فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} يعني: صرعهم، فكبهم على وجوههم كأنهم أصول نخل منقلعة من الأرض، فشبههم لطولهم بالنخيل الساقطة.
وقال مقاتل: كان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعًا.
وقال في رواية الكلبي: كان طول كل واحد منهم سبعين ذراعًا، فاستهزؤوا حين ذكر لهم الريح، فخرجوا إلى الفضاء، فضربوا بأرجلهم، وغيبوها في الأرض إلى قريب من ركبهم، فقالوا: قل للريح حتى ترفعنا، فجاءت الريح فدخلت تحت الأرض، وجعلت ترفع كل اثنين، وتضرب أحدهما على الآخر بعدما ترفعهما في الهواء، ثم تلقيه في الأرض، والباقون ينظرون إليهم حتى رفعتهم كلهم، ثم رمت بالرمل والتراب عليهم، وكان يسمع أنينهم من تحت التراب كذا وكذا يومًا.
قال الله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} وقد ذكرناه {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر} يعني: صالحًا حين أتاهم {فَقالواْ أَبَشَرًا مّنَّا واحدا} يعني: خلقًا مثلنا {نَّتَّبِعُهُ} في أمره {إِنَّا إِذًا لَّفِى ضلال وَسُعُرٍ} يعني: إنا إذا فعلنا ذلك {لَفِى} خطأ وعناء.
وقال الزجاج: يعني: إنا إذا فعلنا ذلك {لَفِى ضلال} وجنون.
وهذا كما يقال: ناقة مسعورة إذا كان بها جنون.
ويجوز أن يكون {وَسُعُرٍ} جمع في معنى العذاب.
ثم قال عز وجل: {الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ} يعني: اختص بالنبوة، والرسالة من بيننا، {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} يعني: كاذبًا على الله {أَشِرٌ} يعني: بطرًا متكبرًا.
قوله عز وجل: حدّثنا {سَيَعْلَمُونَ غَدًا} قرأ ابن عامر، وحمزة {ستعلمون} بالتاء على معنى المخاطبة.
يعني: أن صالحًا قال لهم {ذلك غَدًا} والباقون: بالياء على معنى الخبر عنهم من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم أنهم يعلمون غدًا يعني: يوم القيامة {مَّنِ الكذاب الاشر} أهم، أم صالح؟ ومعناه: أنه يتبين لهم أنهم هم الكاذبون، وكان صالحًا صادقًا في مقالته.
ثم قال: {إِنَّا مُرْسِلُواْ} يعني: نخرج لهم {الناقة} وذلك حين سألوا صالحًا بأن يخرج لهم ناقة من الحجر، فدعا صالح ربه، فأوحى الله تعالى إليه أني مخرج الناقة {فِتْنَةً} يعني: بلية {لَّهُمْ فارتقبهم} يعني: انتظر هلاكهم {واصطبر} على الإيذاء.
قوله تعالى: {وَنَبّئْهُمْ} يعني: وأخبرهم {أَنَّ الماء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} يوم للناقة، ويوم لأهل القرية {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} يعني: إذا كان يوم الناقة تحضر الناقة، ولا يحضرون، وإذا كان يومهم لا تحضر الناقة، وكل فريق يحضر في نوبته {فَنَادَوْاْ صاحبهم} يعني: مصدع أو قذار {فتعاطى فَعَقَرَ} يتناول الناقة بالسهم يعقرها {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحدة} يعني: صيحة جبريل عليه السلام {فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} قال قتادة: يعني: كرماد محترق.
وقال الزجاج: الهشيم ما يبس من الورق، وتحطم، وتكسر قرأ بعضهم: {كَهَشِيمِ المحتظر} بنصب الظاء.
وقراءة العامة: بالكسر: فمن قرأ بالنصب فهو اسم الحظيرة، ومعناه: كهشيم المكان الذي يحضر فيه الهشيم.
ومن قرأ بالكسر: فهو صاحب الحظيرة، يعني: يجمع الحشيش في الحظيرة، لغنمه فداسته الغنم.
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ} يعني: سهلناه للحفظ، لأن كُتب الأولين يقرؤها أهلها نظرًا، ولا يكادون يحفظون من أولها إلى آخرها، كما يحفظ القرآن {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يعني: متعظ به.
قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر} يعني: بالرسل، لأن لوطًا عليه السلام يدعوهم إلى الإيمان بجميع الرسل، فكذبوهم، ولم يؤمنوا، فأهلكهم الله تعالى.
وهو قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حاصبا} يعني: حجارة من فوقهم {إِلاَّ الَ لُوطٍ نجيناهم بِسَحَرٍ} يعني: وقت السحر.
قوله تعالى: {نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا} يعني: رحمة من عندنا على آل لوط.
صار نعمة نصبًا لأنه مفعول.
ومعناه: ونجيناهم بالإنعام عليهم {كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ} يعني: هكذا يجزي الله تعالى من شكر نعمته، ولم يكفرها.
ويقال: {مَن شَكَرَ} يعني: من وحد الله تعالى، لم يعذبه في الآخرة مع المشركين، فكما أنجاهم في الدنيا ينجيهم في الآخرة، ولا يجعلهم مع المشركين.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا} يعني: خوفهم لوط عقوبتنا {فَتَمَارَوْاْ بالنذر} يعني: شكوا بالرسل، فكذبوا، يعني: لوط.
ويقال: معناه شكوا بالعذاب الذي أخبرهم به الرسل أنه نازل بهم.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} يعني: طلبوا منه الضيافة، وكانت أضيافه جبريل مع الملائكة، فمسح جبريل بجناحه على أعينهم، فذهب أبصارهم، وذلك قوله: {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} يعني: أذهبنا أعينهم، وأبصارهم، {فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ} اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به الخبر.
يعني: فذوقوا عذاب الله تعالى، أي: عقوبة الله ما أخبر الله تعالى.
ثم قال: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} يعني: أخذهم وقت الصبح عذاب دائم.
يعني: عذاب الدنيا موصولة بعذاب الآخرة {فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ} يقال لهم: ذوقوا عذاب الله تعالى، وإنذاره.
ثم قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} وقد ذكرناها.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاء ءالَ فِرْعَوْنَ النذر} يعني: الرسل وهو موسى، وهارون، {كَذَّبُواْ بآياتنا كُلَّهَا} يعني: بالآيات التسع {فأخذناهم} يعني: عاقبناهم عند التكذيب، {أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} يعني: عقوبة منيع بالنقمة على عقوبة الكفار، مقتدرًا يعني: قادرًا على عقوبتهم، وهلاكهم.
ثم خوف كفار مكة فقال: {أكفاركم خَيْرٌ مّنْ أُوْلَئِكُمْ} يعني: أكفاركم أقوى في النذر من الذين ذكرناهم، فأهلكهم الله تعالى، وهو قادر على إهلاكهم {أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ في الزبر} يعني: براءة في الكتب من العذاب.
اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به الزجر.
يعني: ليس لكم براءة، ونجاة من العذاب.
ثم قال عز وجل: {أَمْ يَقولونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} يعني: ممتنع من العذاب يقول الله تعالى: {سَيُهْزَمُ الجمع} يعني: سيهزم جمع أهل مكة في الحرب {وَيُوَلُّونَ الدبر} يعني: ينصرفون من الحرب، منهزمين.
يعني: به: يوم بدر، وفي هذا علامة من علامات النبوة، لأن هذه الآية نزلت بمكة، وأخبرهم أنهم سيهزمون في الحرب، فكان كما قال.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، أن عمر رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} فكنت لم أعلم ما هي، وكنت أقول: أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثبت في الدرع، ويقول: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلَّوْنَ الدُّبَر} وقال الزجاج: {ويولون الدبر} يعني: الإدبار، كقوله تعالى: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يقاتلوكم يُوَلُّوكُمُ الادبار ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} [آل عمران: 111] لأن اسم الواحد يدل على الجمع، وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ المتقين في جنات وَنَهَرٍ} [القمر: 54] أي: أنهار.
وذكر عن الفراء أنه قال: إنما وحّد لأنه رأس آية تقابل بالتوحيد رؤوس الآي.
وكذلك في الدبر، لموافقته رؤوس الآي.
ثم قال: {بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ} يعني: مجمعهم {والساعة أدهى وَأَمَرُّ} يعني: عذاب الساعة أعظم وأشد من عذاب الدنيا.
ثم وصف عذاب الآخرة فقال: {إِنَّ المجرمين في ضلال وَسُعُرٍ} يعني: المشركين في الدنيا في ضلالة، وخطأ، وخلاف، وفي سعير في الآخرة.
والسعر جماعة السعير.
ويقال: {السعر} يعني: في عناء.
ثم أخبرهم بمستقرهم فقال عز وجل: {وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النار على وُجُوهِهِمْ} يعني: يجرون في النار على وجوههم، ويقول لهم الخزنة: {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} يعني: عذاب النار.
ثم قال: {إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ} يعني: خلقنا لكل شيء شكله مما يوافقه.
وروي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: هذه الآية نزلت في أهل القدر {يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النار على وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ} وقال محمد بن كعب القرظي: {إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ} نزلت تعبيرًا لأهل القدر.
قال أبو الليث: حدّثنا أبو جعفر.
قال: حدّثنا أبو القاسم، حدّثنا محمد بن الحسن، حدّثنا سفيان عن وكيع، عن زياد بن إسماعيل، عن محمد بن عبادة، عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر، فنزلت الآية {يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النار على وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ} وروى الضحاك، عن ابن عباس في قوله: {إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ} قال: خلق لكل شيء من خلقه ما يصلحهم من رزق، ومن الدواب، وخلق لدواب البر، ولغيرها من الرزق ما يصلحها، وكذلك لسائر خلقه.
قوله عز وجل: {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحدة} يعني: وَمَا أمرنا بقيام الساعة إلا مرة واحدة {كَلَمْحٍ بالبصر} يعني: كرجع البصر.
ومعناه: إذا أمرنا بقيام الساعة واحدة، فنقول: كن فيكون أقرب من طرف البصر.
ثم قال: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أشياعكم} يعني: عَذَّبنا أشباهكم، وأهل ملتكم.
ويقال: إخوانكم حين كذبوا رسلهم {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يعني: معتبر يعتبر فيكم، فيعلم أن ذلك حق، ويخاف عقوبة الله.
ثم قال عز وجل: {وَكُلُّ شيء فَعَلُوهُ في الزبر} يعني: وكل شيء عملوه في الكتاب يحصى عليهم {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} يعني: مكتوبًا في اللوح المحفوظ.
ثم قال: {إِنَّ المتقين} يعني: الذين يتقون الشرك، والفواحش، {فِى جنات وَنَهَرٍ} يعني: في بساتين، وأنهار جارية، {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} يعني: في أرض كريمة.
ويقال في مجلس حسن، وهي أرض (الجنة) {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} يعني: في جوار مليك، قادر على الثواب، قادر على خلقه، مثيب، ومعاقب.
وقال القتبي: النهر الضياء، والسعة، من قولك انهرت الطعنة إذا وسعتها.
قال أبي بن كعب رضي الله عنه: من قرأ سورة اقتربت الساعة في كل غب بعثه الله تعالى ووجهه مثل القمر ليلة البدر، وإن قرأ بها في كل ليلة كان أفضل.
والله أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الثعلبي:

{اقتربت الساعة} دنت القيامة {وانشق القمر} قال ابن كيسان: في الآية تقديم وتأخير، مجازها: انشقّ القمر واقتربت الساعة، يدل عليه قراءة حذيفة (اقتربت الساعة وقد انشق القمر)، وروى عثمان بن عطاء عن أبيه أن معناه: (وسينشقّ القمر)، والعلماء على خلافه والأخبار الصحاح ناطقة بأن هذه الآية قد مضت.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي، قال: حدّثنا أبو الازهر قال: حدّثنا روح عن شعبة قال: سمعت سليمان قال: سمعت إبراهيم يحدث عن أبي معمر عن عبد الله «أن القمر انشقّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فكانت إحداهما فوق الجبل والأُخرى أسفل من الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد»، وقال أيضًا: «اشهدوا».