فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قلت: فكيف أعيد النخل والرمان إن كانا من الفاكهة؟
قلت: ذلك كقوله: {حَافِظُوا على الصَّلواتِ والصلاةِ الوُسْطَى}. وقد أمرهم بالمحافظة على كل الصلوات، ثم أعاد العصر تشديدًا لها، كذلك أعيد النخل والرمان ترغيبًا لأهل الجنة، ومثله قوله في الحج: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ في السَّمَاواتِ وَمَنْ في الأَرْضِ} ثم قال: {وكَثيرٌ مِّن الناسِ وكثيرٌ حَقَّ عليه الْعَذابُ}. وقد ذكرهم في أول الكلمة في قوله: {مَنْ في السّماواتِ ومَن في الأرضِ}، وقد قال بعض المفسرين: إنما أراد بقوله: {مَنْ في السماواتِ ومن في الأرضِ} الملائكة، ثم ذكر الناس بعدهم.
{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ}.
وقوله: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ}.
رجع إلى الجنان الأربع: جنتان، وجنتان، فقال: فيهن، والعرب تقول: أعطني الخَيْرَة منهن، والخِيرة منهن، والخيّرة منهن، ولو قرأ قارئ، الخَيراتُ، أو الخيرات كانتا صوابا.
{حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}.
وقوله: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ}.
قُصرن عن أزواجهن، أي حُبِسَ، فلا يُرِدْنَ غيرهم، ولا يطمحن إلى سواهم، والعرب تسمى الحَجَلة المقصورة، والقصورة، ويسمون المقصورة من النساء: قصورة:
وقال الشاعر:
لعمري لقد حببِت كلَّ قَصورة ** إلىّ وما تدرى بذاك القصائر

عَنَيْتُ قصوراتِ الحجال ولم أرِد ** قصارَ الخُطا شرُّ النساء البحاتر

والبهاتر: وهما جميعًا القصيرتان، والرجل يقال له: بحتر، وبحترى، وبحترة، وبحترية.
{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}.
وقوله: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ}.
ذكروا أنها رياض الجنة، وقال بعضهم: هي المخاد، {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} الطنافس الثخان.
حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: وحدثني معاذ بن مسلم بن أبى سادة قال:
كان جارك زهير القُرقُبي يقرأ: {متكئين على رفارف خضر وعباقري حسان}.
قال: الرفارف- قد يكون صوابا، وأما العباقري فلا؛ لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف، ولا ثلاثة صحاح. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة الرحمن:
{الشمس والقمر بحسبان} [5] أي: يجريان بحساب.
{والنجم والشجر يسجدان} [6] {والنجم}: النبات الذي نجم في الأرض وانبسط فيها، ليس له ساق. و{الشجر}: ما قام على ساق. وسجودهما: ما فيهما من آثار الصنعة الخاضعة لمن أخرجها. وقيل: إمكانهما من الجني والريع، وتذليل الله إياهما للانتفاع بهما. وقيل: سجودهما دوران ظلهما مع الشمس كيفما دارت.
كما قال الحطيئة:
بمستأسد القريان حو تلاعه ** فنواره ميل إلى الشمس زاهره

{والسماء رفعها ووضعها الميزان} [7] أي: العدل. {ألا تطغوا في الميزان} [8] في هذا الميزان يتزن به الناس. {ولا تخسروا الميزان}.
[9] ميزان الأعمال يوم القيامة. فتلك ثلاثة موازين، فلا تحسبه ميزانًا واحدًا.
ويندفع على هذا التأويل قول الطاعن: ما معنى الجمع بين آلة الوزن والسماء؟ وأين الميزان من السماء؟ وإنما يوصل الشيء بحسبه وشبهه. فالعدل الذي أولنا به الميزان شبه السماء في اللفظ، به قامت السموات والأرض، وعلى أن هذا القائل إنما أتي من قبل نظره في شخص الميزان وصغره، ولو نظر إلى مبلغ الحاجة إليه، لاستعظم من أمره من استصغر، مع ما في النفوس من الظلم ما يبعد عن العدل في التعامل لولا الميزان، ألا ترى إلى قوله تعالى: {أنزل الكتاب بالحق والميزان}، إذ كان الكتاب يتضمن حفظ العدل، والميزان: يظهر العدل، فقرن آلة العمل إلى آلة العلم، ومن اعتبر حال الميزان بحجمه دون منافعه، كان كمن اعتبر القلم بشخصه إذ رآه قطعة قصب، وقد عظمه الله في قوله: {ن والقلم}، وقوله: {الذي علم بالقلم}. وأيضًا فإن للميزان مشاركة مع معرفة السماء في خاصية، فإن دوران السيارات يعرف بنسبة أبعادها من الثوابت كما في كتب الهيئة،
والميزان الذي يقال له: القرسطون، وهو القبان، سوي على النسبة أيضًا، فإن أحد رأسي عمود القرسطون طويل بعيد من المعلاق، والآخر، قصير قريب، فإذا علق على رأسه الطويل ثقل قليل، وعلى رأسه القصير ثقل كثير، تساويا أبدًا، متى كانت نسبة الثقل القليل إلى الثقيل الكثير، كنسبة بعد رأس القصير إلى بعد رأس الطويل من المعلاق.
{والنخل ذات الأكمام} [11] أي: الطلع المتكمم، قبل أن ينفتق بالتمر، وخصه بالذكر للانتفاع به وحده.
{والحب ذو العصف والريحان} [12] والريحان هنا الحب المأكول، والعصف: ورقه الذي ينفى عنه، ويذرى في الريح كالتبن.
وعن الحسن: أنه الريحان المشموم. وإذا رفعت {الريحان} ظهر هذا القول. ورفع هذا جميعه على الابتداء، والخبر مقدم عليها، وهو {فيها} عند البصريين. وعند الكوفيين: رفعها بالظرف، أي: في الأرض كل ذلك.
{تكذبان} [13] خطاب الجن والإنس. وقيل: خاطب الإنسان بلفظة التثنية على عادة العرب، وقد مضى. وكذلك تكرر هذه الكلمة في عدة مواضع من السورة على عادة العرب، كما قالت الأخيلية:
ولنعم الفتى ياتوب كنت إذا ** التقت صدور الأعالي واستشال الأسافل

ونعم الفتى ياتوب جارًا وصاحبًا ** ونعم الفتى ياتوب حين تطاول

ونعم الفتى ياتوب كنت لخائفٍ ** أتاك لكي يحمى ونعم المحامل

لعمري لأنت المرء أبكي لفقده ** ولو لام فيه ناقص الرأي جاهل

لعمري لأنت المرء أبكي لفقده ** إذا ذكرت بالملحمين البلابل

أبى لك ذم الناس ياتوب كلما ** ذكرت أمور محكمات كوامل

أبى لك ذم الناس ياتوب كلما ** ذكرت سماح حين تأوي الأرامل

فلا يبعدنك الله ياتوب إنما ** لقيت حمام الموت والموت عاجل

ولا يبعدنك الله ياتوب إنها ** كذاك المنايا عاجلات وآجل

ولا يبعدنك الله ياتوب والتقت ** عليك الغوادي المدجنات الهواطل

وقالت أخرى أيضًا ترثي أخاها:
وحدثني أصحابه أن مالكًا ** أقام ونادى صحبه برحيل

وحدثني أصحابه أن مالكًا ** ضروب بنصل السيف غير نكول

وحدثني أصحابه أن مالكًا ** جواد بما في الرحل غير بخيل

وحدثني أصحابه أن مالكًا ** صروم كماضي الشفرتين صقيل

{رب المشرقين} [17] مشرق الشتاء، ومشرق الصيف. وقيل: مطلع الفجر ومطلع الشمس، والمغربين: مغرب الشمس ومغرب الشفق.
{المرجان} [22] الجوهر المختلط صغاره بكباره. من مرجت الشيء خلطته. والمارج من هذا، وهو ذؤابة لهب النار الموقدة الذي يعلوها فيرى أخضر وأصفر مختلطًا، وقد ذكرن اهـ.
{المنشئات} [24] المرسلات في البحر، المرفوعات الشرع.
{كل يوم هو في شأن} [29] أراد يومي الدنيا والآخرة، فإن الدهر يومان: دنيا وآخرة، وشأنه عز وجل في يوم الدنيا: الابتلاء والاختبار، وفي يوم الآخرة الجزاء والحساب. وفي الخبر: «{كل يوم هو في شأن}: يجيب داعيًا، ويفك عانيًا ويتوب على قوم ويغفر لقوم».
{سنفرغ لكم} [31] قال مقاتل: هذا تهديد بمعنى سأقصدكم وأعمد إليكم، كما قال جرير في الموضعين، أحدهما:
الآن وقد فرغت إلى نمير ** فهذا حين كنت لكم عذابًا

والآخر:
ولما اتقى القين العراقي باسته ** فرغت إلى القين المقيد في الحجل

{شواظ من نار} [35] لهيب منها. وقيل: قطعة تأجج لا دخان فيها.
{ونحاس} [35] قيل: إنه دخان النار. وقيل: الصفر المذاب. وقيل: إنه المهل. وأيها كان فالمراد تضعيف العذاب، أي: بهذا مرة وبذاك أخرى، أو بهما نعوذ بالله.
{فإذا انشقت السماء فكانت وردة} [37] أي: حمراء مشرقة. وقال عبد بني الحسحاس:
يرجلن لمات ويتركن جمتي ** وذاك هوان ظاهر قد بداليا

فلو كنت وردًا لونه لعشقنني ** ولكن ربي شانني بسواديا

وقيل: متغيرة مختلفة الألوان، كما تختلف ألوان الفرس الورد، يصفر في الربيع، ويحمر في الشتاء، أو يحمر عند الانتفاش، ويغبر إذا دحا شعره وسكن، كما وصفه المرار بن منقذ:
قارح قد فر عنه جانب ** ورباع جانب لم يثغر

فهو ورد اللون في ازبئراره ** وكميت اللون ما لم يزبئر

وإنما يختلف لون السماء بسبب التظاء نار جهنم من الأرض إلى السماء، ولون النار إذا قابل اللون الأزرق يختلف في الحمرة اللون الأزرق، بحسب قرب النار وبعدها. كما يجد برق السحاب مختلفًا في الحمرة، والسحابة نفسها مختلفة الألوان في الصفرة والحمرة، على اختلاف الخصائص والأعراض.
{كالدهان} [37] أي: صافية كالدهن. أو مختلفة الألوان، كالدهن على كونه حديثا أو عتيقًا أو متوسطًا. وقيل: تمور كما يمرج الدهن في الزجاج. وقيل: إن الدهان الأديم الأحمر، وإن لون السماء أبدًا أحمر، إلا أن الزرقة العارضة بسبب اعتراض الهواء بينهما، كما ترى الدم في العروق أزرق، وفي القيامة يشتعل الهواء نارًا فترى السماء على لونها.
{فيومئذ لا يسئل عن ذنبه} [39] أي: لا يسألون سؤال استعلام، ولكن يسألون سؤال تبكيت وإلزام.
{ءان} [44] بلغ إناه وغايته في حرارته. وقيل: حاضر. ومنه سمي الحال (الآن)، لأنه الحاضر الموجود. فإن الماضي لا تدارك له، والمستقبل على أمل، وليس لنا إلا الآن، ولا ثبات للآن طرفة عين. فيا بعدًا لمتثبت منا على غير ثابت. وإنما امتن بالآلاء في ضمن ذكره العذاب، لأنها تحذير وتبصير. قال الحسن: (من خوفك حتى تبلغ الأمن، أرحم بك وأنعم عليك ممن أمنك حتى تقع في الخوف)، في معناه:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازمًا ** فليقس أحيانًا على من يرحم

{جنتان} [46] جنة في قصره، وجنة خارج قصره، كما يكون لملك الدنيا. وقيل: إنه على الجنس، فجنة للجن، وجنة للإنس.
{فيهما عينان} [50] إحداهما التسنيم، والأخرى السلسبيل.
{بطائنها من استبرق} [54] ذلك ليستدل بالبطانة على شرف الظهارة من طريق الأولى. وهذا الاستبرق الذي وصف الله أنهم يلبسونه،-وإن كان الجنس واحدًا-، يختلف كما يختلف أصناف الديباج والسقلاطون في جنس واحد.
{وجنى الجنتين دان} [54] يناله النائم كما يناله القائم.
{لم يطمثهن} [56] لم يجامع الإنسية إنسي، ولا الجنية جني.
{ومن دونهما جنتان} [62] أي: أقرب، فجعل عز وجل لمن خاف مقام ربه، وهو الرجل يهم بالمعصية، ثم يدعها من خوف الله أربع جنان، ليتضاعف سروره بالتنقل. {مدهامتان} [64] مرتويتان سوداوان، وهي كما قال قايل مسعود في قيل كسرى النعمان:
إن يك قد أصابك الدهر يومًا ** بعد ملك مؤيد بذنوب

فقديمًا أصاب بالغدر مخلوقًا ** فكان الرضاح رب الشروب