فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكريم: وصف مدح ينفي عنه مالا يليق به.
وقال الزمخشري: {كريم}: حسن مرضي في جنسه من الكتب، أو نفاع جم المنافع، أو كريم على الله تعالى.
{في كتاب مكنون}: أي مصون.
قال ابن عباس ومجاهد: الكتاب الذي في السماء.
وقال عكرمة: التوراة والإنجيل، كأنه قال: ذكر في كتاب مكنون كرمه وشرفه، فالمعنى على هذا الاستشهاد بالكتب المنزلة.
وقيل: {في كتاب مكنون}: أي في مصاحف للمسلمين مصونة من التبديل والتغيير، ولم تكن إذ ذاك مصاحف، فهو إخبار بغيب.
والظاهر أن قوله: {لا يمسه إلا المطهرون} وصف لقرآن كريم، فالمطهرون هم الملائكة.
وقيل: {لا يمسه} صفة لكتاب مكنون، فإن كان الكتاب هو الذي في السماء، فالمطهرون هم الملائكة أيضًا: أي لا يطلع عليه من سواهم، وكذا على قول عكرمة: هم الملائكة، وإن أريد بكتاب مكنون الصحف، فالمعنى: أنه لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على طهارة من الناس.
وإذا كان {المطهرون} هم الملائكة، {فلا يمسه} نفي، ويؤيد المنفي ما يمسه على قراءة عبد الله.
وإذا عنى بهم المطهرون من الكفر والجنابة، فاحتمل أن يكون نفيًا محضًا، ويكون حكمه أنه لا يمسه إلا المطهرون، وإن كان يمسه غير المطهر، كما جاء: «لا يعضد شجرها»، أي الحكم هذا، وإن كان قد يقع العضد.
واحتمل أن يكون نفيًا أريد به النهي، فالضمة في السين إعراب.
واحتمل أن يكون نهيًا فلو فك ظهر الجزم، ولكنه لما أدغم كان مجزومًا في التقدير، والضمة فيه لأجل ضمة الهاء، كما جاء في الحديث: «إنا لم نرده عليك»، إلا إنا جزم، وهو مجزوم، ولم يحفظ سيبويه في نحو هذا من المجزوم المدغم المتصل بالهاء ضمير المذكر إلا الضم.
قال ابن عطية: والقول بأن لا يمسه نهي، قول فيه ضعف، وذلك أنه إذا كان خبرًا، فهو في موضع الصفة وقوله بعد ذلك {تنزيل} صفة، فإذا جعلناه نهيًا، جاء معناه أجنبيًا معترضًا بين الصفات، وذلك لا يحسن في وصف الكلام فتدبره.
وفي حرف ابن مسعود ما يمسه، وهذا يقوي ما رجحته من الخبر الذي معناه حقه وقدره أن لا يمسه إلا طاهر.
انتهى.
ولا يتعين أن يكون {تنزيل} صفة، بل يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، فيحسن إذ ذاك أن يكون {لا يمسه} نهيًا.
وذكروا هنا حكم مس المصحف، وذلك مذكور في الفقه، وليس في الآية دليل على منع ذلك.
وقرأ الجمهور: {المطهرون} اسم مفعول من طهر مشدّدًا؛ وعيسى: كذلك مخففًا من أطهر، ورويت عن نافع وأبي عمرو.
وقرأ سلمان الفارسي: {المطهرون}، بخف الطاء وشد الهاء وكسرها: اسم فاعل من طهر، أي المطهرين أنفسهم؛ وعنه أيضًا {المطهرون} بشدهما، أصله المتطهرون، فأدغم التاء في الطاء، ورويت عن الحسن وعبد الله بن عوف.
وقرئ: {المتطهرون}، وقرىء: {تنزيلًا} بالنصب، أي نزل تنزيلًا، والإشارة في: {أفبهذا الحديث} للقرآن، و{أنتم}: خطاب للكفار، {مدهنون}، قال ابن عباس: مهاودون فيما لا يحل.
وقال أيضًا: مكذبون.
{وتجعلون رزقكم}: أي شكر ما رزقكم الله من إنزال القرآن عليكم تكذيبكم به، أي تضعون مكان الشكر التكذيب، ومن هذا المعنى قول الراجز:
مكان شكر القوم عند المنن ** كي الصحيحات وفقء الأعين

وقرأ عليّ وابن عباس: {وتجعلون شكركم}، وذلك على سبيل التفسير لمخالفته السواد.
وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة أزد شنؤه ما رزق فلان فلانًا، بمعنى: ما شكره.
قيل: نزلت في الأنواء، ونسبة السقيا إليها، والرزق: المطر، فالمعنى: ما يرزقكم الله من الغيب.
وقال ابن عطية: أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر، هذا بنوء كذا وكذا، وهذا بنوء الأسد، وهذا بنوء الجوزاء، وغير ذلك.
وقرأ الجمهور: {تكذبون} من التكذيب؛ وعليّ والمفضل عن عاصم: من الكذب، فالمعنى من التكذيب أنه ليس من عند الله، أي القرآن أو المطر، حيث ينسبون ذلك إلى النجوم.
ومن الكذب قولهم: في القرآن سحر وافتراء، وفي المطر من الأنواء.
{فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون}، قال الزمخشري: ترتيب الآية: فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين، فلولا الثانية مكررة للتوكيد، والضمير في ترجعونها للنفس.
وقال ابن عطية: توقيف على موضع عجز يقتضي النظر فيه أن الله مالك كل شيء.
{وأنتم}: إشارة إلى جميع البشر، {حينئذ}: حين إذ بلغت الحلقوم، {تنظرون}: أي إلى النازع في الموت.
وقرأ عيسى: {حينئذ} بكسر النون اتباعًا لحركة الهمزة في إذ، {ونحن أقرب إليه منكم} بالعلم والقدرة، {ولكن لا تبصرون}: من البصيرة بالقلب، أو {أقرب}: أي ملائكتنا ورسلنا، {ولكن لا تبصرون}: من البصر بالعين.
ثم عاد التوقيف والتقدير ثانية بلفظ التخصيص.
والمدين: المملوك.
قال الأخطل:
ربت ورباني في حجرها ابن مدينة

قيل: ابن مملوكة يصف عبدًا ابن أمة، وآخر البيت:
تراه على مسحانة يتوكل

والمعنى: فلولا ترجعون النفس البالغة إلى الحلقوم إن كنتم غير مملوكين وغير مقهورين.
{إن كنتم صادقين} في تعطيلكم وكفركم بالمحيي المميت المبدىء المعيد، إذ كانوا فيما ذهبوا إليه من أن القرآن سحر وافتراء، وأن ما نزل من المطر هو بنوء، كذا تعطيل للصانع وتعجيز له.
وقال ابن عطية: قوله: {ترجعونها} سد مسد جوابها، والبيانات التي تقتضيها التخصيصات، وإذا من قوله: {فلولا إذا}، وإن المتكررة، وحمل بعض القول بعضًا إيجازًا واقتصارًا. انتهى.
وتقول: {إذا} ليست شرطية، فتسد {ترجعونها} مسد جوابها، بل هي ظرف غير شرط معمول لترجعونها المحذوف بعد فلولا، لدلالة ترجعونها في التخصيص الثاني علي، فجاء التخصيص الأول مقيدًا بوقت بلوغ الحلقوم، وجاء التخصيص الثاني معلقًا على انتفاء مربوبيتهم، وهم لا يقدرون على رجوعها، إذ مربوبيتهم موجودة، فهم مقهورون لا قدرة لهم.
{فأما إن كان}: أي المتوفى، {من المقرّبين}: وهم السابقون.
وقرأ الجمهور؛ {فروح}، بفتح الراء؛ وعائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عباس، والحسن، وقتادة، ونوح القارئ، والضحاك، والأشهب، وشعيب بن الحبحاب، وسليمان التيمي، والربيع بن خيثم، ومحمد بن عليّ، وأبو عمران الجوني، والكلبي، وفياض، وعبيد، وعبد الوارث عن أبي عمرو، ويعقوب بن صيان، وزيد، ورويس عنه: بضمها.
قال الحسن: الروح: الرحمة، لأنها كالحياة للمرحوم، وقال أيضًا: روحه تخرج في ريحان.
وقيل: الروح: البقاء، أي فهذان له معًا، وهو الخلود مع الرزق.
وقال مجاهد: الريحان: الرزق.
وقال الضحاك: الاستراحة.
وقال أبو العالية وقتادة والحسن أيضًا: الريحان، هذا الشجر المعروف في الدنيا، يلقى المقرب ريحانًا من الجنة.
وقال الخليل: هو ظرف كل بقلة طيبة فيها أوائل النور.
وقال صلى الله عليه وسلم، في الحسن والحسين، رضي الله تعالى عنهما: «هما ريحانتاي من الدنيا».
وقال ابن عطية: الريحان: مما تنبسط به النفوس، {فروح}: فسلام، فنزل الفاء جواب أما تقدم.
أما وهي في تقدير الشرط، وإن كان من المقربين، وإن كان من أصحاب اليمين، وإن كان من المكذبين الضالين شرط؛ وإذا اجتمع شرطان، كان الجواب للسابق منهما.
وجواب الثاني محذوف، ولذلك كان فعل الشرط ماضي للفظ، أو مصحوبًا بلم، وأغنى عنه جواب أما، هذا مذهب سيبويه.
وذهب أبو عليّ الفارسي إلى أن الفاء جواب إن، وجواب أما محذوف، وله قول موافق لمذهب سيبويه.
وذهب الأخفش إلى أن الفاء جواب لأمّا، والشرط معًا، وقد أبطلنا هذين المذهبين في كتابنا المسمى بالتذييل والتكميل في شرح التسهيل، والخطاب في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم، أي لا ترى فيهم يا محمد إلا السلامة من العذاب.
ثم لكل معتبر من أمّته صلى الله عليه وسلم قبل لمن يخاطبه: {من أصحاب اليمين}.
فقال الطبري: المعنى: فسلام لك أنت من أصحاب اليمين.
وقال قوم: المعنى: فيقال لهم: مسلم لك إنك من أصحاب اليمين.
وقيل: فسلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين، أي يسلمون عليك، كقوله: {إلا قيلًا سلامًا سلامًا}.
والمكذبون الضالون هم أصحاب المشأمة، أصحاب الشمال.
وقرأ الجمهور: {وتصلية} رفعًا، عطفًا على {فنزل}؛ وأحمد بن موسى والمنقري واللؤلؤي عن أبي عمرو: بحر عطفًا على {من حميم}.
ولما انقضى الإخبار بتقسيم أحوالهم وما آل إليه كل قسم منهم، أكد ذلك بقوله: {إن هذا}: أي إن هذا الخبر المذكور في هذه السورة {هو حق اليقين}، فقيل: هو من إضافة المترادفين على سبيل المبالغة، كما تقول: هذا يقين اليقين وصواب الصواب، بمعنى أنها نهاية في ذلك، فهما بمعنى واحد أضيف على سبيل المبالغة.
وقيل: هو من إضافة الموصوف إلى صفته جعل الحق مباينًا لليقين، أي الثابت المتيقن.
ولما تقدم ذكر الأقسام الثلاثة مسهبًا الكلام فيهم، أمره تعالى بتنزيهه عن ما لا يليق به من الصفات.
ولما أعاد التقسيم موجزًا الكلام فيه، أمره أيضًا بتنزيهه وتسبيحه، والإقبال على عبادة ربه، والإعراض عن أقوال الكفرة المنكرين للبعث والحساب والجزاء.
ويظهر أن سبح يتعدى تارة بنفسه، كقوله: {سبح اسم ربك الأعلى} ويسبحوه؛ وتارة بحرف الجر، كقوله: {فسبح باسم ربك العظيم}، والعظيم يجوز أن يكون صفة لاسم، ويجوز أن يكون صفة لربك. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{فَلاَ أُقْسِمُ} أي فأقسمُ ولا مزيدةٌ للتأكيد كما في قوله تعالى: {لّئَلاَّ يَعْلَمَ} أو فَلأنا أقسمُ فحذف المبتدأ وأُشيع فتحةَ لام الابتداء، ويعضده قراءة من قرأ {فلأقسمُ} أو فلا ردَّ لكلامٍ يخالفُ المقسمَ عليه، وأما ما قيلَ: من أنَّ المعنى فلا أقسمُ إذًا لأمرٍ أوضحَ من أنْ يحتاجَ إلى قسمٍ فيأباه تعيينُ المقسَمِ به وتفخيمُ شأنِ القسمِ به {بمواقع النجوم} أي بمساقطِها وهي مغاربُها وتخصيصُها بالقسم لما في غروبها من زوالِ أثرِها والدلالةِ على وجودِ مؤثرٍ دائمٍ لا يتغيرُ أو لأن ذلكَ وقتُ قيامِ المتهجدينَ والمبتهلينَ إليه تعالى وأوانُ نزولِ الرحمةِ والرضوانِ عليهم أو بمنازلها ومجاريها فإنَّ له تعالى في ذلك من الدليلِ على عظمِ قُدرتِه وكمالِ حكمتِه ما لا يحيطُ به البيانُ وقيل: النجومُ نجومُ القرآن ومواقعُها أوقاتُ نزولِها وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} اعتراضٌ في اعتراضٍ قُصدَ به المبالغةُ في تحقيق مضمونِ الجملةِ والقسيمةِ وتأكيدِه حيث اعترضَ بقوله وإنه لقسمٌ بين القسمِ وجوابِه الذي هُو قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ} أي كثيرُ النفعِ لاشتمالِه على أصولِ العلومِ المهمةِ في صلاحِ المعاشِ والمعادِ أو حسنٌ مرضيٌّ أو كريمٌ عند الله تعالى وقوله تعالى لو تعلمونَ وُسّط بينَ الموصوفِ وصفتِه، وجوابُ لو إما متروكٌ أريدَ به نفيُ علمِهم أو محذوفٌ ثقةٍ بظهورِه أي لعظمتموه أو لعملتُم بموجبهِ.