فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الفراء: وقوله تعالى: {ترجعونها} هو جواب لقوله تعالى: {فلولا إِذا بلغت الحلقوم} ولقوله تعالى: {فلولا إن كنتم غير مدينين} فإنهما أجيبتا بجواب واحد.
ومثله قوله تعالى: {فإما يأتينّكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم} [البقرة: 38] ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت فقال تعالى: {فأما إِن كان} يعني: الذي بلغت نَفْسه الحلقوم {من المقربين} عند الله.
قال أبو العالية: هم السابقون {فَرَوْحٌ} أي: فَلَهُ رَوْحٌ.
والجمهور يفتحون الراء.
وفي معناها ستة أقوال.
أحدها: الفرح، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: الراحة، رواه أبو طلحة عن ابن عباس.
والثالث: المغفرة والرحمة، رواه العوفي عن ابن عباس.
والرابع: الجنة، قاله مجاهد.
والخامس: رَوْحٌ من الغَمّ الذي كانوا فيه، قاله محمد بن كعب.
والسادس: رَوْح في القبر، أي: طيب نسيم، قاله ابن قتيبة.
وقرأ أبو بكر الصديق، وأبو رزين، والحسن، وعكرمة، وابن يعمر، وقتادة، ورويس عن يعقوب، وابن أبي سُريج عن الكسائي: {فَرُوْحٌ} برفع الراء.
وفي معنى هذه القراءة قولان.
أحدهما: أن معناها: فرحمة، قاله قتادة.
والثاني: فحياة وبقاءٌ، قاله ابن قتيبة.
وقال الزجاج: معناه: فحياة دائمة لا موت معها.
وفي {الريحانِ} أربعة أقوال.
أحدها: أنه الرزق، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: أنه المستراح، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أنه الجنة، قاله مجاهد، وقتادة.
والرابع: أنه الريحان المشموم.
وقال أبو العالية: لا يخرج أحد من المقربين من الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة، فيشمه، ثم تقبض فيه روحه، وإلى نحو هذا ذهب الحسن.
وقال أبو عمران الجوني: بلغنا أن المؤمن إذا قبض روحه تلقى بضبائر الريحان من الجنة، فتجعل روحه فيه.
قوله تعالى: {فسلام لك من أصحاب اليمين} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: فسلامة لك من العذاب، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: تسلِّم عليه الملائكة، وتخبره أنه من أصحاب اليمين، قاله عطاء.
والثالث: أن المعنى: أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة.
وقد علمت ما أُعدَّ لهم من الجزاء، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {وأما إن كان من المكذّبين} أي: بالبعث {الضّالّينَ} عن الهدى {فنُزل} وقد بيَّناه في هذه السورة [الواقعة: 56].
قوله تعالى: {إن هذا} يعني: ما ذكر في هذه السورة {لهو حق اليقين} أي: هو اليقين حقًا، فأضافه إلى نفسه، كقولك: صلاة الأولى، وصلاة العصر، ومثله: {ولَدَار الآخرة} [يوسف: 109] وقد سبق هذا المعنى وقال قوم: معناه: وإنه للمتقين حقًا.
وقيل للحق: اليقين.
قوله تعالى: {فسبح باسم ربك} قد ذكرناه في هذه السورة [الواقعة: 74]. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {إذا وقعت الواقعة} يعني إذا قامت القيامة وقيل إذا نزلت صيحة القيامة وهي النفخة الأخيرة وقيل الواقعة اسم للقيامة كالآزفة، {ليس لوقعتها} يعني لمجيئها {كاذبة} يعني ليس لها كذب والمعنى أنها تقع حقًا وصدقًا وقيل معناه ليس لوقعتها قصة كاذبة أي كل ما أخبر الله عنها وقص من خبرها قصة صادقة غير كاذبة وقيل معناه ليس لوقعتها نفس كاذبة أي إن كل من يخبر عن وقوعها صادق غير كاذب لم تكذب نفس أخبرت عن وقوعها، {خافضة رافعة} أي تخفض أقوامًا إلى النار وترفع أقوامًا إلى الجنة وقال ابن عباس تخفض أقوامًا كانوا في الدنيا مرتفعين وترفع أقوامًا كانوا في الدنيا مستضعفين وقيل تخفض أقوامًا بالمعصية وترفع أقوامًا بالطاعة، {إذا رجت الأرض رجًا} أي إذا حركت وزلزلت زلزالًا وذلك أن الله إذا أوحى إليها اضطربت فرقًا وخوفًا قال المفسرون ترج كما يرج الصبي في المهد حتى ينهدم كل بناء عليها وينكسر كل ما فيها من جبال وغيرها وهو قوله تعالى: {وبست الجبال بسا} أي فتتت حتى صارت كالدقيق المبسوس وهو المبلول وقيل صارت كثيبًا مهبلًا بعد أن كانت شامخة وقيل معناه قلعت من أصلها وسيرت على وجه الأرض حتى ذهب بها {فكانت هباء منبثًا} أي غبارًا متفرقًا كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل الكوة وهو الهباء، {وكنتم أزواجًا} أي أصنافًا {ثلاثة} ثم فسر الأزواج فقال تعالى: {فأصحاب الميمنة} يعني أصحاب اليمين.
والميمنة ناحية اليمين وهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وقال ابن عباس هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه وقال الله تعالى: «هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي» وقيل هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم وقيل هم الذين كانوا ميامين أي مباركين على أنفسهم وكانت أعمالهم صالحة في طاعة الله وهم التابعون بإحسان {ما أصحاب الميمنة} تعجيب من حالهم في السعادة.
والمعنى أي شيء هم.
{وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} يعني أصحاب الشمال وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار وقال ابن عباس هم الذين كانوا على شمال آدم عند إخراج الذرية وقال الله تعالى لهم: «هؤلاء إلى النار ولا أبالي» وقيل هم الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم وقيل هم المشائيم على أنفسهم وكانت أعمالهم في المعاصي لأن العرب تسمي اليد اليسرى الشؤمى، {والسابقون السابقون} قال ابن عباس هم السابقون إلى الهجرة السابقون في الآخرة إلى الجنة وقيل هم السابقون إلى الإسلام وقيل هم الذين صلوا إلى القبلتين من المهاجرين والأنصار وقيل هم السابقون إلى الصلوات الخمس وقيل إلى الجهاد وقيل هم المسارعون إلى التوبة وإلى ما دعا الله إليه من أعمال البر والخير وقيل هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة.
فإن قلت لمَ أخر ذكر السابقين وكانوا أولى بالتقديم عن أصحاب اليمين.
قلت فيه لطيفة وذلك أن الله تعالى ذكر في أول السورة من الأمور الهائلة عند قيام الساعة تخويفًا لعباده فإما محسن فيزداد رغبة في الثواب وإما مسيء فيرجع عن إساءته خوفًا من العقاب فلذلك قدم أصحاب اليمين ليسمعوا ويرغبوا ثم ذكر أصحاب الشمال ليرهبوا ثم ذكر السابقين وهم الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر ليجتهد أصحاب اليمين في القرب من جهنم ثم أثنى على السابقين فقال تعالى: {أولئك المقربون} يعني من الله في جواره وفي ظل عرشه ودار كرامته وهو قوله: {في جنات النعيم} قوله تعالى: {ثلة} أي جماعة غير محصورة العدد، {من الأولين} يعني من الأمم الماضية من لدن آدم إلى زمن نبينا {وقليل من الآخرين} يعني من هذه الأمة وذلك لأن الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدقوهم من الأمم الماضية أكثر ممن عاين النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به وقيل إن الأولين هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل من الآخرين أي ممن جاء بعدهم من الصحابة، {على سرر موضونة} أي منسوجة من الذهب والجوهر وقيل موضونة يعني مصفوفة {متكئين عليها} أي على السرر {متقابلين} يعني لا ينظر بعضهم في قفا بعض وصفوا بحسن العشرة في المجالسة وقيل لأنهم صاروا أرواحًا نورانية صافية ليس لهم أدبار وظهور.
{يطوف عليهم} أي للخدمة {ولدان} أي غلمان {مخلدون} لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون ولا ينتقلون من حالة إلى حالة وقيل مخلدون مفرطون والخلد القرط وهو الحلقة تعلق في الأذن واختلفوا في هؤلاء الولدان فقيل هم أولاد المؤمنين الذين ماتوا أطفالًا وفيه ضعف لأن الله أخبر أنه يلحقهم بآبائهم ولأن من المؤمنين من لا ولد له فلو خدمه ولد غيره كان منقصة بأبي الخادم وقيل هم صغار الكفار الذين ماتوا قبل التكليف وهذا القول أقرب من الأول لأنه قد اختلف في أولاد المشركين على ثلاثة مذاهب فقال الأكثرون هم في النار تبعًا لآبائهم وتوقف فيهم طائفة والمذهب الثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة ولكل مذهب دليل ليس هذا موضعه، وقيل هم أطفال ماتوا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها ومن قال بهذه الأقوال يعلل بأن الجنة ليس فيها ولادة والقول الصحيح الذي لا معدل عنه إن شاء الله إنهم ولدان خلقوا في الجنة لخدمة أهل الجنة كالحور وإن لم يولدوا ولم يحصلوا عن ولادة أطلق عليهم اسم الولدان لأن العرب تسمي الغلام وليدًا ما لم يحتلم والأمة وليدة وإن أسنت، {بأكواب} جمع كوب وهي الأقداح المستديرة الأفواه لا آذان لها ولا عرا {وأباريق} جمع إبريق وهي ذوات الخراطيم والعرا سميت أباريق لبريق لونها من الصفاء وقيل لأنها يرى باطنها كما يرى ظاهرها، {وكأس من معين} أي من خمرة جارية {لا يصدعون عنها} أي لا تصدع رؤوسهم من شربها وعنها كناية عن الكأس وقيل لا يتفرقون عنها {ولا ينزفون} أي لا يغلب على عقولهم ولا يسكرون منها وقرئ بكسر الزاي ومعناه لا ينفد شرابهم، {وفاكهة مما يتخيرون} أي يأخذون خيارها {ولحم طير مما يشتهون} قال ابن عباس يخطر على قلبه لحم الطير فيطير ممثلًا بين يديه على ما اشتهى وقيل إنه يقع على صحفة الرجل فيأكل منه ما يشتهي ثم يطير.
فإن قلت هل في تخصيص الفاكهة بالتخير واللحم بالاشتهاء بلاغة؟.
قلت نعم وكيف لا وفي كل حرف من حروف القرآن بلاغة وفصاحة والذي يظهر فيه أن اللحم والفاكهة إذا حضرا عند الجائع تميل نفسه إلى اللحم وإذا حضرا عند الشبعان تميل نفسه إلى الفاكهة فالجائع مشته والشبعان غير مشته بل هو مختار وأهل الجنة إنما يأكلون لا من جوع بل للتفكه فميلهم إلى الفاكهة أكثر فيتخيرنها ولهذا ذكرت في مواضع كثيرة من القرآن بخلاف اللحم وإذا اشتهاه حضر بين يديه على ما يشتهيه فتميل نفسه إليه أدنى ميل ولهذا قدم الفاكهة على اللحم والله أعلم، {وحور عين} أي ويطوف عليهم حور عين وقيل لهم حور عين وجاء في تفسير حور أي بيض عين أي ضخام العيون {كأمثال اللؤلؤ المكنون} أي المخزون في الصدف المصون الذي لم تمسه الأيدي ولم تقع عليه الشمس والهواء فيكون في نهاية الصفاء روي «أنه سطع نور في الجنة فقيل ما هذا؟ قيل ضوء ثغر حوراء ضحكت» وروي «أن الحوراء إذا مشت يسمع تقديس الخلاخل من ساقيها وتمجيد الأسورة من ساعديها وإن عقد الياقوت يضحك من نحرها وفي رجليها نعلان من ذهب شراكها من لؤلؤ يصران بالتسبيح».
{جزاء بما كانوا يعملون} أي فعلنا ذلك بهم جزاء بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعتنا {لا يسمعون فيها} أي في الجنة، {لغوًا} قيل اللغو ما يرغب عنه من الكلام ويستحق أن يلغى وقيل هو القبيح من القول والمعنى ليس فيها لغو فيسمع {ولا تأثيمًا} قيل معناه أن بعضهم لا يقول لبعض أثمت لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم كما يتكلم به أهل الدنيا وقيل معناه لا يأتون تأثيمًا أي ما هو سبب التأثيم من قول أو فعل قبيح {إلا قيلًا} معناه لكن يقولون قيلًا أو يسمعون قيلًا {سلامًا سلامًا} يعني يسلم بعضهم على بعض وقيل تسلم الملائكة عليهم أو يرسل الرب بالسلام إليهم وقيل معناه أن قولهم يسلم في اللغو.
ثم ذكر أصحاب اليمين وعجب من شأنهم فقال تعالى: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} لما بين حال السابقين شرع في بيان حال أصحاب اليمين فقال تعالى: {في سدر مخضود} أي لا شوك فيه كأنه خضد شوكه أي قطع ونزع منه وهذا قول ابن عباس وقيل هو الموقر حملًا قيل ثمرها أعظم من القلال وهو النبق قيل لما نظر المسلمون إلى وج وهو واد مخصب بالطائف فأعجبهم سدره فقالوا ليت لنا مثل هذا فأنزل الله هذه الآية {وطلح} قيل هو الموز عند أكثر المفسرين وقيل هو شجر له ظل بارد طيب وقيل هو شجر أم غيلان له شوك ونور طيب الرائحة فخوطبوا ووعدوا بمثل ما يحبون ويعرفون إلا أن فضله على شجر الدنيا كفضل الجنة على الدنيا {منضود} أي متراكم قد نضد بالحمل من أوله إلى آخره ليست له سوق بارزة بل من عروقه إلى أغصانه ثمر وليس شيء من ثمر الجنة في غلاف كثمر الدنيا مثل الباقلاء والجوز ونحوهما بل كلها مأكول ومشروب ومشموم ومنظور إليه، {وظل ممدود} أي دائم لا تنسخه كظل أهل الدنيا وذلك لأن الجنة ظل كلها لا شمس فيها.