فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقرأ علينا ما نسينا.
يعني: يجوز للمحدث أن يقرأ، ولا يجوز أن يمس المصحف.
وأما الجنب لا يجوز له أن يمس المصحف، ولا يقرأ آية تامة.
ثم قال: {تَنزِيلٌ مّن رَّبّ العالمين} يعني: أنزل الله تعالى جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن يقرؤه عليه من رب العالمين.
ثم قال عز وجل: {أفبهذا الحديث أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} يعني: تكفرون.
وقال الزجاج: المدهن والمداهن: الكذاب المنافق.
وقال بعض أهل اللغة: أصله من الدهن، لأنه يلين في دينه.
يعني: ينافق، ويرى كل واحد أنه على دينه.
ويقال: {أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} يعني: مكذبون {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} يعني: شكر رِزْقكُمْ {أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ} يعني: تقولون للمطر إذا مطرتم مُطِرْنا بنوء كذا.
وروي عن عاصم في بعض الروايات: {أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ} بالتخفيف.
يعني: تجعلون شكر رزقكم الكذب، وهو أن يقولوا: مُطِرنا بنوء كذا.
وقرأ الباقون: {تُكَذّبُونَ} بالتشديد، يعني: تجعلون شكر رزقكم التكذيب، ولا تنسبون السقيا إلى الله تعالى الذي رزقكم.
ثم قال: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم} يعني: بلغ الروح الحلقوم {وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} إلى الميت {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} يعني: أمر الله تعالى وهو ملك الموت أقرب إليه منكم، حين أتاه لقبض روحه {ولكن لاَّ تُبْصِرُونَ} ما حضر الميت {فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} يعني: غير محاسبين.
ويقال: غير مملوكين، أذلاء عن قولك: دِنْتُ له بالطاعة، وإنما سمي {يَوْمِ الدين} لأنه يوم الإذلال، والهوان.
ويقال: {غَيْرَ مَدِينِينَ} يعني: غير مجزيين {تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صادقين} يعني: إنكم غير محاسبين، فهلا رددتم عنه الموت؟
ثم ذكر الأصناف الثلاثة الذين ذكرهم في أول السورة فقال: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المقربين} يعني: إذا كان هذا الميت من المقربين عند الله من السابقين {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} قرأ الحسن: {فَرَوْحٌ} بضم الراء المهملة، وقراءة العامة: بالنصب.
وقال أبو عبيد: لولا خلاف الأمة لقرأته بالضم.
وروت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قرأ: بالضم.
وقال القتبي: {الروح} يعبر عن معان.
فالروح روح الأجسام الذي يقبض عند الممات وفيه حياة النفس، والروح جبريل، وكلام الله روح، لأنه حياة من الجهل، وموت الكفر، ورحمة الله روح كقوله: {لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخوانهم أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أولئك كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا رضي الله عنهمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أولئك حِزْبُ الله أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون} [المجادلة: 22] أي: برحمة.
والروح: الرحمة، والرزق.
ويقال: {الروح} حياة دائمة لا موت فيها {والريحان} الرزق.
ويقال: هي النبات بعينها.
ومن قرأ: بالنصب.
فهو الفرح.
ويقال: الراحة.
ويقال: هي الرحمة.
ثم قال: {وَجَنَّةٍ نَعِيمٍ} يعني: لا انقطاع {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أصحاب اليمين} يعني: إن كان الميت من أصحاب اليمين {فسلام لَّكَ مِنْ أصحاب اليمين} يعني: سلام الله لهم.
ويقال: يسلمون عليك من الجنة.
ويقال: سلام عليك منهم.
ويقال: ترى منهم ما تحب من السلام.
ويقال: {فسلام لَّكَ} يعني: يقال له ثوابه عند الموت، وفي القبر، وعلى الصراط، وعند الميزان، بشارة لك إنك من أهل الجنة.
ثم قال عز وجل: {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المكذبين} يعني: إن كان الميت {مِنَ المكذبين} بالبعث {الضالين} عن الهدى {فَنُزُلٌ مّنْ حَمِيمٍ} يعني: جزاؤهم، وثوابهم، من حميم {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} يعني: يدخلون الجحيم وهي ما عظم من النار {إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين} يعني: إن هذا الذي قصصنا عليك في هذه السورة من الأقاصيص، وما أعد الله لأوليائه وأعدائه، وما ذكر مما يدل على وحدانيته، {لَهُوَ حَقُّ اليقين} {فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم} يعني: اذكر اسم ربك بالتوحيد.
ويقال: نزه الله تعالى عن السوء.
يعني: قل سبحان الله.
ويقال: أثن على الله تعالى.
ويقال: صل لله تعالى.
وروي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قرأ سُورَةَ الوَاقِعَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ».
والله أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} أي إذا نزلت صبيحة القيامة وتلك النفخة الأخيرة {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} تكذيب ذكره سيبوبه، وهو اسم كالعافية والنازلة والعاقبة، عن الفراء. قال الكسائي: هي بمعنى الكذب كقوله: {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً} [الغاشية: 11] أي لغوًا، ومنه قول العامة: عائذ بالله أي معاذ الله، وقم قائمًا أي قيامًا.
ولبعض نساء العرب ترقص إبنها:
قم قائمًا قم قائمًا ** أصبت عبدًا نائمًا

{خَافِضَةٌ} أي هي خافضة {رَّافِعَةٌ} تخفض قومًا إلى النار وترفع آخرين إلى الجنة.
وقال عكرمة والسدي ومقاتل: خفضت الصوت فأسمعت من دنا ورفعت الصوت فأسمعت من نأى يعني أنها أسمعت القريب والبعيد، ورفعت قومًا كانوا مذللين فرفعتهم إلى أعلى عليين ووضعت قومًا كانوا في الدنيا مرتفعين فوضعتهم إلى أسفل سافلين.
بن عطاء: خفضت قومًا بالعدل ورفعت قومًا بالفضل.
{إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجًّا} أي رجفت وزلزلت وحُركت تحريكًا من قولهم: السهم يرتجّ في الغرض، بمعنى يهتز ويضطرب.
قال الكلبي: وذلك أن الله عزّ وجل إذا أوحى إليها إضطربت فرقًا.
وقال المفسرون: ترجّ كما يُرّج الصبي في المهد حتى ينهدم كل ما عليها، وينكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها.
وأصل الرجّ في اللغة التحريك يقال: رججته فإرتجّ فارتضى عنقه ورجرجته فترجرج.
{وَبُسَّتِ الجبال بَسًّا} أي حثّت حثًّا وفتت فتًا فصارت كالدقيق المبسوس، وهو المبلول والبسبسة عند العرب الدقيق أو السويق يُلتّ ويتخذ زادًا.
وذكر عن لصَ من غطفان أنه أراد أن يخبز فخاف أن يعجّل عن الخبز فقال لا تخبزا خبزًا وبسّا بسًّا ولا تطيلا بمناخ حبسًا.
وقال عطاء: أُذهبت إذهابًا قال سعيد بن المسيب والسدي: كسرت كسرًا.
الكلبي: سيّرت عن وجه الأرض تسييرًا. مجاهد: لتّت لتًّا.
الحسن: قلعت من أصلها فذهبت بعدما كانت صخرًا صماء: نظيرها {فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه: 105].
عطية: بسطت بسطًا كالرمل والتراب.
ابن كيسان: جُعلت كثيبًا مهيلا بعد أن كانت شامخة طويلة.
{فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا} قال ابن عباس: شعاع الشمس حين يدخل من الكوّة.
علي رضي الله عنه: رهج الدوابّ.
عطية: ما تطاير من شرر النار، قتادة: حطام الشجر.
وقراءة العامة: {مُّنبَثًّا} بالثاء أي متفرقًا، وقرأ النخعي بالتاء أي منقطعًا.
{وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا} أصنافًا {ثَلاَثَةً} ثم بيّن من هُم فقال عز من قائل: {فَأَصْحَابُ الميمنة} وهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة.
وقال ابن عباس: وهم الذين كانوا على يمين آدم حين أُخرجت الذرية من صلبه. وقال الله (إن) هؤلاء في الجنة ولا أبالي.
وقال الضحّاك: هم الذين يعطون كتبهم بإيمانهم.
وقال الحسن والربيع: هم الذين كانوا ميامين مباركين على أنفسهم، وكانت أعمارهم في طاعة الله عزّ وجل، وهم التابعون بإحسان.
ثم عجّب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {مَآ أَصْحَابُ الميمنة} وهذا كما يقال: زيد ما زيدٌ، يراد زيد شديد.
{وَأَصْحَابُ المشأمة} أي الشمال، والعرب تسمي اليد اليسرى شؤمى.
قال الشاعر:
السهم والشرى في شوءمى يديك لهم ** وفي يمينك ماء المزن والضرب

ومنه الشام واليمن لأن اليمن عن يمين الكعبة والشام عن شمالها إذا دخل الحجر تحت الميزاب.
وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار.
وقيل: هم الذين كانوا على شمال آدم عند إخراج الذرية، وقال الله لهم هؤلاء في النار ولا أُبالي.
وقيل: هم الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم.
وقال الحسن: هم المشائيم على أنفسهم، وكانت أعمارهم في المعاصي.
{مَآ أَصْحَابُ المشأمة والسابقون السابقون} قال ابن سيرين: هم الذين صلوا القبلتين دليله قوله: {والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار} [التوبة: 100].
أخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن حمران، حدّثنا أُبي، حدّثنا محمد بن داود الدينوري، حدّثنا [.....] عن ابن بن الجارود عن عبد الغفور ابن أبي الصباح عن ابن علي، عن كعب في قول الله عزّ وجل: {والسابقون السابقون أولئك المقربون فِي جَنَّاتِ النعيم} قال: هم أهل القرآن وهم المتوجون يوم القيامة.
وأخبرني الحسين، حدّثنا موسى بن محمد بن علي، حدّثنا أبو شعيب، حدّثنا عبد الله بن الحسن الحراني، حدّثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، حدّثنا الأوزاعي قال: سمعت عثمان بن أبي سودة يقول: السابقون أولهم رواحًا إلى المسجد وأولهم خروجًا في سبيل الله عزّ وجل.
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن ماجة، حدّثنا ابن أيوب، حدّثنا عبد الله بن أبي زياد، حدّثنا سياد بن حاتم، حدّثنا عبد الله بن شميط قال: سمعت أُبي يقول: الناس ثلاثة: فرجل إبتكر الخير في حداثة سنهِ ثم داوم عليه حتى خرج عن الدنيا فهذا السابق المقري، ورجل ابتكر عمره بالذنوب وطول الغفلة ثم تراجع بتوبة فهذا صاحب يمين، ورجل ابتكر الشر في حداثته ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب الشمال.
وقال ابن عباس: السابقون إلى الهجرة هم السابقون في الآخرة. وقال علي بن أبي طالب: إلى الصلوات الخمس.
عكرمة: إلى الإسلام. الضحاك: إلى الجهاد. القرظي: إلى كل خير. سعيد بن جبير: هم المسارعون إلى التوبة وإلى أعمال البر. نظيره {وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 133] {سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [الحديد: 21].