فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم} لولا هنا عرض والضمير في بلغت للنفس، لأن سياق الكلام يقتضي ذلك وبلوغها للحلقوم حين الموت، والفعل الذي دخلت عليه لولا هو قوله: {تَرْجِعُونَهَآ} أي: هلا رددتم النفس حين الموت، ومعنى الآية احتجاج على البشر وإظهار لعجزهم لأنهم إذا حضر أحدهم الموت لم يقدروا أن يردوا روحه إلى جسده، وذلك دليل على أنهم عبيد مقهورون {وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} هذا خطاب لمن يحضر الميت من أقاربه وغيرهم، يعني تنظرون إليه ولا تقدرون له على شيء {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} يحتمل أن يريد قرب نفسه تعالى بعلمه واطلاعه، أو قرب الملائكة الذين يقبضون الأرواح، فيكون من قرب المسافة {ولكن لاَّ تُبْصِرُونَ} إن أراد بقوله (نحن أقرب الملائكة) فقوله: {لاَّ تُبْصِرُونَ} من رؤية العين، وإن أراد نفسه تعالى فهو من رؤية القلب.
{فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} لولا هنا عرض كالأولى وكررت للتأكيد والبيان لما طال الكلام، والفعل الذي دخلت عليه لولا الأولى والثانية قوله: {تَرْجِعُونَهَآ} أي: هلا رددتم النفس إلى الجسد إذا بلغت الحلقوم؛ إن كنتم غير مدينين، وغير مربوبين ومقهورين، فافعلوا ذلك إن كنتم صادقين في كفركم. وترتيب الكلام: فلولا ترجعون النفس إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين فارجعوا إن كنتم صادقين.
{فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المقربين} الضمير في كان للمتوفي وكرر هنا ما ذكره في أول السورة من تقسيم الناس إلى ثلاثة أصنام السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فالمراد بالمقربين هنا السابقون المذكورون هناك {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} الروح الاستراحة وقيل: الرحمة روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {فَرُوحٌ} بضم الراء ومعناه الرحمة وقيل: الخلود أي بقاء الروح وأما الريحان فقيل: إنه الرزق وقيل: الاستراحة وقيل: الطيب وقيل الريحان المعروف وفي قوله: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} ضرب من ضروب التجنيس.
{فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين} معنى هذا على الجملة نجاة أصحاب اليمين وسعادتهم، والسلام هنا يحتمل أن يكون بمعنى السلامة أو التحية، والخطاب في ذلك يحتمل أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم أو لأحد من أصحاب اليمين؛ فإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فالسلام بمعنى السلامة والمعنى: سلام لك يا محمد منهم أي لا ترى منهم إلا السلامة من العذاب، وإن كان الخطاب لأحد من أصحاب اليمين فالسلام بمعنى التحية والمعنى: سلام لك أي تحية لك يا صاحب اليمين من إخوانك، وهم أصحاب اليمين، أي يسلمون عليك فهو كقوله: {إِلاَّ قِيلًا سَلاَمًا سَلاَمًا} [الواقعة: 26]، أو يكون بمعنى السلامة والتقدير: سلامة لك يا صاحب اليمين، ثم يكون قوله: {مِنْ أَصْحَابِ اليمين} خبر ابتداء مضمر تقديره أنت من أصحاب اليمين.
{وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضآلين} يعني الكفار وهم أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة {فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ} النزل أول شيء يقدّم للضيف.
{إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين} الإشارة إلى تضمنته هذه السورة من أحوال الخلق في الآخرة، وحق اليقين معناه: الثابت من اليقين، وقيل: إن الحق واليقين بمعنى واحد، فهو من إضافة الشيء إلى نفسه كقوله: مسجد الجامع، واختار ابن عطية أن يكون كقولك في أمر توكده: هذا يقين اليقين أو صواب الصواب، بمعنى أنه نهاية الصواب.
«{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} قال عليه السلام: اجعلوها في سجودكم» فلذلك استحب مالك وغيره أن يقول في السجود سبحان ربي الأعلى وفي الركوع سبحان ربي العظيم وأوجبه الظاهرية، ويحتمل أن يكون المعنى تسبيح الله بذكر أسمائه، والاسم هنا جنس الأسماء والتعظيم صفة للرب أو يكون الاسم هنا واحدًا والعظيم صفة له، وكأنه أمره أن يسبح بالاسم الأعظم. ويؤيد هذا ويشير إليه اتصال سورة الحديد بها وفي أولها التسبيح وجملة من أسماء الله وصفاته، قال ابن عباس: اسم الله العظيم الأعظم موجود في ست آيات من أول سرة الحديد، وروي أن الدعاء عند قراءتها مستجاب. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة الواقعة مكية وآيها ست وتسعون آية.
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.
{إِذَا وَقَعَتِ الواقعة}.
إذا حدثت القيامة، سماها واقعة لتحقق وقوعها وانتصاب {إِذَا} بمحذوف مثل اذكر أو كان كيت وكيت.
{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} أي لا يكون حين تقع نفس تكذب على الله تعالى، أو تكذب في نفيها كما تكذب الآن، واللام مثلها في قوله تعالى: {قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} أو ليس لأحد في وقعتها كاذبة فإنه من أخبر عنها صدق، أو ليس لها حينئذ نفس تحدث صاحبها بإطاقة شدتها واحتمالها وتغريه عليها من قولهم: كذبت فلانًا نفسه في الخطب العظيم، إذا شجعته عليه وسولت له أنه يطيقه.
{خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} تخفض قومًا وترفع آخرين، وهو تقرير لعظمتها فإن الوقائع العظام كذلك، أو بيان لما يكون حينئذ من خفض أعداء الله ورفع أوليائه، أو إزالة الأجرام عن مقارها بنثر الكواكب وتسيير الجبال في الجو، وقرئتا بالنصب على الحال.
{إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجًّا} حركت تحريكًا شديدًا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل، والظرف متعلق بـ: {خَافِضَةٌ} أو بدل من {إِذَا وَقَعَتِ}.
{وَبُسَّتِ الجبال بَسًّا} أي فتتت حتى صارت كالسويق الملتوت من بس السويق إذا لته، أو سيقت وسيرت من بس الغنم إذا ساقها.
{فَكَانَتْ هَبَاء} غبارًا. {مُّنبَثًّا} منتشرًا.
{وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا} أصنافًا. {ثلاثة} وكل صنف يكون أو يذكر مع صنف آخر زوج.
{فأصحاب الميمنة مَا أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة مَا أصحاب المشئمة} فأصحاب المنزلة السنية وأصحاب المنزلة الدنيئة من تيمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل، أو {أصحاب الميمنة} و{وأصحاب المشئمة} الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم والذين يأتونها بشمائلهم، أو أصحاب اليمن والشؤم فإن السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم والأشقياء مشائيم عليها بمعصيتهم. والجملتان الاستفهاميتان خبران لما قبلهما بإقامة الظاهر مقام الضمير ومعناهما التعجب من حال الفريقين.
{والسابقون السابقون} والذين سبقوا إلى الإِيمان والطاعة بعد ظهور الحق من غير تلعثم وتوان، أو سبقوا في حيازة الفضائل والكمالات، أو الأنبياء فإنهم مقدموا أهل الأديان هم الذين عرفت حالهم وعرفت مآلهم كقول أبي النجم:
أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي

أو الذين سبقوا إلى الجنة {أُوْلَئِكَ المقربون فِي جنات النعيم} الذين قربت درجاتهم في الجنة وأعليت مراتبهم.
{ثُلَّةٌ مّنَ الأولين} أي هم كثير من الأولين يعني الأمم السالفة من لدن آدم إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
{وَقَلِيلٌ مّنَ الآخرين} يعني أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولا يخالف ذلك قوله عليه الصلاة والسلام «إن أمتي يكثرون سائر الأمم» لجواز أن يكون سابقو سائر الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة، وتابعو هذه أكثر من تابعيهم، ولا يرده قوله في أصحاب اليمين، {ثُلَّةٌ مّنَ الأولين وَثُلَّةٌ مّنَ الآخرين}. لأن كثرة الفريقين لا تنافي أكثرية أحدهما، وروي مرفوعًا أنهما من هذه الأمة، واشتقاقها من الثل وهو القطع.
{على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} خبر آخر للضمير المحذوف، وال {مَّوْضُونَةٍ} المنسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت، أو المتواصلة من الوضن وهو نسج الدرع.
{مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا متقابلين} حالان من الضمير في {على سُرُرٍ}.
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ} للخدمة. {ولدان مُّخَلَّدُونَ} مبقون أبدًا على هيئة الولدان وطراوتهم.
{بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} حال الشرب وغيره، والكوب إناء بلا عروة ولا خرطوم له، والإِبريق إناء له ذلك. {وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ} من خمر.
{لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} بخمار. {وَلاَ يُنزِفُونَ} ولا تنزف عقولهم، أو لا ينفد شرابهم. وقرأ الكوفيون بكسر الزاي {لاَّ يُصَدَّعُونَ} بمعنى لا يتصدعون أي لا يتفرقون.
{وفاكهة مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} أي يختارون.
{وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ} يتمنون.
{وَحُورٌ عِينٌ} عطف على {ولدان}، أو مبتدأ محذوف الخبر أي وفيها أو ولهم حور، وقرأ حمزة والكسائي بالجر عطفًا على {جنات} بتقدير مضاف أي هم في جنات ومصاحبة حور، أو على أكواب لأن معنى {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ ولدان مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ} ينعمون بأكواب، وقرئتا بالنصب على ويؤتون حورًا.
{كأمثال اللؤلؤ المكنون} المصون عما يضربه في الصفاء والنقاء.
{جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي يفعل ذلك كله بهم جزاء بأعمالهم.
{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} باطلًا. {وَلاَ تَأْثِيمًا} ولا نسبة إلى الإِثم أي لا يقال لهم أثمتم.
{إِلاَّ قِيلًا} أي قولا. {سلاما سلاما} بدل من {قِيلًا} كقوله تعالى: {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاَّ سلاما} أو صفته أو مفعوله بمعنى إلا أن يقولوا سلامًا، أو مصدر والتكرير للدلالة على فشو السلام بينهم. وقرئ: {سلام سلام} على الحكاية.
{وأصحاب اليمين مَا أصحاب اليمين في سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} لا شوك فيه من خضد الشوك إذا قطعه، أو مثني أغصانه من كثرة حمله من خضد الغصن إذا ثناه وهو رطب.
{وَطَلْحٍ} وشجر موز، أو أم غيلان وله أنوار كثيرة طيبة الرائحة، وقرئ بالعين. {مَّنْضُودٍ} نضد حمله من أسفله إلى أعلاه.
{وَظِلّ مَّمْدُودٍ} منبسط لا يتقلص ولا يتفاوت.
{وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ} يسكب لهم أين شاؤوا وكيف شاؤوا بلا تعب، أو مصبوب سائل كأنه لما شبه حال السابقين في التنعم بأعلى ما يتصور لأهل المدن شبه حال أصحاب اليمين بأكمل ما يتمناه أهل البوادي إشعارًا بالتفاوت بين الحالين.
{وفاكهة كَثِيرَةٍ} كثيرة الأجناس.
{لاَّ مَقْطُوعَةٍ} لا تنقطع في وقت. {وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} لا تمنع عن متناولها بوجه.
{وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} رفيعة القدر أو منضدة مرتفعة. وقيل الفرش النساء وارتفاعها أنها على الأرائك، ويدل عليه قوله: {إِنَّا أنشأناهن إِنشَاءً} أي ابتدأناهن ابتداء جديدًا من غير ولادة إبداء أو إعادة. وفي الحديث: «هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطًا رمصًا، جعلهن الله بعد الكبر أترابًا على ميلاد واحد، كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارًا» {فجعلناهن أبكارا}. {عُرُبًا} متحببات إلى أزواجهن جمع عروب، وسكن راءه حمزة وأبو بكر وروي عن نافع وعاصم مثله. {أَتْرَابًا} فإن كلهن بنات ثلاث وثلاثين وكذا أزواجهن.
{لأصحاب اليمين} متعلق بـ: {أَنشَأْنَا} أو (جعلنا)، أو صفة لـ: {أَبكارًا} أو خبر لمحذوف مثل هن أو لقوله: {ثُلَّةٌ مّنَ الأولين وَثُلَّةٌ مّنَ الآخرين} وهي على الوجه الأول خبر محذوف.
{وأصحاب الشمال مَا أصحاب الشمال في سَمُومٍ} في حر نار ينفذ في المُسام. {وَحَمِيمٍ} وماء متناه في الحرارة.
{وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} من دخان أسود يفعول من الحممة.
{لاَّ بَارِدٍ} كسائر الظل. {وَلاَ كَرِيمٍ} ولا نافع، نفى بذلك ما أوهم الظل من الاسترواح.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} منهمكين في الشهوات.
{وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم} الذنب العظيم يعني الشرك، ومنه بلغ الغلام الحنث أي الحلم ووقت المؤاخذة بالذنب، وحنث في يمينه خلاف بر فيها وتحنث إذا تأثم.
{وَكَانُواْ يِقولونَ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} كررت الهمزة للدلالة على إنكار البعث مطلقًا وخصوصًا في هذا الوقت كما دخلت العاطفة في قوله: