فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وبواحدة كان هلاك المكذبين على مدار القرون. وفي هذه يذكرهم بمصير أمثالهم من المكذبين: {ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر}.
فهذه مصارع المكذبين، معروضة في الحلقات التي تضمنتها السورة من قبل. {فهل من مدكر}.. يتذكر ويعتبر؟
ولم ينته حسابهم بمصارعهم الأليمة، فوراءهم حساب لا يفلت منه شيء: {وكل شيء فعلوه في الزبر}.. مسطر في الصحائف ليوم الحساب: {وكل صغير وكبير مستطر}.. لا ينسى منه شيء وهو مسطور في كتاب!
وعند هذا الحد من العرض والتعقيب، يلتفت السياق إلى صفحة أخرى غير صفحة المكذبين.
ويعرض صورة أخرى في ظل وادع أمين. صورة المتقين:
{إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر}.. ذلك بينما المجرمون في ضلال وسعر. يسحبون في النار على وجوههم في مهانة. ويلذعون بالتأنيب كما يلذعون بالسعير: {ذوقوا مس سقر}.. وهي صورة للنعيم بطرفيه: {في جنات ونهر}. {في مقعد صدق عند مليك مقتدر}.
نعيم الحس والجوارح في تعبير جامع شامل: {في جنات ونهر} يلقي ظلال النعماء واليسر حتى في لفظه الناعم المنساب.. وليس لمجرد إيقاع القافية تجيء كلمة (نهر) بفتح الهاء. بل كذلك لإلقاء ظل اليسر والنعومة في جرس اللفظ وإيقاع التعبير!
ونعيم القلب والروح. نعيم القرب والتكريم: {في مقعد صدق عند مليك مقتدر}.. فهو مقعد ثابت مطمئن، قريب كريم، مأنوس بالقرب، مطمئن بالتمكين. ذلك أنهم المتقون. الخائفون. المترقبون. والله لا يجمع على نفس خوفين خوفها منه في الدنيا، وخوفها يوم القيامة. فمن اتقاه في العاجلة أمنه في الآجلة. ومع الأمان في أفزع موطن، يغمره بالأنس والتكريم.
وعند هذا الإيقاع الهادئ، في هذا الظل الآمن، تنتهي السورة التي حفلت حلقاتها بالفزع والكرب والأخذ والتدمير. فإذا للظل الآمن والإيقاع الهادئ طعم وروح أعمق وأروح.. وهذه هي التربية الكاملة. تربية العليم الحكيم بمسارب النفوس ومداخل القلوب. وهذا هو التقدير الدقيق لخالق كل شيء بقدر، وهو اللطيف الخبير. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {اقتربت الساعة}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول سورة النحل في الكلام لى قوله تعالى: {أتى أَمْرُ الله} [النحل: 1] وفي غير ذلك من المواضع.
قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الأنعام، في الكلام على قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] الآية.
{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقول الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)}.
قوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة يس في الكلام على قوله تعالى: {فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس: 51] وفي سورة ق في الكلام على قوله تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ سِرَاعًا} [ق: 44].
قوله تعالى: {يَقول الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الفرقان، في الكلام على قوله تعالى: {أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مستقرا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24] وفي سورة الحج في الكلام على قوله تعالى: {يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47].
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)}.
قرأ هذا الحرف ابن عامر {فَفَتَحْنَآ} بتشديد التاء للتكثير، وباقي السبعة بتخفيفها.
وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه نوحًا دعاه قائلا: إن قومه غلبوه سائلًا ربه أن ينتصر له منهم، وأن الله انتصر له منهم، فأهلكهم بالغرق، لأنه تعالى فتح أبواب السماء بماء منهمر أي متدفق منصب بكثرة وأنه تعالى فجر الأرض عيونًا.
وقوله: {عُيُونًا}، تمييز محول عن المفعول، والأصل فجرنا عيون الأرض. والتفجير: إخراج الماء منها بكثرة، وألن في قوله: {فَالْتَقَى الماء} للجنس، ومعناه التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدر، أي قدره الله وقضاه.
وقيل: إن معناه أن الماء النازل من السماء والمتفجر من الأرض جعلهمال له بمقدار ليس أحدهما أكثر من الآخر، والأول أظهر.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من دعاء نوح ربه جل وعلا، أن ينتصر له، من قومه فينتقم منهم، وأن الله اجابه فانتصر له منهم فأهلكهم جميعًا بالغرق في هذا الماء المتلقى من السماء والأرض، موضحًا في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في الأنبياء: {وَنُوحًا إِذْ نادى مِن قَبْلُ فاستجبنا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنبياء: 76- 77].
وقوله تعالى في الصافات {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المجيبون وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم} [الصافات: 75]- إلى قوله- {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين} [الصافات: 82].
وقد بين جل وعلا أن دعاء نوح فيه سؤاله الله أن يهلكهم إهلاكًا مستأصلًا، وتلك الآيات فيها بيان لقوله هنا: فانتصر وذلك كقوله تعالى: {وَقال نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يلدوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 26- 27] وما دعا نوح على قومه إلا بعد ان أوحى الله إليه انه لا يؤمن منهم أحد غير القليل الذي آمن، وذلك في قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} [هود: 36]. وقد قال تعالى: {وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} [هود: 4].
وقوله تعالى: {عُيُونًا} قرأه ابن كثير وابن عامر في رواية ابن ذكوان وعاصم، في رواية شعبة وحممزة والكسائي: {عُيُونًا} بكسر العين لمجانسة الياء.
وقرأه نافع وأبو عمرو وابن عامر في رواية هشام وعاصم في رواية حفص {عيونًا} بضم العين على الأصل.
{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)}.
لم يبين هنا ذات الألواح والدسر، ولكنه بين في مواضع أخر أن المراد وحملناه على سفينة ذات ألواح، أي من الخشب ودسر: أي مسامير تربط بعض الخشب ببعض، وواحد الدسر دسار ككتاب وكتب، وعلى هذا القول أكثر المفسرين.
وقال بعض العلماء وبعض أهل اللغة: الدسور الخيوط التي تشد بها ألواح السفينة.
وقال بعض العلماء: الدستور جؤجؤ السفينة أي صدرها ومقدمها الذي تدسر به الماء أي تدفعه وتمخره، به، قالوا: هو من الدسر وهو الدفع.
فمن الآيات الدالة على أن ذات الألواح والدسر السفينة. قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الماء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} [الحاقة: 11] أي السفينة كما أوضحناه في سورة الشورى في الكلام على قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام} [الشورى: 32]. وقوله تعالى: {فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السفينة} [العنكبوت: 15] وقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون} [يس: 41] إلى غير ذلك من الآيات.
وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15).
الضمير في قوله تعالى: {تَّرَكْنَاهَآ}، قال بعض العلماء إنه عائد إلى هذه الفعلة العظيمة التي فعل بقوم نوح.
والمعنى، ولقد تركنا فعلتنا بقوم نوح وإهلاكنا لهم آية لمن بعدهم، لينزجروا ويكفوا عن تكذيب الرسل، لئلا نفعل بهم مثل ما فعلنا بقوم نوح. وكو هذه الفعلة آية نص عليه تعالى بقوله: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} وقوله تعالى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك المشحون ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الباقين إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} [الشعراء: 119- 121].
وقال بعض العلماء: الضمير في تركناها عائد إلى السفينة، وكون سفينة نوح آية بينه الله تعالى في آيات من كتابه كقوله تعالى: {فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السفينة وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 15] وقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [يس: 41- 42].
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17).
قد قدمنا إيضاحه في سورة القتال في كلامنا الطويل على قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} [محمد: 24].
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19).
قد قدمنا الآيات الموضحة له، وكلام أهل العلم في يوم النحس المستمر، في سورة فصلت في الكلام على قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} [فصلت: 16].
فَقالوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24).
قوله تعالى: {فقالوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُه} الآية.
قوله تعالى: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} الآية.
قد قدمنا الآيات الموضحة لهما في الكلام على قوله تعالى: {وعجبوا أَن جَاءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ}، وقوله تعالى: {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا بْل هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي} [ص: 8].
قوله تعالى: {إِنَّا مُرْسِلُو الناقة فِتْنَةً لَّهُمْ}.
قوله: {إِنَّا مُرْسِلُو الناقة}: أي مخرجوها من الهضبة، {فِتْنَةً لَّهُمْ} أي ابتلاء واختبارًا، وهو مفعول من أجله، لأنهم اقترحوا على صالح إخراج ناقة من صخرة، وأنها إن خرجت لهم منها آمنوا به واتبعوه، فأخرج الله الناقة من تلك الصخرة معجزة لصالح، وفتنة لهم أي ابتلاء واختبارًا، وذلك أن تلك الناقة معجزة عاينوها، وأن الله حذرهم على لسان نبيه صالح من أن يمسوها بسوء وأنهم إن تعرضوا لها بأذى أخذهم الله بعذابه.
والمفسرون يقولون: إنهم قالوا له: إن أخرجت لنا من هذه الصخرة ناقة وبراء عشراء اتبعناك.
ومادلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الله أرسل لهم هذه الناقة امتحانًا واختبارًا، وأنهم إن تعرضوا لآية الله هذه، التي هي الناقة بسوء أهلكهم، جاء موضحًا في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في سورة الأعراف: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف: 73]، وقوله تعالى في سورة هود عن صالح {وياقوم هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ فَعَقَرُوهَا فَقال تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 64- 65]، وقوله تعالى في الشعراء: {قال هذه نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 155- 156].
وقد بين تعالى أنهم عقروا الناقة فجاءهم العذاب المستأصل في آيات من كتابه كقوله تعالى في الأعراف: {فَعَقَرُواْ الناقة وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف: 78]، وقوله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ العذاب} [الشعراء: 157- 158]، وقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ} [الشمس: 14] الآية.