فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحدة} أي كلمةٌ واحدةٌ سريعةُ التكوينِ وهُو قوله تعالى كُنْ أو إلا فعلةٌ واحدةٌ هو الإيجادُ بلا معالجةٍ {كَلَمْحٍ بالبصر} في اليُسرِ والسرعةِ وقيلَ: معناهُ قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر} {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أشياعكم} أي أشباهَكُم في الكفرِ من الأممِ وقيل: أتباعَكُم {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يتعظُ بذلكَ {وَكُلُّ شيء فَعَلُوهُ} من الكفرِ والمعاصِي مكتوبٌ على التفصيلِ {فِى الزبر} أي في ديوانِ الحفظةِ {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الأعمالِ {مُّسْتَطَرٌ} مسطورٌ في اللوحِ المحفوظِ بتفاصيلِه، ولما كانَ بيانُ سوءِ حالِ الكفرةِ بقوله تعالى: {إِنَّ المجرمين} إلخ مِمَّا يستدعِي بيانَ حُسنِ حالِ المؤمنينَ ليتكافأَ الترهيبُ والترغيبُ بيّن ما لَهُم من حسنِ الحالِ بطريقِ الإجمالِ فقيلَ: {إِنَّ المتقين} بالإيمانِ أي منَ الكفرِ والمعاصِي {فِي جنات} عظيمةِ الشأنِ {وَنَهَرٍ} أي أنهارٍ. كذلكَ والإفرادُ للاكتفاءِ باسمِ الجنسِ مراعاةً للفواصلِ، وقرئ {نُهْرٍ} جمعُ نَهَرٍ كأُسْدٍ وأَسدٍ {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} في مكانٍ مرضيَ وقرئ {في مقاعدِ صدقٍ} {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} أي مقربينَ عند مليكٍ لا يُقادَرُ قدرُ ملكِه وسلطانِه فلا شيءَ إلاَّ وهو تحتَ ملكوتِه سبحانه ما أعظمَ شأنَهُ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {اقتربت الساعة} يعني: دنا قيام الساعة، لأن خروج النبي صلى الله عليه وسلم كان من علامات الساعة {وانشق القمر} وذلك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة لنبوته، فانشق القمر نصفين.
وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فانشق القمر نصفين، فرأيت حراء بين فلقتي القمر، أي: شقتي القمر.
وعن جبير بن مطعم قال: انشق القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة.
وروى قتادة، عن أنس قال: سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة.
وقال بعضهم: {اقتربت الساعة وانشق القمر} يعني: تقوم الساعة، وينشق القمر يوم القيامة.
وأكثر المفسرين قالوا: إن هذا قد مضى.
وقال عبد الله بن مسعود: ما وعد الله ورسوله من أشراط الساعة كلها قد مضى، إلا أربعة طلوع الشمس من مغربها، ودابة الأرض، وخروج الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج.
ثم قال: {وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ} يعني: إذا رأوا آية من آيات الله مثل انشقاق القمر، يعرضوا عنها، ولا يتفكروا فيها.
{وَيَقولواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} يعني: مصنوعًا.
سيذهب.
ويقال: معناه ذاهبًا يذهب، ثم التئام القمر.
وقال القتبي: {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} يعني: شديد القوى، وهو من المرة، وهو القتل.
وقال الزجاج: في مستمر قولان: قول ذاهب، وقول دائم.
وقال الضحاك: لما رأى أهل مكة انشقاق القمر.
وقال أبو جهل: هذا سحر مستمر فابعثوا إلى أهل الآفاق، حتى ينظروا إذا رأوا القمر منشقًا أم لا.
فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقًا، قالوا: هذا سحر مستمر يعني: استمر سحره في الآفاق.
قوله عز وجل: {وَكَذَّبُواْ} يعني: كذبوا بالآية، وبقيام الساعة.
{واتبعوا أَهْوَاءهُمْ} في عبادة الأصنام {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} يعني: كل قول من الله له حقيقة منه في الدنيا سيظهر، وما كان منه في الآخرة سيعرف.
يعني: ما وعد لهم من العقوبة.
ويقال: معناه مستقر لأهل النار عملهم، ولأهل الجنة عملهم.
يعني: يعطي لكل فريق جزاء أعمالهم.
ثم قال: {وَلَقَدْ جَاءهُم مّنَ الانباء} يعني: جَاء لأهل مكة من الأخبار عن الأمم الخالية {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} يعني: ما فيه موعظة لهم، وزجر عن الشرك، والمعاصي.
قوله تعالى: {حِكْمَةٌ بالغة} يعني: جاءهم كلمة بالغة، وهو القرآن يعني: حكمة وثيقة {فَمَا تُغْنِى النذر} يعني: لا تنفعهم النذر إن لم يؤمنوا، كقوله: {قُلِ انظروا مَاذَا في السماوات والأرض وَمَا تُغْنِى الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] ويقال: {فَمَا تُغْنِى النذر} لم تنفعهم الرسل إذا نزل بهم العذاب إن لم يؤمنوا.
قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} يعني: اتركهم، وأعرض عنهم، بعدما أقمت عليهم الحجة.
{يَوْمَ يَدْعُو الداع} يعني: يدعو إسرافيل على صخرة بيت المقدس {إلى شيء نُّكُرٍ} يعني: إلى أمر فظيع، شديد، منكر {خُشَّعًا} يعني: ذليلة {أبصارهم} خاشعًا، نصب على الحال يعني: يخرجون، خاشعًا.
قرأ حمزة، والكسائي، وأبو عمرو {خاشعا} بالألف مع النصب.
والباقون: {خُشعًا} بضم الخاء، بغير ألف، وتشديد الشين بلفظ الجمع، لأنه نعت للجماعة.
ومن قرأ: بلفظ الواحد، فلأجل تقديم النعت.
وقرأ ابن مسعود: {خاشعة} بلفظ التأنيث.
وقرأ ابن كثير: {إلى شيء نُّكُرٍ} بجزم الكاف، والباقون: بالضم، وهما لغتان.
ثم قال عز وجل: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} يعني: من القبور، {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} يعني: انتشروا عن معدنهم، ويجول بعضهم في بعض.
قوله تعالى: {مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} يعني: مقبلين إلى صوت إسرافيل {يَقول الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} يعني: شديد عَسِر عليه.
وروي في الخبر: «أنَّهُمْ إذا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، يَمْكِثُونَ وَاقِفِينَ أَرْبَعِينَ سَنَّةً» ويقال: مائة سنة، حتى يقولوا أرحنا من هذا، ولو إلى النار، ثم يؤمرون بالحساب.
ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على أذى قومه كما لقي الرسل من قومهم فقال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} يعني: قبل قومك يا محمد {قَوْمُ نُوحٍ} حين أتاهم بالرسالة {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} نوحًا {وَقالواْ مَجْنُونٌ} يعني: قالوا لنوح: إنك مجنون {وازدجر} يعني: أوعد بالوعيد.
ويقال: صاحوا به حتى غشي عليه.
وقال القتبي: {وازدجر} أي: زجر.
وهو افتعل من ذلك، فلما ضاق صدره {فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى مَغْلُوبٌ} يعني: مقهور فيما بينهم {فانتصر} يعني: أعني عليهم بالعذاب، فأجابه الله كما في سورة الصافات: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المجيبون} [الصافات: 75].
قوله عز وجل: {فَفَتَحْنَا أبواب السماء} يعني: طرق السماء {بِمَاء مُّنْهَمِرٍ} يعني: منصبًا كثيرًا.
وقال القتبي: {بِمَاء مُّنْهَمِرٍ} أي: كثير، سريع الانصباب.
ومنه يقال: همر للرجل إذا كثر من الكلام، وأسرع فيه.
قرأ ابن عامر: {فَفَتَحْنَا} بتشديد التاء على تكثير الفعل.
وقرأ الباقون: بالتخفيف، لأنها فتحت فتحًا واحدًا.
قوله عز وجل: {وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُونًا} يعني: أخرجنا من الأرض عيونًا مثل الأنهار الجارية {فَالْتَقَى الماء} يعني: ماء السماء، وماء الأرض، {على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} يعني: على وقت قد قضى {وَحَمَلْنَاهُ} يعني: حملنا نوحًا {على ذَاتِ ألواح} يعني: على سفينة قد اتخذت بألواح {وَدُسُرٍ} يعني: سفينة قد شدت بالمسامير.
وقال بعضهم: كانت سفينة نوح من صاج، وقال بعضهم: من خشب شمشار، ويقال: من الجوز.
وقال القتبي: الدسر المسامير، واحدها دسار، وهي أيضًا الشريط الذي يشد بها السفينة. ثم قال: {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} يعني: تسير السفينة بمنظر منا، وأمرنا. ويقال: بمراد وحفظ منا.
وقال الزجاج في قوله: {فَالْتَقَى الماء} ولم يقل الماءان، لأن الماء اسم لجميع ماء السماء، وماء الأرض.
فلو قال: ماءان لكان جائزًا، لكنه لم يقل.
ثم قال: {جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ} يعني: الحمل على السفينة، ثواب لنوح الذي كفر به قومه.
وقرأ بعضهم: {جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ} بالنصب يعني: الفرق عقوبة لمن كذب بالله تعالى، وبنوح.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ تركناها ءايَةً} أي: سفينة نوح أبقيناها عبرة للخلق.
وقال بعضهم: يعني: تلك السفينة بعينها كانت باقية على الجبل إلى قريب من خروج النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: يعني: جنس السفينة صارت عبرة، لأن الناس لم يعرفوا قبل ذلك سفينة، فاتخذت الناس السفن بعد ذلك في البحر، فلذلك كانت آية للناس.
ثم قال: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يعني: هل من معتبر يعتبر بما صنع الله تعالى بقوم نوح، فيترك المعصية.
ويقال: فهل من مذكر يتعظ بأنه حق، ويؤمن به.
وقال أهل اللغة: أصل مدكر، مفتعل من الذكر، مذتكر، فأدغمت الذال في التاء، ثم قلبت دالًا مشددة.
ثم قال: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} يعني: كيف رأيت عذابي، وإنذاري لمن أنذرهم الرسل، فلم يؤمنوا، والنذر بمعنى الإنذار.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان} يعني: هوّنا القرآن {لِلذّكْرِ} يعني: للحفظ. ويقال: هونا قراءاته.
وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لَوْلا قول الله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} {مَا ألقى مَعَاذِيرَهُ} {لاَ تُحَرّكْ بِهِ} ويقال: هوناه لكي يذكروا به ثم قال: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يعني: متعظ، يتعظ بما هون من قراءة القرآن.
وروى الأسود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} بالدال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {فَهَلْ مِنْ مُذَّكِر} يعني: بالذال.
قوله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ} يعني: كذبوا رسولهم هود {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} يعني: أليس وجوده حقًا، ونذر جمع نذير قال القتبي: النذر جمع النذير، والنذير بمعنى الإنذار، مثل التنكير بمعنى الإنكار.
يعني: كيف كان عذابي، وإنكاري.
ثم بيّن عذابه فقال عز وجل: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} يعني: سلطنا عليهم ريحًا باردة {فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرّ} يعني: شديدة استمرت عليهم، لا تفتر عنهم سبع ليال، وثمانية أيام، حسومًا دائمة {تَنزِعُ الناس} يعني: تنزع أرواحهم من أجسادهم، وهذا قول مقاتل.
ويقال: {فِى يَوْمِ نَحْسٍ} يعني: يوم مشؤوم عليهم: {مُّسْتَمِرٌّ} يعني: استمر عليهم بالنحوسة.
وقال القتبي: الصرصر ريح شديدة ذات صوت تنزع الناس.
يعني: تقلعهم من مواضعهم.