فصل: تفسير الآيات (41- 48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {عربا} جمع عروب وهن المتحببات إلى ازواجهن قال ابن الاعرابي العروب من النساء المطيعة لزوجها المتحببة اليه وقال ابو عبيدة العروب الحسنة التبعل قلت يريد حسن مواقعها وملاطفتها لزوجها عند الجماع وقال المبرد هي العاشقة لزوجها وانشد للبيد:
وفي الحدوج عروب غير فاحشة ** ريا الروادف يعشي دونها البصر

وذكر لمفسرون في تفسير العرب انهن العواشق المتحببات الغنجات الشكلات المتعشقات الغلمات المغنوجات كل ذلك من الفاظهم وقال البخاري في صحيحه {عربا} مثقلة واحدها عروب مثل صبور وصبر وتسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة والعرب والمتحببات إلى ازواجهن هكذا ذكره في كتاب بدء الخلق وقال في كتاب التفسير في سورة الواقعة {عربا} مثقلة واحدها عروب مثل صبور وصبر تسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة قلت فجمع سبحانه بين حسن صورتها وحسن عشرتها وهذا غاية ما يطلب من النساء وبه تكمل لذة الرجل بهن.
وفي قوله: {لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان} إعلام بكمال اللذة بهن فان لذة الرجل بالمرأة التي لم يطاها سواه لها فضل على لذته بغيرها وكذلك هي أيضا.
فصل:
قال تعالى: {إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا} فالكواعب جمع كاعب وهي الناهد قال قتادة ومجاهد والمفسرون قال الكلبي هن الفلكات اللواتي تكعب ثديهن وتفلكت واصل اللفظة من الاستدارة والمراد أن ثديهن نواهد كالرمان ليست متدلية إلى أسفل ويسمين نواهد وكواعب. اهـ.

.تفسير الآيات (41- 48):

قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقولونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أتم وصف ما فيه الصنفان المحمودان، وبه تمت أقسام أصحاب الميمنة الأربعة الذين هم أصحاب القلب واليمين، أتبعه أضدادهم فقال: {وأصحاب الشمال} أي الجهة التي تتشاءم العرب بها وعبر بها عن الشيء الأخس والحظ الأنقص، والظاهر أنهم أدنى أصحاب المشأمة كما كان أصحاب اليمين دون السابقين من أصحاب الميمنة، ثم عظم ذمهم ومصابهم فقال: {ما أصحاب الشمال} أي إنهم بحال من الشؤم هو جدير بأن يسأل عنه.
ولما ذمهم وعابهم، ذكر عذابهم ليعلم أن القسم الأشد منهم في الشؤم أشد عذابًا فقال: {في سموم} أي ظرفهم المحيط بهم لفح من لفح النار شديد يتخلل المسام {وحميم} أي ماء حار بالغ في الحرارة إلى حد يذيب اللحم.
ولما كان للتهكم في القلب من شديد الوقد ما يجل عن الوصف والحد قال: {وظل} ثم أتبعه ما صرح بأنه تهكم فقال: {من يحموم} أي دخان أسود كالحمم أي الفحم شديد السواد بما أفهمته الزيادة وشبه صيغة المبالغة: ولما كان المعهود من الظل البرد والإراحة، نفى ذلك عنه فقال: {لا بارد} ليروح النفس {ولا كريم} ليؤنس به ويلجأ إليه ويرجى خيره ويعول في حال عليه بأن يفعل ما يفعله الواسع الخلق الصفوح من الإكرام، بل هو مهين، سماه ظلًا لترتاح النفس إليه ثم نفى عنه نفع الظل وبركته لينضم حرقان: اليأس بعد الرجاء إلى إخراق اليحموم فتصير الغصة غصتين.
ولما أنتج هذا أنه على خلق اللئيم فهو موضع الحرارة والضيق والخسة والشدة، علله بقوله: {إنهم} أكده وإن كان فيهم أهل الضر لاجتماعهم في الاسترواح إلى منابذة الدين باتباع الشهوات، ولأن ما مضى لهم بالنسبة إلى هذا العذاب حال ناعم، وعبر بالكون دلالة على العراقة في ذلك ولو بتهيئهم له جبلة وطبعًا فقال: {كانوا} أي في الدنيا.
ولما كان ذلك ملازمًا للاستغراق في الزمان بميل الطباع، نزع الجار فقال: {قبل ذلك} أي الأمر العظيم الذي وصلوا إليه {مترفين} أي في سعة من العيش منهمكين في الشهوات مستمتعين بها متمكنين فيها لترامي طباعهم إليها فأعقبهم ما في جبلاتهم من الإخلاد إلى الترف عدم الاعتبار والاتعاظ في الدنيا والتكبر على الدعاة إلى الله، وفي الآخرة شدة الألم لرقة أجسامهم المهيأة للترف بتعودها بالراحة بإخلادها إليها وتعويلها عليها {وكانوا} أي مع الترف {يصرون} أي يقيمون ويدومون على سبيل التجديد مما لهم من الميل الجبلي إلى ذلك {على الحنث} أي الذنب، ومنه قولهم: بلغ الغلام الحنث، أي الحلم الذي هو وقت المؤاخذة بالذنب، ويطلق الحنث على الكذب والميل إلى الأباطيل واليمين الغموس ونقض العهد المؤكد.
ولما كان ذلك قد يكون من المعهود مما يغتفر بكونه صغيرًا أو في وقت يسير قال: {العظيم} دالًا على أنهم يستهينون العظائم من القبائح والفواحش.
ولما وصفهم بالترف والإصرار على السرف، وكان ذلك يلازم البطالة، وكان يلزم عنها الغباوة والفساد الموجب للشقاوة، ذكر إنكارهم لما لا أبين منه، فقال عاطفًا على ما أفهمه التعبير عن الإثم بالحنث من نحو: فكانوا يقسمون بالله جهد أيمانهم أنهم لا يبعثون وأن الرسل كاذبون: {وكانوا يقولون} أي إنكارًا مجددين لذلك دائمًا جلافة أو عنادًا: {أئذًا} أي أنبعث إذًا، وحذف العامل لدلالة {مبعوثون} عليه، ولا يعمل هو لأن الاستفهام وحرف التأكيد اللذين لهما الصدر معناه {متنا} أي فلم يبق في رد أرواحنا طب بوجه {وكنا} أي كونًا ثابتًا {ترابًا وعظامًا} ولما كان استفهامهم هذا لإنكار أن يكون في شيء من إقامة أبدانهم أو رد أرواحهم طب، أعاد الاستفهام تاكيدًا لإنكارهم فقال: {أءِنا لمبعوثون} أي كائن وثابت بعثنا ساعة من الدهر، وأكدوا ليكون إنكارهم لما دون المؤكد بطريق الأولى.
ولما كانت أفهامهم واقفة مع المحسوسات لجمودهم.
وكان البلى كلما كان أقوى كان ذلك البالي في زعمهم من البعث أبعد، قالوا مخرجين في جملة فعلية عطفًا على الواو من {معبوثون} من غير تأكيد بضمير الفصل بالاستفهام: {أو آباؤنا} أي يبعث آباؤنا أي يوجد بعثهم من حين، وزادوا الاستبعاد على ما أفهموا بقولهم: {الأولون} أي الذين قد بليت مع لحومهم عظامهم، فصاروا كلهم ترابًا ولاسيما إن حملتهم السيول ففرقت ترابهم في كل أوب، وذهبت به في كل صوب، وسكن نافع وابن عامر الواو على أن العاطف {أو} ويجوز أن يكون العطف على محل (أن) واسمها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41)} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
ما الحكمة في ذكر السموم والحميم وترك ذكر النار وأهوالها؟ نقول: فيه إشارة بالأدنى إلى الأعلى فقال: هواؤهم الذي يهب عليهم سموم، وماؤهم الذي يستغيثون به حميم، مع أن الهواء والماء أبرد الأشياء، وهما أي السموم والحميم من أضر الأشياء بخلاف الهواء والماء في الدنيا فإنهما من أنفع الأشياء فما ظنك بنارهم التي هي عندنا أيضًا أحر، ولو قال: هم في نار، كنا نظن أن نارهم كنارنا لأنا ما رأينا شيئًا أحر من التي رأيناها، ولا أحر من السموم، ولا أبرد من الزلال، فقال: أبرد الأشياء لهم أحرها فكيف حالهم مع أحرها، فإن قيل: ما السموم؟ نقول: المشهور هي ريح حارة تهب فتمرض أو تقتل غالبًا، والأولى أن يقال: هي هواء متعفن، يتحرك من جانب إلى جانب فإذا استنشق الإنسان منه يفسد قلبه بسبب العفونة ويقتل الإنسان، وأصله من السم كسم الحية والعقرب وغيرهما، ويحتمل أن يكون هذا السم من السم، وهو خرم الإبرة، كماقال تعالى: {حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمّ الخياط} [الأعراف: 40] لأن سم الأفعى ينفذ في المسام فيفسدها، وقيل: إن السموم مختصة بما يهب ليلًا، وعلى هذا فقوله: {سَمُومٍ} إشارة إلى ظلمة ما هم فيه غير أنه بعيد جدًا، لأن السموم قد ترى بالنهار بسبب كثافتها.
المسألة الثانية:
الحميم هو الماء الحار وهو فعيل بمعنى فاعل من حمم الماء بكسر الميم، أو بمعنى مفعول من حمم الماء إذا سخنه، وقد ذكرناه مرارًا غير أن هاهنا لطيفة لغوية: وهي أن فعولًا لما تكرر منه الشيء والريح لما كانت كثيرة الهبوب تهب شيئًا بعد شيء خص السموم بالفعول، والماء الحار لما كان لا يفهم منه الورود شيئًا بعد شيء لم يقل: فيه حموم، فإن قيل: ما اليحموم؟ نقول: فيه وجوه أولها: أنه اسم من أسماء جهنم ثانيها: أنه الدخان ثالثها: أنه الظلمة، وأصله من الحمم وهو الفحم فكأنه لسواده فحم فسموه باسم مشتق منه، وزيادة الحرف فيه لزيادة ذلك المعنى فيه، وربما تكون الزيادة فيه جاءت لمعنيين: الزيادة في سواده والزيادة في حرارته، وفي الأمور الثلاثة إشارة إلى دونهم في العذاب دائمًا لأنهم إن تعرضوا لمهب الهواء أصابهم الهواء الذي هو السموم، وإن استكنوا كما يفعله الذي يدفع عن نفسه السموم بالاستكنان في الكن يكونوا في ظل من يحموم وإن أرادوا الرد عن أنفسهم السموم بالاستكنان في مكان من حميم فلا انفكاك لهم من عذاب الحميم، ويحتمل أن يقال فيه ترتيب وهو أن السموم يضربه فيعطش وتلتهب نار السموم في أحشائه فيشرب الماء فيقطع أمعاءه ويريد الاستظلال بظل فيكون ذلك الظل ظل اليحموم، فإن قيل: كيف وجه استعمال (من) في قوله تعالى: {مّن يَحْمُومٍ}؟ فنقول: إن قلنا إنه اسم جهنم فهو لابتداء الغاية كما تقول: جاءني نسيم من الجنة، وإن قلنا: إنه دخان فهو كما في قولنا: خاتم من فضة، وإن قلنا: إنه الظلمة فكذلك، فإن قيل: كيف يصح تفسيره بجهنم مع أنه اسم منصرف منكر فكيف وضع لمكان معرف، ولو كان اسمًا لها، قلنا: استعماله بالألف واللام كالجحيم، أو كان غير منصرف كأسماء جهنم يكون مثله على ثلاثة مواضع كلها يحموم.
{لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)}.
قال الزمخشري: كرم الظل نفعه الملهوف، ودفعه أذى الحر عنه، ولو كان كذلك لكان البارد والكريم بمعنى واحد، والأقرب أن يقال: فائدة الظل أمران: أحدهما دفع الحر، والآخر كون الإنسان فيه مكرمًا، وذلك لأن الإنسان في البرد يقصد عين الشمس ليتدفأ بحرها إذا كان قليل الثياب، فإذا كان من المكرمين يكون أبدًا في مكان يدفع الحر والبرد عن نفسه في الظل، أما الحر فظاهر، وأما البرد فيدفعه بإدفاء الموضع بإيقاد ما يدفئه، فيكون الظل في الحر مطلوبًا للبرد فيطلب كونه باردًا، وفي البرد يطلب لكونه ذا كرامة لا لبرد يكون في الظل فقال: {لاَّ بَارِدٍ} يطلب لبرده، ولا ذي كرامة قد أعد للجلوس فيه، وذلك لأن المواضع التي يقع عليها ظل كالمواضع التي تحت أشجار وأمام الجدار يتخذ منها مقاعد فتصير تلك المقاعد محفوظة عن القاذورات، وباقي المواضع تصير مزابل، ثم إذا وقعت الشمس في بعض الأوقات عليها تطلب لنظافتها، وكونها معدة للجلوس، فتكون مطلوبة في مثل هذا الوقت لأجل كرامتها لا لبردها، فقوله تعالى: {لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ} يحتمل هذا، ويحتمل أن يقال: إن الظل يطلب لأمر يرجع إلى الحس، أو لأمر يرجع إلى العقل، فالذي يرجع إلى الحس هو برده، والذي يرجع إلى العقل أن يكون الرجوع إليه كرامة، وهذا لا برد له ولا كرامة فيه، وهذا هو المراد بما نقله الواحدي عن الفراء أن العرب تتبع كل منفي بكريم إذا كان المنفي أكرم فيقال: هذه الدار ليست بواسعة ولا كريمة، والتحقيق فيه ما ذكرنا أن وصف الكمال، إما حسي، وإما عقلي، والحسي يصرح بلفظه، وأما العقلي فلخفائه عن الحس يشار إليه بلفظ جامع، لأن الكرامة، والكرامة عند العرب من أشهر أوصاف المدح ونفيهما نفي وصف الكمال العقلي، فيصير قوله تعالى: {لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ} معناه لا مدح فيه أصلًا لا حسًا ولا عقلًا.
{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45)}.
وفي الآيات لطائف، نذكرها في مسائل: