فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم وصف الجنتين الأخريين فقال: {مُدْهَامَّتَانِ} يعني: خضراوان.
ويقال: التي تضرب خضرها إلى السواد {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} بعني جعل لكم الجنان المخضرة، لأن النظر في الخضرة يُجلي البصر، فكيف تنكرون وحدانيته.
ثم قال: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} يعني: ممتلئتان فوارتان.
وقال القتبي: يعني: تفوران بالماء، والنضخ أكثر من النضح.
وقال مجاهد: {نَضَّاخَتَانِ} يعني: مملوءتان من الخير لا ينقطعان {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: كيف تنكرون من جعل لكم فيهما عينان تفوران على الدوام، ولا انقطاع لهما.
ثم قال عز وجل: {فِيهِمَا فاكهة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} يعني: في الجنتين الأخريين من ألوان الفاكهة.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} معناه: في الجنتين الأخريين من ألوان الفاكهة، كمثل ما في الأوليين، فأنتم تجدون فيها ألوانًا من الثمار، والفواكه.
فكيف تنكرون هذه النعمة.
ثم قال عز وجل: {فِيهِنَّ خيرات حِسَانٌ} يعني: في الجنان كلها زوجات حسان.
وقال الزجاج: أصله في اللغة خيرات.
وقد قرئ بالتشديد، وقراءة العامة بالتخفيف.
وقال مقاتل: خَيِّرات الأخلاق، حسان الوجوه، {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: في هذه الجنان الأربعة، في كل واحدة منها تجدون خيرة زوجة هي أحسن بما في الأخرى، فكيف تنكرون عزة ربكم ولا تشكرونه.
ثم وصف الخيرات فقال: {حُورٌ مقصورات} يعني: محبوسات {فِى الخيام} على أزواجهن.
وقال ابن عباس: الخيمة الواحدة من لؤلؤة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: فكيف تنكرون هذه النعمة حين حَبَسَ الأزواج الطيبات لكم إن أطعتم الله؟.
ثم قال عز وجل: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} يعني: لم يمسسهن إنس قبلهم، ولا جان.
قرأ الكسائي: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} بضم الميم.
والباقون: بالكسر.
وهما لغتان، ومعناهما واحد.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}.
ثم قال: {مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ} يعني: نائمين على المجالس الخضر، على السرر الحسان.
ويقال: على رياض {خُضْرٍ وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ} يعني: الزرابيّ الكثيرة الألوان، وهي الطنافس الحسان.
وقال مجاهد: {وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ} يعني: الديباج.
وقال الزجاج: وإنما قال: {خيرات حِسَانٌ} ولم يقل حسن، لأن العبقري جماعة.
يقال: للواحدة عبقرية، كما تقول: ثمرة وثمر لوزة، ولوز، وأيضًا يكون العبقري اسم جنس، والعبقري كل شيء بولغ في وصفه، والعبقري البُسُط.
ويقال: الطنافس المبسوطة.
ثم قال عز وجل: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: فبأي نعمة من نعماء ربكما أيها الجن والإنس تتجاحدان مع هذه الكرامات التي بين الله تعالى لكم؟ لتعلموا، فتناولوا تلك الكرامات ما شاء الله.
ثم قال عز وجل: {تبارك اسم رَبّكَ ذِى الجلال} يعني: ذي الارتفاع.
يعني: ارتفاع المنزلة، والقدرة {والإكرام} يعني: الكريم، المتجاوز عن المذنبين.
ويقال: الاسم زيادة في الكلام، ومعناه: تبارك ربك.
قرأ ابن عامر: {ذُو الجلال} بالواو.
والباقون: {ذِى الجلال} بالياء.
فمن قرأ: {ذُو} جعله نعتًا للاسم، والاسم رفع.
ومن قرأ: بالكسر، جعله نعتًا للرب عز وجل والله أعلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{الرحمن عَلَّمَ القرآن}.
نزلت حين قالوا: وما الرَّحْمن؟، وقيل: هو جواب لأهل مكة حين قالوا: إنّما يعلّمه بشر.
{خَلَقَ الإنسان} قال ابن عباس وقتادة: يعني آدم عليه السلام.
{عَلَّمَهُ البيان} أسماء كل شيء، وقيل: علّمه اللغات كلّها، وكان آدم عليه السلام يتكلم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية، وقال آخرون: أراد جميع الناس؛ لأن الانسان اسم الجنس ثم اختلفوا في معنى البيان، فروي عن قتادة أنّه قال: علّمه بيان الحلال والحرام، وبيّن له الخير والشر، وما يأتي وما يذر؛ ليحتج بذلك عليه.
وقال أبو العالية ومرّة الهمذاني وابن زيد: يعني الكلام. الحسن: النطق والتمييز. محمد ابن كعب: ما يقول وما يقال له. السدي: علّم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به. يمان: الكتابة والخط بالقلم. نظيره {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ}. ابن كيسان: خلق الانسان يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم علمه البيان يعني بيان ما كان وما يكون؛ لأنه كان يبيّن عن الأولين والآخرين وعن يوم الدين.
{عَلَّمَ بالقلم} [العلق: 4] أي بحساب ومنازل لا تعدّونها، قاله ابن عباس وقتادة وأبو ملك.
قال ابن زيد وابن كيسان: يعني بهما بحسب الأوقات والأعمار والآجال، لولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف نحسب شيئًا، لو كان الدهر كلّه ليلًا كيف نحسب؟ أو كلّه نهارًا كيف نحسب؟ وقال الضحاك: يجريان بعدد. مجاهد: كحسبان الرحى يدوران في مثل قطب الرحا. السدي: بأجل كآجال الناس، فإذا جاء أجلهما هلكا.
نظيره {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} [الرعد: 2]. يمان: يجريان بأهل الدنيا وقضائها وفنائها.
والحسبان قد يكون مصدر حسبت حسابًا وحسبانًا مثل الغفران والكفران والرجحان والنقصان، وقد تكون جمع الحساب كالشهبان والرهبان والقضبان والركبان.
وارتفاع الشمس والقمر باضمار فعل مجازه الشمس والقمر يجريان بحسبان، وقيل: مبتدأ وخبره فيما بعده.
ونظم الآية الرَّحْمن علم القرآن وقدر الشمس والقمر، وقيل: هو مردود على البيان، أي علّمه البيان، إن الشمس والقمر بحسبان.
ويقال: سعة الشمس ستة آلاف فرسخ وأربعمائة فرسخ في مثلها، وسعة القمر ألف فرسخ في ألف فرسخ.
مكتوب في وجه الشمس: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، خلق الشمس بقدرته، وأجراها بأمره، وفي بطنها مكتوب: لا إله إلاّ الله، رضاه كلام، وغضبه كلام، ورحمته كلام، وعذابه كلام، وفي وجه القمر مكتوب: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، خلق الله القمر، وخلق الظلمات والنور، وفي بطنه مكتوب: لا إله إلاّ الله خلق الخير والشر بقدرته، يبتلي بهما من يشاء من خلقه، فطوبى لمن أجرى الله الخير على يديه، والويل لمن أجرى الله الشر على يديه.
{والنجم والشجر يَسْجُدَانِ}. قيل: هو ما ليس له ساق من الأشجار، وينبسط على وجه الأرض، وقال السدّي: هو جمع النبات سمّي نجمًا لطلوعه من الأرض، وسجودها سجود ظلها، وقال مجاهد وقتادة: هو الكوكب، وسجوده طلوعه.
{والسماء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الميزان} قال مجاهد: العدل، وقال الحسن والضحاك وقتادة: هو الذي يوزن به ليوصل به الإنصاف والانتصاف، وقال الحسين بن الفضل: هو القرآن، وأصل الوزن التقدير.
{أَلاَّ تَطْغَوْاْ} يعني لئلاّ تميلوا وتظلموا وتجاوزوا الحق {فِي الميزان وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط} بالعدل، وقال أبو الدرداء: أقيموا لسان الميزان بالقسط، وقال ابن عيينة: الإقامة باليد والقسط بالقلب {وَلاَ تُخْسِرُواْ} ولا تنقصوا {الميزان} ولا تطففوا في الكيل والوزن.
قال قتادة في هذه ال: اعدل يا بن آدم كما تحب أنْ يعدل عليك، وأوفِ كما تحب أن يوفى لك، فإن العدل صلاح الناس.
وقراءة العامة {تُخْسِرُواْ} بضم التاء وكسر السين، وقرأ بلال بن أبي بردة بفتح التاء وكسر السين وهما لغتان.
{والأرض وَضَعَهَا لِلأَنَامِ} للخلق، وقال الحسن: للجن والإنس، وقال ابن عباس والشعبي: لكل ذي روح.
{فِيهَا فَاكِهَةٌ} يعني ألوان الفواكه، وقال ابن كيسان: يعني ما يفكههم به من النعم التي لا تحصى، وكل النعم يُتفكه بها {والنخل ذَاتُ الأكمام} أوعية التمر، واحدها: كم، وكل ما يسترنا فهو كم وكمة، ومنه كمّ القميص، ويقال: للقلنسوة: كمّة، قال الشاعر:
فقلت لهم كيلوا بكمّة بعضكم ** دراهمكم إني كذاك أكيل

قال الضحاك: ذات الأكمام أي ذات الغلف. الحسن: أكمامها: ليفها. قتادة: رقابها. ابن زيد: الطلع قبل أن يتفتق.
{والحب ذُو العصف} قال مجاهد: هو ورق الزرع، قال ابن السكّيت: يقول العرب لورق الزرع: العصف والعصيفة والجِل بكسر الجيم، قال علمقة بن عبدة:
تسقي مذانب قد مالت عصيفتها ** حدورها من أتيّ الماء مطموم

العصف: ورق الزرع الأخضر إذا قطع رؤوسه ويبس. نظيره {كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [الفيل: 5].
{والريحان} قال مجاهد: هو الرزق، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس قال: كل ريحان في القرآن فهو رزق.
قال مقاتل بن حيان: الريحان: الرزق بلغة حمْيَر. قال الشاعر:
سلام الإله وريحانه ** ورحمته وسماء درر

سعيد بن جبير عن ابن عباس: الريحان: الريع. الضحّاك: هو الطعام. قال: فالعصف هو التين والريحان ثمرته. الحسن وابن زيد: هو ريحانكم هذا الذي يشم. الوالبي عن ابن عباس: هو خضرة الزرع. سعيد بن جبير: هو ما قام على ساق.
وقراءة العامة {والحبُ ذو العصف والريحان} كلّها مرفوعًا بالرد على الفاكهة، ونَصبها كلّها ابن عامر على معنى خلق هذا الانسان وخلق هذه الاشياء، وقرأ أهل الكوفة إلاّ عاصم (والريحان) بالجر عطفًا على العصف.
{فَبِأَيِّ آلاء} نِعَم {رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} أيها الثقلان.
يدل عليه ما أخبرنا الحسين بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن مسلم الحنبلي قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عبدالخالق قال: حدّثنا عبدالوهاب الوراق قال: حدّثنا أبو إبراهيم الترجماني قال: حدّثنا هشام بن عمار الدمشقي، قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا وهب ابن محمد عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: «قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرَّحْمن حتى ختمها ثم قال: ما لي أراكم سكوتًا؟ للجن أحسن منكم ردًّا، ما قرأت عليهم هذه الآية مرة {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إلاّ قالوا: ولا بشيء من نعمك ربّنا نكذب».
وقيل: خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب، وقد مضت هذه المسألة في قوله سبحانه: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24].
وأما الحكمة من تكرارها فقال القتيبي: إن الله سبحانه وتعالى عدّد في هذه السورة نعماه، وذكّر خلقه آلاءه. ثم أتبع ذكر كلّ كلمة وضعها، ونعمة ذكرها بهذه الآية، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقرّرهم بها، وهو كقولك لرجل: أحسنت إليه وتابعت بالأيادي، وهو في كل ذلك ينكرك ويكفرك: ألم تكن فقيرًا فأغنيتك؟ أفتنكر؟ ألم تكن عريانًا فكسوتك؟، أفتنكر هذا؟ ألم أحملك وأنت راحل؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملًا فعززتك؟، أفتنكر هذا؟ ألم تكن صرورة فحججت بك؟ أفتنكر هذا؟ والتكرار سايغ في كلام العرب، حسن في مثل هذا الموضع. قال الشاعر: