فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: الريحان كل بقلة طيبة الريح سميت رَيْحانًا؛ لأن الإنسان يَراحُ لها رائحةً طيبة.
أي يشمّ فهو فَعْلان رَوْحان من الرائحة؛ وأصل الياء في الكلمة واو قلب ياء للفرق بينه وبين الرُّوحانيّ وهو كل شيء له رُوح.
قال ابن الأعرابي: يقال شيء رُوحاني ورُيحاني أي له روح.
ويجوز أن يكون على وزن فَيْعَلان فأصله رَيْوَحان فأبدل من الواو ياء وأدغم كهَيِّن ولَيِّن، ثم ألزم التخفيف لطوله ولحاق الزائدتين الألفِ والنونِ، والأصل فيما يتركب من الراء والواو والحاء الاهتزاز والحركة.
وفي الصحاح: والرَّيحان نبت معروف؛ والريحان الرزق؛ تقول: خرجت أبتغي رَيْحَان اللَّهِ؛ قال النَّمِرُ بن تَوْلَب:
سلامُ الإله ورَيْحَانُهُ ** ورَحْمَتُهُ وسَمَاءٌ دِرَرْ

وفي الحديث: «الولد من ريحان الله» وقولهم: سبحانَ الله وريحانه، نصبوهما على المصدر يريدون تنزيهًا له واسترزاقا.
وأما قوله: {والحب ذُو العصف والريحان} فالعصف ساق الزرع، والريحان ورقه؛ عن الفرّاء.
وقراءة العامة {والحب ذُو العصف والريحان} بالرفع فيها كلها على العطف على الفاكهة.
ونصبها كلها ابن عامر وأبو حيوة والمغيرة عطفًا على الأرض.
وقيل: بإضمار فعل، أي وخلق الحبّ ذا العصف والريحان؛ فمن هذا الوجه يحسن الوقف على {ذَاتُ الأَكْمَامِ}.
وجرّ حمزة والكسائي {الريحان} عطفًا على العصف؛ أي فيها الحب ذو العصفِ والريحانِ، ولا يمتنع ذلك على قول من جعل الريحان الرزق، فيكون كأنه قال: والحب ذو الرزق.
والرزق من حيث كان العصف رزقًا؛ لأن العصف رزق للبهائم، والريحان رزق للناس، ولا شبهة فيه في قول من قال إنه الريحان المشموم.
قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} خطاب للإنس والجنّ؛ لأن الأنام واقع عليهما.
وهذا قول الجمهور، يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة، وخرجه الترمذي وفيه «لَلْجِنُّ أحسنُ منكم ردًّا».
وقيل: لما قال: {خَلَقَ الإنسان} و{وَخَلَقَ الجآن} دل ذلك على أن ما تقدّم وما تأخر لهما.
وأيضًا قال: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثقلان} وهو خطاب للإنس والجنّ وقد قال في هذه السورة: {يَامَعْشَرَ الجن والإنس}.
وقال الجرجاني: خاطب الجنّ مع الإنس وإن لم يتقدّم للجنّ ذكر؛ كقوله تعالى: {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} [ص: 32] وقد سبق ذكر الجنّ فيما سبق نزوله من القرآن، والقرآن كالسورة الواحدة؛ فإذا ثبت أنهم مكلّفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات.
وقيل: الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية؛ حسب ما تقدّم من القول في {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] وكذلك قوله:
قِفَا نَبْكِ......
وخَلِيلَيَّ مُرَّابِي......
فأما ما بَعْدَ {خَلَقَ الإنسان} و{وَخَلَقَ الجآن} فإنه خطاب للإنس والجنّ، والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى: {والأرض وَضَعَهَا لِلأَنَامِ} والآلاء النعم، وهو قول جميع المفسرين، واحدها إِلىً وألىً مثل مِعًى وعصًا، وإِلْيٌ وأَلْيٌ أربع لغات حكاها النحاس قال: وفي واحد {آنَاءِ الليل} ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام، وقد مضى في (الأعراف) و(النجم).
وقال ابن زيد: إنها القدرة؛ وتقدير الكلام فبأيّ قدرة ربكما تكذّبان؛ وقاله الكلبي واختاره الترمذيّ محمد بن علي، وقال: هذه السورة من بين السور عَلَم القرآن، والعَلَم إمام الجند والجند تتبعه، وإنما صارت عَلَمًا لأنها سورة صفة الملك والقدرة؛ فقال: {الرحمن} {عَلَّمَ القرآن} فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال: {الرحمن} {عَلَّمَ القرآن} ثم ذكر الإنسان فقال: {خَلَقَ الإِنْسَانَ} ثم ذكر ما صنع به وما منّ عليه به، ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نَجَم وشَجَر، وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل، ووضع الأرض للأنام؛ فخاطب هذين الثقلين الجنّ والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك، فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه، وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم، فقال سائلًا لهم: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} أي بأيّ قدرة ربكما تكذبان، فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكًا يملك معه ويقدر معه، فذلك تكذيبهم.
ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال، وذكر خلق الجانّ من مارج من نار، ثم سألهم فقال: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} أي بأيّ قدرة ربّكما تكذبان؛ فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة؛ فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير، واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلقٍ خلقٍ.
وقال القُتَبيّ: إن الله تعالى عدّد في هذه السورة نعماءه، وذكّر خلقه آلاءه، ثم أتبع كل خَلَّة وصفها ونعمة وضعها بهذه، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها؛ كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره: ألم تكن فقيرًا فأغنيتك أفتنكر هذا؟! ألم تكن خاملًا فعززتك أفتنكر هذا؟! ألم تكن صَرُورة فحججت بك أفتنكر هذا؟! ألم تكن راجلًا فحملتك أفتنكر هذا؟! والتكرير حَسن في مثل هذا.
قال:
كَمْ نِعْمَةٍ كانتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ

وقال:
لا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إنْ كنتِ مُسْلِمَةً ** إيّاكِ مِنْ دَمِهِ إيَّاكِ إيَّاكِ

وقال آخر:
لا تَقطعنَّ الصديقَ ما طَرَفتْ ** عيناكَ من قول كاشح أشِرِ

ولا تمَلَّنَّ من زيارته زُرْهُ ** وزُرْهُ وزُرْ وزُرْ وزُرِ

وقال الحسين بن الفضل: التكرير طردًا للغفلة، وتأكيدًا للحجة. اهـ.

.قال الألوسي:

{الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ}.
والجار والمجرور فيه خبر بتقدير مضاف أي جري {الشمس والقمر} كائن أو مستقر {بِحُسْبَانٍ} أو الخبر محذوف والجار متعلق به أي يجريان بحسبان وهو مصدر كالغفران بمعنى الحساب كما قال قتادة وغيره أي هما يجريان {بِحُسْبَانٍ} مقدر في بروجهما ومنازلهما بحيث ينتظم بذلك أمور الكائنات السفلية وتختلف الفصول والأوقات ويعلم السنون والحساب، وقال الضحاك وأبو عبيدة: هو جمع حساب كشهاب وشهبان أي هما يجريان بحسابات شتى في بروجهما ومنازلهما، وقال مجاهد: الحسبان الفلك المستدير من حسبان الرحا وهو ما أحاط بها من أطرافها المستديرة، وعليه فالباء للظرفية، والجار والمجرور في موضع الخبر من غير احتياج إلى ما تقدم، والمراد كل من {الشمس والقمر} في فلك، والجمهور على الأول وجريان الشمس والقمر مما لا ينبغي أن يشك فيه.
وفلاسفة العصر كانوا يزعمون أن الشمس لا تجري أصلًا، وأن القمر يجري على الأرض، والأرض تجري على الشمس، وقد سمعنا أنهم عدلوا منذ أعوام عن ذلك، فزعموا أن للشمس حركة على كوكب آخر وهذا يدل على أنهم لم يكن عندهم برهان على دعواهم الأولى كما كان يقوله من كان ينتصر لهم، والظاهر أن حالهم اليوم بل وغدًا مثل حالهم بالأمس، ونحن مع الظواهر حتى يقوم الدليل القطعي على خلافها وحينئذٍ نميل إلى التأويل وبابه واسع، ومثل هذه الجملة قوله تعالى: {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} فإن المعطوف على الخبر خبر، والمراد بالنجم النبات الذي ينجم أي يظهر ويطلع من الأرض ولا ساق له، وبالشجر النبات الذي له ساق، وهو المروى عن ابن عباس وابن جبير وأبي رزين؛ والمراد بسجودهما انقيادهما له تعالى فيما يريد بهما طبعًا، شبه جريهما على مقتضى طبيعتيهما بانقياد الساجد لخالقه وتعظيمه له.
ثم استعمل اسم المشبه به في المشبه فهناك استعارة مصرحة تبعية، وقال مجاهد والحسن، وفي رواية أخرى عن مجاهد أن سجودهما عبارة عن انقيادهما لما يريد سبحانه بهما طبعًا، والجمهور على تفسير النجم بما سمعت أولًا قبل لأن اقترانه بالشجر يدل عليه، وإن كان تقدم {الشمس والقمر} يتوهم منه أنه بمعناه المعروف ففيه تورية ظاهرة، وإخلاء الجمل الثانية والثالثة والرابعة عن العاطف لورودها على نهج التعديد مع الإشارة إلى أن كلًا مما تضمنته نعمة مستقلة تقتضي الشكر، وقد قصروا في أدائه ولو عطفت مع شدة اتصالها وتناسبها ربما توهم أن الكل نعمة واحدة.
وتوسيط العاطف بين الرابعة والخامسة رعاية لتناسبهما من حيث التقابل لما أن {الشمس والقمر} علويان {والنجم والشجر} سفليان، ومن حيث إن كلًا من حال العلويين وحال السفليين من باب الانقياد لأمر الله عز وجل وخلوهما عن الرابط اللفظي مع كونهما خبرين للتعويل على كمال قوة الارتباط المعنوي إذ لا يتوهم ذهاب الوهم إلى كون حال {الشمس والقمر} بتسخير غيره تعالى، ولا إلى كون سجود النجم والشجر لسواه سبحانه فكأنه قيل: الشمس والقمر بحسبانه {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} له كذا قالوه، وفي (الكشف): تبيينا لما ذكره صاحب الكشاف في هذا المقام أخلى الجمل أي التي قبل {الشمس والقمر بحسبان} [الرحمن: 5] عن العاطف لأن الغرض تعديد النعم وتبكيت المنكر كما يقال: زيد أغناك بعد فقر، أعزك بعد ذل، كثرك بعد قلة، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد فما تنكر من إحسانه كأنه لما عد نعمة حرك منه حتى يتأمل هل شكرها حق شكرها أم لا، ثم يأخذ في أخرى ولو جىء بالعاطف صارت كواحدة ولم يكن من التحريك في شيء، ولما قضى الوطر من التعديد المحرك والتبكيت بذكر ما هو أصل النعم على نمط رد الكلام على منهاجه الأصلي من تعداد النعم واحدة بعد أخرى على التناسب والتقارب بحرف النسق، وفيه تنبيه على أن النعم لا تحصى فليكتف بتعديد أجلها رتبة للغرض المذكور.
وجملة {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] ليست من أخبار المبتدأ، والزمخشري إنما سأل عن وجه الربط، وأجاب بأن الربط حاصل بالوصل المعنوي كأنه بعد ما بكت ونبه أخذ يعد عليه أصول النعم ليثبت على ما طلب منه من الشكر، وهذا كما تقول في المثال السابق بعد قولك: فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد دانت له أقرانك وأطاعته إخوانك وبسط نواله فيمن تحت ملكته ولم يخرج أحد من حياطة عدله ونصفته، فلا يشك ذو أرب أنها جمل منقطعة عن الأولى إعرابًا متصلة بها اتصالًا معنويًا أورثها قطعها لأنها سيقت لغرض وهذه لآخر، وقريب من هذا الاتصال اتصال قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَاء عَلَيْهِمْ} [البقرة: 6] الآية بقوله تعالى: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} [البقرة: 3] الآية انتهى.
وقد أبعد المغزى فيما أرى إلا أن ظاهر كلام الكشاف يقتضي كون قوله تعالى: {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] من الأخبار فتأمل.
{والسماء رَفَعَهَا} أي خلقها مرفوعة ابتداءًا لا أنها كانت مخفوضة ورفعها، والظاهر أن المراد برفعها الرفع الصوري الحسي، ويجوز أن يكون المراد به ما يشمل الصوري والمعنوي بطريق عموم المجاز أو الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من يرى جوازه.
ورفعها المعنوي الرتبي لأنها منشأ أحكامه تعالى وقضاياه ومنزل أوامره سبحانه ومحل ملائكته عز وجل، وقرأ أبو السمال {والسماء} بالرفع على الابتداء، ولا إشكال فيه لأن الجملة عليه اسمية معطوفة على مثلها، وإنما الإشكال في النصب لأنه بفعل مضمر على شريطة التفسير أي ورفع السماء فتكون الجملة فعلية فإن عطفت على جملة {النجم والشجر يسجدان} [الرحمن: 6] الكبرى لزم تخالف الجملتين المعطوفة والمعطوف عليها بالاسمية والفعلية وهو خلاف الأولى، وإن عطفت على جملة {يَسْجُدَانِ} الصغرى لزم أن تكون خبرًا للنجم والشجر مثلها، وذلك لا يصح إذ لا عائد فيها إليهما، وكذا يقال في العطف على كبرى وصغرى {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] وأجاب أبو علي باختيار الثاني، وقال: لا يلزم في المعطوف على الشيء أن يعتبر فيه حال ذلك الشيء، وتلا باب قولهم متقلدًا سيفًا ورمحًا، وبعضهم باختيار الأول ويحسن التخالف إذا تضمن نكتة، قال الطيبي: الظاهر أن يعطف على جملة {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} ليؤذن بأن الأصل أجرى الشمس والقمر، وأسجد النجم والشجر، فعدل إلى معنى دوام التسخير والانقياد في الجملتين الأوليين، ومعنى التوكيد في الأخيرة والكلام فيما يتعلق بالرفع والنصب فيما إذا ولي العاطف جملة ذات وجهين مفصل في كتب النحو {وَوَضَعَ الميزان} أي شرع العدل وأمر به بأن وفر على كل مستعد مستحقه، ووفى كل ذي حق حقه حتى انتظم أمر العالم واستقام كما قال عليه الصلاة والسلام: «بالعدل قامت السموات والأرض» أي بقيتا على أبلغ نظام وأتقن إحكام، وقال بعضهم: المراد بقاء من فيهما من الثقلين إذ لولا العدل أهلك أهل الأرض بعضهم بعضًا، وأما الملأ الأعلى فلا يقع بينهم ما يحتاج للحكم والعدل، فذكرهم للمبالغة، والذي أختاره أن المراد بالسموات والأرض العالم جميعه ولا شك أنه لولا العدل لم يكن العالم منتظمًا.