فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} في {كان} هذه وجهان:
أحدهما:- وهو الأظهر- أنها تامةٌ بمعنى حدث، ووجد، أي: وإن حدث ذو عسرةٍ، فتكتفي بفاعلها كسائر الأفعال، قيل: وأكثر ما تكون كذلك إذا كان مرفوعها نكرةٌ، نحو: قد كان مِنْ مَطَرٍ.
والثاني: أنها الناقصة والخبر محذوفٌ. قال أبو البقاء: تقديره: وإن كان ذو عسرة لكم عليه حقٌّ، أو نحو ذلك وهذا مذهب بعض الكوفيين في الآية، وقدَّر الخبر: وإن كان من غرمائكم ذو عسرةٍ. وقدَّره بعضهم: وإن كان ذو عسرةٍ غريمًا.
قال أبو حيَّان: وَحَذْفُ خبرِ كَانَ لا يجيزه أصحابنا؛ لا اختصارًا؛ ولا اقتصارًا، لعلَّةٍ ذكروها في كتبهم. وهي أنَّ الخبر تأكّد طلبه من وجهين:
أحدهما: كونه خبرًا عن مخبر عنه.
والثاني: كونه معمولًا للفعل قبله، فلما تأكدت مطلوبيته، امتنع حذفه.
فإن قيل: أليس أن البصريين لمَّا استدلَّ عليهم الكوفيون في أنَّ ليس تكون عاطفةً بقوله: الرمل:
.......................... ** إِنَّمَا يَجْزِي الفَتَى لَيْسَ الجَمَلْ

تأوَّلُوهَا على حَذْفِ الخَبَرِ؛ وأَنْشدوا شَاهِدًا على حَذْفِ الخبرِ قولَه: الكامل:
........................... ** يَبْغِي جِوَارَكِ حِينَ لَيْسَ مُجِيرُ

وإذا ثبت هذا، ثبت في سائر الباب.
فالجواب أن هذا مختصٌّ بليس؛ لأنها تشبه لا النافية، ولا يجوز حذف خبرها، فكذا ما أشبهها.
وتقوَّى الكوفيُّون بقراءة عبد الله، وأُبيّ؛ وعثمان: {وَإِنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ} أي: وإن كان الغريم ذا عُسْرَةٍ. قال أبو عليّ: في {كان} اسمها ضميرًا تقديره: هو، أي: الغريم، يدلُّ على إضماره ما تقدَّم من الكلام؛ لأنَّ المرابي لابد له ممَّن يرابيه.
وقرأ الأعمش: {وإِنْ كان مُعْسِرًا} قال الدَّاني، عن أحمد بن موسى: إنها في مُصْحَفِ عبد الله كذلك.
ولكنَّ الجمهور على ترجيح قراءة العامة وتخريجهم القراءة المشهورة. قال مكي: وَإِنْ وقع ذُو عُسْرَةٍ، وهو سائغٌ في كلِّ الناس، ولو نصبت ذا على خبر {كان} لصار مخصوصًا في ناس بأعيانهم؛ فلهذه العلة أجمع القرَّاء المشهورون على رفع ذو.
وقد أوضح الواحديُّ هذا، فقال: أي: وإنْ وقع ذو عسرةٍ، والمعنى على هذا يصحُّ، وذلك أنه لو نصب، فقيل: وإن كان ذا عسرة، لكان المعنى: وإن كان المشتري ذا عُسْرةٍ، فنظرةٌ؛ فتكون النظرة مقصورةً عليه، وليس الأمر كذلك؛ لأن المشتري، وغيره إذا كان ذا عسرةٍ، فله النظرة إلى الميسرة.
وقال أبو حيَّان: مَنْ نصب {ذَا عُسْرَةٍ}، أو قرأ: {مُعْسِرًا} فقيل: يختصُّ بأهل الرِّبا، ومن رفع، فهو عامٌّ في جميع من عليه دينٌ، قال: وليس بلازمٍ، لأنَّ الآية إنما سِيقَتْ في أهل الربا، وفيهم نزلت قال شهاب الدين: وهذا الجواب لا يجدي؛ لأنه وإن كان السياق كذا، فالحكم ليس خاصًا بهم. وقرئ: {وَمَنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ}، وقرأ أبو جعفرٍ {عُسْرَةٍ} بضم السين.
قوله: {وَأَن تَصَدَّقُواْ} مبتدأ وخبره {خير} وقرأ عاصم: بتخفيف الصاد، والباقون: بتثقيلها. وأصل القراءتين واحدٌ؛ إذ الأصل: تتصدَّقوا، فحذف عاصمٌ إحدى التاءين: إمَّا الأولى، وإمَّا الثانية، وتقدَّم تحقيق الخلاف فيه، وغيره أدغم التاء في الصاد، وبهذا الأصل قرأ عبد الله: {تَتَصَدَّقوا}. وحذف مفعول التصدُّق للعلم به، أي: بالإنظار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَحِلُّ دَيْنُ رَجلٍ مُسْلم، فيؤخره؛ إلاَّ كان له بِكُلِّ يَوْمٍ صدقةٌ» وهذا ضعيفٌ؛ لأن الإنظار ثبت وجوبه بالآية، فلابد من حمل هذه الآية على فائدةٍ جديدةٍ، ولأن قوله: {خَيْرٌ لكُمْ} إنما يليق بالمندوب، لا بالواجب. وقيل: برأس المال على الغريم، إذ لا يصحُّ التصدق به على غيره؛ كقوله تعالى: {وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى} [البقرة: 237].
قوله: {إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} جوابه محذوفٌ، و{أنْ تَصَدَّقُوا} بتأويل مصدرٍ مبتدأ، وخيرٌ لكم خبره.

.فصل في تقدير مفعول {تعلمون} ونصب {يومًا}:

وتقدير مفعول {تَعْلَمُونَ} فيه وجوه:
أحدها: إن كنتم تعلمون أنَّ هذا التصدُّق خير لكم إن عملتموه.
الثاني: إن كنتم تعلمون فضل التصدُّق على الإنظار والقبض.
الثالث: إن كنتم تعلمون أنَّ ما يأمركم به ربُّكم أصلح لكم. اهـ. بتصرف.

.أبحاث تتعلق بالآية:

.بحث نفيس يقتضيه المقام لحجة الإسلام الغزالي في بيان دقائق الآداب الباطنة في الزكاة:

قال عليه الرحمة:
اعلم أن على مريد طريق الآخرة بزكاته وظائف:
الوظيفة الأولى فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وأنها لم جعلت من مباني الإسلام مع أنها تصرف مالي وليست من عبادة الأبدان وفيه ثلاث معان:
الأول أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد وشهادة بإفراد المعبود وشرط تمام الوفاء به أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة لا تقبل الشركة والتوحيد باللسان قليل الجدوى وإنما يمتحن به درجة المحب بمفارقة المحبوب والأموال محبوبة عند الخلائق لأنها آلة تمتعهم بالدنيا وبسببها يأنسون بهذا العالم وينفرون عن الموت مع أن فيه لقاء المحبوب فامتحنوا بتصديق دعواهم في المحبوب واستنزلوا عن المال الذي هو مرموقهم ومعشوقهم ولذلك قال الله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} وذلك بالجهاد وهو مسامحة بالمهجة شوقا إلى لقاء الله عز وجل والمسامحة بالمال أهون.
ولما فهم هذا المعنى في بذل الأموال انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
قسم صدقوا التوحيد ووفوا بعهدهم ونزلوا عن جميع أموالهم فلم يدخروا دينارا ولا درهما فأبوا أن يتعرضوا لوجوب الزكاة عليهم حتى قيل لبعضهم كم يجب من الزكاة في مائتي درهم فقال أما على العوام بحكم الشرع فخمسة دراهم وأما نحن فيجب علينا بذل الجميع ولهذا تصدق أبو بكر رضي الله عنه بجميع ماله وعمر رضي الله عنه بشطر ماله فقال صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك فقال مثله وقال لأبي بكر رضي الله عنه ما أبقيت لأهلك قال الله ورسوله فقال صلى الله عليه وسلم: «بينكما ما بين كلمتيكما» فالصديق وفى بتمام الصدق فلم يمسك سوى المحبوب عنده وهو الله ورسوله.
القسم الثاني درجتهم دون درجة هذا وهم الممسكون أموالهم المراقبون لمواقيت الحاجات ومواسم الخيرات فيكون قصدهم في الادخار الإنفاق على قدر الحاجة دون التنعم وصرف الفاضل عن الحاجة إلى وجوه البر مهما ظهر وجوهها وهؤلاء لا يقتصرون على مقدار الزكاة.
وقد ذهب جماعة من التابعين إلى أن في المال حقوقا سوى الزكاة كالنخعي والشعبي وعطاء ومجاهد قال الشعبي بعد أن قيل له هل في المال حق سوى الزكاة قال نعم أما سمعت قوله عز وجل: {وآتى المال على حبه ذوي القربى} الآية.
واستدلوا بقوله عز وجل: {ومما رزقناهم ينفقون} وبقوله تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم} وزعموا أن ذلك غير منسوخ بآية الزكاة بل هو داخل في حق المسلم على المسلم ومعناه أنه يجب على الموسر مهما وجد محتاجا أن يزيل حاجته فضلا عن مال الزكاة والذي يصح في الفقه من هذا الباب أنه مهما أرهقته حاجته كانت إزالتها فرض كفاية إذ لا يجوز تضييع مسلم ولكن يحتمل أن يقال ليس على الموسر إلا تسليم ما يزيل الحاجة فرضا ولا يلزمه بذله بعد أن أسقط الزكاة عن نفسه ويحتمل أن يقال يلزمه بذله في الحال ولا يجوز له الاقتراض أي لا يجوز له تكليف الفقير قبول القرض وهذا مختلف فيه والاقتراض نزول إلى الدرجة الأخيرة من درجات العوام وهي درجة القسم الثالث الذين يقتصرون على أداء الواجب فلا يزيدون عليه ولا ينقصون عنه وهي أقل الرتب وقد اقتصر جميع العوام عليه لبخلهم بالمال وميلهم إليه وضعف حبهم للآخرة قال الله تعالى: {إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا} يحفكم أي يستقص عليكم فكم بين عبد اشترى منه ماله ونفسه بأن له الجنة وبين عبد لا يستقصى عليه لبخله فهذا أحد معاني أمر الله سبحانه عبادة ببذل الأموال.
المعنى الثاني التطهير من صفة البخل فإنه من المهلكات قال صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه.
وقال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} وسيأتي في ربع المهلكات وجه كونه مهلكا وكيفية التقصي منه وإنما تزول صفة البخل بأن تتعود بذل المال فحب الشيء لا ينقطع إلا بقهر النفس على مفارقته حتى يصير ذلك اعتيادا فالزكاة بهذا المعنى طهرة أي تطهر صاحبها عن خبث البخل المهلك وإنما طهارته بقدر بذله وبقدر فرحه بإخراجه واستبشاره بصرفه إلى الله تعالى.
المعنى الثالث شكر النعمة فإن لله عز وجل على عبده نعمة في نفسه وفي ماله فالعبادات البدنية شكر لنعمة البدن والمالية شكر لنعمة المال وما أخس من ينظر إلى الفقير وقد ضيق عليه الرزق وأحوج إليه ثم لا تسمح نفسه بأن يؤدي شكر الله تعالى على إغنائه عن السؤال وإحواج غيره إليه بربع العشر أو العشر من ماله. اهـ.

.بحث نفيس في مراحل تحريم الربا:

لقد تناول القرآن الحديث عن الربا في أربعة مواضع وكان أول موضع منها وحيًا مكيًّا والثلاثة الباقية مدنيًّا وها هي حسب ترتيب النزول:
الأول: بقول الله تعالى في سورة الروم المكية: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ (39)} سورة الروم.
وفيها مقارنة بين الربا والزكاة وإيماء إلى أن الربا غير مقبول عند الله.
الثاني: في سورة النساء المدنية: {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)} سورة النساء وفي هذه الآية بيان تحريم الربا عند اليهود وهذا من شأنه أن يجعل المسلمين في موقف ترقْبٍ وانتظارٍ لنهيٍ يوجه إليهم قصدًا في هذا الشأن.
الثالث: في سورة آل عمران المدنية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)}. وهنا جاء النهي صريحًا بعد التمهيدين في الموضوعين السابقين، ولكنه لم يكن إلا نهيًا جزئيًا عن الربا المتفشي بين الناس، وبهذا النهي عن الربا الفظيع تهيئت النفوس وأصبحت مستعدة لتقبل النهي العام الشامل لكل ربا قلّ أو كثر، وهذا ما ورد في الآيات التي ختم بها التشريع بالربا وهو الموضوع الرابع.
الرابع: في سورة البقرة المدنية وهي قوله تعالى في الآيات 275- 281 {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281)} سورة البقرة.
وقد ثبت أن هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} آخر ما نزل من القرآن كما في صحيح البخاري عن ابن عباس، وكما روى ابن جرير وغيره عن سيدنا عمر وسيأتي نصه.
وقد مال الدكتور محمد بن محمد أبو شهبة إلى أن الآيات السابقة في النساء وآل عمران يحتمل نزولها مع هذه الآيات في البقرة لأنها نفّرت من الربا وصورت المرابين بأبشع صورة وأبطلت شبهاتهم التي كانوا يتعلقون بها وبذلك لم يبق لهم معذرة يتعللون بها ولا شبهة يتمسكون بها.
وأيًّا كان من احتمال نزول الآيات مقترنات أو سابقات ولاحقات فإن تحريم الربا لم يكن دفعة واحدة، وأن الآية في تحريم الربا أضعافًا مضاعفة كانت نازلة في سياق تحريم الربا بالتدريج وللصورة الشائعة منها لا للصورة الوحيدة المتعامل بها، وتأكيدًا لذلك فإن المفسرين أشاروا إلى أن غالب ما كان يُتعامل به من الربا أن الرجل في الجاهلية كان إذا داين إنسانًا وحلّ أجل دينه قال له إما أن تقضي وإما أن تزيدني في المال وأزيدك في الأجل، يقول الشوكاني في تفسيره عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة البقرة 275].
وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه أتقضي أو تربي؟ فإذا لم يقض زاد مقدارًا في المال الذي عليه فأخّر له الأجل إلى حين وهذا حرام بالاتفاق.
فلاحظ قوله «وغالب ما كان تفعله الجاهلية» يدل على وجود صور أخرى للربا ولكن لم تكن شائعة، إذن فالقول بأن العرب قبل الإسلام لم يكونوا يعرفون إلا الربا الفاحش الذي يساوي رأس المال أو يزيد عليه لا يصح إلا إذا أغضضنا نظرنا عما لا يُحصى من الشواهد التي نقلها أقدم المفسرين وأجدرهم بالثقة وقد كان الشعب العبراني الذي يعيش مع الشعب العربي في صلة دائمة منذ القدم يفهم من كلمة الربا كل زيادة على رأس المال قلّت أو كثرت وهذا هو المعنى الحقيقي والاشتقاقي للكلمة، أما تخصيصها بالربا الفاحش هو اصطلاح حادث يعرف ذلك كل مطلع على تاريخ التشريع. اهـ.