فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويحتمل أن يكون: إنا لمحملون الغرم أي غرمنا في النفقة وذهب زرعنا، تقول: غرم الرجل وأغرمته فهو مغرم. وقد تقدم تفسير المحروم وأنه المحدود والمحارب. و: {المزن} السحاب بلا خلاف، ومنه قول الشاعر (السموأل بن عاديا اليهودي): الطويل:
ونحن كماء المزن ما في نصابنا ** كهام ولا فينا يعد بخيل

والأجاج: أشد المياه ملوحة، وهو ماء البحر الأخضر. و: {تورون} معناه: تقتدحون من الأزند، تقول أوريت النار من الزناد. وروى الزناد نفسه، والزناد قد يكون من حجرين ومن حجر وحديدة ومن شجر، لاسيما في بلاد العرب، ولاسيما في الشجر الرخو كالمرخ والعفار والكلح وما أشبهه، ولعادة العرب في أزنادهم من شجر، قال تعالى: {أأنتم أنشأتم شجرتها} وقال بعض أهل النظر: أراد بالشجرة نفس النار، وكأنه يقول نوعها أو جنسها فاستعار الشجرة لذلك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول فيه تكلف.
وقرأ الجمهور: {آنتم} بالمد، وروي عن أبي عمرو وعيسى: {أنتم} بغير مد، وضعفها أبو حاتم.
و: {تذكرة} معناه: تذكر نار جهنم، قاله مجاهد وقتادة. والمتاع: ما ينتفع به. والمقوي في هذه الآية: الكائن في الأرض القواء وهي الفيافي، وعبر الناس في تفسير {المقوين} بأشياء ضعيفة، كقول ابن زيد للجائعين ونحوه.
ولا يقوى منها ما ذكرناه، ومن قال معناه: للمسافرين، فهو نحو ما قلناه، وهي عبارة ابن عباس رضي الله عنه تقول: أصبح الرجل، دخل في الصباح. وأصحر دخل في الصحراء، وأقوى دخل في الأرض القواء، ومنه أقوت الدار، وأقوى الطلل: أي صار قواء، ومنه قول النابغة: البسيط:
أقوتْ وطال عليها سالفُ الأبدِ

وقول الآخر: الكامل:
أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم

والفقير والغني إذا أقوى سواء في الحاجة إلى النار، ولا شيء يغني غناءها في الصرد، ومن قال: إن أقوى من الأضداد من حيث يقال: أقوى الرجل إذا قويت دابته فقد أخطأ وذلك فعل آخر كأترب إذا أترب، ثم أمر نبيه بتنزيه ربه تعالى وتبرئة أسمائه العلى عما يقوله الكفرة الذين حجوا في هذه الآيات. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41)}.
اليحموم: الأسود البهيم.
الحنث، قال الخطابي: هو في كلام العرب العدل الثقيل شبه الإثم به.
الهيم: جمع أهيم وهيماء، والهيام داء معطش يصيب الإبل فتشرب حتى تموت، أو تسقم سقمًا شديدًا، قال:
فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد ** صداها ولا يقضي عليها هيامها

والهيم جمع هيام: وهو الرمل بفتح الهاء وهو المشهور.
وقال ثعلب: بضمها قال: هو الرمل الذي لا يتماسك، فبالفتح كسحاب وسحب، ثم خفف وفعل به ما فعل بجمع أهيم من قلب ضمته كسرة لتصح الياء، أو بالضم يكون قد جمع على فعل، كقراد وقرد، ثم سكنت ضمة الراء فصار فعلًا، ثم فعل به ما فعل ببيض.
أمنى الرجل النطفة ومناها: قذفها من إحليله.
المزن: السحاب.
قال الشاعر:
فلا مزنة ودقت ودقها ** ولا أرض أبقل أبقالها

أوريت النار من الزناد: قدحتها، ووري الزند نفسه، والزناد حجرين أو من حجر وحديدة، ومن شجر، لاسيما في الشجر الرخو كالمرخ والعفار والكلح، والعرب تقدح بعودين، تحك أحدهما بالأخر، ويسمون الأعلى الزند والأسفل الزندة، شبهوهما بالعجل والطروقة.
أقوى الرجل: دخل في الأرض، القوا، وهي.
الفقر، كأصحر دخل في الصحراء، وأقوى من أقام أيامًا لم يأكل شيئًا، وأقوت الدار: صارت قفراء.
قال الشاعر:
يا دارمية بالعلياء فالسند ** أقوت وطال عليها سالف الأمد

أدهن: لاين وهاود فيما لا يحمل عند المدهن، وقال الشاعر:
الحزم والقوة خير من السا ** دهان والفهه والمهاع

الحلقوم: مجرى الطعام.
الروح: الاستراحة.
الريحان: تقدم في سورة الرحمن.
{وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نزلهم يوم الدين نحن خلقناكم فلولا تصدقون أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطامًا فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجًا فلولا تشكرون أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعًا للمقوين فسبح باسم ربك العظيم}.
لما ذكر حال السابقين، وأتبعهم بأصحاب الميمنة، ذكر حال أصحاب المشئمة فقال: {وأصحاب الشمال}، وتقدّم إعراب نظير هذه الجملة، وفي هذا الاستفهام تعظيم مصابهم.
{في سموم}: في أشدّ حر، {وحميم}: ماء شديد السخونة.
{وظل من يحموم}، قال ابن عباس ومجاهد وأبو مالك وابن زيد والجمهور: دخان.
وقال ابن عباس أيضًا: هو سرادق النار المحيط بأهلها، يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم.
وقال ابن كيسان: اليحموم من أسماء جهنم.
وقال ابن زيد أيضًا وابن بريدة: هو جبل في النار أسود، يفزع أهل النار إلى ذراه، فيجدونه أشد شيء وأمر.
{لا بارد ولا كريم}: صفتان للظل نفيتا، سمي ظلًا وإن كان ليس كالظلال، ونفي عنه برد الظل ونفعه لمن يأوي إليه.
{ولا كريم}: تتميم لنفي صفة المدح فيه، وتمحيق لما يتوهم في الظل من الاسترواح إليه عند شدّة الحر، أو نفي لكرامة من يستروح إليه.
ونسب إليه مجازًا، والمراد هم، أي يستظلون إليه وهم مهانون.
وقد يحتمل المجلس الرديء لنيل الكرامة، وبدىء أولًا بالوصف الأصلي الذي هو الظل، وهو كونه من يحموم، فهو بعض اليحموم.
ثم نفى عنه الوصف الذي يبغي له الظل، وهو كونه لا باردًا ولا كريمًا.
وقد يجوز أن يكون {لا بارد ولا كريم} صفة ليحموم، ويلزم منه أن يكون الظل موصوفًا بذلك.
وقرأ الجمهور: {لا بارد ولا كريم} بجرهما؛ وابن عبلة: برفعهما: أي لا هو بارد ولا كريم، على حد قوله:
فأبيت لا حرج ولا محروم

أي لا أنا حرج.
{إنهم كانوا قبل ذلك}: أي في الدنيا، {مترفين}: فيه ذم الترف والتنعم في الدنيا، والترف طريق إلى البطالة وترك التفكر في العاقبة.
{وكانوا يصرون}: أي يداومون ويواظبون، {على الحنث العظيم}، قال قتادة والضحاك وابن زيد: الشرك، وهو الظاهر.
وقيل: ما تضمنه قوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} الآية من التكذيب بالبعث.
ويبعده: {وكانوا يقولون}، فإنه معطوف على ما قبله، والعطف يقتضي التغاير، فالحنث العظيم: الشرك.
فقولهم: {أئذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون}: تقدم الكلام عليه في والصافات، وكرر الزمخشري هنا وهمه فقال: فإن قلت: كيف حسن العطف على المضمر في {لمبعوثون} من غير تأكيد بنحن؟ قلت: حسن للفاصل الذي هو الهمزة، كما حسن في قوله: {ما أشركنا ولا آباؤنا} الفصل لا المؤكدة للنفي. انتهى.
ورددنا عليه هنا وهناك إلى مذهب الجماعة في أنهم لا يقدرون بين همزة الاستفهام وحرف العطف فعلًا في نحو: {أفلم يسيروا} ولا اسمًا في نحو: {أو آباؤنا}، بل الواو والفاء لعطف ما بعدهما على ما قبلهما، والهمزة في التقدير متأخرة عن حرف العطف.
لكنه لما كان الاستفهام له صدر الكلام قدمت.
ولما ذكر تعالى استفهامهم عن البعث على طريق الاستبعاد والإنكار، أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم ببعث العالم، أولهم وآخرهم، للحساب، وبما يصل إليه المكذبون للبعث من العذاب.
والميقات: ما وقت به الشيء، أي حد، أي إلى ما وقتت به الدنيا من يوم معلوم، والإضافة بمعنى من، كخاتم حديد.
{ثم إنكم}: خطاب لكفار قريش، {أيها الضالون} عن الهدى، {المكذبون} للبعث.
وخطاب أيضًا لمن جرى مجراهم في ذلك.
{لآكلون من شجر من زقوم}: من الأولى لابتداء الغاية أو للتبعيض؛ والثانية، إن كان من زقوم بدلًا، فمن تحتمل الوجهين، وإن لم تكن بدلًا، فهي لبيان الجنس، أي من شجر الذي هو زقوم.
وقرأ الجمهور: {من شجر}؛ وعبد الله: {من شجرة}.
{فمالئون منها}: الضمير في منها عائد على شجر، إذ هو اسم جنس يؤنث ويذكر، وعلى قراءة عبد الله، فهو واضح.
{فشاربون عليه}، قال الزمخشري: ذكر على لفظ الشجر، كما أنث على المعنى في منها.
قال: ومن قرأ: {من شجرة من زقوم}، فقد جعل الضميرين للشجرة، وإنما ذكر الثاني على تأويل الزقوم لأنه يفسرها، وهي في معناه.
وقال ابن عطية: والضمير في عليه عائد على المأكول، أو على الأكل. انتهى.
فلم يجعله عائدًا على شجر.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة: {شرب} بضم الشين، وهو مصدر، وقيل: اسم لما يشرب؛ ومجاهد وأبو عثمان النهدي: بكسرها، وهو بمعنى المشروب، اسم لا مصدر، كالطحن والرعي؛ والأعرج وابن المسيب وسبيب بن الحبحاب ومالك بن دينار وابن جريج وباقي السبعة: بفتحها، وهو مصدر مقيس.
والهيم، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك: جمع أهيم، وهو الجمل الذي أصابه الهيام، وقد فسرناه في المفردات.
وقيل: جمع هيماء.
وقيل: جمع هائم وهائمة، وجمع فاعل على فعل شاذ، كباذل وبذل، وعائد وعوذ؛ والهائم أيضًا من الهيام.