فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: قل سبحان ربي العظيم وجاء مرفوعًا أنه لما نزلت هذه الآية قال: اجعلوها في ركوعكم.
{فَلاَ أُقْسِمُ} أي فأقسم و(لا) مزيدة مؤكدة مثلها قوله: {لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب}.
[الحديد: 29] وقرئ {فلأقسم} ومعناه فلأَنا أقسم، اللام لام الابتداء دخلت على جملة من مبتدأ وخبر وهي (أنا أقسم)، ثم حذف المبتدأ.
ولا يصح أن تكون اللام لام القسم لأن حقها أن تكون اللام لام القسم لأن حقها أن تقرن بها النون المؤكدة {بمواقع النجوم} بمساقطها ومغاربها {بموقع} حمزة وعلي، ولعل لله تعالى في آخر الليل إذا انحطت النجوم إلى المغرب أفعالًا مخصوصة عظيمة أو للملائكة عبادات موصوفة، أو لأنه وقت قيام المتهجدين ونزول الرحمة والرضوان عليهم فلذلك أقسم بمواقعها واستعظم ذلك بقوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} وهو اعتراض في اعتراض لأنه اعترض به بين القسم والمقسم عليه وهو قوله: {إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ} حسن مرضي أو نفاع جم المنافع أو كريم على الله، واعترض بـ: {لَّوْ تَعْلَمُونَ} بين الموصوف وصفته {فِى كتاب} أي اللوح المحفوظ {مَّكْنُونٌ} مصون عن أن يأتيه الباطل أو من غير المقربين من الملائكة لا يطلع عليه من سواهم {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون} من جميع الأدناس أدناس الذنوب وغيرها إن جعلت الجملة صفة لـ: {كتاب مَّكْنُونٍ} وهو اللوح، وإن جعلتها صفة للقرآن فالمعنى لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على الطهارة من الناس والمراد مس المكتوب منه {تَنزِيلَ} صفة رابعة للقرآن أي منزل {مِن رَّبّ العالمين} أو وصف بالمصدر لأنه نزل نجومًا من بين سائر كتب الله فكأنه في نفسه تنزيل ولذلك جرى مجرى بعض أسمائه فقيل: جاء في التنزيل كذا ونطق به التنزيل، أو هو تنزيل على حذف المبتدأ.
{أفبهذا الحديث} أي القرآن {أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} متهاونون به كمن يدهن في بعض الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونًا به {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ} أي تجعلون شكر رزقكم التكذيب أي وضعتم التكذيب موضع الشكر.
وفي قراءة علي رضي الله عنه وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ} أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به.
وقيل: نزلت في الأنواء ونسبتهم السقيا إليهم والرزق المطر أي وتجعلون شكر ما يرزقكم الله من الغيث أنكم تكذبون بكونه من الله حيث تنسبونه إلى النجوم.
{فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ} النفس أي الروح عند الموت {الحلقوم} ممر الطعام والشراب {وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} الخطاب لمن حضر الميت تلك الساعة {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} إلى المحتضر {مِنكُمْ ولكن لاَّ تُبْصِرُونَ} لا تعقلون ولا تعلمون {فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} مربوبين من دان السلطان الرعية إذا ساسهم {تَرْجِعُونَهَا} تردون النفس وهي الروح إلى الجسد بعد بلوغ الحلقوم {إِن كُنتُمْ صادقين} أنكم غير مربوبين مقهورين.
{فَلَوْلا} في الآيتين للتحضيض يستدعي فعلًا وذا قوله: {تَرْجِعُونَهَا} واكتفى بذكره مرة، وترتيب الآية فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين، و{فَلَوْلا} الثانية مكررة للتأكيد ونحن أقرب إليه منكم يا أهل الميت بقدرتنا وعلمنا أو بملائكة الموت، والمعنى أنكم في جحودكم آيات الله في كل شيء، إن أنزل عليكم كتابًا معجزًا قلتم سحر وافتراء، وإن أرسل إليكم رسولًا صادقًا قلتم ساحر كذاب، وإن رزقكم مطرًا يحييكم به قلتم صدق نوء كذا على مذهب يؤدي إلى الإهمال والتعطيل، فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن بعد بلوغه الحلقوم إن لم يكن ثمة قابض وكنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمحيي المميت المبدىء المعيد؟.
{فَأَمَّا إِن كَانَ} المتوفي {مِنَ المقربين} من السابقين من الأزواج الثلاثة المذكورة في أول السورة {فَرَوْحٌ} فله استراحة {وَرَيْحَانٌ} ورزق {وجنات نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أصحاب اليمين فسلام لَّكَ مِنْ أصحاب اليمين} أي فسلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين أي يسلمون عليك كقوله: {إِلاَّ قِيلًا سلاما سلاما} {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضالين} هم الصنف الثالث من الأزواج الثلاثة وهم الذين قيل لهم في هذه السورة {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالون المكذبون} {فَنُزُلٌ مّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} أي إدخال فيها.
وفي هذه الآيات إشارة إلى أن الكفر كله ملة واحدة، وأن أصحاب الكبائر من أصحاب اليمين لأنهم غير مكذبين {إِنَّ هَذَا} الذي أنزل في هذه السورة {لَهُوَ حَقُّ اليقين} أي الحق الثابت من اليقين {فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم} رُوي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل على ابن مسعود رضي الله عنه في مرض موته فقال له: ما تشتكي؟ فقال: ذنوبي.
فقال: ما تشتهي؟ قال: رحمة ربي.
قال: أفلا تدعو الطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني.
فقال: ألا نأمر بعطائك؟ قال: لا حاجة لي فيه.
قال: ندفعه إلى بناتك.
قال: لا حاجة لهن فيه قد أمرتهن أن يقرآن سورة الواقعة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا» وليس في هذه السور الثلاث ذكر الله: اقتربت، الرحمن، الواقعة، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

{إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} يعني إذا قامت القيامة فالواقعة اسم من أسماء القيامة، تدل على هولها كالطامة والصاخة وقيل: {الواقعة} الصيحة وهي النفخة في الصور {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} يحتمل ثلاثة أوجه: الأول: أن تكون الكاذبة مصدر كالعافية والمعنى ليس لها كذب ولا رد. الثاني أن تكون كاذبة صفة محذوف كأنه قال: ليس لها حالة كاذبة أي هي صادقة الوقوع ولابدّ، وهذا المعنى قريب من الأول. الثالث أن يكون التقدير: ليس لها نفس كاذبة أي تكذيب في إنكار البعث، لأن كل نفس تؤمن حنيئذ {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} تقديره: هي خافضة رافعة، فينبغي أن يوقف على ما قبله لبيان المعنى، والمراد بالخفض والرفع أنها تخفض أقوامًا إلى النار وترفع أقوامًا إلى الجنة، وقيل: ذلك عبارة عن هولها، لأن السماء تنشق والأرض تتزلزل وتمر، والجبال تنسف فكأنها تخفض بعض هذه الأجرام وترفع بعضها.
{إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجًّا} أي زلزلت وحركت تحريكًا شديدًا وإذا هنا بدل من إذا وقعت ويحتمل أن يكون العامل فيه خافضة رافعة {وَبُسَّتِ الجبال بَسًّا} أي فتت وقيل: سيرت {هَبَاءً مُّنبَثًّا} الهباء ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة، ولا تكاد ترى إلا في الشمس إذا دخلت على كوّة قاله ابن عباس. وقال عليّ بن أبي طالب: هو ما يتطاير من حوافر الدواب من التراب، وقيل: ما تطاير من شرر النار، فإذا طفى لم يوجد شيئًا والمنبث المتفرق.
{وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاَثَةً} هذا خطاب لجميع الناس لأنهم ينقسمون يوم القيامة إلى هذه الأصناف الثلاثة: وهم السابقون، وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال، فأما السابقون فهم: أهل الدرجات العلى في الجنة، وأما أصحاب اليمين فهم سائر أهل الجنة، وأما أصحاب الشمال فهم أهل النار {فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة} هذا ابتداء خبر فيه معنى التعظيم، كقولك: زيد ما زيد، والميمنة يحتمل أن تكون مشتقة من اليمن وهو ضد الشؤم وتكون المشأمة به مشتقة من الشؤم أو يكون الميمنة من ناحية اليمين والمشأمة من ناحية الشمال، واليد الشؤمى هي الشمال، وذلك لأن العرب تجحعل الخير من اليمين، والشر من الشمال، أو لأن أهل الجنة يحملون إلى جهة اليمين، وأهل النار يحملون إلى جهة الشمال، أو يكون من أخذ الكتاب باليمين أو الشمال {والسابقون السابقون} الأول متبدأ والثاني خبره على وجه العظيم كقولك: أنت أنت أو على معنى أن السابقين إلى طاعة الله هم السابقون إلى الجنة، وقيل: إن السابقون الثاني صفة للأول أو تأكيدًا، والخبر {أولئك المقربون}، والأرجح أن يكون الثاني خبر الأول لأنه في مقابلة قوله: {فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة}، {وَأَصْحَابُ المشأمة مَآ أَصْحَابُ المشأمة}، وعلى هذا يوقف على السابقون الثاني ويبتدئ بما بعده.
{ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين} الثلة الجماعة من الناس، فالمعنى أن السابقين من الأولين أكثر من السابقين من الآخرين، والأولون هم أول هذه الأمة والآخرون المتأخرون من هذه الأمة، والدليل على ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الفرقتان في أمتي. وذلك لأن صدر هذه الأمة خير ممن بعدهم فكثر السابقون من السلف الصالح، وقلوا بعد ذلك ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» وقيل إن الفرقتين في أمة كل نبيّ فالسابقون في كل أمة يكثرون في أولها ويقلون في آخرها، وقيل: إن الأولين هم من كان قبل هذه الأمة، والآخرين هم هذه الأمة، فيقتضي هذا أن السابقين من الأمم المتقدمة أكثر من السابقين من هذه الأمة وهذا بعيد، وقيل: إن السابقين يراد بهم الأنبياء، لأنهم كانوا في أول الزمان أكثر مما كاوا في آخره: {على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} السرر جمع سرير والموضونة المنسوجة وقيل: المشبكة بالدر والياقوت، وقيل معناه متواصلة قد أدنى بعضها من بعض {مُتَقَابِلِينَ} أي وجوه بعضهم إلى بعض {وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} الولدان صغار الخدم، والمخلدون الذين لا يموتون، وقيل المقرطون بالخلدات وهي ضرب من الأقراط، والأول أظهر {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} الأكواب جمع كوب، وهو الإناء وهو الذي لا أذن له ولا خرطوم يمسك به، والأباريق جمع إبريق وهو الإناء الذي له خرطوم أو أذن يمسك {وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} ذكر في [الصافات: 45].
{لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ} أي لا يلحق رؤوسهم الصداع الذي يصيب من خمر الدنيا، وقيل لا يفرقون عنها فهو من الصدع وهو الفرقة، ومعنى لا يُنْزَفون لا يسكرون.
{وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} قيل: يتخيرون ما شاؤوا لكثرتها، وقيل: مخيرة مرضية.
{حُورٌ عِينٌ} فدمنا معناه، والقراءة بالرفع على تقدير فيها حور، أو عطف على الضمير في متكئين، أو على ولدان وقرأ حمزة والكسائي {حور} بالخفض عطف على المعنى كأنه قال: ينعمون بهذا كله وبحور عين، وقيل: خفض على الجوار.
{كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون} شبههن باللؤلؤ في البياض ووصفه بالمكنون؛ لأنه أبعد عن تغيير حسنه، وسألت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا التشبيه فقال: «صفاؤهن كصفاء الدر من الأصداف الذي لا تمسه الأيدي».
{لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا} اللغو الكلام الساقط كالفحش وغيره، والتأثيم مصدر بمعنى لا يؤثم أحد هناك نفسه ولا غيره {إِلاَّ قِيلًا سَلاَمًا سَلاَمًا} انتصب سلامًا على أنه بدل من قيلًا أو صفة له أو مفعول به لقيلا، لأن معناه قولا، ومعنى السلام على هذا التحية، والمعنى أنهم يفشون السلام فيسلمون سلامًا بعد سلام، ويحتمل أن يكون معناه السلامة، فينتصب بفعل مضمر تقديره إسلموا سلامًا.
{وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين} هذا مبتدأ وخبره قصد به التعظيم فيوقف عليه، ويبتدأ بما بعده ويحتمل أن يكون الخبر في {سِدْرٍ}، ويكون {مَآ أَصْحَابُ اليمين} اعتراضًا، والأول أحسن، وكذلك إعراب أصحاب الشمال {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} السدر شجر معروف، قال ابن عطية هو الذي يقال له شجر أم غيلان النبق وهو كثير في بلاد المشرق وهي في بعض بلاد الأندلس دون بعض، والمخضود الذي لا شوك له كأنه خضد شوكه، وذلك أن سدر الدنيا له شوك، فوصف سدر الجنة بضد ذلك وقيل: المخضود هو الموقَر الذي انثنت أغصانه من كثرة حمله، فهو على هذا من خضد الغصن إذا ثناه {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} الطلح شجر عظيم كثير الشوك، قاله ابن عطية وقال الزمخشري هو شجر الموز، وحكى ابن عطية هذا عن علي بن أبي طالب وابن عباس وقرأ على بن أبي طالب: {وطلح منضود} بالعين فقيل له إنما هو، وطلح بالحاء فقال: ما للطلح والجنة فقيل له أنصلحها في المصحف فقال: المصحف فقال: المصحف اليوم لا يغيّر، والمنضود الذي تنضد بالثمر من أعلاه إلى أسفله، حتى لايظهر له ساق {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} أي منبسط لا يزول لأنه لا تنسخه الشمس، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها» إقرؤوا إن شئتم {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ}. {وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ}: أي مصبوب، وذلك عبارة عن كثرته وقيل: المعنى أنه جار في غير أخاديد وقيل: المعنى أنه يجري من غير ساقية ولا دلو ولا تعب.