فصل: فصل في بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها:

اعلم، أنّ للنبوّة صورة وروحا، ولكلّ واحدة منهما حكم وثمرة، فصورة النبوة التشريع وهو على ثلاثة أقسام: قسم لازم يختصّ بكلّ من تعبّده الله في نفسه بشريعة عيّنها له يسلك عليها ويعبد ربّه من حيثها. والشريعة: الطريقة، فافهم، وقسم يختصّ بكلّ مرسل للإرشاد إلى طائفة خاصّة، فحكم نبوّته متعدّ لأنّه ومن أرسل إليه من الطوائف شركاء فيما عيّن له، لكن أمر شريعته لا يعمّ.
والقسم الثالث رسالة نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله فإنّها رسالة مشتملة على جميع ضروب الوحي وجميع صور الشرائع، وأمرها محيط عام مستمرّ لم يعيّن لها انتهاء، وإنّما ينقضي حكمها بانخرام نظم نشأتي صورة الكون والزمان الذي من جملته طلوع الشمس من مغربها، وكفى بذلك عبرة وآية.
أحكام النبوّة:
ثم نقول: وللنبوّة من حيث أصلها الظاهر الأثر تماما في شريعتنا حكم كلّي يظهر بتفاريعها الخمسة التي هي: الوجوب، والندب، والحظر، والكراهة، والإباحة باعتبار ترتّبها وانسحابها على سائر المكلّفين بحسب أحوالهم وأفعالهم وفهومهم.
وأوقاتهم ونشآتهم، وما تواطؤوا عليه وأنسته عقولهم وألفته طباعهم ألفة يتعذّر عليهم الانفكاك عنها.
وحكم صورة النبوّة حفظ نظام العالم، ورعاية مصالح الكون للسلوك والترقّي من حيث الصور إلى حيث سعادة السالك المرتقي، كما مرّ بيانه ولإقامة العدل بين الأوصاف الطبيعيّة واستعمال القوى والآلات البدنيّة فيما يجب وينبغي استعماله، مع اجتناب طرفي الإفراط والتفريط في الاستعمال والتصرّف بمراقبة الميزان الإلهي الاعتدالي في ذلك والعمل بمقتضاه والفوز أيضا بالنعيم المحسوس الطبيعي في الدار الآخرة أبد الآباد، وتحصيل الاستعداد الجزئي الوجودي، لإذعان البدن بجملة قواه للروح القدسي الإلهي والانصباغ بصفته وحكمه وما يستلزمان من الأمور الإلهيّة والفوائد الروحانيّة.
وروح النبوّة: القربة، وثمرتها: الصفاء والتخلية التامّة، ثم صحّة المحاذاة، المستلزمة لمعرفة الحقّ، وشهوده، والأخذ منه، والإخبار عنه، وإحياء المناسبة الغيبيّة الثابتة بين روح السالك المتشرّع وبين روح النبيّ أيضا، والأرواح الآتية إليه، والملقية الوحي الإلهيّ والتنزّلات العلويّة الظاهرة الحكم والأثر عليه عند تقوية الروح وطهارته ومشاركته ملائكة الوحي، والإلقاء، في الدخول تحت دائرة المقام الذي منه يتنزّل الوحي المطلق، المنقسم على ملائكة الوحي والواصل إلى من وصل إليه بواسطة الملك، والمشاركة أيضا في الدخول تحت حكم الاسم الإلهي الذي له السلطنة على الأمّة المرسل إليها الرسول، وعلى الملك والرسول أيضا، من حيث ما هو رسول تلك الأمّة.
فإن كان الرسول هو كامل عصره كنبيّنا صلّى اللّه عليه وآله، فله شرط آخر وهو أن يصير مرآة لحضرة الوجوب، والإمكان في مرتبة أحديّة الجمع، وقد مرّ حديثها.
وإن كانت رسالة الرسول جزئية، فإنّ رسالته ناتجة وظاهرة عن اسمين: أحدهما الاسم الهادي والاسم آخر يتعيّن بحاله وعلمه وشرعته ومنهاجه، وليس في الرسل من صدرت رسالته عن الاسم الله الجامع لسائر مراتب الأسماء والصفات، المستوعب لأحكامها إلّا رسالة نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله فهو عبد اللّه ورسوله، كما أشار إليه صلّى اللّه عليه وآله.
وحكم النبوّة من حيث روحها تنبيه للاستعدادات بالإخبار عن اللّه وعن أسمائه وصفاته، والتشويق إليه وإلى ما عنده، والتعريف بأحوال النفوس والسعادات الروحانيّة واللذّات المعنويّة، وإمداد الهمم للترقّي إلى ما لم تستقلّ عقول الأمّة بإدراكه دون التعريف الإلهي من طريق الكشف المحقّق والوحي، لتسمو همم النفوس إلى طلبه، وتهتمّ في تحصيله من مظنّته، وتحصيل معرفة كيفيّة التوجّه إلى الحقّ بالقلوب والقوالب أيضا من حيث تبعيّتها لأحكام القلوب حين انصباغها بوصفها، ومعرفة عبادة الحقّ الذاتيّة والحكميّة الوقتيّة والموطنيّة الحالية، والتوجّه الجمعي بالسلوك نحوه على الصراط الأسدّ الأقوم الأقرب، والوجه الأحسن وفهم ما أخبرت عنه سفراؤه والكمّل من صفوته من العلوم والحقائق والأسرار والحكم التي لا تستقلّ عقول الخلق بإدراكها، والاستشراف عليها، ومعرفة إرشاد الخلق، للتوجّه إلى الحقّ التوجّه المستلزم لتحصيل الكمال على الوجه الأسدّ والطريق الأقصد الأصوب، وهو الطريق الجامع بين معرفة القواطع المجهولة الخفيّة الضرر، والأسباب المعيّنة الخفيّة المنفعة أيضا، ليتأتّى طلب كلّ معيّن محمود يحتاج إليه ويستعان به على تحصيل السعادات، والتحقق بالكمال على الوجه الأحسن الأيسر، ويتمكّن من الأعراض عن العوائق، وإزالة ضرر ما اتّصل من أحكامها بالإنسان، ومعرفة النتائج- التابعة للمضارّ والمنافع- المنبّه عليها، وما هو منها مؤجّل ومتناه، وما لا يتقيّد بأجل، ولا يحكم عليه بالتناهي، وإصلاح الأخلاق بتحسين السيرة والزهد فيما سوى المطلوب الحقّ.
وغاية كلّ ذلك، الفوز بكمال معرفة الحق، وشهوده الذاتي، والأخذ عنه، والتهيّؤ على الدوام لقبول ما يلقيه ويأمر به ويريه، دون اعتراض، ولا تثبّط، ولا إهمال، ولا تفقّه ولا تأويل يقضي بالتقاعد.
وليراع الأولى فالأولى، والأجدر فالأجدر من كلّ أمر، بالقصد أوّلا، وبأن تصفو مرآة قلبه وحقيقته ثانيا صفاء يستلزم ظهور هذه الأمور كلّها- بل ظهور كلّ شيء- فيها، وبروزها به- أي بالإنسان- في الوجود على ما كانت عليه في علم الحقّ من الحسن التام المطلق، الذاتي الأزلي دون تعويق مناف للترتيب الذاتي الإلهي يوجبه صدى محلّ القابل، أو خداج حاصل بسبب نقص الاستعداد، واختلال في الهيئة المعنويّة التي لمرآته يقضي بسوء القبول، الذي هو عبارة عن تغيير صورة كلّ ما ينطبع فيها عمّا كان عليه في نفس الحقّ، صفة كان من صفاته أو خلقا أو علما أو حالا أو اسما إلهيّا أو صفة من صفاته سبحانه أو فعلا أو كونا مّا من الأكوان.
ومنتهى كلّ ذلك بعد التحقّق بهذا الكمال التوغّل في درجات الأكمليّة توغّلا يستلزم الاستهلاك في اللّه استهلاكا يوجب غيبوبة العبد في غيب ذات ربّه، وظهور الحقّ عنه في كلّ مرتبة من المراتب الإلهيّة والكونيّة، بكلّ وصف وحال وأمر وفعل، ممّا كان ينسب إلى هذا الإنسان من حيث إنسانيّته وكمال الإلهي، وينسب إلى ربّه من حيث هذا العبد، ظهورا وقياما يوهم عند أكثر أهل الاستبصار أنّه عنوان الخلافة وحكمها وحالها والأمر بعكس ذلك في نفس الأمر عند اللّه وعند أهل هذا الشهود العزيز المنال.
ومن حصلت له هذه الحالة، وشاهد اللحمة النسبيّة التي بينه وبين كلّ شيء، وانتهى إلى أن علم أنّ نسبة الكون كلّه إليه نسبة الأعضاء الآلية والقوى إلى صورته، ونسبة القرائب الأدنين وتعدّى مقام السفر إلى اللّه ومنه إلى خلقه، وبقي سفره في اللّه لا إلى غاية ولا أمد، ثم اتّخذ الحقّ وكيلا مطلقا به عن أمره، يقول حالتئذ: اللهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، وأنت حسبي في سفري فيك، والعوض عنّي وعن كلّ شيء، ونعم الوكيل أنت على ما خلّفت ممّا كان مضافا إليّ على سبيل الخصوص من ذات وصفة وفعل ولوازم، كلّ ذلك، وما أضفته إلىّ أيضا من حيث استخلافك لي على الكون إضافة شاملة عامّة محيطة، فقم عنّا بما شئته منّا، كيف ما شئت، وفي كلّ ما شئت، فكفانا أنت عوضا عنّا، وعن سوانا، و{الحمد لله رب العالمين}.
خاتمة وهداية جامعة:
اعلم، أنّ الاستقامة والاعوجاج في الطرق هما بحسب الغايات المقصودة، والغايات أعلام المبالغ والكمالات النسبيّة المسمّاة مقامات أو منازل ودرجات. وهي- أعني الغايات- تتعيّن بالبدايات، وبين البدايات والغايات تتعيّن الطرق التي هي في التحقيق أحكام مرتبة البداية التي منها يقع الشروع في السير الذي هو عبارة عن تلبّس السائر بتلك الأحكام والأحوال المختصّة بالبداية والغاية، جذبا ودفعا، وأخذا وتركا، فانصباغه بحكم بعد حكم، وانتقاله من حالة إلى حالة- مع توحّد عزيمته وجمع همّه على مطلوبه الذي هو قبلة توجّهه وغاية مبتغاه، واتّصال حكم قصده وطلبه بوجهته دون فترة ولا انقطاع- هو سلوكه ومشيّة هكذا، حتى يتلبس بكلّ ما يناسبه من الأحوال والأحكام، ويستوفيها، فإذا انتهى إلى الغاية هي وجهة مقصده، فقد استوفى تلك الأحوال والأحكام من حيث تلبّسه بها وتكيّفه بحسبها، ثم يستأنف أمرا آخر هكذا، حتى ينتهي إلى الكمال الحقيقي الذي أهلّ له ذلك السائر كائنا من كان.
ثم نقول: البدايات تتعيّن بأوّليّات التوجّهات، والتوجّهات تعيّنها البواعث المحرّكة للطلب والسلوك في الطرق، والطرق إلى معرفة كلّ شيء بحسب وجوه التعرّف المثيرة للبواعث، والبواعث تتعيّن بحسب حكم إرادة المنبعث فإنّ بواعث كلّ أحد أحكام إرادته، وشأن الإرادة إظهار التخصيص السابق تعيّن صورته ومرتبته في العلم، والعلم في نفس الأمر هو نور الحقّ الذاتي. وعلم الكمّل بالنسبة إلى الكمّل ومن شاء اللّه من الأفراد حصّة من علمه سبحانه فإنّ من عرف الأشياء باللّه وحده، فله نصيب من علم اللّه لأنّه علم الأشياء- التي شاء الحقّ أن يعلمها- بما علمها به اللّه. والتنبيه على ذلك في الكتاب العزيز قوله: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وفي الحديث «فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يعقل» فافهم واستحضر ما نبّهنا عليه منذ قريب في سرّ الاهتداء، وتذكّره كلّيّا أوّليّا إليّا أزليّا، والحظ مبدئيّة الأشياء من الحقّ باعتبار تعيّنها في علمه، ثم بروزها بالإرادة، وقوله آخرا: وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ، وارق وانظر وتنزّه ولا تنطق، وأمعن التأمّل في قوله:
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم تعلم ما نريد- إن شاء اللّه تعالى- ثم نرجع إلى إتمام هذه القاعدة الكلّيّة الدوريّة. فنقول: والبواعث وإن كانت تتعيّن بالعلم إلى منتهى الدائرة كما بيّنّا فقد تتعيّن أيضا بالنسبة إلى البعض بحسب فهمه أو شعوره أو تذكّره أو حضوره عن استحضار أو دون استحضار.
والحضور كيفما كان عبارة عن استجلاء المعلوم الذي هو عبارة عن صور تعقّلات العالم نفسه في علمه، بحسب كلّ حالة من أحواله الذاتيّة، واستجلائه ذاته من حيث هي، أعني من حيث أحواله.
والتذكّر والشعور والحضور والفهم سبب للانجذاب إلى ما دعت إليه ألسن الدعاة، ومحدث صفة الإجابة، وقوّة الجذب، وأثر الدعاء بحسب ما من الداعي في المدعوّ والجاذب من المجذوب، وبالعكس أيضا.
والإجابة والانجذاب ممّن هما صفتاه بحسب قوّة المناسبة والشعور، وغلبة حكم ما به الاتّحاد والاشتراك على ما به الامتياز.
وحاصل جميع ذلك تكميل كلّ بجزء، وإلحاق فرع بأصل، ليظهر ويتحقّق كلّ فرد من أفراد مجموع الأمر كلّه بصورة الجمع وحكمه ووصفه، والمنتهى- بعد صيرورة الفروع أصولا بالتفسير المذكور، وظهور الواحد في تنوّعات أحوال ذاته أشخاصا وأنواعا وأجناسا وفصولا- زوال عين الأغيار، مع بقاء التمييز والاختلاف على الدوام والاستمرار، وهذا سرّ لا إله إلّا اللّه المشروع، فافهم وأظنّ أنّك لا تكاد تفهم.
ثم أقول: والحضور المذكور المعرّف المعيّن بالعلم صور البواعث، وحكمه استجلاء المعلوم لا يتأخّر عنه الاستجلاء، سواء تعلّق العلم بالمعلوم حال الاستحضار أو كان معلوما من قبل، لكن منع من دوام ملاحظته غفلة أو ذهول عنه بغيره لإنّ حكم كلّ واحد من الحضور والغيبة لا يعمّ، بل لابد للإنسان في كلّ حال من حضور مع كذا، أو غفلة عن كذا، ولا يظهر حكمهما إلّا بالنسبة والإضافة وهكذا الأمر في المبادئ والغايات إنّما تتعيّنان- كما قلنا- بحسب قصد القاصدين، وأوّليّات بواعث السائرين، وإلّا فكلّ غاية بداية لغاية أخرى هذه بدايتها، فأقوم الصراطات بالنسبة إلى كلّ قاصد غاية مّا يتوخّاها ويقصد التوجه إليها هو الصراط الأسدّ، الأسلم من الشواغب والآفات، الأقرب إلى تلك الغاية المقصودة له، أيّة غاية كانت، وكلّ صراط لا يكون كذلك، فهو عنده بالإضافة إلى الصراط المذكور معوّج غير مستقيم.
فظهر أنّ الاستقامة والاعوجاج أيضا، يتعيّنان بالمقاصد، فالأمر فيهما- كما في سواهما- راجع إلى النسب والإضافات فافهم، فقد أبنت لك الحقائق الأصليّة، والأسرار العليّة الإلهيّة منتظمة محصورة في أوجز عبارة، وألطف إيماء وإشارة، واللّه المرشد.

.فصل في الهداية الموعودة:

ومضمونها التنبيه على سرّ الدعاء المدرج في قوله تعالى: {اهْدِنَا} وعلى أشرف الأحوال التي ينبغي أن يكون الإنسان عليها سلوكا ووقوفا وسكونا وظهورا وبطونا، ما عدا الكمّل.

.سرّ الدعاء والإجابة:

فلنبدأ بسرّ الدعاء فنقول: {اهدنا} سؤال من العبد ودعاء، والسؤال والدعاء قد يكون بلسان الظاهر- أعني الصورة- وقد يكون بلسان الروح وبلسان الحال وبلسان المقام ولسان الاستعداد الكلّي الذاتي الغيبي العيني الساري الحكم من حيث الاستعدادات الجزئيّة الوجوديّة التي هي تفاصيله.
والإجابة أيضا على ضروب: إجابة في عين المسؤول، وبذله على التعيين دون تأخير، أو بعد مدّة، وإجابة بمعاوضة في الوقت أيضا. أو بعد مدّة، وإجابة ثمرتها التكفير، وقد نبّهت الشريعة على ذلك، وإجابة بلبّيك أو ما يقوم مقامه.
وكلّدعاء وسؤال يصدر من الداعي بلسان من الألسنة المذكورة في مقابلته من أصل المرتبة التي يستند إليها ذلك اللسان حسب علم الداعي به، أو اعتقاده فيه إجابة يستدعيها الداعي من حيث ذلك اللسان، ويتعيّن بالوصف والحال الغالبين عليه وقت الدعاء.
ولصحّة التصوّر وجودة الاستحضار في ذلك أثر عظيم اعتبره النبيّ صلّى اللّه عليه وآله، وحرّض عليه عليّا عليه السّلام لمّا علّمه الدعاء، وفيه: «اللّهمّ اهدني وسدّدني» فقال له: واذكر بهدايتك هداية الطريق، وبالسداد سداد السهم، فأمره باستحضار هذين الأمرين حال الدعاء، فافهم هذا، تلمح كثيرا من أسرار إجابة الحقّ دعاء الرسل والكمّل والأمثل فالأمثل من صفوته، وأنّ صحّة التصوّر، واستقامة التوجّه حال الطلب والنداء عند الدعاء شرط قوي في الإجابة.
وممّا ورد ما يؤيّد ما ذكرنا قوله- عليه الصلاة والسلام- في حديث طويل: «ولو عرفتم اللّه حقّ معرفته، لزالت بدعائكم الجبال». فنبّه على ما ذكرنا. الأنّ الأتّم معرفة بالشيء أصحّ تصوّرا له، كما نبّهت عليه قبل هذا.
وبيانه: أنّ من تصوّر المنادى المسؤول منه تصوّرا صحيحا عن علم ورويّة سابقين أو حاضرين حال الدعاء، ثم كلّمه ودعاه، وسيّما بعد أمره له بالدعاء والتزامه بالإجابة، فإنّه يجيبه لا محالة. ومن زعم أنّه يقصد مناداة زيد والطلب منه وهو يستحضر غيره ويتوجّه إلى سواه، ثم لم يجد الإجابة لا يلومنّ إلّا نفسه فإنّه ما نادى الآمر بالدعاء القادر على الإجابة والإسعاف، وإنّما توجّه إلى ما استحضره في ذهنه وأنشأه من صفات تصوّراته بالحالة الغالبة عليه، إذ ذاك لا جرم أنّ سؤاله لا يثمر، وإن أثمر فبشفاعة حسن ظنّه بربّه وشفاعة المعيّة الإلهيّة وحيطته سبحانه لأنّه- تعالى شأنه- مع كلّ تصوّر ومتصوّر ومتصوّر.
فالمتوجّه المحكوم عليه بالخطاء مصيب من وجه، فهو كالمجتهد المخطئ مأجور غير محروم بالكلّيّة، فاعلم ذلك وتذكّر ما أسلفناه في هذا الباب، تصب- إن شاء اللّه-.