فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى ابن الجوزي في تفسيره عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أمر مناديًا فينادي نداء يسمعه الأولون والآخرون أي خصماء الله فتقوم القدرية فيأمر بهم إلى النار يقول الله: {ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر}».
قال ابن الجوزي: وإنما قيل: خصماء الله، لأنهم يخاصمون في أنه لا يجوز أن يقدر المعصية على العبد ثم يعذبه عليها.
وروي عن الحسن قال: والله لو أن قدريًا صام حتى يصير كالحبل، وصلّى حتى يصير كالوتر، ثم أخذ ظلمًا حتى يذبح بين الركن والمقام لكبه الله على وجهه في سقر ثم قيل له ذق مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر.
قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله اعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر ومعناه أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسن ما قدرها الله تعالى وأنكرت القدرية هذا وزعمت أنه سبحانه وتعالى لم يقدرها ولم يتقدم علمه بها وإنها مستأنفة العلم أي إنما يعلمها سبحانه وتعالى بعد وقوعها وكذبوا على الله سبحانه وتعالى عن أقوالهم الباطلة علوًا كبيرًا.
وسميت هذه الفرقة قدرية، لإنكارهم القدر.
قال أصحاب المقالات من المتكلمين: وقد انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع الباطل ولم يبق أحد من أهل القبلة عليه.
وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر ولكن تقول الخير من الله والشر من غيره تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا.
وحكى أبو محمد بن قتيبة في كتابه غريب الحديث، وأبو المعالي إمام الحرمين في كتابه الإرشاد في أصول الدين، أن بعض القدرية قالوا: لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لاعتقادكم إثبات القدر.
قال ابن قتبية وإمام الحرمين: هذا تمويه من هؤلاء الجهلة ومباهته وتواقح، فإن أهل الحق يفرضون أمورهم إلى الله تعالى.
ويضيفون القدر والأفعال إلى الله تعالى وهؤلاء الجهلة يضيفونه إلى أنفسهم ومدعي الشيء لنفسه ومضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يعتقده لغيره وينفيه عن نفسه.
قال إمام الحرمين: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القدرية مجوس هذه الأمة» شبههم بهم لتقسيمهم الخير والشر في حكم الإرادة كما قسمت المجوس فصرفت الخير إلى يزدان والشر إلى أهرمن.
ولا خفاء باختصاص هذا الحديث بالقدرية.
وحديث: «القدرية مجوس هذه الأمة»، رواه أبو حازم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه أبو داود في سننه والحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين.
وقال: صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم عن ابن عمر وقال الخطابي: إنما جعلهم صلى الله عليه وسلم مجوسًا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس لقولهم بالأصلين: النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة فصاروا ثنوية وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله والشر إلى غيره والله سبحانه وتعالى خالق كل شيء الخير والشر جميعًا لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه سبحانه وتعالى خلقًا وإيجادًا وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلًا واكتسابًا.
{وكل شيء فعلوه} يعني الأشياع من خير وشر {في الزبر} أي في كتب الحفظة وقيل في اللوح المحفوظ {وكل صغير وكبير} أي من الخلق وأعمالهم وآجالهم {مستطر} أي مكتوب.
قوله: {إن المتقين في جنات} أي بساتين {ونهر} أي أنهار وإنما وحَّده لموافقة رؤوس الآي وأراد أنها الجنة من الماء والخمر واللبن والعسل.
وقيل: معناه في ضياء وسعة ومنه النهار والمعنى لا ليل عندهم {في مقعد صدق} أي في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وقيل في مجلس حسن وقيل في مقعد لا كذب فيه لأن الله صادق فمن وصل إليه امتنع عليه الكذب فهو في مقعد صدق {عند مليك} قيل معناه قرب المنزلة والتشريف لا معنى المكان {مقتدر} أي قادر لا يعجزه شيء وقيل مقربين عند مليك أمره في الملك والاقتدار أعظم شيء، فلا شيء إلا وهو تحت ملكه وقدرته فأي منزلة أكرم من تلك المنزلة وأجمع للغبطة كلها والسعادة بأسرها.
قال جعفر الصادق: وصف الله تعالى المكان بالصدق، فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق، والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال النسفي:

{اقتربت الساعة}.
قربت القيامة {وانشق القمر} نصفين.
وقرئ {وَقَدْ انشق} أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق كما تقول: أقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: رأيت حراء بين فلقتي القمر.
وقيل: معناه ينشق يوم القيامة.
والجمهور على الأول وهو المروي في الصحيحين.
ولا يقال لو انشق لما خفي على أهل الأقطار ولو ظهر عندهم لنقلوه متواترًا لأن الطباع جبلت على نشر العجائب لأنه يجوز أن يحجبه الله عنهم بغيم {وَإِن يَرَوْاْ} يعني أهل مكة {ءايَةً} تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم {يُعْرِضُواْ} عن الإيمان به {وَيَقولواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} محكم قوي من المرة القوة أو دائم مطرد أو مار ذاهب يزول ولا يبقى {وَكَذَّبُواْ} النبي صلى الله عليه وسلم {واتبعوا أَهْوَاءهُمْ} وما زين لهم الشيطان من دفع الحق بعد ظهوره {وَكُلُّ أَمْرٍ} وعدهم الله {مُّسْتَقِرٌّ} كائن في وقته.
وقيل: كل ما قدر واقع.
وقيل: كل أمر من أمرهم واقع مستقر أي سيثبت ويستقر عند ظهور العقاب والثواب {وَلَقَدْ جَاءهُمْ} أهل مكة {مّنَ الأنباء} من القرآن المودع أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة وما وصف من عذاب الكفار {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} ازدجار عن الكفر.
تقول: زجرته وازدجرته أي منعته وأصله ازتجر ولكن التاء إذا وقعت بعد زاي ساكنة أبدلت دالًا لأن التاء حرف مهموس والزاي حرف مجهور، فأبدل من التاء حرف مجهور وهو الدال ليتناسبا وهذا في آخر كتاب سيبويه {حِكْمَةٌ} بدل من (ما) أو على (هو حكمة) {بالغة} نهاية الصواب أو بالغة من الله إليهم {فَمَا تُغْنِى النذر} (ما) نفي و{النذر} جمع نذير وهم الرسل أو المنذر به أو النذر مصدر بمعنى الإنذار.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} لعلمك أن الإنذار لا يغني فيهم.
نصب {يَوْمَ يَدْعُ الداع} ب {يُخْرِجُونَ} أو بإضمار اذكر.
{الداعى}، {إلى الداعى} سهل ويعقوب ومكي فيهما، وافق مدني وأبو عمرو في الوصل، ومن أسقط الياء اكتفى بالكسرة عنها.
وحذف الواو من {يَدْعُو} في الكتابة لمتابعة اللفظ، والداعي إسرافيل عليه السلام {إلى شيء نُّكُرٍ} منكر فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد بمثلة وهو هول يوم القيامة {نُّكُرٍ} بالتخفيف: مكي {خُشَّعًا أبصارهم} {خاشعا} عراقي غير عاصمٍ وهو حال من الخارجين وهو فعل للأبصار، وذكر كما تقول يخشع أبصارهم غيرهم خشعًا على يخشعن أبصارهم وهي لغة من يقول (أكلوني البراغيث).
ويجوز أن يكون في {خُشَّعًا} ضميرهم وتقع {أبصارهم} بدلًا عنه، وخشوع الأبصار كناية عن الذلة لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} من القبور {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} في كثرتهم وتفرقهم في كل جهة.
والجراد مثل في الكثرة والتموج يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض جاءوا كالجراد {مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} مسرعين مادي أعناقهم إليه {يَقول الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} صعب شديد.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل أهل مكة {قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} نوحًا عليه السلام.
ومعنى تكرار التكذيب أنهم كذبوه تكذيبًا على عقب تكذيب كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب، أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا أي لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأسًا كذبوا نوحًا لأنه من جملة الرسل {وَقالواْ مَجْنُونٌ} أي هو مجنون {وازدجر} زجر عن أداء الرسالة بالشتم وهدد بالشتم وهدد بالقتل، أو هو من جملة قيلهم أي قالوا هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته وذهبت بلبه {فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى} أي بأني {مَغْلُوبٌ} غلبني قومي فلم يسمعوا مني واستحكم اليأس من إجابتهم لي {فانتصر} فانتقم لي منهم بعذاب تبعثه عليهم {فَفَتَحْنَا أبواب السماء} {فَفَتَحْنَا} شامي ويزيد وسهل ويعقوب {بِمَاء مُّنْهَمِرٍ} منصب في كثرة وتتابع لم ينقطع أربعين يومًا {وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُونًا} وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون تتفجر وهو أبلغ من قولك {وفجرنا عيون الأرض} {فَالْتَقَى الماء} أي مياه السماء والأرض وقرئ {الماءان} أي النوعان من الماء السماوي والأرضي {على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} على حال قدرها الله كيف شاء أو على أمر قد قدر في اللوح المحفوظ أنه يكون وهو هلاك قوم نوح بالطوفان.
{وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ ألواح وَدُسُرٍ} أراد السفينة وهي من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات فتنوب منابها وتؤدي مؤداها بحيث لا يفصل بينها وبينها ونحوه (ولكنّ قميصي مسرودة من حديدً) أراد ولكن قميصي درع، ألا ترى أنك لو جمعت بين السفينة وبين هذه الصفة لم يصح، وهذا من فصيح الكلام وبديعه، والدسر جمع دسار وهو المسمار فعال من دسره إذا دفعه لأنه يدسر به منفذه {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} بمرأى منا أو بحفظنا أو {بِأَعْيُنِنَا} حال من الضمير في {تَجْرِى} أي محفوظة بنا {جَزَاء} مفعول له لما قدم من فتح أبواب السماء وما بعده أي فعلنا ذلك جزاء {لّمَن كَانَ كُفِرَ} وهو نوح عليه السلام وجعله مكفورًا لأن النبي نعمة من الله ورحمة قال الله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107] فكان نوح نعمة مكفورة {وَلَقَدْ تركناها} أي السفينة أو الفعلة أي جعلناها {ءايَةً} يعتبر بها.
وعن قتادة: أبقاها الله بأرض الجزيرة.
وقيل: على الجودي دهرًا طويلًا حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متعظ يتعظ ويعتبر، وأصله مذتكر بالذال والتاء ولكن التاء أبدلت منها الدال والدال والذال من موضع فأدغمت الذال في الدال {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} جمع نذير وهو الإنذار {ونذري} يعقوب فيهما، وافقه سهل في الوصل.
غيرهما بغير ياء وعلى هذا الاختلاف ما بعده إلى آخر السورة {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ} سهلناه للادّكار والاتعاظ بأن شحناه بالمواعظ الشافية وصرفنا فيه من الوعد والوعيد {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متعظ يتعظ.
وقيل: ولقد سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه فهل من طالب لحفظه ليعان عليه؟ ويُروى أن كتب أهل الأديان نحو التوراة والإنجيل والزبور لا يتلوها أهلها إلا نظرًا ولا يحفظونها ظاهرًا كالقرآن.
{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} أي وإنذاراتي لهم بالعذاب قبل نزوله أو وإنذاراتي في تعذيبهم لمن بعدهم {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} باردة أو شديدة الصوت {فِى يَوْمِ نَحْسٍ} شؤم {مُّسْتَمِرٌّ} دائم الشر فقد استمر عليهم حتى أهلكهم وكان في أربعاء في آخر الشهر {تَنزِعُ الناس} تقلعهم عن أماكنهم وكانوا يصطفون آخذًا بعضهم بأيدي بعض ويتداخلون في الشعاب ويحفرون الحفر فيندسون فيها فتنزعهم وتكبهم وتدق رقابهم {كَأَنَّهُمْ} حال {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} أصول نخل منقلع عن مغارسه، وشبهوا بأعجاز النخل لأن الريح كانت تقطع رؤوسهم فتبقى أجسادًا بلا رءوس فيتساقطون على الأرض أمواتًا وهم جثث طوال كأنهم أعجاز نخل، وهي أصولها بلا فروع، وذكر صفة نخل على اللفظ ولو حملها على المعنى لأنث كما قال: