فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمرج: له معان كثيرة، وأولاها في هذا الكلام إنه الإِرسال من قولهم: (مرج الدابة) إذا أرسلها ترعى في المَرج، وهو الأرض الواسعة ذات الكلأ الذي لا مالك له، أي: تركها تذهب حيث تشاء.
والمعنى: أرسل البحرين لا يحبس ماءهما عن الجري حاجز.
وهذا تهيئة لقوله بعد {يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان}.
والمراد: أنه خَلَقهما ومرَجَهما، لأنه ما مَرَجَهما إلا عقب أن خلقهما.
ويلتقيان: يتصلان بحيث يصب أحدهما في الآخر.
والبحر: الماء الغامر جزءًا عظيمًا من الأرض يطلق على المالح والعذب.
والمراد تثنية نوعي البحر وهما البحر الملح والبحر العذب.
كما في قوله تعالى: {وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج} [فاطر: 12] والتعريف تعريف العهد الجنسي.
فالمقصود ما يعرفه العرب من هذين النوعين وهما نهر الفرات وبحر العجم المسمّى اليوم بالخليج الفارسي.
والتقاؤهما انصباب ماء الفُرات في الخليج الفارسي.
في شاطىء البَصرة، والبلادُ التي على الشاطىء العربي من الخليج الفارسي تعرف عند العرب ببلاد البَحْريْن لذلك.
والمراد بالبرزخ الذي بينهما: الفاصل بين الماءين الحلو والملح بحيث لا يغير أحد البحرين طعم الآخر بجواره.
وذلك بما في كل ماء منهما من خصائص تدفع عنه اختلاط الآخر به.
وهذا من مسائل الثقل النوعي.
وذكر البرزخ تشبيه بليغ، أي بينهما مثل البرزخ وهو معنى {لا يبغيان}، أي لا يبغي أحدهما على الآخر، أي لا يغلب عليه فيُفسدَ طعمه فاستعير لهذه الغلبة لفظ البغي الذي حقيقته الاعتداء والتظلم.
ويجوز أن تكون التثنية تثنية بحرَيْن ملحين معينين، والتعريف حينئذٍ تعريف العهد الحضوري، فالمراد: بحران معروفان للعرب.
فالأظهر أن المراد: البحر الأحمر الذي عليه شطوط تهامة مثل: جُدّة ويُنبع النخل، وبحر عُمان وهو بحر العرب الذي عليه حَضْرموت وعَدَن من بلاد اليمن.
والبرزخ: الحاجز الفاصل، والبرزخ الذي بين هذين البحرين هو مضيق باب المَنْدبَ حيث يقع مرسى عَدَن ومرسى زَيلع.
ولما كان في خلق البحرين نعم على الناس عظيمة منها معروفة عند جميعهم فإنهم يسيرون فيهما كما قال تعالى: {وترى الفلك مواخر فيه} [النحل: 14] وقال: {هو الذي يسيرّكم في البر والبحر} [يونس: 22] واستخراج سمكه والتطهر بمائه.
ومنها معروفة عند العلماء وهي مَا لأَمْلاَححِ البحر من تأثير في تنقية هواء الأرض واستجلاب الأمطار وتلقي الأجرام التي تنزل من الشهب وغير ذلك.
وجملة {يلتقيان} وجملة {بينهما برزخ} حالان من {البحرين}.
وجملة {لا يبغيان} مبينة لجملة {بينهما برزخ}.
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21).
تكرير كما علمته مما تقدم، ووقع هنا اعتراضًا بين أحوال البحرين.
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23).
حال ثالثة.
ثم إن كان المراد بالبحرين: بحرين معروفين من البحار الملحة تكون (من) في قوله: {منهما} ابتدائية لأن اللؤلؤ والمرجان يكونان في البحر الملح.
وإن كان المراد بالبحرين: البحر الملح، والبحر العذب كانت (من) في قوله: {منهما} للسببية كما في قوله تعالى: {فمن نفسك} في سورة النساء (79)، أي يخرج اللؤلؤ والمرجان بسببهما، أي بسبب مجموعهما.
أما اللؤلؤ فأجْودُهُ ما كان في مصبّ الفرات على خليج فارس، قال الرماني: لما كان الماء العذب كاللقاح للماء الملح في إخراج اللؤلؤ، قيل: يخرج منهما كما يقال: يتخلق الولد من الذكر والأنثى، وقد تقدم بيان تَكون اللؤلؤ في البحار في سورة الحج.
وقال الزجّاج: قد ذكرهما الله فإذا خرج من أحدهما شيء فقد خرج منهما وهو كقوله تعالى: {ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقًا وجعل القمر فيهن نورًا} [نوح: 15، 16]، والقمر في السماء الدنيا.
وقال أبو علي الفارسي: هو من باب حذف المضاف، أي من أحدهما كقوله تعالى: {على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31] أي من إحداهما.
و{المرجان}: حيوان بحري ذو أصابع دقيقة ينشأ ليّنًا ثُمَّ يتحجّر ويتلوّن بلون الحمرة ويتصلب كلما طال مكثه في البحر فيستخرج منه كالعروق تتخذ منه حلية ويسمى بالفارسية (بسَذ).
وقد تتفاوت البحار في الجيّد من مرجانها.
ويوجد ببحر طَبرقَة على البحر المتوسط في شمال البلاد التونسية.
و{المرجان}: لا يخرج من ملتقى البحرين الملح والعذب بل من البحر الملح.
وقيل: المرجان اسم لصغار الدرّ، واللؤلؤ كباره فلا إشكال في قوله منهما.
وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب {يخرج} بضم الياء وفتح الراء على البناء للمجهول.
وقرأ الباقون {يخرج} بفتح الياء وضم الراء لأنهما إذا أخرجهما الغوّاصون فقد خرجا.
وبين قوله: {مرج} [الرحمن: 19] وقوله: {والمرجان} الجناس المذيّل. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ القرآن (2)}.
أخرج النحاس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة الرحمن بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: أنزل بمكة سورة الرحمن، وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: نزلت سورة الرحمن بمكة.
وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة الرحمن بالمدينة.
وأخرج أحمد وابن مردويه بسند حسن عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يسمعون {فبأي آلاء ربكما تكذبان}.
وأخرج الترمذي وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: ما لي أراكم سكوتًا لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودًا منكم، كنت كلما أتيت على قوله: {فبأيّ آلاء ربكما تكذبان} قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد».
وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر والدارقطني في الأفراد وابن مردويه والخطيب في تاريخه بسند صحيح عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن على أصحابه، فسكتوا فقال: ما لي أسمع الجن أحسن جوابًا لربها منكم؟ ما أتيت على قول الله: {فبأيّ آلاء ربكما تكذبان} الا قالوا: لا شيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد».
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن عليّ: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لكل شيء عروس وعروس القرآن الرحمن».
وأخرج البيهقي عن فاطمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قارئ الحديد و{إذا وقعت الواقعة} والرحمن يدعى في ملكوت السموات والأرض ساكن الفردوس».
وأخرج أحمد عن ابن زيد رضي الله عنه قال: كان أول مفصل ابن مسعود الرحمن.
وأخرج أبو داود والبيهقي في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلًا قال له: إني قد قرأت المفصل في ركعة، فقال: أهذا كهذا الشعر، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر سورتين في ركعة، الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت وإن في ركعة، وعم والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة.
وأخرج الحاكم في التاريخ والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع ركعات، فلما أسنّ وثقل أوتر بسبع فصلى ركعتين وهو جالس فقرأ فيهما الرحمن والواقعة.
وأخرج ابن حبان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «أقراني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن فخرجت إلى المسجد عشية، فجلس إليّ رهط، فقلت لرجل: اقرأ عليّ، فإذا هو يقرأ حروفًا لا أقرؤها، فقلت: من أقرأك؟ قال: اقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقنا حتى وقفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: اختلفنا في قراءتنا فإذا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تغيير ووجد في نفسه حين ذكر الاختلاف، فقال: إنما هلك من قبلكم بالاختلاف. فأمر عليًا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم، فإنما هلك من قبلكم بالاختلاف، قال: فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حرفًا لا يقرؤه صاحبه».
قوله تعالى: {الرحمن علم القرآن} الآيات.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {خلق الإِنسان علمه البيان} قال: آدم {علمه البيان} قال: بين له سبيل الهدى وسبيل الضلالة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {الرحمن علم القرآن} قال: نعمة الله عظيمة {خلق الإِنسان} قال: آدم {علمه البيان} قال: علمه الله بيان الدنيا والآخرة، بين حلاله وحرامه ليحتج بذلك عليه، ولله الحجة على عباده وفي قوله: {الشمس والقمر بحسبان} إلى أجل بحساب.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {الشمس والقمر بحسبان} قال: بحساب ومنازل يرسلان.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه {الشمس والقمر بحسبان} قال: عليهما حساب وأجل كأجل الناس، فإذا جاء أجلهما هلكا.
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس رضي الله عنه {الشمس والقمر بحسبان} قال: يجريان بحساب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه {الشمس والقمر بحسبان} قال: بقدر يجريان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {الشمس والقمر} قال: يدوران في مثل قطب الرحى.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن أبي رزين والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {والنجم والشجر يسجدان} قال: النجم ما انبسط على الأرض والشجر ما كان على ساق.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه مثله.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أبي رزين في قوله: {والنجم والشجر يسجدان} قال: النجم ما ذهب فرشًا على الأرض ليس له ساق، والشجر ما كان له ساق {يسجدان} قال: ظلهما سجودهما.