فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قرأ الجمهور: {خضر} بضم الخاء وسكون الضاد، وقرئ بضمهما، وهي لغة قليلة.
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن كل واحد منها أجلّ من أن يتطرّق إليه التكذيب، وأعظم من أن يجحده جاحد، أو ينكره منكر، وقد قدّمنا في أوّل هذه السورة وجه تكرير هذه الآية فلا نعيده.
{تبارك اسم رَبّكَ ذِى الجلال والإكرام} تبارك.
تفاعل من البركة.
قال الرّازي: وأصل التبارك من التبرّك، وهو الدوام والثبات، ومنه برك البعير، وبركه الماء فإن الماء يكون دائمًا، والمعنى: دام اسمه وثبت أو دام الخير عنده؛ لأن البركة وإن كانت من الثبات لكنها تستعمل في الخير، أو يكون معناه علا وارتفع شأنه.
وقيل معناه: تنزيه الله سبحانه وتقديسه، وإذا كان هذا التبارك منسوبًا إلى اسمه عزّ وجلّ، فما ظنك بذاته سبحانه؟ وقيل: الاسم بمعنى الصفة، وقيل: هو مقحم كما في قول الشاعر:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ** ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر

وقد تقدّم تفسير {ذي الجلال والإكرام} في هذه السورة.
قرأ الجمهور: {ذي الجلال} على أنه صفة للربّ سبحانه.
وقرأ ابن عامر (ذو الجلال) على أنه صفة لاسم، وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} قال: وعد الله المؤمنين الذين خافوا مقامه، فأدّوا فرائضه الجنة.
وأخرج ابن جرير عنه في الآية يقول: خاف ثم اتقى، والخائف: من ركب طاعة الله وترك معصيته.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن عطاء أنها نزلت في أبي بكر، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود في الآية قال: لمن خافه في الدنيا، وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن منيع، والحاكم، والترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن أبي الدرداء «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه ال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى، وإن سرق يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى، وإن سرق؟ فقال الثالثة: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: نعم، وإن رغم أنف أبي الدرداء» وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} فقال أبو الدّرداء: وإن زنى، وإن سرق يا رسول الله؟ قال: وإن زنى وإن سرق، وإن رغم أنف أبي الدرداء» وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن يسار مولى لآل معاوية عن أبي الدّرداء في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} قال: قيل: لأبي الدّرداء: وإن زنى وإن سرق؟ قال: من خاف مقام ربه لم يزن، ولم يسرق.
وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب قال: كنت عند هشام بن عبد الملك، فقال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} قال أبو هريرة: وإن زنى، وإن سرق؟ فقلت: إنما كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض، فلما نزلت الفرائض ذهب هذا».
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جنان الفردوس أربع جنات: جنتان من ذهب حليتهما وأبنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة حليتهما وأبنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاّ رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي موسى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} وفي قوله: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} قال: «جنتان من ذهب للمقرّبين، وجنتان من وَرِق لأصحاب اليمين» وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي موسى في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} قال: جنتان من ذهب للسابقين، وجنتان من فضة للتابعين.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} قال: ذواتا ألوان.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه قال: فن غصونها يمسّ بعضها بعضًا، وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عنه أيضًا قال: الفنّ: الغصن.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن مسعود في قوله: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} قال: أخبرتم بالبطائن، فكيف بالظهائر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس أنه قيل: له بطائنها من استبرق، فما الظواهر؟ قال: ذلك مما قال الله: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17].
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقيّ في البعث عنه في قوله: {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} قال: جناها ثمرها، والداني: القريب منك يناله القائم والقاعد.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقيّ في البعث عنه أيضًا في قوله: {فِيهِنَّ قاصرات الطرف} يقول: عن غير أزواجهنّ {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} يقول: لم يدن منهنّ، أو لم يدمهنّ.
وأخرج أحمد، وابن حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} قال: «تنظر إلى وجهها في خدرها أصفى من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، وإنه يكون عليها سبعون ثوبًا، وينفذها بصره حتى يرى مخّ ساقها من وراء ذلك».
وأخرج ابن أبي شيبة، وهناد بن السريّ، والترمذيّ، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها، وذلك أن الله يقول: {كأنهنّ الياقوت والمرجان}، فأما الياقوت، فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكًا ثم استصفيته لرأيته من ورائه»، وقد رواه الترمذي موقوفًا وقال: هو أصحّ.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقيّ في الشعب وضعفه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في قوله: {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان} قال: «ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلاّ الجنة» وأخرج الحكيم الترمذيّ في نوادر الأصول، والبغويّ في تفسيره، والديلمي في مسند الفردوس، وابن النجار في تاريخه عن أنس مرفوعًا مثله.
وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعًا في الآية قال: «هل جزاء من أنعمنا عليه بالإسلام إلاّ أن أدخله الجنة» وأخرج ابن النجار في تاريخه عن عليّ بن أبي طالب مرفوعًا مثل حديث ابن عمر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان} قال: هل جزاء من قال لا إله إلاّ الله في الدنيا إلاّ الجنة في الآخرة.
وأخرج ابن عديّ، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي، والبيهقيّ في الشعب، وضعفه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزل الله عليّ هذه الآية في سورة الرحمن للكافر والمسلم: {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان}» وأخرجه ابن مردويه موقوفًا على ابن عباس.
وأخرج هناد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {مُدْهَامَّتَانِ} قال: هما خضروان.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال: قد اسودّتا من الخضرة من الرّيّ من الماء. وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عبد الله بن الزبير نحوه.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال: سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قوله: {مُدْهَامَّتَانِ} قال: «خضراوان».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {نَضَّاخَتَانِ} قال: فائضتان.
وأخرج عبد بن حميد عنه قال: ينضخان بالماء، وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: {خيرات حِسَانٌ} قال: لكل مسلم خيرة، ولكل خيرة خيمة، ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليها من الله كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم تكن قبل ذلك، لا مراحات ولا طماحات، ولا بخرات ولا دفرات، حور عين كأنهن بيض مكنون، وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعًا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {حُورٌ} قال: بيض {مقصورات} قال: محبوسات {فِى الخيام} قال: في بيوت اللؤلؤ.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم قال: الحور سود الحدق.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الخيام درّ مجوّف» وأخرج البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الخيمة درّة مجوّفة طولها في السماء ستون ميلًا، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون يطوف عليهم المؤمن» وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ} قال: فضول المحابس والفرش والبسط، وأخرج عبد بن حميد عن عليّ بن أبي طالب قال: هي فضول المحابس.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، والبيهقي في البعث من طرق عن ابن عباس {رَفْرَفٍ خُضْرٍ} قال: المحابس {وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ} قال: الزرابي.
وأخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال: الرّفرف: الرّياض، والعبقريّ: الزرابي. اهـ.

.قال القاسمي:

سورة الرحمن:
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.
{الرَّحْمَنُ عَلَّمَ القرآن} [1- 2].
{الرحمن علم القرآن} أي: بصّر به ما فيه رضاه، وما فيه سخطه، برحمته ليطاع باتباع ما يرضيه، وعمل ما أمر به، وباجتناب ما نهى عنه، وأوعد عليه، فينال جزيل ثوابه، وينجى من أليم عقابه.
قال القاضي: لما كانت السورة مقصورة على تعداد النعم الدنيوية والأخروية، صدّرها بـ: {الرَّحْمَنِ} وقدم ما هو أصل النعم الدينية وأجلّها، وهو إنعامه بالقرآن، وتنزيله وتعليمه، فإنه أساس الدين، ومنشأ الشرع، وأعظم الوحي، وأعز الكتب، إذ هو بإعجازه واشتماله على خلاصتها، مصدق لنفسه، ومصداق لها.
ثم أتبعه بقوله: {خَلَقَ الْإِنْسَاْن عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [3- 4].
{خلق الْإِنْسَاْن علمه البيان} إيماء بأن خلق البشر، وما تميز به عن سائر الحيوان من البيان- وهو التعبير عما في الضمير، وإفهام الغير- لما أدركه لتلقي الوحي، وتعرف الحق، وتعلم الشرع، أي: فإذا كان خلقهم إنما هو في الحقيقة لذلك اقتضى اتصاله بالقرآن، وتنزيله الذي هو منبعه، وأساس بنيانه.
قال الزمخشريّ: وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد، كما تقول: زيد أغناك بعد فقر، أعزك بعد ذل، كثرك بعد قلة، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد، فما تنكر إحسانه؟ وهذا- كما قال الشهاب- مصحح. والمرجح الإشارة إلى أن كلًا منها ربما مستقلة تقتضي الشكر، ففيه إيماء إلى تقصيرهم في أدائه. ولو عطفت مع شدة اتصالها وتناسبه، ربما توهم أنها كلها نعمة واحدة.