فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فيكون {نُحَاس} على هذا مجرورًا بمن المحذوفة.
وعن مجاهد وحُميد وعكرمة وأبي العالية {ونِحاسٍ} بكسر النون لغتان كالشِّواظ والشُّواظ.
والنِّحاس بالكسر أيضًا الطبيعة والأصل؛ يقال: فلان كريم النِّحاس والنُّحاس أيضًا بالضم أي كريم النِّجار.
وعن مسلم بن جُنْدَب {ونَحْسٌ} بالرفع.
وعن حنظلة بن مرّة بن النعمان الأنصاري {ونَحْسٍ} بالجر عطف على نار.
ويجوز أن يكون {ونِحاسٍ} بالكسر جمع نَحْسٍ كصَعْب وصِعاب {ونَحْسٌ} بالرفع عطف على {شواظ} وعن الحسن {ونُحُسٍ} بالضم فيها جمع نَحْس.
ويجوز أن يكون أصله ونُحُوس فقصر بحذف واوه حسب ما تقدّم عند قوله: {وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16].
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة {وَنَحُسُّ} بفتح النون وضم الحاء وتشديد السين من حَسَّ يَحُسّ حَسًّا إذا استأصل؛ ومنه قوله تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران: 152] والمعنى ونقتل بالعذاب.
وعلى القراءة الأولى {ونُحَاسٌ} فهو الصُّفْر المذاب يُصَبُّ على رؤوسهم؛ قاله مجاهد وقتادة، وروي عن ابن عباس.
وعن ابن عباس أيضًا وسعيد بن جُبير أن النحاس الدخان الذي لا لهب فيه؛ وهو معنى قول الخليل؛ وهو معروف في كلام العرب بهذا المعنى؛ قال نابغة بني جَعْدة:
يُضِيءُ كضَوْءِ سِرَاج السَّلِيـ ** ـطِ لم يَجْعَلِ اللَّهُ فيه نُحَاسَا

قال الأصمعي: سمعت أعرابيًا يقول السَّليط دهن السّمسم بالشام ولا دخان فيه.
وقال مقاتل: هي خمسة أنهار من صُفْر مُذَاب، تجري من تحت العرش على رءوس أهل النار؛ ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار النهار.
وقال ابن مسعود: النُّحَاس المُهْل.
وقال الضحاك: هو دُرْديّ الزَّيت المغليّ.
وقال الكسائي: هو النار التي لها ريح شديدة.
{فَلاَ تَنتَصِرَانِ} أي لا ينصر بعضكم بعضًا يعني الجن والإنس. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا معشر الجن والإنس}.
هما الثقلان خوطبا باسم جنسيهما لزيادة التقرير ولأن الجن مشهورون بالقدرة على الأفاعيل الشاقة بما ينبئ عن ذلك لبيان أن قدرتهم لا تفي بما كلفوه وكأنه لما ذكر سبحانه أنه مجاز للعباد لا محالة عقب عز وجل ذلك ببيان أنهم لا يقدرون على الخلاص من جزائه وعقابه إذا أراده فقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس} {إِنِ استطعتم} إن قدرتم، وأصل الاستطاعة طلب طواعية الفعل وتأتيه.
{أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السموات والأرض} أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من الله تعالى فارين من قضائه سبحانه: {فانفذوا} فاخرجوا منها وخلصوا أنفسكم من عقابه عز وجل، والأمر للتعجيز {لاَ تَنفُذُونَ} لا تقدرون على النفوذ {إِلاَّ بسلطان} أي بقوة وقهر وأنتم عن ذلك بمعزل وألف ألف منزل، روى أن الملائكة عليهم السلام ينزلون يوم القيامة فيحيطون بجميع الخلائق فإذا رآهم الجن والإنس هربوا فلا يأتون وجهًا إلا وجدوا الملائكة أحاطت به، وقيل: هذا أمر يكون في الدنيا، قال الضحاك: بينما الناس في أسواقهم انفتحت السماء ونزلت الملائكة فتهرب الجن والإنس فتحدق بهم الملائكة وذلك قبيل قيام الساعة، وقيل: المراد إن استطعتم الفرار من الموت ففروا، وقيل: المعنى إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا بما في السموات والأرض فانفذوا لتعلموا لكن {لاَ تَنفُذُونَ} ولا تعلمون إلا ببينة وحجة نصبها الله تعالى فتعرجون عليها بأفكاركم، وروى ما يقاربه عن ابن عباس والأنسب بالمقام لا يخفى.
وقرأ زيد بن علي {إن استطعتما} رعاية للنوعين وإن كان تحت كل أفراد كثيرة والجمع لرعاية تلك الكثرة وقد جاء كل في الفصيح نحو قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9].
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة على العقوبة، وقيل: على الوجه الأخير فيما تقدم أي مما نصب سبحانه من المصاعد العقلية والمعارج النقلية فتنفذون بها إلى ما فوق السموات العلا {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا} استئناف في جواب سؤال مقدر عن الداعي للفرار أو عما يصيبهم أي يصب عليكما.
{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا} استئناف في جواب سؤال مقدر عن الداعي للفرار أو عما يصيبهم أي يصب عليكما {شُوَاظٌ} هو اللهب الخالص كما روى عن ابن عباس، وأنشد عليه أبو حيان قول حسان:
هجوتك فاختضعت لنا بذل ** بقافية تأجج كالشواظ

وقيل: اللهب المختلط بالدخان، وقال مجاهد: اللهب الأحمر المنقطع، وقيل: اللهب الأخضر، وقال الضحاك: الدخان الذي يخرج من اللهب، وقيل: هو النار والدخان جميعًا، وقرأ عيسى، وابن كثير، وشبل {شُوَاظٌ} بكسر الشين {مّن نَّارٍ} متعلق بيرسل أو يمضمر هو صفة لشواظ و{مِنْ} ابتدائية أي كائن من نار والتنوين للتفخيم {وَنُحَاسٌ} هو الدخان الذي لا لهب فيه كما قاله ابن عباس لنافع بن الأزرق وأنشد له قول الأعشى، أو النابغة الجعدي:
تضيء كضوء السراج السلي ** ط لم يجعل الله فيه نحاسا

وروي عنه أيضًا، وعن مجاهد أنه الصفر المعروف أي يصب على رؤوسكما صفر مذاب، والراغب فسره باللهب بلا دخان ثم قال: وذلك لشبهه في اللون بالنحاس، وقرأ ابن أبي إسحق، والنخعي، وابن كثير، وأبو عمرو {وَنُحَاسٌ} بالجر على أنه عطف على {نار}، وقيل: على {شُوَاظٌ} وجر للجوار فلا تغفل.
وقرأ الكلبي، وطلحة، ومجاهد بالجر أيضًا لكنهم كسروا النون وهو لغة فيه، وقرأ ابن جبير {ونحس} كما تقول يوم نحس، وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة وابن أبي إسحاق أيضًا {ونحس} مضارعًا، وماضيه حسه أي قتله أي ونقتل بالعذاب، وعن ابن أبي إسحاق أيضًا {ونحس} بالحركات الثلاث في الحاء على التخيير.
وحنظلة بن عثمان {ونحس} بفتح النون وكسر السين، والحسن، وإسمعيل ونحس بضمتين والكسر، وهو جمع نحاس كلحاف ولحف، وقرأ زيد بن علي {نرسل} بالنون {شواظًا} بالنصب {ونحاسًا} كذلك عطفًا على {شواظًا} {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} فلا تمتنعان وهذا عند الضحاك في الدنيا أيضًا.
أخرج ابن أبي شيبة عنه أنه قال في ال: تخرج نار من قبل المغرب تحشر الناس حتى إنها لتحشر القدرة والخنازير تبيت معهم حيث باتوا وتقيل حيث قالوا، وقال في البحر: المراد تعجيز الجن والإنس أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا فلا يقدر على الامتناع مما يرسل عليه.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن التهديد لطف والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء والانتقام من الكفار من عداد الآلاء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا}.
هذا مقول قول محذوف يدل عليه سياق الكلام السابققِ واللاحق، وليس خطابًا للإِنس والجنّ في الحياة الدنيا.
والتقدير: فنقول لكم كما في قوله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعًا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] الآية، أي فنقول: يا معشر الجن قد استكثرتم من الإِنس، وتقدم في سورة الأنعام.
والمعشر: اسم للجمع الكثير الذي يُعد عشرةً عشرةً دون آحاد. وهذا إعلان لهم بأنهم في قبضة الله تعالى لا يجدون منجىً منها، وهو ترويع للضالين والمضلّين من الجن والإِنس بما يترقبهم من الجزاء السيّء لأن مثل هذا لا يقال لجمع مختلط إلا والمقصود أهل الجناية منهم فقوله: {يا معشر الجن والإنس} عام مراد به الخصوص بقرينة قوله بعده {يرسل عليكما شواظ} [الرحمن: 35] إلخ.
والنفوذ والنفاذ: جواز شيء عن شيء وخروجُه منه.
والشرط مستعمل في التعجيز، وكذلك الأمر الذي هو جواب هذا الشرط من قوله: {فانفذوا}، أي وأنتم لا تستطيعون الهروب.
والمعنى: إن قَدَرْتُم على الانفلات من هذا الموقف فافلتوا.
وهذا مؤذن بالتعريض بالتخويف مما سيظهر في ذلك الموقف من العقاب لأهل التضليل.
والأقطار: جمع قُطر بضم القاف وسكون الطاء وهو الناحية الواسعة من المكان الأوسع، وتقدم في قوله تعالى: {ولو دخلت عليهم من أقطارها} في سورة الأحزاب (14).
وذكر السماوات والأرض لتحقيق إحاطة الجهات كلها تحقيقًا للتعجيز، أي فهذه السماوات والأرض أمامكم فإن استطعتم فاخرجوا من جهة منها فرارًا من موقفكم هذا، وذلك أن تعدد الأمكنة يسهل الهروب من إحدى جهاتها.
والأرض المذكورة هنا إما أن تكون الأرض التي في الدنيا وذلك حين البعث، وإما أن تكون أرض الحشر وهي التي سماها القرآن الساهرة في سورة النازعات (14)، وقال تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} [إبراهيم: 48]، وإما أن يكون ذلك جاريًا مجرى المثل المستعمل للمبالغة في إحاطة الجهات كقول أبي بكر الصديق: «أيُّ أرض تقلني، وأيُّ سماء تُظلني».
وهذه المعاني لا تتنافى، وهي من حدّ إعجاز القرآن.
وجملة {لا تنفذون إلاَّ بسلطان} بيان للتعجيز الذي في الجملة قبله فإن السلطان: القدرة، أي لا تنفذون من هذا المأزق إلا بقدرة عظيمة تفوق قدرة الله الذي حشركم لهذا الموقف، وأنَّى لكم هاته القوة.
وهذا على طريق قوله: {وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون} [الشعراء: 210، 211]، أي ما صعدوا إلى السماء فيتنزَّلوا به.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34)}.
القول فيه كالقول في نظيره المذكور قبله.
{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)}.
استئناف بياني عن جملة {إن استطعتم أن تنفذوا} [الرحمن: 33] إلخ لأن ذلك الإِشعار بالتهديد يثير في نفوسهم تساؤلًا عمّا وَراءه.
وضمير {عليكما} راجع إلى الجنّ والإِنس فهو عام مراد به الخصوص بالقرينة، وهي قوله بعده: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46] الآيات.
وهذا تصريح بأنهم معاقبون بعد أن عُرض لهم بذلك تعريضًا بقوله: {إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33].
ومعنى {يرسل عليكما} أن ذلك يعترضهم قبل أن يَلجوا في جهنم، أي تقذفون بشُواظ من نار تعجيلًا للسوء.
والمضارع للحال، أي ويرسل عليكما الآن شواظ.
والشواظ بضم الشين وكسرها: اللهب الذي لا يخالطه دخان لأنه قد كمل اشتعاله وذلك أشد إحراقًا.
وقرأه الجمهور بضم الشين، وقرأه ابن كثير بكسرها، والنّحاس: يطلق على الدخان الذي لا لهب معه، وبه فسر ابن عباس وسعيد بن جبير وتبعهما الخليل.
والمعنى عليه: أن الدخان الذي لم تلحقهم مضرته والاختناق به بسبب شدة لهب الشواظ يضاف إلى ذلك الشواظ على حياله فلا يفلتون من الأمريننِ.
ويطلق النحاس على الصُّفْر وهو القِطر، وبه فسر مجاهد وقتادة، وروي عن ابن عباس أيضًا.