فصل: مطلب الفرق بين علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ربت وربا في حجرها ابن مدينة ** تراه على مسحاته يتركل

أي يضرب مسحاته برجله لتدخل في الأرض.
لعمدتم {تَرْجِعُونَها} إلى جسدها بعد خروجها منه {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} 87 في دعواكم أن الميت ميت بالطبع ولا بعث ولا حشر ولا نشر ولا جزاء، ولكنكم لا تقدرون على ردّ أرواح الموتى بما تستمدونه من الرقى والطب مهما كان الراقي عارفا والطبيب حاذقا، لا يقدرون على شيء من ذلك، وإذا تحقق عجزكم عن هذا فاعلموا وتيقنوا أن الأمر منوط باللّه وحده الذي خلقكم وأماتكم، هو يحييكم ثانيا، ويجعلكم أصنافا ثلاثة {فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} 88 السابقين المار ذكرهم ووصفهم في الآية 10 فما بعدها {فَرَوْحٌ} له واستراحة {وَرَيْحانٌ} يحيط به وهو المعروف عندنا، ولكن أين هذا من ذاك {وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} 89 له يتنعم فيها ما زال في برزخه إلى أن ينقله اللّه منه إلى الجنة الدائم نعيمها، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال لم يكن من المقرّبين يفارق الدنيا حتى يؤتى بغصنين من ريحان الجنة فيشمها ثم يقبض.
وأخرج ابن جرير أيضا عن الحسن أنه قال: تخرج روح المؤمن من جسده في ريحانة.
ثم قرأ هذه الآية {وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ} السالف ذكرهم أيضا ونعتهم {فَسَلامٌ لَكَ} يا صاحب اليمين (من) اخوانك الكرام {أَصْحابِ الْيَمِينِ} 91 وسلام لك يا أكرم الرسل بهم لا تخف عليهم فهم في أمن من العذاب فلا تهتم بشأنهم وستراهم على ما تحب من السلامة، وانهم يسلمون عليك في دار فضلك {وَأَمَّا إِنْ كانَ} ذلك الميت والعياذ باللّه (من) أصحاب الشمال {الْمُكَذِّبِينَ} الجاحدين رسالتك وكتابك وربك {الضَّالِّينَ} 92 عن هداك المائلين عن رشدك يا سيد الرسل المنحرفين عن الصواب {فَنُزُلٌ} لهم مهيء في جهنم {مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} 94 يحرقون فيها، مرّ تفسير مثله {إِنَّ هذا} الذي ذكر مما قصه اللّه عمن حضره الموت وما قبله {لَهُوَ} وعزّتي وجلالي {حَقُّ الْيَقِينِ} 95 الثابت الذي لا شك فيه وهو العلم المتيقن عين اليقين ونفسه.

.مطلب الفرق بين علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين:

ولأهل المعرفة في عين اليقين وحق اليقين وعلم اليقين فقط عبارات شتى، فاليقين عندهم رؤية العيان بقوة الإيمان لا بالحجة والبرهان، وحق اليقين فناء العبد في الحق والبقاء بربه علما وشهودا وحالا لا علما فقط، فإذا كان علما فقط فهو علم اليقين، فعلم كل عاقل بالموت علم اليقين، فإذا عاين الملائكة فهو علم اليقين، وإذا ذاق الموت فهو حق اليقين، والإيقان هو العلم الذي يستفاد بالاستدلال، ولذا لا يقال اللّه موقن {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} 96 إن كنت موقنا عازما وتقدم تفسير مثله وكرر تأكيدا قال علي الجهني لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال صلى الله عليه وسلم «اجعلوها في ركوعكم»، ولما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال «اجعلوها في سجودكم» أخرجه أبو داود- وأخرج الترمذي عن حذيفة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى، وما أتى على آية رحمة إلّا وقف وسأل اللّه، وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوذ». قال الترمذي حديث صحيح.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حيبتان إلى الرحمن: سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم».
هذه أحاديث لا يقال فيها شيء إلا أن ما قاله الجهني وأخرجه أبو داود عن حذيفة، ومثله الذي أخرجه عن عقبة بن عامر لا يصح، لأن سورة الأعلى وهذه السورة نزلتا في مكة قولا واحدا قبل فرض الصلاة، ويوشك أنه سمع هذا منه صلى الله عليه وسلم بعد فرضها، ففيه تجوز من حيث سبب النزول، إذ كثير من الآيات يستشهد بها لمناسبة حادثة مع أنها نزلت قبلها بكثير، ولا مانع من ذلك، إلا انه لا ينبغي أن تجعل سببا للنزول، تأمل هذا، واعلم أن كثيرا من الشواهد تأتي بغير موضعها لعدم الدقة في معرفة ترتيب نزول السور وتواريخها والمشي على ظاهر ترتيب القرآن، وجلّ من لا ينسى، وعزّ من لا يخطئ، على أنه يجوز أن حضرة الرسول قرأ هاتين الآيتين في المدينة فلما أتى على آخرهما قال ما قال، لأنّ جميع ما نزل في مكة تلاه في المدينة بعد وصوله إليها ليعلمه أهلها، وعليه فلا يقال إن ذلك نزل في المدينة والقول بالنزول مرتين ممنوع إذ لا قول فيه معول عليه كما بيناه أول سورة الفاتحة المارّة، أما الحديث الثاني الذي أخرجه الترمذي فلا مقال فيه لأنه لم يذكر فيه ما ذكر في الحديث الأول، وهو قوله لما أنزلت إلخ، ولم يعين تاريخا، ولا شاهد فيه على النزول، ولذلك قال في آخره حديث صحيح.
هذا، وروي أن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه «دخل على ابن مسعود في مرض موته فقال ما تشتكي؟ فقال ذنوبي. فقال ما تشتهي؟ قال رحمة ربي، قال أفلا تدعو لك الطبيب؟ قال الطبيب أمرضني، قال أفلا نأمر بعطائك؟ قال لا حاجة لي فيه، قال ندفعه إلى بناتك؟ قال لا حاجة لهن فيه قد أمرتهن أن يقرآن سورة الواقعة، فإني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا».
راجع أول هذه السورة تجد ما يتعلق بهذا البحث، هذا وقد ختمت سورة الحافة الآتية، بمثل ما ختمت به هذه السورة فقط.
واللّه أعلم وأستغفر اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، والحمد للّه رب العالمين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة الواقعة مكية إلا قوله: {أفبهذا الحديث} الآية وقوله: {ثلة من الأولين} الآية فمدنيتان.
{كاذبة} تام إن قرئ ما بعده بالرفع خبر مبتدأ محذوف ولم يعلق {إذا رجت} بوقعت بل بخافضة وإلا فليس بوقف.
{أزواجا ثلاثة} كاف وكذا {ما أصحاب الميمنة} و{ما أصحاب المشأمة} و{السابقون السابقون} الثاني منهما خبر للأول بمعنى السابقون إلى طاعة الله سابقون إلى رحمته أو تأكيد له والخبر {أولئك المقربون} وهو كاف.
{في جنات النعيم} تام.
{متقابلين} كاف.
{يشتهون} حسن ثم يبتدئ {وحور عين} بالرفع بتقدير وعندهم ومن قرأه بالجر بتقدير في جنات النعيم وفي حور عين لم يقف على {يشتهون}.
{يعملون} كاف.
{سلاما سلاما} تام.
{ما أصحاب اليمين} كاف.
{مرفوعة} تام وكذا {لأصحاب اليمين} و{من الآخرين}.
{ما أصحاب الشمال} كاف.
{ولا كريم} حسن.
{مترفين} كاف.
{العظيم} صالح.
{الأولون} تام.
{لمجموعون} ليس بوقف وان كان رأس آية.
{يوم معلوم} كاف.
{شرب الهيم} حسن.
{يوم الدين} تام وكذا {تصدقون} و{الخالقون}.
{لا تعلمون} حسن.
{الاولى} كاف.
{تذكرون} تام.
{الزارعون} حسن.
{محرومون} تام.
{المنزلون} حسن.
{تشكرون} تام وكذا {المنشئون}.
{للمقوين} كاف.
{العظيم} حسن.
{لو تعلمون عظيم} ليس بوقف لأن القسم وقع على ما بعده.
{المطهرون} كاف.
{من رب العالمين} حسن.
{تكذبون} كاف وكذا {لا تبصرون}.
{صادقين} حسن {وجنة نعيم} كاف وكذا {من أصحاب اليمين}.
{وتصلية جحيم} تام.
{حق اليقين} كاف.
آخر السورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة الواقعة مكية إلاَّ قوله: {أفبهذا الحديث} الآية وقوله: {ثلة من الأولين} الآية فمدنيتان.
كلمها ثلاثمائة وثمان وسبعون كلمة.
وحروفها ألف وسبعمائة وثلاثة أحرف.
وآيها ست أو سبع أو تسع وتسعون آية.
ولا وقف من أول السورة إلى {كاذبة} فلا يوقف على {الواقعة} لأنَّ جواب {إذا} لم يأت بعد و{كاذبة} مصدر كذب كقوله: {لا تسمع فيها لاغية} أي لغوًا والعامل في {إذا} الفعل بعدها والتقدير إذا وقعت لا يكذب وقعها.
{كاذبة} تام لمن قرأ ما بعده بالرفع خبر مبتدأ محذوف ولم تعلق {إذا رجَّت} بوقعت وإلاَّ بأن علق {إذا رجَّت} بوقعت كان المعنى وقت وقوع الواقعة خافضة رافعة هو وقت رجِّ الأرض فلا يوقف على {كاذبة} وكذا إذا أعربت {إذا} الثانية بدلًا من الأولى وليس بوقف أيضًا لمن قرأ {خافضة رافعة} بالنصب على الحال من {الواقعة} أي خافضة لقوم بأفعالهم السيئة إلى النار ورافعة لقوم بأفعالهم الحسنة إلى الجنة.
ومثله في عدم الوقف أيضًا إذا أعربت {إذا} الأولى مبتدأ و{إذا} الثانية خبرها في قراءة من نصب {خافضة رافعة} أي إذا وقعت الواقعة خافضة رافعة في هذه الحالة ليس لوقعتها كاذبة.
وكاف لمن نصب {خافضة رافعة} على المدح بفعل مقدَّر كما تقول جاءني عبد الله العاقل وأنت تمدحه وكلمني زيد الفاسق تذمه.
ولا يوقف على {رجا} ولا على {بسَّا} ولا على {منبثَّا} لأنَّ العطف صيَّرها كالشيء الواحد.
{رافعة} جائز على القراءتين أعني رفع {خافضة رافعة} ونصبهما و{إذا} الأولى شرطية وجوابها الجملة المصدرة بليس أو جوابها محذوف تقديره إذا وقعت الواقعة كان كيت وكيت.
{ثلاثة} حسن وقيل كاف.
ثم فسَّر الثلاثة فقال: {فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة} كأنَّه يعظم أمرهم في الخير وأجاز أبو حاتم تبعًا لأهل الكوفة أن تكون ما صلة فكأنَّه قال فأصحاب الميمنة أصحاب الميمنة كما قال: {والسابقون السابقون} وذلك غلط بيِّن لأنَّه كلام لا فائدة فيه لأنَّه قد علم أنَّ أصحاب الميمنة هم أصحاب الميمنة وهم ضدَّ أصحاب المشأمة كذا قاله بعض أهل الكوفة وهو في العربية جائز صحيح إذ التقدير فأصحاب الميمنة في دار الدنيا بالأعمال الصالحة هم أصحاب اليمين في القيامة أو المراد بأصحاب الميمنة من يعطون كتبهم بأيمانهم أصحاب الميمنة أي هم المقدّمون المقرّبون وكذلك وأصحاب المشأمة الذين يعطون كتبهم بشمائلهم هم المؤخرون المبعدون هذا هو الصحيح عند أهل البصرة.