فصل: (سورة الواقعة: الآيات 1- 16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الواقعة: الآيات 1- 16]:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجًا ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16)}.

.اللغة:

{الْواقِعَةُ} القيامة وصفت بأنها تقع لا محالة أو كأنها واقعة في نفسها.
{بُسَّتِ} فتنت، وفي المصباح: بسست الحنطة وغيرها بسّا من باب قتل وهو الفتّ فهي بسيسة فعيلة بمعنى مفعوله.
{هَباءً} الهباء غبار كالشعاع في الرقة وكثيرا ما يخرج شعاع الشمس من الكوّة النافذة.
{مُنْبَثًّا} منتشرا متفرقا بنفسه من غير حاجة إلى هواء يفرقه.
{أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ} الذين يعطون كتبهم بأيمانهم من اليمن والبركة.
{أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ} الذين يعطون كتبهم بشمالهم المشائيم على أنفسهم.
{ثُلَّةٌ} جماعة.
{مَوْضُونَةٍ} منسوجة متداخلة كصفة الدرع، قال الأعشى:
ومن نسج داود موضونة ** تساق إلى الحيّ عيرا فعيرا

.الإعراب:

{إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ} في {إذا} أوجه:
1- ظرف محض ليس فيها معنى الشرط والعامل فيها ما في ليس من معنى النفي كأنه قيل ينتفي التكذيب بوقوعها إذا وقعت، وقد ذهب إلى هذا الوجه الزمخشري فقال: فإن قلت بم انتصب إذا؟ قلت بليس كقولك يوم الجمعة ليس لي شغل. وردّه أبو حيان فقال: أما نصبها بليس فلا يذهب نحوي ولا من شدا شيئا من صناعة الإعراب إلى مثل هذا لأن (ليس) في النفي كما وما لا تعمل فكذلك ليس وذلك أن (ليس) مسلوبة الدلالة على الحدث والزمان والقول بأنها فعل هو على سبيل المجاز لأن حدّ الفعل لا ينطبق عليها والعامل في الظرف إنما هو ما يقع فيه من الحدث فإذا قلت يوم الجمعة أقوم فالقيام واقع في يوم الجمعة و(ليس) لا حدث لها فكيف يكون لها عمل في الظرف، والمثال الذي شبّه به وهو يوم الجمعة ليس لي شغل لا يدل على أن يوم الجمعة منصوب بليس بل هو منصوب بالعامل في خبر ليس وهو الجار والمجرور فهو من تقديم الخبر على ليس وتقديم ذلك مبني على جواز تقديم الخبر الذي لليس عليها وهو مختلف فيه ولم يسمع من لسان العرب قائما ليس زيد، وليس إنما تدل على الحكم الخبري عن المحكوم عليه فقط فهي كما ولكنه لما اتصلت بها ضمائر الرفع جعلها ناس فعلا وهي في الحقيقة حرف نفي كما النافية، ويظهر من تمثيل الزمخشري إذا بقوله يوم الجمعة أنه سلبها الدلالة على الشرط الذي هو غالب فيها ولو كانت شرطا وكان الجواب الجملة المصدّرة بليس لزمت الفاء إلا أن حذفت في شعر إذ ورد ذلك فتقول إذا أحسن إليك زيد فلست تترك مكافأته ولا يجوز، (لست) بغير فاء إلا إن اضطر إلى ذلك.
2- أن العامل فيها اذكر مقدّرا.
3- أنها شرطية وجوابها مقدّر أي إذا وقعت الواقعة كان كيت وكيت وهو العامل فيها.
4- أنها شرطية والعامل فيها الفعل الذي بعدها ويليها وهو اختيار أبي حيان وتبع في ذلك مكيا، قال مكّي: والعامل فيها وقعت لأنها قد يجازى بها فعمل فيها الفعل الذي بعدها كما يعمل في ما ومن اللتين للشرط في قولك ما تفعل أفعل ومن تكرم أكرم.
5- أنها مبتدأ وإذا رجت خبرها وهذا على القول أنها تتصرف.
6- أنها ظرف لخافضة رافعة قاله أبو البقاء أي إذا وقعت خفضت ورفعت.
7- أنها ظرف لرجت وإذا الثانية إما بدل من الأولى أو تكرير لها.
8- إن العامل فيها ما دلّ عليه قوله: {فأصحاب الميمنة} أي إذا وقعت بانت أحوال الناس فيها.
9- أن جواب الشرط قوله: {فأصحاب الميمنة}.
10- قال الجرجاني: إذا صلة أي وقعت الواقعة مثل اقتربت الساعة وأتى أمر اللّه وهو كما يقال قد جاء الصوم أي دنا واقترب.
و{وقعت الواقعة} فعل وفاعل.
{لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ} {ليس} فعل ماض جامد ناقص و{لوقعتها} خبرها مقدّم واللام بمعنى في على تقدير المضاف أي ليس كاذبة توجد في وقت وقوعها و{كاذبة} اسم ليس و{كاذبة} صفة لموصوف محذوف أي نفس كاذبة، وقيل {كاذبة} مصدر جاء بلفظ اسم الفاعل بمعنى الكذب.
{خافِضَةٌ رافِعَةٌ} {خافضة} خبر لمبتدأ محذوف و{رافعة} خبر ثان.
{إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} يجوز أن تكون إذا بدلا من إذا الأولى أو تأكيدا لها أو خبرا لها على أنها مبتدأ وقد تقدم هذا مفصلا ويجوز أن تكون شرطا والعامل فيها إما مقدّر وإما فعلها الذي يليها كما تقدم في نظيرتها.
وعبارة الزمخشري: ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة أي تخفض وترفع وقت رجّ الأرض وبسّ الجبال لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض. و{رجّا} مفعول مطلق.
{وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا} الجملة معطوفة على الجملة السابقة.
{فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا} الفاء عاطفة وكانت فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هي و{هباء} خبرها و{منبثّا} صفة لهباء.
{وَكُنْتُمْ أَزْواجًا ثَلاثَةً} عطف على {رجّت} وكان واسمها وخبرها وثلاثة نعت لأزواجا.
{فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ} الفاء عاطفة تفريعية للشروع في تفصيل وشرح أحوال الأزواج الثلاثة وأصحاب الميمنة مبتدأ و{ما} استفهامية في محل رفع مبتدأ ثان والمقصود بالاستفهام التعظيم و{أصحاب الميمنة} الثاني خبر ما والجملة خبر المبتدأ الأول وتكرير المبتدأ هنا بلفظه أغنى عن الرابط وهو الضمير ومثله {الحاقة ما الحاقة} و{القارعة ما القارعة} ولا يكون إلا في مواطن التعظيم والتحقير وهذا هو القسم الأول من الأزواج.
{وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ} عطف على ما تقدم والمقصود هنا تحقير شأنهم وهم القسم الثاني من الأزواج.
{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} الواو عاطفة و{السابقون} مبتدأ و{السابقون} تأكيد وهم القسم الثالث من الأزواج وأكثرهم عراقة في الفضل.
{أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} {أولئك} مبتدأ و{المقربون} خبره والجملة خبر {السابقون} واسم الإشارة أغنى عن الرابط وهو الضمير، واختار الزمخشري أن يكون {السابقون} خبرا وليس تأكيدا قال: والسابقون من عرفت حالهم وبلغك وصفهم كقوله: وعبد اللّه عبد اللّه وقول أبي النجم (وشعري شعري) كأنه قال وشعري ما انتهى إليك وسمعت بفصاحته وقد جعل {السابقون} تأكيدا و{أولئك المقربون} خبرا وليس بذاك.
هذا ما ذكره الزمخشري وليس بعيدا بل لعلّه أقعد بالفصاحة، ألا ترى كيف سبق بسط حال السابقين بقوله: {أولئك المقربون} فجمع بين اسم الإشارة المشار به إلى معروف وبين الإخبار عنه بقوله: {المقربون} المعرّف بالألف واللام العهدية.
وننقل فيما يلي نص ما أورده أبو حيان قال: {والسابقون السابقون} جوّزوا أن يكون مبتدأ وخبرا نحو قولهم أنت أنت وقوله: أنا أبو النجم وشعري شعري، أي الذين انتهوا في السبق أي الطاعات وبرعوا فيها وعرفت حالهم وأن يكون السابقون تأكيدا لفظيا والخير فيما بعد ذلك.
وعبارة أبي البقاء قوله تعالى: {والسابقون} الأول مبتدأ والثاني خبره أي السابقون بالخير السابقون إلى الجنة وقيل الثاني نعت للأول أو تكرر توكيدا والخبر {أولئك}.
{فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} خبر ثان أو حال من الضمير في {المقربون} أو متعلق به أي قربوا إلى رحمة اللّه في جنات النعيم، وإضافة الجنات إلى النعيم من إضافة المكان إلى ما يكون فيه كما يقال: دار الضيافة ودار الدعوة ودار العدل.
{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} {ثلّة} خبر لمبتدأ محذوف أي هم ثلّة من الأولين و{من الأولين} نعت {وقليل} عطف على {ثلّة} و{من الآخرين} نعت لقليل واختار الجلال أن يرتفع {ثلّة} على الابتداء لوصفه والخبر على {سرر} الآتية.
{عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} إما خبر على القول بأن {ثلّة} مبتدأ أو نعت ثان لثلّة على القول بأنها خبر لمبتدأ مضمر.
{مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ} حالان من الضمير في {عليها} أي استقروا عليها متكئين متقابلين لا ينظر بعضهم إلى بعض.

.[سورة الواقعة: الآيات 17- 26]:

{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا (25) إِلاَّ قِيلًا سَلامًا سَلامًا (26)}.

.اللغة:

{مُخَلَّدُونَ} باقون لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون وقيل من الخلد وهو القرط، قال امرؤ القيس:
وهل ينعمن إلا سعيد مخلد ** قليل الهموم ما يبيت بأوجال

والولدان جمع وليد كصبيان بمعنى مولود والولد يجمع على أولاد.
{مَعِينٍ} خمر جارية من منبع لا يفيض ولا ينقطع أبدا.
{لا يُصَدَّعُونَ} لا يحصل لهم صداع بسببها قال الزمخشري:
وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها. والصداع هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان في رأسه والخمر تؤثر قال علقمة في وصف الخمر:
تشفي الصداع ولا يؤذيك صالبها ** ولا يخالطها في الرأس تدويم

{يُنْزِفُونَ} بفتح الزاي وكسرها من نزف الشارب وأنزف يقال نزف الرجل بالبناء للمجهول أي ذهب عقله سكرا ونزف الرجل دما: رعف فخرج دمه كله وكلاهما وارد.

.الإعراب:

{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ} الجملة مستأنفة ويجوز أن تكون حالية و{عليهم} متعلقان بيطوف و{ولدان} فاعل و{مخلدون} نعت {ولدان}، والمعنى: يدور حولهم للخدمة غلمان لا يهرمون ولا يتغيرون بل شكلهم شكل الولدان دائما.
{بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} {بأكواب} متعلقان بيطوف وما بعده عطف عليه و{من معين} صفة لكأس.
{لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ} الجملة مستأنفة أو حال من الضمير في {عليهم} و{لا} نافية و{يصدعون} بالبناء للمجهول والواو نائب فاعل و{عنها} متعلقان به {ولا ينزفون} عطف على {لا يصدعون}.
{وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} عطف على ما تقدم أي وكأس، و{مما} نعت لفاكهة وجملة {يتخيرون} صلة.
{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} عطف على ما تقدم أيضا.
{وَحُورٌ عِينٌ} يقرأ بالرفع، وفيه أوجه:
أحدها هو معطوف على {ولدان} أي يطفن عليهم للتنعيم لا للخدمة.
والثاني هو مبتدأ خبره محذوف أي لهم حور أو وثم حور.
والثالث هو خبر لمبتدأ محذوف أي ونساؤهم حور، ويقرأ بالنصب على تقدير يعطون أو يجازون حورا، ويقرأ بالجر عطفا على {أكواب} في اللفظ دون المعنى لأن الحور لا يطاف بهنّ، وقيل هو معطوف على {جنات} أي في جنات وفي حور. و{عين} صفة لحور.
{كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} كأمثال نعت ثان لحور و{اللؤلؤ} مضاف إليه و{المكنون} نعت.
{جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} {جزاء} مفعول من أجله أي يفعل بهم ذلك كله جزاء أو مفعول مطلق لفعل محذوف أي جزيناهم جزاء و{بما} متعلقان بجزاء وجملة {كانوا} صلة وكان واسمها وجملة {يعملون} خبرها.
{لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا} {لا} نافية و{يسمعون} فعل مضارع والواو فاعله و{فيها} متعلقان بيسمعون و{لغوا} مفعول به والواو حرف عطف و{لا} نافية و{تأثيما} عطف على {لغوا} أي فاحشا من القول أو مما يؤثم.
{إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} {إلا} أداة استثناء والاستثناء منقطع و{قيلا} مستثنى منقطع واجب النصب و{سلاما سلاما} فيه أوجه:
أحدها أنه بدل من {قيلا} أي لا يسمعون فيها إلا سلاما سلاما.
والثاني أنه نعت {قيلا}.
والثالث أنه منصوب بقيلا لأنه مصدر أي إلا أن يقولوا سلاما سلاما واختاره الزجّاج.
والرابع أن يكون مفعولا مطلقا لفعل محذوف أي سلّموا سلاما.