فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الفرّاء: {اللؤلؤ}: العظام، {والمرجان}: ما صغر.
قال الواحدي وهو: قول جميع أهل اللغة.
وقال مقاتل، والسديّ، ومجاهد: {اللؤلؤ}: صغاره، {والمرجان}: كباره، وقال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} وإنما يخرج ذلك من المالح لا من العذب؛ لأنه إذا خرج من أحدهما، فقد خرج منهما، كذا قال الزجاج، وغيره.
وقال أبو علي الفارسي: هو من باب حذف المضاف، أي: من أحدهما كقوله: {على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وقال الأخفش: زعم قوم أنه يخرج اللؤلؤ من العذب، وقيل: هما بحران يخرج من أحدهما اللؤلؤ، ومن الآخر المرجان، وقيل: هما بحر السماء وبحر الأرض، فإذا وقع ماء السماء في صدف البحر انعقد لؤلؤًا، فصار خارجًا منهما.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن في ذلك من الآيات ما لا يستطيع أحد تكذيبه، ولا يقدر على إنكاره.
{وَلَهُ الجوار المنشآت في البحر كالأعلام} المراد بالجوار: السفن الجارية في البحر، و{المنشآت}: المرفوعات التي رفع بعض خشبها على بعض وركب حتى ارتفعت، وطالت حتى صارت في البحر كالأعلام وهي الجبال، والعلم: الجبل الطويل.
وقال قتادة: {المنشآت} المخلوقات للجري.
وقال الأخفش: {المنشآت}: المجريات، وقد مضى بيان الكلام في هذا في سورة الشورى.
قرأ الجمهور {الجوار} بكسر الراء وحذف الياء لالتقاء الساكنين، وقرأ ابن مسعود، والحسن، وأبو عمرو في رواية عنه برفع الراء تناسيًا للحذف، وقرأ يعقوب بإثبات الياء، وقرأ الجمهور {المنشآت} بفتح الشين، وقرأ حمزة، وأبو بكر في رواية عنه بكسر الشين {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن ذلك من الوضوح والظهور بحيث لا يمكن تكذيبه، ولا إنكاره.
وقد أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} قال: بحساب ومنازل يرسلان.
وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم عنه {والأرض وَضَعَهَا لِلأنَامِ} قال: للناس.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا قال: للخلق.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا قال: كل شيء فيه روح.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا {والنخل ذَاتُ الأكمام} قال: أوعية الطلع.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {والحب ذُو العصف} قال: التبن {والريحان} قال: خضرة الزرع.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا قال: {العصف} ورق الزرع إذا يبس {والريحان} ما أنبتت الأرض من الريحان الذي يشمّ.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا قال: {العصف} الزرع أوّل ما يخرج بقلًا {والريحان} حين يستوي على سوقه، ولم يسنبل.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا قال: كلّ ريحان في القرآن فهو رزق.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} قال: يعني: بأيّ نعمة الله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في الآية قال: يعني الجنّ والإنس.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عنه أيضًا {مِن مَّارِجٍ مّن نَّارٍ} قال: من لهب النار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في الآية قال: خالص النار.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} قال: للشمس مطلع في الشتاء ومغرب في الشتاء، ومطلع في الصيف ومغرب في الصيف، غير مطلعها في الشتاء وغير مغربها في الشتاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال: مشرق الفجر ومشرق الشفق، ومغرب الشمس ومغرب الشفق.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ} قال: أرسل البحرين {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} قال: حاجز {لاَّ يَبْغِيَانِ} لا يختلطان.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا قال: بحر السماء وبحر الأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} قال: بينهما من البعد ما لا يبغي كل واحد منهما على صاحبه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} قال: إذا مطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها، فما وقع فيها من قطر السماء فهو اللؤلؤ.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عليّ بن أبي طالب قال: المرجان: عظام اللؤلؤ.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: اللؤلؤ: ما عظم منه، والمرجان: اللؤلؤ الصغار.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني عن ابن مسعود قال: المرجان: الخرز الأحمر. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

كلام نفيس لابن القيم في باب الفناء:
قال عليه الرحمة:
باب الفناء:
قال الله تعالى كل من عليها. فان {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} الفناء المذكور في الآية ليس هو الفناء الذي تشير إليه الطائفة فإن الفناء في الآية الهلاك والعدم أخبر سبحانه أن كل من على الأرض يعدم ويموت ويبقى وجهه سبحانه وهذا مثل قوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} ومثل قوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت} قال الكلبي ومقاتل لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة هلك أهل الأرض فلما قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} أيقنت الملائكة بالهلاك قال الشعبي إذا قرأت {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} فلا تسكت حتى تقرأ {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ} وهذا من فقهه في القرآن وكمال علمه إذ المقصود الإخبار بفناء من عليها مع بقاء وجهه سبحانه فإن الآية سيقت لتمدحه بالبقاء وحده ومجرد فناء الخليقة ليس فيه مدحه إنما المدح في بقائه بعد فناء خلقه فهي نظير قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَه} وأما الفناء الذي تترجم عنه الطائفة فأمر غير هذا ولكن وجد.
الإشارة بالآية أن الفناء المشار إليه هو ذهاب القلب وخروجه من هذا العالم وتعلقه بالعلي الكبير الذي له البقاء فلا يدركه الفناء ومن فني في محبته وطاعته وإرادة وجهه أوصله هذا الفناء إلى منزل البقاء فالآية تشير إلى أن العبد حقيق أن لا يتعلق بمن هو فان ويذر من له البقاء وهو ذو الجلال والإكرام فكأنها تقول إذا تعلقت بمن هو فان انقطع ذلك التعلق عند فنائه أحوج ما تكون إليه وإذا تعلقت بمن هو باق لا يفنى لم ينقطع تعلقك ودام بدوامه والفناء الذي يترجم عليه هو غاية التعلق ونهايته فإنه انقطاع عما سوى الرب تعالى من كل وجه ولذلك قال الفناء في هذا الباب اضمحلال ما دون الحق علما ثم جحدا ثم حقا قلت الفناء ضد البقاء والباقي إما باق بنفسه من غير حاجة إلى من يبقيه بل بقاؤه من لوازم نفسه وهو الله تعالى وحده وما سواه فبقاؤه ببقاء الرب وليس له من نفسه بقاء كما أنه ليس له من نفسه وجود فإيجاده وإبقاؤه من ربه وخالقه وإلا فهو ليس له من نفسه إلا العدم قبل إيجاده والفناء بعد إيجاده وليس المعنى أن نفسه وذاته اقتضت عدمه وفناءه وإنما الفناء أنك إذا نظرت إلى ذاته بقطع النظر عن إيجاد موجده له كان معدوما وإذا نظرت إليه بعد وجوده مع قطع النظر عن إبقاء موجده له استحال بقاؤه فإنه إنما يبقى بابقائه كما أنه إنما يوجد بإيجاده فهذا معنى قولنا إنه بنفسه معدوم وفان فافهمه وقد اختلف الناس هل إفناء الموجود وإعدامه بخلق عرض فيه يسمى.
الفناء والإعدام أم بإمساك خلق البقاء له إذ هو في كل وقت محتاج إلى أن يخلق له بقاء يبقيه وهي مسألة الإعدام المشهورة والتحقيق فيها أن ذاته لا تقتضي الوجود وهو معدوم بنفسه فإذا قدر الرب تعالى لوجوده أجلا ووقتا انتهى وجوده عند حضور أجله فرجع إلى أصله وهو العدم نعم قد يقدر له وقتا ثم يمحو سبحانه ذلك الوقت ويريد إعدامه قبل وقته كما أنه سبحانه يمحو ما يشاء ويريد استمرار وجوده بعد الوقت المقدر إلى أمد آخر فإنه يمحو ما يشاء ويثبت قال الله تعالى حاكيا عن نبيه نوح عليه السلام {قال يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى} فإذا أراد الله سبحانه إبقاء الشيء أبقاه إلى حين يشاء وإذا أراد إفناءه أعدمه بمشيئته كما يوجده بمشيئته فإن قيل متعلق المشيئة لابد أن يكون أمرا وجوديا فكيف يكون العدم متعلق المشيئة قيل متعلق المشيئة أمران إيجاد وإعدام وكلاهما ممكن فقول القائل لابد أن يكون متعلق المشيئة أمرا وجوديا دعوى باطلة نعم العدم المحض لا تتعلق به المشيئة وأما الإعدام فهو أخص من العدم ولولا أنا في أمر أخص من هذا لبسطنا الكلام في هذه المسألة وذكرنا أوهام الناس وأغلاطهم فيها وقوله الفناء اسم لاضمحلال ما دون الحق علما يعني يضمحل عن القلب والشهود علما وإن لم تكن ذاته فانية في الحال مضمحلة فتغيب صور الموجودات في شهود العبد بحيث تكون كأنها دخلت في العدم كما كانت قبل أن توجد ويبقى الحق تعالى ذو الجلال والإكرام وحده في قلب الشاهد كما كان وحده قبل إيجاد العوالم.
قوله علما ثم جحدا ثم حقا هذه الثلاثة هي مراتب الاضمحلال إذا ورد على العبد على الترتيب فإذا جاء وهلة واحدة لم يشهد شيئا من ذلك وإن كان قد يعرف ذلك إذا عاد إلى علمه وشهوده فإن الرب سبحانه إذا رقى عبده بالتدريج نور باطنه وعقله بالعلم فرأى أنه لا خالق سواه ولا رب غيره ولا يملك الضر والنفع والعطاء والمنع غيره وأنه لا يستحق أن يعبد بنهاية الخضوع والحب سواه وكل معبود سوى وجهه الكريم فباطل فهذا توحيد العلم ثم إذا رقاه الحق سبحانه درجة أخرى فوق هذه أشهد عود المفعولات إلى أفعاله سبحانه وعود أفعاله إلى أسمائه وصفاته وقيام صفاته بذاته فيضمحل شهود غيره من قلبه وجحد أن يكون لسواه من نفسه شيء ألبتة ولم يجحد السوي كما يجحده الملاحدة فإن هذا الجحود عين الإلحاد ثم إذا رقاه درجة أخرى أشهده قيام العوالم كلها جواهرها وأعراضها ذواتها وصفاتها به وحده أي بإقامته لها وإمساكه لها فإنه سبحانه يمسك السماوات والأرض أن تزولا ويمسك البحار أن تغيض أو تفيض على العالم ويمسك السماء أن تقع على الأرض ويمسك الطير في الهواء صافات ويقبضن ويمسك القلوب الموقنة أن تزيغ عن الإيمان ويمسك حياة الحيوان أن تفارقه إلى الأجل المحدود ويمسك على الموجودات وجودها ولولا ذلك لاضمحلت وتلاشت والكل قائم بأفعاله وصفاته التي هي من لوازم ذاته فليس الوجود الحقيقي إلا له أعني الوجود الذي هو مستغن فيه عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه بالذات لا قيام له بنفسه طرفة عين ولما كان للفناء مبدأ وتوسط وغاية أشار إلى مراتبه الثلاثة فالمرتبة الأولى فناء أهل العلم المتحققين به والثانية فناء أهل السلوك والإرادة والثالثة فناء أهل المعرفة المستغرقين في شهود الحق سبحانه فأول الأمر أن تفنى قوة علمه وشعوره بالمخلوقين في جنب علمه ومعرفته بالله.
وحقوقه ثم يقوي ذلك حتى يعدهم كالأموات وكالعدم ثم يقوي ذلك حتى يغيب عنهم بحيث يكلم ولا يسمع ويمر به ولا يرى وذلك أبلع من حال السكر ولكن لا تدوم له هذه الحال ولا يمكن أن يعيش عليها.
فصل قال وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى فناء المعرفة في المعروف.
وهو الفناء علما وفناء العيان في المعاين وهو الفناء جحدا وفناء الطلب في الوجود وهو الفناء حقا هذا تفصيل ما أجمله أولا ونبين ما أرادوا بالعلم والجحد والحق ففناء المعرفة في المعروف هو غيبة العارف بمعروفه عن شعوره بمعرفته ومعانيها فيفنى به سبحانه عن وصفه هنا وما قام به فإن المعرفة فعله ووصفه فإذا استغرق في شهود المعروف فني عن صفة نفسه وفعلها ولما كانت المعرفة فوق العلم وأخص منه كان فناء المعرفة في المعروف مستلزما لفناء العلم في المعرفة فيفنى أولا في المعرفة ثم تفنى المعرفة في المعروف وأما فناء العيان في المعاين فالعيان فوق المعرفة فإن المعرفة مرتبة فوق العلم ودون العيان فإذا انتقل من المعرفة إلى العيان فني عيانه في معاينه كما فنيت معرفته في معروفه وأما فناء الطلب في الوجود فهو أن لا يبقى لصاحب هذا الفناء طلب لأنه ظفر بالمطلوب المشاهد وصار واجدا بعد أن كان طالبا فكان إدراكه أولا علما ثم قوي فصار معرفة ثم قوي فصار عيانا ثم تمكن فصار معرفة ثم تمكن فصار وجودا ولعلك أن تستنكر أو تستبعد هذه الألفاظ ومعانيها فاسمع ضرب مثل يهون عليك ذلك ويقربه منك مثل ملك عظيم السلطان شديد السطوة تام الهيبة قوي البأس استدعى رجلا من رعيته قد اشتد جرمه وعصيانه له.