فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{مستخلفين فيه}: أي جعلكم سبحانه خلفاء عنه في التصرف من غير أن تملكوه أخذ الميثاق: نصب الأدلة في الأنفس والآفاق والتمكين من النظر فيها، والآيات البينات: هي القرآن، و{الفتح}: هو فتح مكة، و{الحسنى}: أي المثوبة الحسنى، وهى النصر والغنيمة في الدنيا، والجنة في الآخرة، {يقرض اللّه}: أي ينفق ماله في سبيله رجاء ثوابه.
المراد بالنور هنا: ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة من علم وعمل، {بشراكم}: أي ما تبشرون به، {انظرونا}: أي انتظرونا، وأصل الاقتباس طلب القبس: أي الجذوة من النار، والسور: الحاجز، {من قبله}: أي من جهته، بلى: أي كنتم معنا، {فتنتم أنفسكم}: أي أهلكتموها بالمعاصي والشهوات، {وتربصتم}: أي انتظرتم بالمؤمنين مصايب الزمان، {وارتبتم}: أي شككتم في أمر البعث، والأمانى: الأباطيل من طول الآمال والطمع في انتكاس الإسلام واحدها أمنية، و{الغرور} (بالفتح) الشيطان، والفدية والفداء: ما يبذل لحفظ النفس أو المال من الهلاك، {مأواكم}: أي منزلكم الذي تأوون إليه، {مولاكم}: أي أولى بكم، و{المصير}: المآل والعاقبة.
{ألم يأن}: ألم يجىء وقت ذلك من قولهم أنى الأمر أنيا وأناء وإناء إذا جاء أناه أي وقته، والخشوع: الخشية والخوف، وذكر اللّه: مواعظه، و{الحق}: هو القرآن، {والذين أوتوا الكتاب}: هم اليهود والنصارى، و{الأمد}: الزمان، وطال عليهم الأمد: أي طال العهد بينهم وبين أنبيائهم، {فقست قلوبهم}: أي صلبت وصارت كالحجارة أو أشد قسوة، {فاسقون}: أي خارجون عن حدود دينهم، رافضون لما جاء فيه من أوامر ونواه، و{الأرض الميتة}: هي التي لا تنبت شيئا، و{الآيات}: هي البينات والحجج، {تعقلون}: أي تتدبرون. {المصدقين}: أي المتصدقين بأموالهم على البائسين وذوى الحاجة، والقرض الحسن: هو الدفع بنية خالصة ابتغاء مرضاة اللّه، لا يريدون جزاء ممن أعطوه، {يضاعف لهم}: أي يضاعف اللّه لهم ثواب أعمالهم، والصدّيق: من كثر منه الصدق وصار سجية له، و{الشهداء} من قتلوا في سبيل اللّه، واحدهم شهيد.
اللعب: ما لا ثمرة له كلعب الصبيان، واللهو: ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه، {وزينة}: أي كالملابس الفاخرة، {وتفاخر}: أي بالأنساب والعظام البالية، {وتكاثر في الأموال والأولاد}: أي مباهاة بكثرة العدد والعدد، والغيث: المطر، و{الكفار}: الزراع، {يهيج}: أي يبتدئ في اليبس والجفاف بعد أن كان أخضر ناضرا، {حطاما}: أي هشيما متكسرا من يبسه، و{الغرور}: الخديعة. {فى الأرض}: أي كالجدب والفاقة، واحتلال الأجانب الظالمين، واستيلاء الحكام الفاسقين، {في أنفسكم}: أي كالمرض والفاقة، {في كتاب}: هو اللوح المحفوظ، {نبرأها}: أي نخلقها، و{تأسوا}: أي تحزنوا، {ما فاتكم}: أي من نعيم الدنيا، {ما آتاكم}: أي ما أعطاكم، والمختال: المتكبر بسبب فضيلة تراءت له من نفسه، والفخور: هو المباهي بالأشياء العارضة كالمال والجاه.
البينات: المعجزات والحجج، و{الكتاب}: أي كتب التشريع، و{الميزان}: العدل، والقسط: الحق، و{أنزلنا الحديد}: أي خلقناه، والبأس: القوة، و{ليعلم اللّه}: أي ليعلمه علم مشاهدة ووجود في الخارج قفاه: اتبعه بعد أن مضى، و{الإنجيل}: الكتاب الذي أنزل على عيسى وفيه شريعته، والمراد من الرأفة: دفع الشر، ومن الرحمة: جلب الخير، وبذا يكون بينهم مودة، والرهبانية: ترهبهم في الجبال فارّين بدينهم من الفتنة، مخلصين أنفسهم للعبادة، محتملين المشاق من الخلوة واللباس الخشن والاعتزال عن النساء والتعبد في الغيران والكهوف، وقوله: {ابتدعوها}: استحدثوها ولم تكن في دينهم، {ابتغاء رضوان اللّه}: أي طلبا لرضاه ومحبته، {فما رعوها}: أي ما حافظوا عليها.
قال المؤرّج السدوسي: الكفل: النصيب بلغة هذيل، وقال غيره بل بلغة الحبشة، وقال المفضل الضبي: أصل الكفل كساء يديره الراكب حول سنام البعير ليتمكن من القعود عليه، {لئلا يعلم}: أي لكى يعلم. اهـ. باختصار.

.قال الفراء:

سورة الحديد:
{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
قوله عز وجل: {هُوَ الأَوَّلُ}.
يريد: قبل كل شيء. {وَالآخِرُ} بعد كل شيء.
{وَالظَّاهِرُ} على كل شيء علما، وكذلك {وَالْبَاطِنُ} على كل شيء علما.
{آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
وقوله: {وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} ممّلكين فيه، وهو رزقه وعطيته.
القراء جميعا على: {وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} ولو قرئت: وقد أُخِذَ ميثاقكم. لكان صوابًا.
{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.
وقوله: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}.
يقرأ بالرفع والنصب: فمن رفعه جعل الفاء عطفا ليست بجواب كقولك: من ذا الذي يحسن ويجمل؟ ومن نصب جعله جوابا للاستفهام، والعرب تصل (مَن) في الاستفهام بـ (ذا) حتى تصير كالحرف الواحد. ورأيتها في بعض مصاحف عبد الله: منذا متصلة في الكتاب، كما وصل في كتابنا وكتاب عبد الله {يَابْنَ أُمَّ}.
{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
وقوله: {يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} أي: يضيء بين أيديهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، والباء في {بأيمانهم} في معنى في، وكذلك: عن.
وقوله: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ}.
ترفع البشرى، والجنات، ولو نويت بالبشرى النصبَ توقع عليها تبشير الملائكة، كأنه قيل لهم: أبشروا ببشراكم، ثم تنصب جناتٍ، توقع البشرى عليها.
وإن شئت نصبتها على القطع؛ لأنها نكرة من نعتِ معرفةٍ، ولو رفعتَ البشرى باليوم كقولك: اليوم بشراكم اليوم سروركم، ثم تنصب الجنات على القطع، ويكون في هذا المعنى رفع اليوم ونصبه كما قال الشاعر:
زَعم البوارِحُ أنَّ رِحلتنا غدا ** وبذاك خبرنا الغُدافُ الأسود

وقوله: {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ} وهى في قراءة عبد الله: {ذلك الفوز العظيم} بغير هو.
وفى قراءتنا {ذلك هو الفوز العظيم}: كما كان في قراءتنا {فإنَّ اللهَ هُو الغَنِىّ الحميد} وفى كتاب أهل المدينة: {فإن الله الغنى الحميد}.
{يَوْمَ يَقول الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُواْ نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ}.
وقوله: {لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظُرُونَا} وقرأها يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة {أَنْظِرُونا}. ومن أنظرت، وسائر القراء على {انْظُرُونَا} بتخفيف الألف، ومعنى: {انظرُونا}. انتظِرونا، ومعنى أنظِرونا، أخرونا كما قال: {أَنْظِرْنى إلى يوم يُبعثون}، وقد تقول العرب: (انظِرْنى) وهم يريدون: انتظرنى تقويةٌ لقراءة يحيى، قال الشاعر:
أبا هندٍ فلا تَعْجَل علينا ** وأَنْظِرنا نُخَبِّرْك اليقِينا

فمعنى هذه: انتظرنا قليلًا نخبرك؛ لأنه ليس هاهنا تأخير، إنما استماع كقولك للرجل: اسمع منى حتى أخبرك:
وقوله: {قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَاءَكُمْ}.
قال المؤمنون للكافرين: ارجعوا إلى الموضع الذي أَخذنا منه النور، فالتمسوا النور منه، فلما رجعوا ضرب الله عز وجل بينهم: بين المؤمنين والكفار بسور، وهو السور الذي يكون عليه أهل الأعراف.
وقوله: {لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} الجنة، {وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} النار، وفى قراءة عبد الله: ظاهرة من تلقائه العذاب.
{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قالواْ بَلَى وَلَاكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}.
وقوله: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} على دينكم في الدنيا، فقال المؤمنون: {بَلَى وَلَاكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} إلى آخر الآية.
{فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
وقوله: {فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ}.
القراء على الياء، وقد قال بعض أهل الحجاز لا تؤخذ والفدية مشتقة من الفداء، فإذا تقدم الفعل قبل الفدية والشفاعة والصيحة والبينة وما أشبه ذلك، فإنك مؤنث فعله وتذكّره، قد جاء الكتاب بكل ذلك.
وقوله عز وجل: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} أى: هي أولى بكم.
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
وقوله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ}.
وفى يأن لغات: من العرب من يقول: ألم يأن لك، وأَلم يئن لك مثل: يَعِنْ، ومنهم من يقول: أَلم يَنَلْ لك باللام، ومنهم من يقول: أَلم يُنلْ لك، وأَحسنهن التي أَتى بها القرآن وقوله: {وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}.
قرأها عاصم، وبعض أهل المدينة {نزَل} مشددة، وقرأها بعضهم: {وما نَزَل} مخففة وفى قراءة عبد الله: {وما أنزل من الحق}، فهذا قوةٌ لمن قرأ: {نَزّل}.
وقوله: {وَلاَ يَكُونُواْ}.
فى موضع نصب، معناه: ألم يأنِ لهم أن تخشع قلوبهم، وألا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب، ولو كان جزما كان صوابا على النهى.
{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.
وقوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ}.
قرأها عاصم: {إنّ المصَدِّقين والمصَدِّقات} بالتخفيف للصاد، يريد: الذين صدّقوا الله ورسوله، وقرأها آخرون: {إِن المصَّدّقين} يريدون: المتصدقين بالتشديد، وهى في قراءة أُبّى: {إن المتصدقين والمتصدقات} بتاءٍ ظاهرة، فهذه قوة لمن قرأ {إن المصّدّقين} بالتشديد.
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
وقوله: {أُوْلَائِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} انقطع الكلام عند صفة الصديقين.
ثم قال: {وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ} يعنى: النبيين لهم أجرهم ونورهم، فرفعتَ الصديقين بهم، ورفعت الشهداء بقوله: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}.
{اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
وقوله: {وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ}.
ذكر ما في الدنيا، وأنه على ما وصف، وأما الآخرة فإنها إما عذاب، وإما جنة، والواو فيه واو بمنزلة واحدة؛ كقولك: ضع الصدقة في كل يتيم وأرملة، وإن قلت: في كل يتيم أو أرملة، فالمعنى واحد والله أعلم.
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.
وقوله: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ}.
أى ما أصاب الآدمى في الأرض من مصيبة مثل: ذهاب المال، والشدة، والجوع، والخوف {وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ} الموت في الولد، وغير الولد، والأمراض {إِلاَّ فِي كِتَابٍ} يعنى: في العلم الأول، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرأَ تلك النفس أى: نخلقها، إن ذلك على الله يسير، ثم يقول: إن حفظ ذلك من جميع الخلق على الله يسير، ثم أدّب عباده، فقال: هذا {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ}. أى: لا تحزنوا: {وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ}، ومن قرأ: بما أتاكم بغير مد يجعل الفعل ـ لما.
{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
وقوله: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}.
هذه اليهود بخلت حسدا أن تُظهِر صفة النبي صلى الله عليه وسلم حسدًا للإسلام؛ لأنه يُذهب ملكهم.
وقوله: {وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
وفى قراءة أهل المدينة بغير ـ هو ـ دليل على ذلك.
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
وقوله: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ}.
ذكر أن الله عز وجل أنز لـ:: القلاة والكلْبَتين والمِطرقة. قال الفراء: القلاة: السِّندان.
وقوله: {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ}.
يريد: السلاح للقتال، {ومنافع للناس} مثل: السكين، والفأس، والمز وما أشبه ذلك.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
وقوله: {النُّبُوَّةَ}.
وفى مصحف عبد الله بالياء بياءين: {النِّبييّة} بباءين والهمزة في كتابه تثبت بالألف في كل نوع، فلو كانت همزة لأثبَتت بالألف، ولو كانت الفعولة لكانت بالواو، ولا تخلو أن تكون مصدر النبأ أو النبيّية مصدرا فنسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والعرب تقول: فعَل ذلك في غُلوميته، وفى غلومته، وفى غلاميته، وسمع الكسائى العرب تقول: فعل ذلك في وليديته يريد: وهو ليد أى: مولود، فما جاءك من مصدر لاسم موضوع، فلك فيه: الفُعولة، والفُعولية، وأن تجعله منسوبًا على صورة الاسم، من ذلك أن تقول: عبد بين العبودية، والعبودة والعبدية، فقس على هذا.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وقوله: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ}.
الكفل: الحظ، وهو في الأصل ما يكتفل به الراكب فيحبسه ويحفظه عن السقوط، يقول: يحصنكم الكِفل من عذاب الله، كما يحصّن هذا الراكب الكفلُ من السقوط.
{لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.