فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتداعوا إلى الصبوح فقامت ** قينة في يمينها إبريق

والكأس: الآنية المعدة للشرب بها بشريطة أن يكون فيها خمر أو نبيذ أو ما هو سبيل ذلك، ومتى كان فارغًا فينسب إلى جنسه زجاجًا كان أو غيره، ولا يقال الآنية فيها ماء ولبن كأس.
وقوله: {من معين} قال ابن عباس معناه: من خمر سائلة جارية معينة. ولفظة {معين} يحتمل أن يكون من معن الماء إذا غزر، فوزنها فعيل ويحتمل أن تكون من العين الجارية أو من الباصرة، فوزنها مفعول أصلها معيون، وهذا تأويل قتادة.
وقوله: {لا يصدعون عنها} ذهب أكثر المفسرين إلى أن المعنى: لا يلحق رؤوسهم الصداع الذي يلحق من خمر الدنيا، وقال قوم معناه: لا يفرقون عنها، بمعنى لا تقطع عنهم لذتهم بسبب من الأسباب كما يفرق أهل خمر الدنيا بأنواع من التفريق، وهذا كما قال: «فتصدع السحاب عن المدينة» الحديث.
وقوله: {ولا ينزفون} قال مجاهد وقتادة وابن جبير والضحاك معناه: لا تذهب عقولهم سكرًا، والنزيف: السكران، ومنه قول الشاعر: الكامل:
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

وقرأ ابن أبي إسحاق: {ولا يَنزِفون} بكسر الزاي وفتح الياء، من نزف البئر إذا استقى ماءها، فهي بمعنى تم خمرهم ونفدت، هكذا قال أبو الفتح. وحكى أبو حاتم عن ابن أبي إسحاق والجحدري والأعمش وطلحة وابن مسعود وأبي عبد الرحمن وعيسى: بضم الياء وكسر الزاي. قال معناه: لا يفني شرابهم، والعرب تقول: أنزف الرجل عبرته، وتقول أيضًا، أنزف: إذا سكر، ومنه قول الأبيرد: الطويل:
لعمري لئن أنزفتمُ أو صحوتمُ ** لبيس الندامى أنتمُ آل أبجرا

وعطف الفاكهة على الكأس والأباريق.
وقوله: {مما يشتهون} روي فيه أن العبد يرى الطائر يطير فيشتهيه فينزل له كما اشتهاه، وربما أكل منه ألوانًا بحسب تصرف شهوته، إلى كثير مما روي في هذا المعنى.
وقرأ حمزة والكسائي والمفضل عن عاصم: {وحورٍ عينٍ} بالخفض، وهي قراءة الحسن وأبي عبد الرحمن والأعمش وأبي القعقاع وعمرو بن عبيد. وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود: {وحورًا عينًا} بالنصب. وقرأ الباقون من السبعة: {وحورٌ عينٌ} بالرفع، وكل هذه القراءات محمولة الإعراب على المعنى لا على اللفظ. كأن المعنى قبل ينعمون بهذا كله وب {حورٍ عينٍ}، وهذا المعنى في قراءة النصب ويعطون هذا كله {وحورًا عينًا}، وكان المعنى في الرفع: لهم هذا كله {وحورٌ عينٌ}، ويجوز أن يعطف: {وحور} على الضمير في: {متكئين}. قال أبو علي: ولم يؤكد لكون الكلام بدلًا من التأكيد، ويجوز أن يعطف على الولدان وإن كان طواف الحور يقلق، ويجوز أن يعطف على الضمير المقدر في قوله: {على سرر} وفي هذا كله نظر، وقد تقدم معنى: {حور عين}.
وقرأ إبراهيم النخعي: {وحير عين}.
وخص {المكنون} من {اللؤلؤ} لأنه أصفى لونًا وأبعد عن الغير، وسألت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا التشبيه فقال:
«صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي». و: {جزاء بما كانوا يعملون} أي هذه الرتب والنعم هي لهم بحسب أعمالهم، لأنه روي أن المنازل والقسم في الجنة، هي مقتسمة على قدر الأعمال، ونفس دخول الجنة هو برحمة الله وفضله لا بعمل عامل، فأما هذا الفضل الأخير أن دخولها ليس بعمل عامل، ففيه حديث صحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل أحد الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة».
واللغو: سقط القول من فحش وغيره. والتأثيم: مصدر، بمعنى: لا يؤثم أحد هناك غيره ولا نفسه بقول. فكان يسمع ويتألم بسماعه. و: {قليلًا} مستثنى، والاستثناء متصل، وقال قوم: هو منقطع. و: {سلامًا} نعت للقيل، كأنه قال: إلا {قيلًا} سالمًا من هذه العيوب وغيرها. وقال أبو إسحاق الزجاج أيضًا {سلامًا} مصدر، وناصبه {قيلًا} كأنه يذكر أنهم يقول بعضهم لبعض {سلامًا سلامًا}. وقال بعض النحاة {سلامًا} منتصب بفعل مضمر تقديره: أسلموا سلامًا. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} أي إذَا قامتِ القيامةُ، وذلكَ عندَ النفخةِ الثانيةِ. والتعبيرُ عنها بالواقعةِ للإيذانِ بتحققِ وقوعِها لا محالةَ كأنَّها واقعةٌ في نفسِها معَ قطعِ النظرِ عن الوقوعِ الواقعِ في حيزِ الشرطِ كأنَّه قيلَ كانتِ الكائنةُ وحدثتِ الحادثةُ. وانتصابُ إذَا بمضمرٍ ينبىءُ عن الهولِ والفظاعةِ، كأنَّه قيلَ إذَا وقعتِ الواقعةُ يكونُ من الأهوالِ ما لا يفي به المقال، وقيلَ بالنَّفي المفهومِ من قوله تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} أيْ لا يكونُ عندَ وقوعِها نفسٌ تكذبُ على الله تعالى أو تكذبُ في نفيها كما تكذبُ اليومَ واللامُ كهيَ في قوله تعالى: {ياليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} وهذهِ الجملةُ على الوجهِ الأولِ اعتراضٌ مقررٌ لمضمونِ الشرطِ على أنَّ الكاذبةَ مصدرٌ كالعافيةِ أي ليسَ لأجلِ وقعتِها وفي حقِّها كذبٌ أصْلًا بلْ كلُّ ما رودَ في شأنِها من الأخبارِ حقٌّ صادقٌ لا ريبَ فيهِ. وقوله تعالى: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أيْ هيَ خافضةٌ لأقوامٍ رافعةٌ لآخرينَ وهو تقريرٌ لعظمتِها وتهويلٌ لأمرِها، فإنَّ الوقائعَ العظامِ شأنُها كذلكَ، أو بيانٌ لمَا يكونُ يومئذٍ من حطِّ الأشقياءِ إلى الدركاتِ، ورفعِ السعداءِ إلى الدرجاتِ، ومن زلزلةِ الأشياءِ وإزالةِ الأجرامِ عن مقارِّها بنثرِ الكواكبِ وإسقاطِ السماءِ كسفًا وتسييرِ الجبالِ في الجوِّ كالسحابِ. وتقديمُ الخفضِ على الرفعِ للتشديدِ في التهويل. وقرئ {خافضةً رافعةً} بالنصبِ على الحالِ من الواقعةِ. وقوله تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجًّا} أيْ زلزلتْ زلزالًا شديدًا بحيثُ ينهدمُ ما فوقَها من بناءٍ وجبلٍ، متعلقٌ بخافضةٌ رافعةٌ أي تخفضُ وترفعُ وقتَ رجِّ الأرضِ إذْ عندَ ذلكَ ينخفضُ ما هُو مرتفعٌ ويرتفعُ ما هو منخفضٌ، أو بدلٌ منْ إذَا وقعتِ. {وَبُسَّتِ الجبال بَسًّا} أيْ فُتِّتتْ حتَّى صارتْ مثلَ السويقِ الملتوتِ من بسَّ السويقَ إذا لتَّه أو سِيقتْ وسيرتْ من أماكنِها من بسَّ الغنَم إذَا ساقَها كقوله تعالى وسُيرتِ الجبالُ. وقرئ {رُجتْ} و{بُستْ} أيْ ارتجتْ وذهبتْ.
{فَكَانَتْ} أي فصارتْ بسببِ ذلك {هَبَاء} غبارًا {مُّنبَثًّا} منتشرًا {وَكُنتُمْ} إما خطابٌ للأمةِ الحاضرةِ والأممِ السالفةِ تغليبًا أو للحاضرةِ فقط {أزواجا} أي أصنافًا {ثلاثة} فكلُّ صنفٍ يكونُ مع صنفٍ آخرَ في الوجودِ أو في الذكرِ فهو زوجٌ. وقوله تعالى: {فأصحاب الميمنة مَا أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة مَا أصحاب المشئمة} تقسيمٌ وتنويعٌ للأزواجِ الثلاثةِ معَ الإشارةِ الإجماليةِ إلى أحوالِهم قبلَ تفصيلِها. فقوله تعالى فأصحابُ الميمنةِ مبتدًا وقوله ما أصحابُ الميمنةِ خبرُه على أنَّ ما الاستفهاميةَ مبتدأٌ ثانٍ ما بعده خبرُهُ والجملةُ خبرُ الأولِ، والأصلُ ما هُم أيْ أيُّ شيءٍ هم في حالِهم وصفتِهم فإنَّ ما وإنْ شاعتْ في طلبِ مفهومِ الاسمِ والحقيقةِ لكنَّها قد يُطلبُ بها الصفةُ والحالُ، وتقول ما زيدٌ فيقال عالمٌ أو طبيبٌ فوضعُ الظاهرِ موضعَ الضميرِ لكونِه أدخلَ في التفخيمِ، وكذا الكلامُ في قوله تعالى: {وأصحاب المشئمة مَا أصحاب المشئمة} والمرادُ تعجيبُ السامعِ من شأنِ الفريقينِ في الفخامةِ والفظاعةِ كأنَّه قيلَ فأصحابُ الميمنةِ في غاية حسنِ الحالِ وأصحابُ المشأمةِ في نهاية سوءِ الحالِ. وتكلمُوا في الفريقينِ، فقيلَ أصحابُ الميمنةِ أصحابُ المنزلةِ السنيةِ وأصحابُ المشأمةِ أصحابُ المنزلةِ الدنيةِ أخذًا من تيمُّنهم بالميامنِ وتشاؤمِهم بالشمائلِ، وقيلَ الذينَ يُؤتَون صحائفهم بأيمانِهم والذينَ يُؤتونها بشمائِلهم، وقيلَ الذينَ يُؤخذُ بِهم ذاتَ اليمينِ إلى الجنَّةِ والذينَ يؤخذُ بهم ذاتَ الشمالِ إلى النارِ، وقيلَ: أصحابُ اليُمنِ وأصحابُ الشؤمِ فإن السعداءَ ميامينَ على أنفسِهم بطاعاتِهم والأشقياءُ مشائيمُ عليها بمعاصِيهم. وقوله تعالى: {والسابقون السابقون} هُو القِسمُ الثالثُ من الأزواجِ الثلاثةِ ولعلَّ تأخيرَ ذكرِهم مع كونِهم أسبقَ الاقسامِ وأقدمَهم في الفضلِ ليقترنَ ذكرُهم ببيانِ محاسنِ أحوالِهم، على أنَّ إيرادَهُم بعنوانِ السبقِ مُطلقًا معربٌ عن إحرازِهم لقصبِ السبقِ من جميعِ الوجوهِ وتكلمُوا فيهم أيضًا فقيلَ هم الذينَ سبقُوا إلى الإيمانِ والطاعةِ عند ظهورِ الحقِّ من غير تلعثمٍ وتوانٍ، وقيلَ: الذينَ سبقوا في حيازةِ الفضائلِ والكمالاتِ، وقيلَ هُم الذينَ صلَّوا إلى القبلتينِ كما قال تعالى: {والسابقون الاولون مِنَ المهاجرين والأنصار} وقيلَ هم السابقونَ إلى الصلواتِ الخمسِ، وقيل: المسارعونَ في الخيراتِ. وأيًَّا ما كانَ فالجملةُ مبتدأٌ وخبرٌ. والمَعْنى والسابقونَ هم الذينَ اشتهرتْ أحوالُهم وعرفتْ محاسنُهم، كقول أبي النَّجم:
أنَا أبُو النَّجم وشِعْرِي شِعْرِي... وفيهِ من تفخيمِ شأنِهم والإيذانِ بشيوعِ فضلِهم واستغنائِهم عن الوصفِ بالجميلِ ما لا يَخْفى، وقيلَ والسابقونَ إلى طاعةِ الله تعالى السابقونَ إلى رحمتِه أو السابقونَ إلى الخيرِ السابقونَ إلى الجنةِ.
وقوله تعالى: {أولئك} إشارةٌ إلى السابقينَ، وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ مع قُربِ العهدِ بالمشارِ إليهِ للإيذانِ ببُعدِ منزلتِهم في الفضل ومحلُّه الرفعُ على الابتداءِ، خبرُهُ ما بعدَهُ أَيْ أولئكَ الموصوفونَ بذلكَ النعتِ الجليلِ {المقربون} أي الذينَ قُرّبتْ إلى العرشِ العظيمِ درجاتُهم وأعليتْ مراتبهُم ورُقِّيتْ إلى حظائرِ القدسِ نفوسُهم الزكيةُ هذا أظهرُ ما ذُكِرَ في إعرابِ هذه الجملِ وأشهرُه والذي تقتضيِه جزالةُ التنزيلِ أنَّ قوله تعالى: {فأصحاب الميمنة} خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، وكذَا قوله تعالى: {وأصحاب المشئمة} وقوله تعالى: {والسابقون} فإن المترقَّبَ عند بيانِ انقسامِ الناسِ إلى الأقسامِ الثلاثةِ بيانُ أنفَسِ الأقسامِ الثلاثةِ وأمَّا أوصافُها وأحوالُها فحقُّها أنْ تبينَ بعد ذلكَ بإسنادِها إليها، والتقديرُ فأحدُها أصحابُ الميمنةِ والآخرُ أصحابُ المشأمةِ والثالثُ السابقونَ، خَلاَ أنَّه لما أُخرَ بيانُ أحوالِ القسمينِ الأُوليينِ عُقّبَ كلٌّ منهُما بجملةٍ معترضةٍ بين القسمينِ منبئةٍ عن تَرَامي أحوالِهما في الخيرِ والشرِّ إنباءً إجماليًا مشعرًا بأنَّ لأحوالِ كلَ منهُمَا تفصيلًا مترقبًا لكنْ لا على أنَّ مَا الاستفهاميةَ مبتدأٌ وما بعدها خبرٌ على ما رآهُ سيبويهِ في أمثالِه بلْ على أنَّها خبرٌ لما بعدَها فإنَّ مناطَ الإفادةِ بيانُ أنَّ أصحابَ الميمنةِ أمرٌ بديعٌ كما يفيدهُ كونُ ما خبر إلا بيانُ أنَّ أمرًا بديعًا أصحابُ الميمنةِ كما يفيدُه كونُها مبتدًا وكذا الحالُ في ما أصحابُ المشأمة وأما القسمُ الأخيرُ فحيثُ قُرنَ بيانُ محاسنِ أحوالِه بذكِره لم يُحتجْ فيهِ إلى تقديمِ الأنموذجِ فقوله تعالى السابقونَ مبتدأٌ والإظهارُ في مقامِ الإضمارِ للتفخيمِ وأولئكَ مبتدأٌ ثانٍ أو بدلٌ من الأولِ وما بعدَهُ خبرٌ له أو للثانِي والجملةُ خبرٌ للأولِ. وقوله تعالى: {فِي جنات النعيم} متعلقٌ بالمقربونَ أو بمضمرٍ هو حالٌ من ضميرِه أي كائنين في جنَّاتِ النعيمِ وقيلَ خبرٌ ثانٍ لاسمِ الإشارةِ وفيه أنَّ الإخبارَ بكونهم فيها بعد الإخبارِ بكونِهم مقربين ليس فيه مزيدُ مزيةٍ وقرئ {في جنةِ النعيمِ}.
وقوله تعالى: {ثُلَّةٌ مّنَ الأولين} خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أيْ هُم أمةٌ جمةٌ من الأولينَ، وهم الأممُ السالفةُ من لدنِ آدم إلى نبيِّنا عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ وعَلى من بينهُمَا منَ الأنبياءِ العظامِ. {وَقَلِيلٌ مّنَ الأخرين} أي من هذه الأمةِ ولا يخالُفه قوله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «إنَّ أمتِي يكثرونَ سائرَ الأممِ» فإنَّ أكثريةَ سابقي الأممِ السالفةِ من سابقي هذه الأمة لا تمنعُ أكثريةَ تابعي هؤلاءِ من تابَعي أولئكَ، ولا يردُّه قوله تعالى في أصحابِ اليمينِ {ثلةٌ من الأَولينَ وثلةٌ من الآخرينَ} لأنَّ كثرةَ كلَ من الفريقينِ في أنفسِهما لا تُنافِي أكثريةَ أحدِهما من الآخرِ وسيأتِي أن الثلثينِ من هذهِ الأمةِ وقد رُويَ مرفوعًا أن الأولينَ والآخرينَ هاهنا أيضًا متقدمُو هذه الأمةِ ومتأخرُوهم واشتقاقُ الثلةِ من الثِّل وهو الكسرُ.
{على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} حالٌ أُخرى من المقربينَ أو من ضميرِهم في الحالِ الأُولى وقيلَ: خبرٌ آخرُ للضميرِ والموضونةُ المنسوجةُ بالذهبِ مشبكةٌ بالدرِّ والياقوتِ أو المتواصلةُ من الوضنِ وهو النسجُ {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا متقابلين} حالانِ من الضميرِ المستكنِّ فيما تعلقَ بهِ على سررٍ أي مستقرينَ على سررٍ متكئينَ عليها متقابلينَ لا ينظرُ بعضُهم من أقفاءِ بعضٍ وهو وصفٌ لهم بحسنِ العشرةِ وتهذيبِ الأخلاقِ والآدابِ. {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ} حالٌ أُخرى أو استئنافٌ أي يدورُ حولَهُم للخدمةِ {ولدان مُّخَلَّدُونَ} أي مبقونَ أبدًا على شكلِ الولدانِ وطراوتِهم لا يتحولونَ عنها وقيلَ مقرطونَ والخُلد القِرطُ قيلَ: هم أولادُ أهلِ الدُّنيا لم يكُن لهم حسناتٌ فيثابُوا عليها ولا سيئاتٌ فيعاقبُوا عليها، رُويَ ذلكَ عن عليَ رضيَ الله عنه وعنِ الحسنِ رحمَهُ الله، وفي الحديث أولادُ الكفارِ خدامُ أهلِ الجنةِ {بِأَكْوَابٍ} بآنيةٍ لا عُرَى لها ولا خَراطيمُ. {وَأَبَارِيقَ} أي آنيةٌ ذاتُ عُرى وخَراطيمَ {وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ} أي خمرٍ جاريةٍ من العُيونِ قيلَ: إنما أفردَ الكأسَ لأنها لا تسمَّى كأسًا إلا إذا كانتْ مملوءةً {لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} أيْ بسببها. وحقيقتُه لا يصدرُ صداعُهم عنْهَا. وقرئ {لا يصَّدَّعُون} أي لا يتصدَّعُون ولا يتفرقونَ، كقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} وقرئ {لا يُصدعونَ} أي لا يفرقُ بعضُهم بعضًا {وَلاَ يُنزِفُونَ} أي لا يسكرُون من أُنزِفَ الشاربُ إذا نفدَ عقلُه أو شرابُه {وفاكهة مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} أي يختارونه ويأخذون خيره وأفضله.