فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فبأي آلاء ربكما تكذبان} ثم وصف الجنتين فقال تعالى: {ذواتا أفنان} أي أغصان واحدها فنن وهو الغصن المستقيم طولًا وقيل ذواتا ظلال وهو ظل الأغصان على الحيطان، وقال ابن عباس ذواتا ألوان يعني ألوان الفواكه وجمع عطاء بين القولين فقال في كل غصن فنون من الفاكهة وقيل ذواتا فضل وسعة على ما سواهما، {فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان} قال ابن عباس بالكرامة والزيادة لأهل الجنة وقيل تجريان بالماء الزلال إحداهما التسليم والأخرى السلسبيل وقيل إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين {فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان} أي صنفان ونوعان وقيل معناه إن فيهما من كل ما يتفكه به ضربين رطبًا ويابسًا قال ابن عباس ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو {فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش} جمع فراش {بطائنها} جمع بطانة والتي تلي الأرض من تحت الظهارة {من استبرق} وهو ما غلظ من الديباج قال ابن مسعود وأبو هريرة هذه البطائن فما ظنكم بالظهائر وقيل لسعيد بن جبير البطائن من استبرق فما الظهائر؟ قال هي مما قال الله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} وعنه أيضًا قال بطائنها من استبرق وظواهرها من نور جامد وقال ابن عباس وصف البطائن وترك الظواهر لأنه ليس في الأرض أحد يعرف ما الظواهر وقيل ظواهرها من سندس وهو الديباج الرقيق الناعم وهذا يدل على نهاية شرف هذه الفرش لأنه ذكر أن بطائنها من الإستبرق ولابد أن تكون الظهائر خيرًا من البطائن فهو مما لا يعلمه البشر، {وجنى الجنتين دان} يعني أن ثمرهما قريب يناله القائم والقاعد والنائم وهذا بخلاف ثمر الدنيا فإنها لا تنال إلا بكدٍّ وتعب قال ابن عباس تدنو الشجرة حتى يجنيها ولي الله إن شاء قائمًا وإن شاء قاعدًا وقيل لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك.
{فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن} فإن قلت الضمير إلى ماذا يعود؟
قلت إلى الجنتين وإنما جمع بقوله فيهن لاشتمال الجنتين على مساكن وقصور ومجالس {قاصرات الطرف} أي غاضات الأعين قصرن أطرافهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم ولا يردن سواهم قيل تقول الزوجة لزوجها وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئًا أحسن منك فالحمد لله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجتك {لم يطمثهن} أي لم يجامعهن ولم يفرعهن والمعنى لم يدمهن بالجماع وقيل معناه لم يمسهن ومنه قول الفرزدق:
خرجن إلي لم يطمثن قبل ** وهن أصح من بيض النعام

أي لم يمسسني والمعنى لم يطأهن ولم يغشهن {إنس قبلهم} أي قبل أزواجهن من أهل الجنة، {ولا جان} قيل إنما نفي الجن لأن لهم أزواجًا في الجنة منهم وفي الآية دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي وسئل ضمرة بن حبيب هل للجن ثواب؟ فقال نعم وقرأ هذه الآية ثم قال الإنسيات للإنس والجنيات للجن وقال مجاهد في هذه الآية إذا جامع ولم يسم انطوى الجني على إحليله فجامع معه واختلف في هؤلاء اللواتي لم يطمثن فقيل هن الحور العين لأنهن خلقن في الجنة فلم يمسهن أحد قبل أزواجهن وقيل إنهن من نساء الدنيا أنشئن خلقًا آخر أبكارًا كما وصفهن.
لم يمسهن منذ أنشئن خلقًا آخر أحد وقيل هن الآدميات اللاتي متن أبكارًا ومعنى الآية المبالغة في نفي الطمث نهن لأن ذلك أقر لأعين أزواجهن إذا لم يغشهن أحد غيرهم {فبأي آلاء ربكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان} أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان وهو صغار اللؤلؤ وأشده بياضًا وقيل شبه لونهن ببياض اللؤلؤ مع حمرة الياقوت لأن أحسن الألوان البياض المشوب بحمرة والأصح أنه شبههن بالياقوت لصفائه لأنه حجر لو أدخلت فيه سلكًا ثم استصفيته لرأيت السلك من ظاهره لصفائه وقال عمرو بن ميمون إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من وراء الحلل كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء يدل على صحة ذلك ما روي عن ابن مسعود عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: «إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها وذلك لأن الله تعالى يقول كأنهن الياقوت والمرجان فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكًا ثم استصفيته لرأيته من ورائه» أخرجه الترمذي قال وقد روي عن ابن مسعود بمعناه ولم يرفعه وهو أصح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر» زاد في رواية «ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبصقون فيها ولا يتمخطون ولا يتغوطون آنيتهم الذهب والفضة وأمشاطهم الذهب ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيًا»، وللبخاري «قلوبهم على قلب رجل واحد» وزاد فيه «ولا يسقمون» قوله «مجامرهم الألوة» يعني بخورهم العود.
{فبأي آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} أي ما جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة وقال ابن عباس هل جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد-صلى الله عليه وسلم- إلا الجنة.
روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أنس بن مالك قال قرأ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} ثم قال: «هل تدرون ما قال ربكم»؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: «يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة»، وروى الواحدي بغير سند عن ابن عمر وابن عباس أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال في هذه الآية «يقول الله هل جزاء من أنعمت عليه بمعرفتي وتوحيدي إلا أن أسكنه جنتي وحظيرة قدسي برحمتي»، وقيل في معنى الآية هل جزاء من أتى بالفعل الحسن إلا أن يؤتى في مقابلته بفعل حسن وفي الآية إشارة إلى رفع التكليف في الآخرة لأن الله وعد المؤمنين بالإحسان وهو الجنة فلو بقي التكليف في الآخرة وتركه العبد لاستحق العقاب على ترك العمل والعقاب ترك الإحسان إليه فلا تكليف {فبأي آلاء ربكما تكذبان ومن دونهما جنتان} أي ومن دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان وقال ابن عباس من دونهما في الدرج وقيل في الفضل وقال أبو موسى الأشعري جنتان من ذهب للسابقين وجنتان من فضة للنابعين وقال ابن جريج هن أربع جنان: جنتان للمقربين السابقين فيهما من كل فاكهة زوجان وجنتان لأصحاب اليمين والتابعين فيهما فاكهة ونخل ورمان، عن أبي موسى الأشعري أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» وقال الكناني ومن دونهما جنتان يعني أمامهما وقبلهما يدل عليه قول الضحاك الجنتان الأوليان من ذهب وفضة والجنتان الأخريان من ياقوت وزبرجد وهما أفضل من الأوليين {فبأي آلاء ربكما تكذبان} ثم وصف الجنتين فقال تعالى: {مدهامتان} أي سوداوان من ريهما وشدة خضرتهما لأن الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد، {فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان} أي فوارتان بالماء لا ينقطعان وقال ابن عباس والضحاك ينضخان بالخير والبركة على أهل الجنة وقال ابن مسعود ينضخان بالمسك والكافور على أولياء الله وقال أنس بن مالك ينضخان بالمسك والعنبر في دور أهل الجنة كطش المطر.
{فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان} يعني فيهما من أنواع الفواكه كلها وإنما عطف النخل والرمان بالواو وإن كانا من جملة الفواكه تنبيهًا على فضلهما وشرفهما على سائر الفواكه وعلى هذا القول عامة المفسرين وأهل اللغة قالوا إنما فضلهما بالذكر للتخصيص والتفضيل فهو كقوله من كان عدوًا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال خصهما بالذكر وإن كان من جملة الملائكة لشرفهما وفضلهما وقيل بعضهم ليس النخل والرمان من الفواكه لأن ثمرة النخل فاكهة وطعام وثمرة الرمان فاكهة ودواء فلم يخلصا للتفكه ولهذا قال أبو حنيفة إذا حلف لا يأكل الفاكهة فأكل رطبًا أو رمانًا لم يحنث وخالفه صاحباه وهذا القول خلاف قول أهل اللغة ولا حجة له في الآية وروى البغوي بسنده عن ابن عباس موقوفًا قال نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر وكرمها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها حللهم وثمرها مثل القلال أو الدلاء أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس له عجم وروي أن الرمانة من رمان الجنة مثل البعير المقتب وقيل إن نخل أهل الجنة نضيد وثمرها كالقلال كلما نزعت منها واحدة عادت مكانها أخرى العنقود منها اثني عشر ذراعًا، {فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن} أي في الجنان الأربع {خيرات حسان} روي عن أم سلمة قالت قلت لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- أخبرني عن قوله: {خيرات حسان} قال: «خيرات الأخلاق حسان الوجوه»، {فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات} أي مخدرات مستورات لا يخرجن لكوامتهن وشرفهن روي عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض ولملأت ما بينهما ريحًا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها» وقيل قصرن أطرافهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يبغين بهم بدلًا {في الخيام} قيل هي البيوت.
قال ابن الأعرابي الخيمة لا تكون إلا من أربعة أعواد ثم تسقف بالثمام ويقال خيم فلان خيمة إذا بناها من جريد النخل وخيم بها إذا قام بها وتظلل فيها وقيل كل خيامها من در ولؤلؤ وزبرجد مجوف تضاف إلى القصور في الجنة.
عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء وفي رواية عرضها ستون ميلًا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا» {فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} تقدم تفسيره، {فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر} قيل الرفرف رياض الجنة خضر مخصبة ويروى هذا عن ابن عباس وقيل إن الرفرف البسط، وعن ابن عباس الرفرف فضول المجالس والبسط منه وقيل هي مجالس خضر فوق الفرش وقيل هي المرافق وقيل الزرابي وقيل كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف {وعبقري حسان} قيل هي الزرابي والطنافس الثخان وقيل هي الطنافس الرقاق وقيل كل ثوب موشى عند العرب فهو عبقري وقال الخليل كل جليل نفيس فاخر من الرجال وغيرهم فهو عبقري عند العرب ومنه قول النبي-صلى الله عليه وسلم- في عمر {فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} قيل لما ختم نعم الدنيا بقوله: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} وفيه إشارة إلى أن الباقي هو الله تعالى وأن الدنيا فانية ختم نعمة الآخرة بهذه الآية وهو إشارة إلى تمجيده وتحميده عن ثوبان قال: «كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت «كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إذا سلم من الصلاة لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» أخرجه أبو داود والنسائي غير قولها لم يقعد إلا مقدار ما يقول والله أعلم بمراده. اهـ.

.قال النسفي:

{الرحمن عَلَّمَ القرءان خَلَقَ الإنسان} أي الجنس أو آدم أو محمدًا عليهما السلام {عَلَّمَهُ البيان} عدّد الله عز وجل آلاءه فأراد أن يقدم أول شيء ما هو أسبق قدمًا من ضروب آلائه وصنوف نعمائه وهي نعمة الدين، فقدّم من نعمة الدين ما هو سنام في أعلى مراتبها وأقصى مراقيها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه لأنه أعظم وحي الله رتبة وأعلاه منزلة وأحسنه في أبواب الدين أثرًا، وهو سنام الكتب السماوية ومصداقها والعيار عليها، وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره، ثم أتبعه إياه ليعلم أنه إنما خلقه للدين وليحيط علمًا بوحيه وكتبه، وقدم ما خلق الإنسان من أجله عليه، ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان وهو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير.
و{الرحمن} مبتدأ وهذه الأفعال مع ضمائرها أخبار مترادفة، وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد كما تقول: زيد أغناك بعد فقر أعزك بعد ذل كثرك بعد قلة فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد فما تنكر من إحسانه؟.
{الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} بحساب معلوم وتقدير سويٍ يجريان في بروجهما ومنازلهما وفي ذلك منافع للناس منها علم السنين والحساب {والنجم} النبات الذي ينجم من الأرض لا ساق له كالبقول {والشجر} الذي له ساق.