فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإِكرام}.
أخرج البخاري في الأدب والترمذي وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن معاذ بن جبل قال: «سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يقول: يا ذا الجلال والإِكرام، قال: قد استجيب لك فسل».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس بن مالك قال: «كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في الحلقة ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك، لا شريك لك، المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإِكرام يا حيّ يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى».
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثًا ثم قال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإِكرام».
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألظوا بياذا الجلال والإِكرام فإنهما اسمان من أسماء الله العظام».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألظوا بياذا الجلال والإِكرام».
وأخرج أحمد والنسائي وابن مردويه عن ربيعة بن عامر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألظوا بياذا الجلال والإِكرام».
وأخرج الترمذي وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألظوا بياذا الجلال والإِكرام». اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة الرحمن:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم).
(بسم الله): إخبار عن عزه وعظمته.
(الرحمن الرحيم): إخبار عن فضله ورحمته.
فبشهود عظمته يكمل سرور الأرواح، وبوجود رحمته يحصل نعيم الأشباح ولولا عظمته لما عبد الرحمن ولولا رحمته لما أحب الرحمن واحد.
قوله جل ذكره: {الرحمن علم القرآن} أي الرحمن الذي عَرَفَه الموحِّدون وجَحَدَه الكافرون هو الذي علَّم القرآن. ويقال: الرحمن الذي رحمهم، وعن الشِّرك عَصَمَهم، وبالإيمان أكرمهم، وكلمةَ التقوى ألزمهم- هو الذي عرَّفهم بالقرآن وعلَّمهم.
ويقال: انفرد الحقُّ عرَّفهم بالقرآن لعِباده.
ويقال: أجرى اللَّهُ سُنَّتَه أنه إذا أعطى نبينا صلى الله عليه وسلم شيئًا أَشْرَكَ أُمتَّه فيه على ما يليق بصفاتهم؛ فلمَّا قال له صلى الله عليه وسلم: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ} [النساء: 113].
قال لأمته: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْءَانَ}.
ويقال: علَّم الله آدمَ الأسماءَ كلَّها ثم أمره بِعَرْضها على الملائكة وذكر آدمُ ذلك لهم- قال تعالى: {أنبئني بأسماء هؤلاء} [البقرة: 33] يا آدم، وعلَّمَ (نبيُّنا صلى عليه وسلم) المسلمين القرآن فقال صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، والمُصَلِّي مُناجٍ ربه» قال لآدم: أُذْكُرْ ما علَّمْتُكَ للملائكة. وقال لنا: ناجِنِي يا عبدي بما عَلَّمْتُك. وقد يُلاطَفُ مع أولاد الخَدم بما لا يُلاطَفُ به آباؤهم.
ويقال: لمَّا علَّم آدمَ أسماء المخلوقاتِ قال له: أَخْبِرْ الملائكة بذلك، وعلَّمَنَا كلامَه وأسماءَه فقال: اقرأوا عليَّ وخاطِبوا به معي.
ويقال: علَّم الأرواحَ القرآن- قَبْلَ تركيبها في الأجساد بلا واسطة، والصبيانُ إنما يُعَلَّمُونَ القرآن- في حالِ صِغَرِهم- قبل أَنْ عَرَفَتْ أرواحُنا أحدًا، أو سَمِعْنا من أحدٍشيئًا.. علَّمَنَا أسماءَه.
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ** فصادَفَ قلبي فارغًا فَتَمَكَّنا

ويقال: سقيًا لأيامٍ مضت- وهو يُعلِّمنا القرآن.
ويقال: برحمته علّمَهم القرآن؛ فبرحمته وصلوا إلى القرآن- لا بقراءة القرآن يَصِلُون إلى رحمته.
قوله جلّ ذكره: {خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ}.
{الإِنْسَانَ}: ها هنا مجَنْسُ الناس؛ عَلَّمَهم البيانَ حتى صاروا مُمَيزَّين- فانفصلوا بالبيان عن جميع الحيوان. وعَلَّمَ كُلَّ قومٍ لسانَهم الذي يتكلمون ويتخاطبون به.
والبيانُ ما به تبينُ المعاني- وشَرْحُه في مسائل الأصول.
ويقال: لمَّا قال أهلُ مكة إنما يُعلِّمه بَشَرٌ ردَّ الله سبحانه عليهم وقال: بل عَلَّمَه اللَّهُ؛ فالإنسانُ على هذا القول هو محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل هو آدم عليه السلام.
ويقال: البيان الذي خُصَّ به الإنسان (عمومًا) يعرِفُ به كيفيةَ مخاطبةِ الأغيار من الامثال والأشكال. وأمَّا أهل الإيمان والمعرفة فبيانُهم هو عِلْمُهم كيفيةَ مخاطبةِ مولاهم- وبيانُ العبيدِ مع الحقِّ مختلفٌ: فقومٌ يخاطِبونه بلسانهم، وقومٌ بأنفاسهم، وقوم بدموعهم:
دموعُ الفتى عمَّا يحسُّ تترجمُ ** وأشواقه تبدين ما هو يكتم

وقومُ بأنينهم وحنينهم:
قُلْ لي بألسنة التنفُّس كيف أنت وكيف حالك؟
قوله جلَّ ذكره: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}.
يعني يجري أمرهما على حدٍّ معلومٍ من الحساب في زيادة الليل والنهار، وزيادة القمر ونقصانه، وتُعْرَفُ بجريانهما الشهورُ والأيامُ والسنون والأعوام. وكذلك لهما حساب إذا انتهى ذلك الأَجَلُ.. فالشمسُ تُكَوَّرُ والقمرُ يَنْكَدِر.
وكذلك لشمسِ المعارفِ وأقمارِ العلوم- في طلوعها في أوج القلوبِ والأسرار- في حكمة الله حسابٌ معلومٌ، يُجْريهَا على ما سَبَق به الحُكْمُ.
قوله جلّ ذكره: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}.
ويقال: النجم من الأشجار: ما ليس له ساق، والشجر: ما له ساق.
ويقال: النجومُ الطالعةُ والأشجارُ الثابتةُ {يَسْجُدَانِ} سجودَ دلالة على إثبات الصانع بنعت استحقاقه للجلال.
قوله جلّ ذكره: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ}.
سَمَكَ السماءَ وأعلاها، وعلى وصفِ الإتقانِ والإحكام بناها، والنجومَ فيها أجراها، وبثَّ فيه كواكبَها، وحفظ عن الاختلالِ مناكِبهَا، وأثبت على ما شاءَ مشارقَها ومغاربَهَا... وَخَلَقَ الميزانَ بين الناس ليعتبروا الإنصافَ في المعالملات بينهم.
ويقال: الميزانُ العَدْلُ.
{أَلاَّ تَطْغُوْا في الْمِيزَانِ}.
احفظوا العَدْل في جميع الأمور؛ في حقوق الآدميين وفي حقوق الله، فيعتبرُ العدلُ، وتَرْكُ الحَيْفِ ومجاوزةُ الحدِّ في كل شيءٍ؛ ففي الأعمال يُعْتَبَرُ الإخلاصُ، وفي الأحوال الصدقُ، وفي الأنفاس الحقائقُ ومساواةُ الظاهرِ والباطنِ وتَرْكُ المداهنةِ والخداعِ والمكرِ ودقائق الشِّرِك وخفايا النفاق وغوامض الجنايات.
{وََأقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ}.
وأقميوا الوزن بالمكيال الذي تحبون أن تُكَالوا به، وعلى الوصف الذي ترجون أن تنالوا به مطعمكم ومشربكم دون تطفيف.
قوله جلّ ذكره: {وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصفِ وَالرَّيْحَانُ}.
خلق الأرض وَجَعلَها مهادًا ومثوى للأنام.
ويقال: وضعها على الماء وبسط أقطارها، وأنبت أشجاها وأزهارها، وأجرى أنهارها وأغطش ليلها وأوضح نهارَها.
{فِيهَا فَاكِهَةٌ} يعني ألوانُ الفاكهة المختلفة في ألوانها وطعومها وروائحها ونفعها وضررها، وحرارتها وبرودتها.. وغير ذلك من اختلافٍ في حَبِّها وشجرها، وورقها ونَوْرَها.
{وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ} وأكمام النخل ليفها وما يُغِطَِّها من السَّعف.
{وَالْحَبُّ}: حَبُّ الحنطة والشعير والعدس وغير ذلك من الحُبوب.
{ذُو الْعَصْفِ}: والعصف ورق الزرع.
{وَالرَّيْحَانُ} الذي يُشَمُّ.. ويقال: الرزق لأن العرب تقول: خرجنا نطلب ريحانَ الله.
ذكَّرهم عظِمَ مِنَّتِه عليهم بما خَلَقَ من هذه الأشياء التي ينتفعون بها من مأكولاتٍ ومشمومات وغير ذلك.
قوله جلّ ذكره: {فَبِأَىِّ ءَالاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
فبأي آلاء ربكما تجحدان؟ والآلاءُ النَّعماء.
والتثنيةُ في الخطاب للمُكلَّفين من الجِنِّ والإِنس.
ويقال: هي على عادة العرب في قولهم: خليليَّ، وقِفَا، وأرحلاها بأغلام، وأرجراها بأغلام.
قوله جلّ ذكره: {خَلَق الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}.
{الإِنسَانَ}: يعني آدم، والصلصالُ الطينُ اليابس الذي إذا حُرِّكَ صَوَّتَ كالفخار. ويقال: طين مخلوط بالرمل.
ويقال: مُنَتَّتٌ؛ من قولهم صَلَّ وأَصَلَّ إذا تَغيرَّ.
{وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ}.
المارج: هو اللهب المختلط بواد النار.
{فَبِأَىِّ ءَالاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
يُذَكِّرُ الخَلْقَ من الجن والإنس كما سبق- وكرَّر اللَّهُ سبحانه هذه الآية في غير موضع على جهة التقرير بالنعمةعلى التفصيل، أي نعمةً بعد نعمة.
ووجُه النعمة في خلق آدم من طين أنه رقاه إلى رتبته بعد أن خلقه من طين. ويقال ذَكَّرَ آدمَ نِسبتَه وذكَّرنا نسبَتنا لئلا نْعَجبَ بأحوالنا.
ويقال عَرَّفَه قدَرَه لئلا يتعدَّى طَوْرَه.
قوله جلّ ذكره: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
{الْمَشْرِقَيْنِ}: مشرق الصيف ومشرق الشتاء وكذلك مغربيهما.
ووجه النعمة في ذلك جريانهما على ترتيب واحدٍ حتى يكمل انتفاع الخَلْقِ بهما.
ويقال: مشرق القلب ومغربه، وشوارق القلب وغوار به إنما هي الأنوار والبصائر التي جرى ذِكْرُ بعضها فيما مضى.
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20)}.
{بَرْزَخٌ} أي حاجز بقدرته لئلا يغلب أحدهما الآخر، أراد به البحر العذب والبحر الملح. ويقال: لا يبغيان على الناس ولا يغرقانهم.
{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)}.
الؤلؤ: كبار الدُرِّ، والمَرجان: صغار الدُّرِّ. ويقال: المرجان النَّسْلِ.
وفي الإشارة: خَلَقَ في القلوب بحرين: بحر الخوف وبحر الرجاء. ويقال القبض والبسط. وقيل الهيبة والأُنس. يُخرج منها اللؤلؤ والجواهر وهي الأحوال الصافية واللطائف المتوالية.
ويقال: البحران: إشارة إلى النفس والقلب، فالقلب هو البحر العَذْب والنفس هي البحر الملح.. فمن بحر القلب كلُّ جوهرٍ ثمين، وكلُّ حالة لطيفة.. ومن النفس كل خلق ذميم. والدرُّ من أحد البحرين يخرج، ومن الثاني لا يكون إلا التمساح مما لا قَدْرَ له من سواكن القلب. {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ}: يصون الحقُّ هذا عن هذا، فلا يَبْغي هذا على هذا.