فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد قال الإمام أبو المعالي: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لم يكن بأقرب إلى الله عز وجل من يونس بن متى حين كان في بطن الحوت.
وقد تقدّم.
قوله تعالى: {لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض} هذا التكرير للتأكيد أي هو المعبود على الحقيقة {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} أي أمور الخلائق في الآخرة.
وقرأ الحسن والأعرج ويعقوب وابن عامر وأبو حَيْوة وابن مُحَيصن وحميد والأعمش وحمزة والكسائي وخلف {تَرْجِع} بفتح التاء وكسر الجيم، والباقون {تُرْجَعُ}.
قوله تعالى: {يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل} تقدّم في (آل عمران).
{وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} أي لا تخفى عليه الضمائر، ومن كان بهذه الصفة فلا يجوز أن يعبد من سو اه. اهـ.

.قال الألوسي:

{هُوَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش}.
بيان لبعض أحكام ملكهما وقد مر تفسيره مرارًا {يَعْلَمُ مَا يَلْجُ في الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} مر بيانه في سورة سبأ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} تمثيل لإحاطة علمه تعالى بهم وتصوير لعدم خروجهم عنه أينما كانوا، وقيل: المعية مجاز مرسل عن العلم بعلاقة السببية والقرينة السابق واللحاق مع استحالة الحقيقة، وقد أول السلف هذه الآية بذلك، أخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قال فيها: عالم بكم أينما كنتم.
وأخرج أيضًا عن سفيان الثوري أنه سئل عنها فقال: علمه معكم، وفي (البحر) أنه اجتمعت الأمة على هذا التأويل فيها وأنها لا تحمل على ظاهرها من المعية بالذات وهي حجة على منع التأويل في غيرها مما يجري مجراها في استحالة الحمل على الظاهر، وقد تأول هذه الآية.
وتأول الحجر الأسود يمين الله في الأرض، ولو اتسع عقله لتأول غير ذلك مما هو في معناه انتهى.
وأنت تعلم أن الأسلم ترك التأويل فإنه قول على الله تعالى من غير علم ولا نؤوّل إلا ما أوّله السلف ونتبعهم فيما كانوا عليه فإن أوّلوا أوّلنا وإن فوضوا فوضنا ولا نأخذ تأويلهم لشيء سلمًا لتأويل غيره، وقد رأيت بعض الزنادقة الخارجين من ربقة الإسلام يضحكون من هذه الآية مع قوله تعالى: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} ويسخرون من القرآن الكريم لذلك وهو جهل فظيع وكفر شنيع نسأل الله تعالى العصمة والتوفيق.
{والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} عبارة عن إحاطته بأعمالهم وتأخير صفة العلم الذي هو من صفات الذات عن الخلق الذي هو من صفات الأفعال مع أن صفات الذات متقدمة على صفات الأفعال لما أن المراد الإشارة إلى ما يدور عليه الجزاء من العلم التابع للمعلوم، وقيل: إن الخلق دليل العلم إذ يستدل بخلقه تعالى وإيجاده سبحانه لمصنوعاته المتقنة على أنه عز وجل عالم ومن شأن المدلول التأخر عن الدليل لتوقفه عليه، وقوله تعالى: {لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض} تكرير للتأكيد وتمهيد لقوله سبحانه المشعر بالإعادة: {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الامور} أي إليه تعالى وحده لا إلى غيره سبحانه استقلالًا أو اشتراكًا ترجع جميع الأمور أعراضها وجواهرها.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق والأعرج {تُرْجَعُ} مبنيًا للفاعل من رجع رجوعًا، وعلى البناء للمفعول كما في قراءة الجمهور هو من رجع رجعًا.
{يُولِجُ الليل في النهار وَيُولِجُ النهار في الليل} مر تفسيره مرارًا؛ وقوله تعالى: {وَهُوَ عَلِيمٌ} أي مبالغ في العلم {بِذَاتِ الصدور} أي بمكنوناتها اللازمة لها بيان لإحاطة علمه تعالى بما يضمرونه من نياتهم بعد بيان إحاطة بأعمالهم التي يظهرونها، وجوز أن يراد {بِذَاتِ الصدور} نفسها وحقيقتها على أن الإحاطة بما فيها تعلم بالأولى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}.
موقع هذه الجملة استنئاف كموقع جملة {هو الأول والآخر} [الحديد: 3] الآية، فهذا استئناف ثان مفيد الاستدلال على انفراده تعالى بالإِلهية ليقلعوا عن الإِشراك به.
ويفيد أيضًا بيانًا لمضمون جملة {له ملك السموات والأرض} [الحديد: 5] وجملة {وهو على كل شيء قدير} [الحديد: 2]، فإن الذي خلق السماوات والأرض قادر على عظيم الإِبداع.
والاستواءُ على العرش تمثيل للمُلك الذي في قوله: {له ملك السموات والأرض} [الحديد: 2].
وهذا معنى اسمه تعالى: {الخالق}، وتقدم قريب من هذه الآية في أوائل سورة الأعراف (11).
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ في الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} استئناف لتقرير عموم علمه تعالى بكل شيء فكان بيانَ جملة {وهو على كل شيء قدير} [الحديد: 2] وجملة {وهو بكل شيء عليم} [الحديد: 3] جاريًا على طريقة النشر لللف على الترتيب، وتقدم نظير هذه الآية في سورة سبأ.
فانظر ذلك.
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}.
عطف معنى خاص على معنى شمله وغيرَه لقصد الاهتمام بالمعطوف.
والمعيّة تمثيل كنائي عن العلم بجميع أحوالهم.
و{أين ما} ظرف مركب من (أين) وهي اسم للمكان، و(ما) الزائدة للدلالة على تعميم الأمكنة.
وجملة {والله بما تعملون بصير} تكملة لمضمون {وهو معكم أين ما كنتم}، وكان حقها أن لا تعطف وإنما عطفت ترجيحًا لجانب ما تحتوي عليه من الخبر عن هذه الصفة.
{لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض}.
هذا تأكيد لنظيره الذي في أول هذه السورة كرر ليبنى عليه قوله: {وإلى الله ترجع الأمور}، فكان ذكره في أول السورة مبنيًَّا عليه التصرفُ في الموجودات القابلة للحياة والموت في الدنيا، وكان ذكره هنا مبنيًّا عليه أن أمور الموجودات كلّها ترجع إلى تصرفه.
وتقديم المسند لقصر الإِلهية عليه تعالى فيفيذ صفة الواحد.
{وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمُورُ}.
عطف على {له ملك السموات والأرض} عطفَ الخاص من وجه على العام منه فيما يتعلق بالأمور الجارية في الدنيا، وعطف المغاير فيما يتعلق بالأمور التي تجري يوم القيامة على ما سيتضح في تفسير معنى {الأمور}.
فالأمور: جمع أمر، واشتهر في اللغة أن الأمر اسم للشأن والحادث فيعم الأفعال والأقوال.
وقال ابن عطية: {الأمور} هنا: جميع الموجودات لأن الأمر والشيء والموجود أسماء شائعة في جميع الموجودات: أعراضِها وجواهرها. اهـ. ولم أره لغيره.
وفي (المحصول) و(شرحه) في أصول الفقه، ومن تبعه من كتب أصول الفقه أن كلمة (أمر) مشتركة بين الفعل والقول والشأن والشيء ولم أر عزو ذلك إلى معروف ولا أتوا له بمثال سالم عن النظر ولا أحسب أن ذلك من اللغة.
فإن أَخَذْنَا بالمشهور في اللغة كان المعنى تَرجع أفعال الناس إلى الله، أي ترجع في الحشر، والمراد: رجوع أهلها للجزاء على أعمالهم إذ لا يتعلق الرجوع بحقائقها، فعطف قوله: {وإلى الله ترجع الأمور} تتميم لجملة {له ملك السموات والأرض}، أي له ملك العوالم في الدنيا وله التصرف في أعمال العقلاء من أهلها في الآخرة.
وإن أخذنا بشمول اسم الأمور للذوات كان مفيدًا لإِثبات البعث، أي الذوات التي كانت في الدنيا تصير إلى الله يوم القيامة فيجازيها على أعمالها.
وعلى كلا الاحتمالين فمفادهُ مفاد اسمه (المهيمن).
وتعريف الجمع في {الأمور} من صيغ العموم.
وتقديم المجرور على متعلّقه للاهتمام لا للقصر إذ لا مقتضى للقصر الحقيقي ولا داعي للقصر الإضافي إذ لا يوجد من الكفار من يثبت البعث ولا من زعموا أن الناس يصيرون في تصرف غير الله.
والرجوع: مستعار للكوننِ في مكان غير المكان الذي كان فيه دون سبق مغادرة عن هذا المكان.
وإظهار اسم الجلالة دون أن يقول: وإليه ترجع الأمور، لتكون الجملة مستقلة بما دلت عليه فتكون كالمَثل صالحة للتسيير.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم وأبو جعفر {ترجع} بضم التاء وفتح الجيم على معنى يرجعها مُرجع وهو الله قسرًا.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف {تَرجِع} بفتح التاء وكسر الجيم، أي ترجع من تلقاء أنفسها لأنها مسخرة لذلك في آجالها.
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)}.
مناسبة ذكره هذه الجملة أن تقدير الليل والنهار وتعاقبهما من التصرفات الإِلهية المشاهدة في أحوال السماوات والأرض وملابسات أحوال الإِنسان، فهذه الجملة بدل اشتمال من جملة {له ملك السموات والأرض} [الحديد: 5].
وهو أيضًا مناسب لمضمون جملة {وإلى الله ترجع الأمور} [الحديد: 5] تذكير للمشركين بأن المتصرف في سبب الفناء هو الله تعالى فإنهم يعتقدون أن الليل والنهار هما اللذان يُفنيان الناس، قال الأعشى:
ألم تَروا إرَمًا وعادا ** أفناهُما الليلُ والنهار

وحكى الله عنهم قولهم: {وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: 24] فلما قال: {له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور} [الحديد: 5]، أبطل بعده اعتقاد أهل الشرك أن للزمان الذي هو تعاقب الليل والنهار والمعبر عنه بالدهر تصرفًا فيهم، وهذا معنى اسمه تعالى: (المدبر).
{وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور}.
لما ذكر تصرف الله في الليل وكان الليل وقت إخفاء الأشياء أعقب ذكره بأن الله عليم بأخفى الخفايا وهي النوايا، فإنها مع كونها معاني غائبة عن الحواس كانت مكنونة في ظلمة باطن الإِنسان فلا يطلع عليها عالم إلا الله تعالى، وهذا كقوله تعالى: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض} [الأنعام: 59]، وقوله: {ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون} [هود: 5].
{ذات الصدور}: ما في خواطر الناس من النوايا، فـ: (ذات) هنا مؤنث (ذو) بمعنى صاحبة.
والصحبة: هنا بمعنى الملازمة.
ولما أريد بالمفرد الجنس أضيف إلى (جمع)، وتقدم {إنه عليم بذات الصدور} في سورة الأنفال (43).
وقد اشتمل هذا المقدار من أول السورة إلى هنا على معاني ست عشرة صفة من أسماء الله الحسنى: وهي: الله، العزيز، الحكيم، الملك، المحيي، المميت، القدير، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، العليم، الخالق، البصير، الواحد، المدبر.
وعن ابن عباس أن اسم الله الأعظم هو في ست آيات من أول سورة الحديد فهو يعني مجموع هذه الأسماء.
واعلم أن ما تقدم من أول السورة إلى هنا يرجح أنه مكي. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)}.
والتسبيح هنا عند الأكثرين بمعنى التنزيه المعروف في قولهم: سبحان الله، فقيل: هو حقيقة في الجميع، وقيل: فيمن يمكن التسبيح منهم، وقيل: مجاز، بمعنى: أن أثر الصنعة فيها ينبه الرائي على التسبيح.
وقيل: التسبيح هنا الصلاة، ففي الجماد بعيد، وفي الكافر سجود ظله صلاته، وفي المؤمن ذلك سائغ، واللام في {لله}، إما أن تكون بمنزلة اللام في: نصحت لزيد، يقال: سبح الله، كما يقال؛ نصحت زيدًا، فجيء باللام لتقوية وصول الفعل إلى المفعول؛ وإما أن تكون لام التعليل، أي أحدث التسبيح لأجل الله، أي لوجهه خالصًا.
{يحيي ويميت}: جملة مستقلة لا موضع لها من الإعراب لقوله: {له ملك السماوات والأرض}.
لما أخبر بأنه له الملك، أخبر عن ذاته بهذين الوصفين العظيمين اللذين بهما تمام التصرف في الملك، وهو إيجاد ما شاء وإعدام ما شاء، ولذلك أعقب بالقدرة التي بها الإحياء والإماتة.
وجوز أن يكون خبر مبتدأ، أي هو يحيي ويميت.
وأن يكون حالًا، وذو الحال الضمير في له، والعامل فيها العامل في الجار والمجرور.
{هو الأول}: الذي ليس لوجوده بداية مفتتحة، {والآخر}: أي الدائم الذي ليس له نهاية منقضية.
وقيل: الأول الذي كان قبل كل شيء، والآخر الذي يبقى بعد هلاك كل شيء.
{والظاهر} بالأدلة ونظر العقول في صفته، {والباطن} لكونه غير مدرك بالحواس.
وقال أبو بكر الورّاق: الأول بالأزلية، والآخر بالأبدية.
وقيل: {الظاهر} العالي على كل شيء، الغالب له من ظهر عليه إذا علاه وغلبه؛ {والباطن}: الذي بطن كل شيء، أي علم باطنه.
وقال الزمخشري؛ فإن قلت: فما معنى الواو؟ قلت: الواو الأولى معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية؛ والثانية على أنه الجامع بين الظهور والخفاء؛ وأما الوسطى فعل أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الأخريين.
فهو المستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والآتية، وهو في جميعها ظاهر وباطن.
جامع الظهور بالأدلة والخفاء، فلا يدرك بالحواس؛ وفي هذا حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة.
انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال.
{يعلم ما يلج في الأرض} من المطر والأموات وغير ذلك، {وما يخرج منها} من النبات والمعادن وغيرها، {وما ينزل من السماء} من الملائكة والرحمة والعذاب وغيره، {وما يعرج فيها} من الملائكة وصالح الأعمال وسيئها، {وهو معكم أين ما كنتم}: أي بالعلم والقدرة.
قال الثوري: المعني علمه معكم، وهذه آية أجمعت الأمّة على هذا التأويل فيها، وأنها لا تحمل على ظاهرها من المعية بالذات، وهي حجة على من منع التأويل في غيرها مما يجري مجراها من استحالة الحمل على ظاهرها.
وقال بعض العلماء: فيمن يمتنع من تأويل ما لا يمكن حمله على ظاهره، وقد تأول هذه الآية، وتأول الحجر الأسود يمين الله في الأرض، لو اتسع عقله لتأول غير هذا مما هو في معناه.
وقرأ الجمهور؛ {ترجع}، مبنيًا للمفعول؛ والحسن وابن أبي إسحاق والأعرج: مبنيًا للفاعل؛ والأمور عام في جميع الموجودات، أعراضها وجواهرها.
وتقدم شرح ما قبل هذا وما بعده، فأغنى عن إعادته. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{سَبَّحَ للَّهِ مَا في السموات والأرض}.