} لطيفة وهي أن العزيز المراد منه الغالب لكن العزيز قد يكون (الذي) يغلب على العدو ويظفر به وفي الأول يكون غير متمكن من أخذه لبعده إن كان هاربًا ولمنعته إن كان محاربًا، فقال أحد غالب لم يكن عاجزًا وإنما كان ممهلًا.