فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن محمد بن كعب قال: كنت أقرأ هذه الآية فما أدري من عني بها حتى سقطت عليها {إن المجرمين في ضلال وسعر} إلى قوله: {كلمح بالبصر} فإذا هم المكذبون بالقدر.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية في أهل التكذيب إلى آخر الآية، قال مجاهد: قلت لابن عباس: ما تقول فيمن يكذب بالقدر؟ قال: اجمع بيني وبينه، قلت: ما تصنع به؟ قال: أخنقه حتى أقتله.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي ليس لهما في الإِسلام نصيب المرجئة والقدرية، أنزلت فيهم آية من كتاب الله {إن المجرمين في ضلال وسعر} إلى آخر الآية».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إني لأجد في كتاب الله قومًا يسحبون في النار على وجوههم يقال لهم {ذوقوا مسَّ سقر} لأنهم كانوا يكذبون بالقدر وإني لا أراهم فلا أدري أشيء كان قبلنا أم شيء فيما بقي.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: ما نزلت هذه الآية إلا تعييرًا لأهل القدر {ذوقوا مسَّ سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر}.
وأخرج أحمد عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل أمة مجوسًا وإن مجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر، فمن مرض فلا تعودوه وإن مات فلا تشهدوه، وهم من شيعة الدجال حق على الله أن يلحقهم به».
وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت بأذني هاتين رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول ما خلق الله القلم قيل: اكتب لابد قال: وما لابد قال: القدر، قال: وما القدر؟ قال: تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك إن مت على غير ذلك دخلت النار».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديًا ينادي أين خصماء الله؟ فيقومون مسودة وجوههم مزرقة عيونهم مائلًا شفاههم يسيل لعابهم، يقذرهم من رآهم، فيقولون: والله يا ربنا ما عبدنا من دونك شمسًا ولا قمرًا ولا حجرًا ولا وثنًا» قال ابن عباس رضي الله عنهما: لقد أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون، ثم تلا ابن عباس {يوم يبعثهم الله جميعًا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون} [المجادلة: 18]، هم والله القدريون ثلاث مرات.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه قال: ذكر لابن عباس أن قومًا يقولون في القدر فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنهم يكذبون بكتاب الله فلآخذن بشعر أحدهم فَلأَنصينَّهُ، ان الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئًا، وأول شيء خلق القلم، وأمره أن يكتب ما هو كائن، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي يحيى الأعرج قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما وذكر القدرية، فقال: لو أدركت بعضهم لفعلت به كذا وكذا ثم قال: الزنا بقدر، والسرقة بقدر، وشرب الخمر بقدر.
وأخرج ابن جرير عن أبي عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {إنا كل شيء خلقناه بقدر} قال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ أفي شيء نستأنفه أم في شيء قد فرغ منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعملوا فكل ميسر سنيسره لليسرى وسنيسره للعسرى».
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)}.
أخرج ابن مردويه بسند واه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النهر الفضاء والسعة ليس بنهر جار».
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {في جنات ونهر} قال: النهر السعة. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول:
ملكت بها فأنهرت فتقها ** يرى قائم من دونها ما وراءها

وأخرج عبد بن حميد عن شريك في قوله: {في جنات ونهر} قال: جنات وعيون.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي بكر بن عياش رضي الله عنه أن عاصمًا قرأ {في جنات ونهر} مثلثة منتصبة النون، قال أبو بكر رضي الله عنه: وكان زهير القرشي يقرأ {ونهر} يريد جماعة النهر.
وأخرج الحكيم الترمذي عن بريدة «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر} قال: إن أهل الجنة يدخلون على الجبار كل يوم مرتين فيقرأ عليهم القرآن، وقد جلس كل امرىء منهم مجلس الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزبرجد والذهب والفضة بالأعمال، فلا تقر أعينهم قط كما تقر بذلك، ولم يسمعوا شيئًا أعظم منه ولا أحسن منه، ثم ينصرفون إلى رحالهم قريرة أعينهم ناعمين إلى مثلها من الغد».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن محمد بن كعب رضي الله عنه في قوله: {إن المتقين في جنات ونهر} قال: في نور وضياء.
وأخرج الحكيم الترمذي عن ثور بن يزيد رضي الله عنه قال: بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون: يا أولياء الله انطلقوا، فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، فيقولون: إنكم تذهبون بنا إلى غير بغيتنا، فيقال لهم: وما بغيتكم؟ فيقولون: المقعد مع الحبيب وهو قوله: {إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: دخلت المسجد وأنا أرى أني قد أصبحت فإذا عليَّ ليل طويل، وإذا ليس فيه أحد غيري، فقمت فسمعت حركة خلفي ففزعت فقال: أيها الممتلىء قلبه فرقًا لا تفرق، أو لا تفزع، وقل: اللهم إنك مليك مقتدر ما تشاء من أمر يكون، ثم سل ما بدا لك قال سعيد: فما سألت الله شيئًا إلا استجاب لي.
وأخرج أبو نعيم عن جابر قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا في مسجد المدينة فذكر بعض أصحابه الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا دجانة أما علمت أن من أحبنا وابتلي بمحبتنا أسكنه الله تعالى معنا. ثم تلا {في مقعد صدق عند مليك مقتدر}». اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة القمر:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم).
(بسم الله) كلمة بها نور القلوب والأبصار، وبعرفانها يحصل سرور الأرواح والأسرار.
كلمة تدل على جلاله.
الذي هو استحقاقه لأوصافه.
كلمة تدل على نعته الذي هو غاية أفضاله وألطافه.
قوله جل ذكره: (اقتربت الساعة وانشق القمر).
أجمع أهلُ التفسير على أنَّ القمرَ قد انشقَّ على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال ابن مسعود: (رأيت حراء بين فلقتي القمر) ولم يوجد لابن مسعود مخالف في ذلك؛ فقد روي أيضًا عن أنس وابن عمر وحذيفة وابن عباس وجبير بن مطعم.. كلهم رووا هذا الخبر.
وفيه إعجازٌ من وجهين: أحدهما رؤية مَنْ رأى ذلك، والثاني خفاء مثل ذلك على مَنْ لم يَرَه؛ لأنه لا ينكتم مثله في العادة فإذا خفي كان نقض العادة.
وأهل مكة رأوا ذلك، وقالوا: إنَّ محمدًا قد سحر القمر.
ومعنى {اقْتَرَبَتِ السَّاعِةُ}: أي ما بقي من الزمانِ إلى القيامةِ إلا قليلٌ بالإضافةِ إلى ما مضى.
قوله جلّ ذكره: {وَإِن يَرَوْا ءِايَةً يُعْرِضُوا وَيَقولوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌ}.
يعني أن أهل مكة إذا رأوا آية من الآيات أعرضوا عن النظر فيها، ولو نظروا لحصل لهم العلمُ واجبًا.
{سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ}: أي دائمٌ قويٌّ شديد... ويقال إنهم قالوا: هذا ذاهب لا تبقى مدته فاستمر: أي ذهب.
{وَكَذَّبُواْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُمْ}: التكذيب واتباع الهوى قريبان؛ فإِذا حَصَل اتباعُ الهوى فمِنْ شُؤْمِه يحصل التكذيب؛ لأنَّ اللَّهَ يُلَبِّس على قلب صاحبه حتى لا يستبصر الرشد.
أما اتباع الرضا فمقرونٌ بالتصديق؛ لأنَّ اللَّهَ ببركاتِ اتباع الحقِّ يفتح عينَ البصيرة فيحصل التصديقِ.
وكلُّ امرىءٍ جَرَتْ له القِسْمةُ والتقدير فلا محالةَ. يستقر له حصولُ ما قُسِمَ وقدِّر له.
{وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ}: يستقر عملُ المؤمنِ فتُوجَبُ له الجنة، ويستقر عملُ الكافرِ فَيُجَّازَى.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الأَنباءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةُ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}.
جاءهم من أخبارِ الأنبياءِ والأممِ الذين مِنْ قَبْلهِم والأزمنةِ الماضية ما يجب أَنْ يحصلَ به الارتداعُ، ولكنَّ الحقَّ-سبحانه- أَسْبَلَ على بصائرهم سُجُوف الجهلِ فَعَموا عن مواضع الرشد.
{حِكْمَةُ بَالِغَةٌ}: بدل من (ما) فيما سبق: {ما فيه مزدجر}.
والحكمةالبالغة هي الصحيحة الظاهرة الواضحة لمن تفكّر فيها.
{فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}: وأي شيء يغني إنذارُ النذيرِ وقد سَبَقَ التقديرُ لهم بالشقاء؟
قوله جلّ ذكره: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شيء نُّكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ}.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}: ها هنا تمام الكلام- أي فأعرِضْ عنهم، وهذا قبل الأمر بالقتال. ثم استأنف الكلامَ: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} والجواب: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ}- أراد به يوم القيامة.
ومعنى {نُّكُرٍ}: أي شيءٌ ينكرونه (بِهَوْله وفظاعته) وهو يوم البعث والحشر.
وقوله: {خُشَّعًا} منصوب على الحال، أي يخرجون من الأجداث- وهي القبور- خاشعي الأبصار.
{كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقول الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}.
كأنهم كالجراد لكثرتهم وتفَرقهم، {مُّهْطِعِينَ}: أي مُديمي النظر إلى الداعي- وهو إسْرافيل.
{يَقول الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}: لتوالي الشدائد التي فيه.
قوله جلّ ذكره: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقالواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنهْمَرٍ}.
كذب قوم نوح نبيَّهم، وقالوا: إنه مجنون، وزجروه وشتموه.
وقيل: {وَازْدُجِرَ}: أي استطار عَقْلهُ، أي قومُ نوحٍ قالوا له ذلك.
فدعا ربَّه فقال: إِني مغلوب؛ أي بتسلُّطِ قومي عليَّ؛ فلم يكن مغلوبًا بالحُجَّة لأنَّ الحُجَّةَ كانت عليهم، فقال نوح لله: اللهمَّ فانتَصِرْ منهم أي انْتَقِمْ.
ففتحنا أبواب السماء بماءٍ مُنْصَبٍّ، وشَقَقْنَا عيونًا بالماء، فالتقي ماء السماءِ وماءُ الأرضِ على أمرٍ قد قُدِّرَ في اللوح المحفوظ، وَقُدِرَ عليه بإهلاكهم!
وفي التفاسير: أن الماء الذي نَبَعَ من الأرضِ نَضَبَ. والماء الذي نزل من السماء هو البخارُ اليومَ.