فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والله أعلم.
الثالثة: روي أشهب عن مالك قال: ينبغي أن يُقدَّم أهل الفضل والعزم؛ وقد قال الله تعالى: {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وَقَاتَلَ} وقال الكلبي: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه؛ ففيها دليل واضح على تفضيل أبي بكر رضي الله عنه وتقديمه؛ لأنه أوّل من أسلم.
وعن ابن مسعود: أوّل من أظهر الإسلام بسيفه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر؛ ولأنه أوّل من أنفق على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم.
«وعن ابن عمر قال: كنت عند النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خَلَّلها في صدره بخِلاَل فنزل جبريل فقال: يا نبيّ اللها مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خَلَّلها في صدره بخِلاَل؟ فقال: قد أنفق عليّ ماله قبل الفتح. قال: فإن الله يقول لك اقرأ على أبي بكر السلام وقل له أراضٍ أنت في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول أراضٍ أنت في فقرك هذا أم ساخط؟» فقال أبو بكر: أأسخط على ربي؟ إني عن ربِّي لراضٍ إنّي عن ربّي لراضٍ إني عن ربي لراضٍ قال: «فإن الله يقول لك قد رضيت عنك كما أنت عني راضٍ. فبكى أبو بكر فقال جبريل عليه السلام: والذي بعثك يا محمد بالحقّ، لقد تَخلَّلت حملةُ العرش بالعُبِيّ منذ تَخلّل صاحبك هذا بالعباءة» ولهذا قدّمته الصحابة على أنفسهم، وأقرُّوا له بالتقدّم والسبق.
وقال عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه: سبق النبيُّ صلى الله عليه وسلم وصَلَّى أبو بكر وثَلَّثَ عمر؛ فلا أوتي برجل فَضَّلني على أبي بكر إلا جلدته حدّ المفتري ثمانين جلدة وطرح الشهادة.
فنال المتقدّمون من المشقة أكثر مما نال من بعدهم، وكانت بصائرهم أيضًا أنفذ.
الرابعة: التقدّم والتأخر قد يكون في أحكام الدنيا، فأما في أحكام الدِّين فقد قالت عائشة رضي الله عنها: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم.
وأعظم المنازل مرتبة الصلاة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في مرضه: «مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس» الحديث.
وقال: «يؤم القومَ أقرؤهم لكتاب الله» وقال: «وليؤمّكما أكبركما» من حديث مالك بن الحُوَيْرث وقد تقدم.
وفهم منه البخاري وغيره من العلماء أنه أراد كِبر المنزلة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «الولاء لِلِكبَر» ولم يعن كبر السن.
وقد قال مالك وغيره: إن للسنّ حقًّا.
وراعاه الشافعي وأبو حنيفة وهو أحقّ بالمراعاة؛ لأنه إذا اجتمع العلم والسنّ في خيِّرين قُدِّم العلم، وأما أحكام الدنيا فهي مرتبة على أحكام الدِّين، فمن قُدِّم في الدين قُدِّم في الدنيا.
وفي الآثار: «ليس مِنا من لم يوقِّر كبيرَنَا ويرحمْ صغيرنا ويعرفْ لعالمنا حقَّه» ومن الحديث الثابت في الأفراد: «ما أكرم شاب شيخًا لسِنِّه إلا قَيِّض الله له عند سنِّه من يكرمه» وأنشدوا:
يا عائبًا لِلشيوخ مِن أَشَرِ ** دَاخَلَهُ في الصِّبَا ومِن بَذَخِ

اذكر إذا شئتَ أن تُعيِّرَهُمْ ** جَدَّكَ واذكر أباك يا بن أخِ

واعلم بأن الشباب منسلِخٌ ** عنك وما وِزْرُه بمنسلِخِ

من لا يعزّ الشيوخَ لا بلغتْ ** يومًا به سِنُّه إلى الشَّيَخِ

الخامسة: قوله تعالى: {وَكُلًا وَعَدَ الله الحسنى} أي المتقدمون المتناهون السابقون، والمتأخرون اللاحقون، وعَدَهم الله جميعًا الجنة مع تفاوت الدرجات.
وقرأ ابن عامر {وَكُلٌّ} بالرفع، وكذلك هو بالرفع في مصاحف أهل الشام.
الباقون {وَكُلًا} بالنصب على ما في مصاحفهم؛ فمن نصب فعلى إيقاع الفعل عليه أي وعد الله كلاّ الحسنى.
ومن رفع فلأن المفعول إذا تقدم ضعف عمل الفعل، والهاء محذوفة من وَعَدَه.
قوله تعالى: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا}.
ندب إلى الإنفاق في سبيل الله.
وقد مضى في (البقرة) القول فيه.
والعرب تقول لكل من فعل فعلًا حسنًا: قد أقرض؛ كما قال:
وإذا جُوزِيتَ قَرْضًا فاجزه ** إِنَّمَا يَجْزِي الفتى ليس الْجَمَلْ

وسمّي قرضًا؛ لأن القرض أخرج لاسترداد البدل.
أي من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبدِله الله بالأضعافِ الكثيرة.
قال الكلبي: {قَرْضًا} أي صدقة {حَسَنًا} أي محتسبًا مِن قلبه بلا مَنٍّ ولا أذىً.
{فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} ما بين السبع إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف.
وقيل: القرض الحسن هو أن يقول سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر؛ رواه سفيان عن ابي حيان.
وقال زيد بن أسلم: هو النفقة على الأهل.
الحسن: التطوع بالعبادات.
وقيل: إنه عمل الخير؛ والعرب تقول: لي عند فلان قرض صِدقٍ وقرض سوء.
القشيري: والقرض الحسن أن يكون المتصدق صادق النية طيب النفس، يبتغي به وجه الله دون الرياء والسُّمعة، وأن يكون من الحلال.
ومن القرض الحسن ألا يقصد إلى الرديء فيخرجه؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وأن يتصدق في حال يأمل الحياة؛ فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة فقال: «أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش ولا تمهل حتى إذا بلغت التراقي قلت لفلان كذا ولفلان كذا» وأن يخفى صدقته؛ لقوله تعالى: {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقراء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 271] وألاّ يَمُنّ؛ لقوله تعالى: {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى} [البقرة: 264] وأن يستحقر كثير ما يعطي؛ لأن الدنيا كلها قليلة، وأن يكون من أحبّ أمواله؛ لقوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وأن يكون كثيرًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الرقاب أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها» {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} وقرأ ابن كثير وابن عامر {فَيُضَعِّفُه} بإسقاط الألف إلا ابن عامر ويعقوب نصبوا الفاء.
وقرأ نافع وأهل الكوفة والبصرة {فَيُضَاعِفهُ} بالألف وتخفيف العين إلا أن عاصمًا نصب الفاء.
ورفع الباقون عطفًا على {يُقْرِضُ}.
وبالنصب جوابًا على الاستفهام.
وقد مضى في (البقرة) القول في هذا مستوفى: {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} يعني الجنة. اهـ.

.قال الألوسي:

{هُوَ الذي يُنَزّلُ على عَبْدِهِ}.
حسبما يعن لكم من المصالح {ءايات بينات} واضحات، والظاهر أن المراد بها آيات القرآن، وقيل: المعجزات {لِيُخْرِجَكُمْ} أي الله تعالى إذ هو سبحانه المخبر عنه، أو العبد لقرب الذكر والمراد ليخرجكم بها {مِنَ الظلمات إِلَى النور} من ظلمات الكفر إلى نور الايمان، وقرئ في السبعة {ينزل} مضارعًا فبعض ثقل وبعض خفف، وقرأ الحسن بالوجهين.
وقرأ زيد بن علي والأعمش أنزل ماضيًا {وَإِنَّ الله بِكُمْ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ} مبالغ في الرأفة والرحمة حيث أزال عنكم موانع سعادة الدارين وهداكم إليها على أتم وجه.
وقرئ في السبعة {لَرَؤُوفٌ} بواوين.
وقوله عز وجل: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ} توبيخ على ترك الانفاق إما للمؤمنين الغير المنفقين أو لأولئك الموبخين أولًا على ترك الايمان، وبخهم سبحانه على ذلك بعد توبيخهم على ترك الايمان بإنكار أن يكون لهم في ذلك أيضًا عذر من الأعذار، و{إن} مصدرية لا زائدة كما قيل، واقتضاه كلام الأخفش والكلام على تقدير حرف الجر، فالمصدر المؤول في محل نصب أو جر على القولين وحذف مفعول الانفاق للعلم به مما تقدم وقوله تعالى: {فِى سَبِيلِ الله} لتشديد التوبيخ، والمراد به كل خير يقربهم إليه تعالى على سبيل الاستعارة التصريحية أي أيّ شيء لكم في أن لا تنفقوا فيما هو قربة إلى الله تعالى ما هو له في الحقيقة وإنما أنتم خلفاؤه سبحانه في صرفه إلى ما عينه عز وجل من المصارف، أو ما انتقل إليكم من غيركم وسينتقل منكم إلى الغير.
{وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السموات والأرض} أي يرث كل شيء فيهما ولا يبقى لأحد مال على أن ميراثهما مجاز أو كناية عن ميراث ما فيهما لأن أخذ الظرف يلزمه أخذ المظروف.
وجوز أن يراد يرثهما وما فيهما، واختير الأول أنه يكفي لتوبيخهم إذ لا علاقة لأخذ السماوات والأرض هنا، والجملة حال من فاعل لا تنفقوا أو مفعوله مؤكدة للتوبيخ فإن ترك الانفاق بغير سبب قبيح منكر ومع تحقق ما يوجب الانفاق أشد في القبح وأدخل في الإنكار فإن بيان بقاء جميع ما في السماوات والأرض من الأموال بالآخرة لله عز وجل من غير أن يبقى لأحد من أصحابها شيء أقوى في إيجاب الانفاق عليهم من بيان أنها لله تعالى في الحقيقة، أو أنها انتقلت إليهم من غيرهم كأنه قيل: وما لكم في ترك إنفاقها في سبيل تعالى، والحال أنه لا يبقى لكم ولا لغيركم منها شيء بل تبقى كلها لله عز وجل، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لزيادة التقرير وتربية المهابة، وقوله تعالى: {لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وقاتل} بيان لتفاوت درجات المنفقين حسب تفاوت أحوالهم في الانفاق بعد بيان أن لهم أجرًا كبيرًا على الإطلاق حثًا لهم على تحري الأفضل، وعطف القتال على الانفاق للإيذان بأنه من أهم مواد الانفاق مع كونه في نفسه من أفضل العبادات وأنه لا يخلو من الانفاق أصلًا وقسيم {مَّنْ أَنفَقَ} محذوف أي لا يستوي ذلك وغيره، وحذف لظهوره ودلالة ما بعد عليه.
والفتح فتح مكة على ما روى عن قتادة وزيد بن أسلم ومجاهد وهو المشهور فتعريفه للعهد أو للجنس ادعاءًا.
وقال الشعبي: هو فتح الحديبية وقد مروجه تسميته فتحًا في سورة الفتح، وفي بعض الآثار ما يدل عليه أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل من طريق زيد بن أسلم عن عطاءًا بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى إذا كان بعسفان قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: يوشك أن يأتي قوم يحتقرون أعمالكم مع أعمالهم قلنا: من هم يا رسول الله أقريش؟ قال: لا ولكن هم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبًا، فقلنا: أهم خير منا يا رسول الله؟ قال: لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مدّ أحدكم ولا نصيفه ألا إن هذا فصل ما بيننا وبين الناس {لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح} [الحديد: 10]».
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {قَبْلُ} بغير {مِنْ} {أولئك} إشارة إلى من أنفق، والجمع بالنظر إلى معنى {مِنْ} كما أن إفراد الضميرين السابقين بالنظر إلى لفظها، ووضع اسم الإشارة البعيد موضع الضمير للتعظيم والاشعار بأن مدار الحكم هو إنفاقهم قبل الفتح وقتالهم، ومحله الرفع على الابتداء؛ والخبر قوله تعالى: {أَعْظَمُ دَرَجَةً} أي أولئك المنعوتون بذينك النعتين الجليلين أرفع منزلة وأجل قدرًا.
{مّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ} بعد الفتح {وَقُتّلُواْ} وذهب بعضهم إلى أن فاعل {لاَ يَسْتَوِى} ضمير يعود على الانفاق أي لا يستوي هو أي الانفاق أي جنسه إذ منه ما هو قبل الفتح ومنه ما هو بعده، و{مَّنْ أَنفَقَ} مبتدأ، وجملة {أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ} خبره وفيه تفكيك الكلام وخروج عن الظاهر لغير موجب فالوجه ما تقدم، ويعلم منه التزامًا التفاوت بين الانفاق قبل الفتح والانفاق بعده، وإنما كان أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا بعد لأنهم إنما فعلوا ما فعلوا عند كمال الحاجة إلى النصرة بالنفس والمال لقلة المسلمين وكثرة أعدائهم وعدم ما ترغب فيه النفوس طبعًا من كثرة الغنائم فكان ذلك أنفع وأشد على النفس وفاعله أقوى يقينًا بما عند الله تعالى وأعظم رغبة فيه، ولا كذلك الذين أنفقوا بعد {وَكُلًا} أي كل واحد من الفريقين لا الأولين فقط {وَعَدَ الله الحسنى} أي المثوبة الحسنى وهي الجنة على ما روى عن مجاهد وقتادة.
وقيل: أعم من ذلك والنصر والغنيمة في الدنيا.
وقرأ ابن عامر وعبد الوارث {وكل} بالرفع، والظاهر أنه مبتدأ والجملة بعده خبر والعائد محذوف أي وعده كما في قوله:
وخالد يحمد ساداتنا ** بالحق لا يحمد بالباطل

يريد يحمده والجملة عطف على أولئك أعظم درجة وبينهما من التطابق ما ليس على قراءة الجمهور، ومنع البصريون حذف العائد من خبر المبتدا، وقالوا: لا يجوز إلا في الشعر بخلاف حذفه من جملة الصفة وهم محجوجون بهذه القراءة، وقول بعضهم: فيها إن كل خبر مبتدا تقديره، وأولئك كل، وجملة {وَعَدَ الله} صفة كل تأويل ركيك، وفيه زيادة حذف، على أن بعض النحاة منع وصف كل بالجملة لأنه معرفة بتقدير وكلهم، وقال الشهاب: الصحيح ما ذهب إليه ابن مالك من أن عدم جواز حذف العائد من جملة الخبر في غير كل وما ضاهاها في الافتقار والعموم فإنه في ذلك مطرد لكن ادعى فيه الاجماع وهو محل نزاع.
{والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} عالم بظاهره وباطنه ويجازيكم على حسبه فالكلام وعد ووعيد، وفي الآيات من الدلالة على فضل السابقين المهاجرين والأنصار ما لا يخفى، والمراد بهم المؤمنون المنفقون المقاتلون قبل فتح مكة أو قبل الحديبية بناءًا على الخلاف السابق، والآية على ما ذكره الواحدي عن الكلبي نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أي بسببه، وأنت تعلم أن خصوص السبب لا يدل على تخصيص الحكم، فلذلك قال: {أولئك} ليشمل غيره رضي الله تعالى عنه ممن اتصف بذلك، نعم هو أكمل الأفراد فإنه أنفق قبل الفتح وقبل الهجرة جميع ماله وبذل نفسه معه عليه الصلاة والسلام ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد أمنّ علي بصحبته من أبي بكر» وذلك يكفي لنزولها فيه، وفي (الكشاف) إن أولئك هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: «ولو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» قال الطيبي: الحديث من رواية البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدًا أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» وتعقبه في (الكشف) بأنه على هذا لا يختص بالسابقين الأولين كما أشار في (الكشاف) إليه وهو مبني على أن الخطاب في لا تسبوا ليس للحاضرين ولا للموجودين في عصره صلى الله عليه وسلم بل لكل من يصلح للخطاب كما في قوله تعالى: {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ} [الأنعام: 30] الآية وإلا فقد قيل: إن الخطاب يقتضي الحضور والوجود ولا بد من مغايرة المخاطبين بالنهي عن سبهم فهم السابقون الكاملون في الصحبة.
وأقول شاع الاستدلال بهذا الحديث على فضل الصحابة مطلقًا بناءًا على ما قالوا: إن إضافة الجمع تفيد الاستغراق وعليه (صاحب الكشف)، واستشكل أمر الخطاب، وأجيب عنه بما سمعت وبأنه على حدّ خطاب الله تعالى الأزلي لكن في بعض الأخبار ما يؤيد أن المخاطبين بعض من الصحابة والممدوحين بعض آخر منهم فتكون الإضافة للعهد أو بحمل الأصحاب على الكاملين في الصحبة.