فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الفراء، وأبو عبيدة: تصير السماء كالأديم لشدّة حرّ النار.
وقال الفراء أيضًا: شبه تلوّن السماء بتلوّن الورد من الخيل، وشبّه الورد في ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه، والدهان جمع دهن، وقيل: المعنى: تصير السماء في حمرة الورد، وجريان الدهن، أي: تذوب مع الانشقاق حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم، وتصير مثل الدهن لذوبانها، وقيل: الدهان الجلد الأحمر.
وقال الحسن {كالدهان}، أي: كصبيب الدهن، فإنك إذا صببته ترى فيه ألوانًا.
وقال زيد بن أسلم: إنها تصير كعصير الزيت.
قال الزجاج: إنها اليوم خضراء، وسيكون لها لون أحمر.
قال الماوردي: وزعم المتقدّمون أن أصل لون السماء الحمرة، وأنها لكثرة الحوائل وبعد المسافة ترى بهذا اللون الأزرق.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}، فإن من جملتها ما في هذا التهديد، والتخويف من حسن العاقبة بالإقبال على الخير والإعراض عن الشرّ.
{فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} أي: يوم تنشقّ السماء لا يسأل أحد من الإنس ولا من الجنّ عن ذنبه؛ لأنهم يعرفون بسيماهم عند خروجهم من قبورهم، والجمع بين هذه الآية، وبين مثل قوله: {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] أن ما هنا يكون في موقف، والسؤال في موقف آخر من مواقف القيامة، وقيل: إنهم لا يسألون هنا سؤال استفهام عن ذنوبهم؛ لأن الله سبحانه قد أحصى الأعمال، وحفظها على العباد، ولكن يسألون سؤال توبيخ وتقريع، ومثل هذه الآية قوله: {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} [القصص: 78] قال أبو العالية: المعنى: لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم.
وقيل: إن عدم السؤال هو عند البعث، والسؤال هو في موقف الحساب {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها هذا الوعيد الشديد؛ لكثرة ما يترتب عليه من الفوائد.
{يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم} هذه الجملة جارية مجرى التعليل لعدم السؤال. والسيما: العلامة.
قال الحسن: سيماهم سواد الوجوه وزرقة الأعين، كما في قوله: {وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقًا} [طه: 102] وقال: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] وقيل: سيماهم ما يعلوهم من الحزن والكآبة {فَيُؤْخَذُ بالنواصى والأقدام} الجار والمجرور في محل رفع على أنه النائب، والنواصي: شعور مقدم الرؤوس، والمعنى: أنها تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي، وتلقيهم الملائكة في النار.
قال الضحاك: يجمع بين ناصيته، وقدمه في سلسلة من وراء ظهره، وقيل: تسحبهم الملائكة إلى النار، تارة تأخذ بنواصيهم وتجرّهم على وجوههم، وتارة تأخذ بأقدامهم، وتجرّهم على رؤوسهم {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها هذا الترهيب الشديد، والوعيد البالغ الذي ترجف له القلوب، وتضطرب لهوله الأحشاء.
{هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذّبُ بِهَا المجرمون} أي: يقال لهم عند ذلك: هذه جهنم التي تشاهدونها، وتنظرون إليها مع أنكم كنتم تكذبون بها وتقولون إنها لا تكون، والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: فماذا يقال لهم عند الأخذ بالنواصي والأقدام؟ فقيل: يقال لهم: هذه جهنم تقريعًا لهم وتوبيخًا.
{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا} أي: بين جهنم فتحرقهم {وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ} فتصبّ على وجوههم، والحميم: الماء الحارّ، والآن: الذي قد انتهى حرّه وبلغ غايته، كذا قال الفراء، قال الزجاج: أَنَى يأنَى أنَّى، فهو آنٍ: إذا انتهى في النضج والحرارة، ومنه قول النابغة الذبياني:
وتخضب لحية غدرت وخانت ** بأحمر من نجيع الجوف آن

وقيل: هو واد من أودية جهنم يجمع فيه صديد أهل النار، فيغمسون فيه.
قال قتادة: يطوفون مرّة في الحميم، ومرّة بين الجحيم {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها النعمة الحاصلة بهذا التخويف، وما يحصل به من الترغيب في الخير والترهيب عن الشرّ.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {ذُو الجلال والإكرام} قال: ذو الكبرياء والعظمة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه {يَسْأَلُهُ مَن في السموات} قال: مسألة عباده إياه الرزق والموت والحياة كل يوم هو في ذلك.
وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده، والبزار، وابن جرير، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة، وابن منده، وابن مردويه، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عبد الله بن منيب قال: تلا علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ال: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} فقلنا: يا رسول الله، وما ذلك الشأن؟ قال: «أن يغفر ذنبًا، ويفرّج كربًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين» وأخرج البخاري في تاريخه، وابن ماجه، وابن أبي عاصم، والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه، وابن عساكر، والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الآية قال: «من شأنه أن يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين»، زاد البزار: «ويجيب داعيًا» وقد رواه البخاري تعليقًا، وجعله من كلام أبي الدرداء.
وأخرج البزار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال: «يغفر ذنبا ويفرج كربا».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثقلان} قال: هذا وعيد من الله لعباده، وليس بالله شغل، وفي قوله: {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بسلطان} يقول: لا تخرجون من سلطاني.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مّن نَّارٍ} قال: لهب النار {وَنُحَاسٌ} قال: دخان النار.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا، ونحاس: قال الصفر يعذبون به.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه {فَكَانَتْ وَرْدَةً} يقول: حمراء {كالدهان} قال: هو الأديم الأحمر.
وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} قال: مثل لون الفرس الورد.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} قال: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لم عملتم كذا وكذا؟ وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عنه أيضًا في قوله: {فَيُؤْخَذُ بالنواصى والأقدام} قال: تأخذ الزبانية بناصيته وقدميه، ويجمع فيكسر، كما يكسر الحطب في التنور.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ} قال: هو الذي انتهى حرّه. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)}.
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وله الجوار المنشآت} قال: المنشآت ما رفع قلعة من السفن، فأما ما لم يرفع قلعة فليس بمنشآت.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن {وله الجوار المنشآت} قال: السفن و{المنشآت} قال: بالشراع {كالأعلام} قال: كالجبال.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {وله الجوار المنشآت} يعني السفن {كالأعلام} قال: كالجبال.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {وله الجوار المنشآت} قال: هي السفائن.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والمحاملي في أماليه عن عمير بن سعد قال: كنا مع عليّ على شط الفرات فمرت به سفينة فقرأ هذه الآية {وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام}.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن إبراهيم النخعي والضحاك أنهما كانا يقرآن {وله الجوار المنشآت في البحر} قال: أي الفاعلات.
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه كان يقرأها {وله الجوار المنشآت} يعني الباديات.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه كان يقرأها على الوجهين بكسر الشين وفتحها.
قوله تعالى: {كل من عليها فان} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: إذا قرأت {كل من عليها فان} فلا تسكت حتى تقرأ {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإِكرام}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {ذو الجلال والإِكرام} قال: الكبرياء والعظمة.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي عن حميد بن هلال قال: قال رجل: يرحم الله رجلًا أتى على هذه الآية {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإِكرام} فسأل الله تعالى بذلك الوجه الكافي الكريم ولفظ البيهقي بذلك الوجه الباقي الجميل.
قوله تعالى: {يسأله من في السماوات والأرض} الآية.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يسأله من في السماوات والأرض} يعني يسأل عباده إياه الرزق والموت والحياة كل يوم هو في ذلك.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي صالح {يسأله من في السماوات والأرض} قال: {يسأله من في السماوات} الرحمة ويسأله من في الأرض المغفرة والرزق.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال: الملائكة يسألونه الرزق لأهل الأرض والأرض يسأله أهلها الرزق لهم.
وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده والبزار وابن جرير والطبراني وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر عن أبي الدرداء «عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {كل يوم هو في شأن} قال: من شأنه أن يغفر ذنبًا ويفرج كربًا ويرفع قومًا ويضع آخرين»، زاد البزار: وهو يجيب داعيًا.
وأخرج البزار عن ابن عمر «عن النبي صلى الله عليه وسلم {كل يوم هو في شأن} قال: يغفر ذنبًا ويفرج كربًا».
وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء في قوله: {كل يوم هو في شأن} قال: يكشف كربًا ويجيب داعيًا ويرفع قومًا ويضع آخرين.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {كل يوم هو في شأن} قال: إن مما خلق الله لوحًا محفوظًا من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور عرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة يخلق في كل نظرة، ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويغل ويفك، ويفعل ما يشاء، فذلك قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن عبيد بن عمير {كل يوم هو في شأن} قال: من شأنه أن يجيب داعيًا ويعطي سائلًا، ويفك عانيًا، ويشفى سقيمًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {كل يوم هو في شأن} قال: لا يستغني عنه أهل السماء والأرض، يحيى حيًا، ويميت ميتًا، ويربي صغيرًا، ويفك أسيرًا، ويغني فقيرًا، وهو مرد حاجات الصالحين، ومنتهى شكرهم وصريخ الأخيار.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي ميسرة {كل يوم هو في شأن} قال: يحيى ويميت، ويصور في الأرحام ما يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من شاء، ويفك الأسير.