فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن كل أفنان اللذاذة والصبا...
لهوت به والعيش أخضر ناضر.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا} في الجنتين {عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} حيث شاءوا في الأعالي والأسافل.
وعن الحسن: تجريان بالماء الزلال إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} صنفان: صنف معروف وصنف غريب {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ} نصب على المدح للخائفين أو حال منهم لأن من خاف في معنى الجمع {عَلَى فُرُشٍ} جمع فراش {بَطَائِنُهَا} جمع بطانة {مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} ديباج ثخين وهو معرب.
قيل: ظهائرها من سندس.
وقيل: لا يعلمها إلا الله {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} وثمرها قريب يناله القائم والقاعد والمتكيء.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِنَّ}.
في الجنتين لاشتمالهما على أماكن وقصور ومجالس أو في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجني {قاصرات الطرف} نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} بكسر الميم: الدوري وعلي بضم الميم والطمث الجماع بالتدمية {إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} وهذا دليل على أن الجن يطمثون كما يطمث الإنس {فَبِأَىّ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الياقوت} صفاء {وَالمَرْجَانُ} بياضًا فهو أبيض من اللؤلؤ {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ هَلْ جَزَاء الإحسان} في العمل {إِلاَّ الإحسان} في الثواب وقيل: ما جزاء من قال لا إله إلا الله إلا الجنة.
وعن إبراهيم الخواص فيه: هل جزاء الإسلام إلا دار السلام.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ وَمِن دُونِهِمَا} ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للمقربين {جَنَّتَانِ} لمن دونهم من أصحاب اليمين {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُدْهَآمَّتَانِ} سوداوان من شدة الخضرة قال الخليل الدهمة السواد {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} فوارتان بالماء لا تنقطعان {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا فاكهة} ألوان الفواكه {وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} والرمان والتمر ليسا من الفواكه عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه للعطف، ولأن التمر فاكهة وغذاء والرمان فاكهة ودواء فلم يخلصا للتفكه، وهما قالا: إنما عطفا على الفاكهة لفضلهما كأنهما جنسان آخران لما لهما من المزية كقوله: {وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98].
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِنَّ خيرات حِسَانٌ} أي خيرات فخففت وقرئ {خيّرات} على الأصل، والمعنى فاضلات الأخلاق حسان الخلق {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ حُورٌ مقصورات في الخيام} أي مخدرات يقال: امرأة قصيرة ومقصورة أي مخدرة.
قيل: الخيام من الدر المجوف {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ} قبل أصحاب الجنتين ودل عليهم ذكر الجنتين {وَلاَ جَانٌّ فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ} نصب على الاختصاص {على رَفْرَفٍ} هو كل ثوب عريض وقيل الوسائد {خُضْرٍ وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ} ديباج أو طنافس {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وإنما تقاصرت صفات هاتين الجنتين عن الأوليين حتى قيل {وَمِن دُونِهِمَا} لأن {مُدْهَامَّتَانِ} دون {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} و{نَضَّاخَتَانِ} دون {تَجْرِيَانِ} و{فاكهة} دون كل فاكهة وكذلك صفة الحور والمتكأ {تبارك اسم رَبّكَ ذِى الجلال} ذي العظمة.
{ذُو الجلال} شامي صفة للاسم {والإكرام} لأوليائه بالإنعام.
روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن فقال: «مالي أراكم سكوتًا، الجن كانوا أحسن منكم ردًا ما أتيت على قول الله: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ولك الشكر» وكررت هذه الآية في هذه السورة إحدى وثلاثين مرة، ذكر ثمانية منها عقب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدأ الخلق ومعادهم، ثم سبعة منها عقب آيات فيها ذكر النار وشدائدها على عدد أبواب جهنم، وبعد هذه السبعة ثمانية في وصف الجنتين وأهلهما على عدد أبواب الجنة، وثمانية أخرى بعدها للجنتين اللتين دونهما، فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها فتحت له أبواب الجنة وأغلقت عنه أبواب جهنم نعوذ بالله منها.
والله أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة الرحمن عز وجل: {الرحمن عَلَّمَ القرآن}.
هذا تعديد نعمة على من علمه الله القرآن، وقيل: معنى علّم القرآن جعله علامة وآية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. والأول أظهر وارتفع {الرحمن} بالابتداء، والأفعال التي بعده أخبار متوالية، ويدل على ذلك مجيئها بدون حرف عطف {خَلَقَ الإنسان} قيل: جنس الناس وقيل يعني آدم وقيل: يعني سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا دليل على التخصيص. والأول أرجح {عَلَّمَهُ البيان} يعني النطق والكلام.
{الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} أي يجريان في الفلك بحسبان معلوم وترتيب مقدر، وفي ذلك دليل على الصانع الحكيم المريد القدير.
{والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} النجم عند ابن عباس النبات الذي لا ساق له كالبقول، والشجر النبات الذي له ساق، وقيل: النجم جنس نجوم السماء. والسجود عبارة عن التذلل والانقياد لله تعالى: وقيل: سجود الشمس: غروبها وسجود الشجر ظله.
{وَوَضَعَ الميزان} يعني الميزان المعروف الذي يوزن به الطعام وغيره، وكرر ذكره اهتمامًا به وقيل: أراد العدل {وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} أي لا تنقصوا إذا وزنتم.
{لِلأَنَامِ} أي للناس وقيل: الإنس والجن وقيل: الحيوان كله. الأكمام: يحتمل أن يكون كم بالضم، وهو ما يغطي ويلف النخل من الليف، وبه شُبِّه كم القميص، أو يكون جمع كِم بكسر الكاف وهو غلاف الثمرة.
{العصف} ورق الزرع وقيل: التبن {والريحان} قبل هو الريحان المعروف، وقيل: كل مشموم طيب الريح من النبات، وقيل: هو الرزق.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} الآلاء هي: النعم. واحدها إلى على وزن مِعْي. وقيل: ألى على وزن قضى. وقيل: أَلَيْ على وزن أمد أو على وزن حصر، والخطاب للقلين الإنس والجن بدليل قوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثقلان} [الرحمن: 31]. روي أن هذه الآية لما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت أصحابه فقال: «جواب الجن خير من سكوتكم. إني لما قرأتها على الجن قالوا: لا نكذب بشيء من آلاء ربنا» وكرر هذه الآية تأكيدًا ومبالغة وقيل: إن كل موضع منها يرجع إلى معنى الآية التي قبله فليس بتأكيد، لأن التأكيد لا يزيد على ثلاث مرات.
{خَلَقَ الإنسان مِن صَلْصَالٍ كالفخار} الإنسان هو آدم، والصلصال الطين اليابس، فإذا طبخ فهو فخار {وَخَلَقَ الجآن مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} الجان الجن يعني إبليس والد الجن، والمارج اللهيب المضطرب من النار.
{رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} يريد مشرق الشمس والقمر ومغرب الشمس والقمر. وقيل: مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما.
{مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ} ذكر في الفرقان، أي يلتقي ماء هذا وماء هذا، وذلك إذ نزل المطر في البحر على القول بأن البحر العذب هو المطر، وأما على القول بأن البحر العذب هو الأنهار والعيون، فالتقاؤهما بانصباب الأنهار في البحر، وأما على قول من قال إن البحرين بحر فارس وبحر الروم، أو بحر القلزم الأحمر واليمن فضعيف لقوله في [الفرقان: 53] {هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} وكل واحد من هذه أجاج، والمراد بالبحرين في هذه السورة ما أراد في الفرقان {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} أي حاجز يعني جرم الأرض، أو حاجز من قدرة الله {لاَّ يَبْغِيَانِ} أي لا يبغي أحدهما على الآخر بالاختلاط، وقيل: لا يبغيان على الناس بالفيض.
{يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} اللؤلؤ كبار الجوهر والمرجان صغاره، وقيل: بالعكس وقيل: إن المرجان أحجار حمر، قال ابن عطية: وهذا هو الصواب وأما قوله منهما ولا يخرج إلا من أحدهما، فقد تكلمنا عليه في فاطر.
{وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر كالأعلام} يعني السفن وسماها منشآت لأن الناس ينشؤونها، وقرأ حمزة وأبو بكر {المنشِئات} بكسر الشين بمعنى أنها تنشىء السير أو تنشئ الموج، والأعلام الجبال شبه السفن بها.
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} الضمير في عليها للأرض يدل على ذلك سياق الكلام وإن لم يتقدم لها ذكر، ويعني بمن عليها من بني آدم وغيرهم من الحيوان، ولكنه غلّب العقلاء {ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام} الوجه هنا عبارة عن الذات، وذو الجلال صفة للذات لأن من أسمائه تعالى الجليل، ومعناه يقرب من معنى العظيم، وأما وصفه بالإكرام فيحتمل أن يكون بمعنى أنه يكرم عباده كما قال في [الإسراء: 70] {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ} أو بمعنى أن عباده يكرمونه بتوحيده وتسبيحه وعبادته.
{يَسْأَلُهُ مَن فِي السماوات والأرض} المعنى أن كل من في السموات والأرض يسأل حاجته من الله، فمنهم من يسأله بلسان المقال، وهم المؤمنون، ومنهم من يسأله بلسان الحال لافتقار الجميع إليه {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} المعنى أنه تعالى يتصرف في ملكوته تصرفًا يظهر في كل يوم من العطاء والمنع، والإماتة والإحياء وغير ذلك وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها فقيل له وما ذلك الشأن، قال: «من شأنه أن يغفر ذنبًا ويفرج كربًا ويرفع قومًا ويضع آخرين» وسئل بعضهم. كيف قال: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} والقلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة؟ فقال: هو في شأن يبديه لا في شأن بتديه.
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثقلان} معناه الوعيد كقولك لمن تهدده: سأفرغ لعقوبتك، وليس المراد التفرغ من شغل، ويحتمل أن يريد انتهاء مدة الدنيا، وإنه حينئذ ينقضي شأنها، فلا يبقى إلا شأن الآخرة فعبَّر عن ذلك بالتفرغ. قال الإمام جعفر بن محمد: سمى الإنس والجن ثقلين، كأنهما ثقلا بالذنوب.
{إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا} هذا كلام يقال للجن والإنس يوم القيامة أي: إن قدرتم على الهروب والخروج من أقطار السموات والأرض فافعلوا، ورُوي أنهم يفرون يومئذ لما يرون من أهوال القيامة فيجدون سبعة صفوف من الملائكة، قد أحاطت بالأرض فيرجعون، وقيل: بل خوطبوا بذلك في الدنيا؛ والمعنى: إن استطعتم الخروج عن قهر الله وقضائه عليكم فافعلوا، وقوله: {فانفذوا} أمر يراد به التعجيز {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} أي لا تقدرون على النفوذ إلا بقوة، وليس لكم قوة.
{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ} الشواظ لهيب النار، والنحاس الدخان وقيل: هو الصفر يذاب ويصب على رؤوسهم وقرئ {شواظ} بضم الشين وابن كثير بكسرها وهما لغتان وقرئ {نحاس} بالرفع على {شواظ} وبالخفض عطف على {نار}.
{فَإِذَا انشقت السماء} جواب {إِذَا} قوله: {فَيَوْمَئِذٍ} وقال ابن عطية: جوابها محذوف {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} معنى وردة حمراء كالوردة، وقيل: هو من الفرس الورد، قال قتادة السماء اليوم خضراء ويوم القيامة حمراء، والدهان جمع دهن كالزيت وشبهه شبه السماء يوم القيامة به لأنها تذاب من شدّة الهول، وقيل: يشبه لمعانها بلمعان الدهن، وقيل: إن الدهان هو الجلد الأحمر.
{فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} السؤال المنفي هنا هو على وجه الاستخبار وطلب المغفرة إذ لايحتاج إلى ذلك، لأن المجرمين يعرفون بسيماهم، ولأن أعمالهم معلومة عند الله مكتوبة في صفائحهم، وأما السؤال الثابت في قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] وغيره، فهو سؤال على وجه الحساب والتوبيخ، فلا تعارض بين المنفي والمثبت وقيل: إن ذلك باختلاف المواطن والأول أحسن.
{يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ} يعني بعلامتهم وهي سواد الوجوه وغير ذلك والمجرمون هنا الكفار بدليل قوله: {هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذِّبُ بِهَا المجرمون} {فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام} قيل: معناه: يؤخذ بعض الكفار بناصيته وبعضهم بقدميه، وقيل: بل يؤخذ كل واحد بناصيته وقدميه فيطوى ويطرح في النار.