فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن عباس وأبو أمامة: يغشى الناس يوم القيامة ظلمة قال الماوردي: أظنها بعد فصل القضاء ثم يعطون نورًا يمشون فيه.
قال المفسرون: يعطي الله المؤمنين نورًا يوم القيامة على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط، ويعطي المنافقين أيضًا نورًا خديعةً لهم؛ دليله قوله تعالى: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142].
وقيل: إنما يعطون النور؛ لأن جميعهم أهل دعوة دون الكافر، ثم يسلب المنافق نوره لنفاقه؛ قاله ابن عباس.
وقال أبو أمامة: يعطي المؤمن النور ويترك الكافر والمنافق بلا نور.
وقال الكلبي: بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور، فبينما هم يمشون إذ بعث الله فيهم ريحًا وظلمة فأطفأ بذلك نور المنافقين؛ فذلك قوله تعالى: {رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} يقوله المؤمنون؛ خشية أن يُسلبوه كما سلبه المنافقون، فإذا بقي المنافقون في الظلمة لا يبصرون مواضع أقدامهم قالوا للمؤمنين: {انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ}.
{قِيلَ ارجعوا ورَاءَكُمْ} أي قالت لهم الملائكة {ارجعوا}.
وقيل: بل هو قول المؤمنين لهم {ارجعوا وَرَاءَكُم} إلى الموضع الذي أخذنا منه النور فاطلبوا هنالك لأنفسكم نورًا فإنكم لا تقتبسون من نورنا.
فلما رجعوا وانعزلوا في طلب النور {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ}، وقيل: أي هلاّ طلبتم النور من الدنيا بأن تؤمنوا.
{بِسُورٍ} أي سُورٌ؛ والباء صلة.
قاله الكسائي.
والسُّور حاجز بين الجنة والنار.
وروي أن ذلك السُّور ببيت المَقْدس عند موضع يعرف بوادي جهنم.
{بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة} يعني ما يلي منه المؤمنين {وَظَاهِرُهُ مِن قِبِلِهِ العذاب} يعني ما يلي المنافقين.
قال كعب الأحبار: هو الباب الذي ببيت المقدس المعروف بباب الرحمة.
وقال عبد الله بن عمرو: إنه سُور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه المسجد {وَظَاهِرُهُ مِن قِبِلِهِ العذاب} يعني جهنم.
ونحوه عن ابن عباس.
وقال زياد ابن أبي سوادة: قام عبادة بن الصامت على سُور بيت المقدس الشرقي فبكى، وقال: من هاهنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم.
وقال قتادة: هو حائط بين الجنة والنار {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} يعني الجنة {وَظَاهِرُهُ مِن قِبِلِهِ العذاب} يعني جهنم.
وقال مجاهد: إنه حجاب كما في (الأعراف) وقد مضى القول فيه.
وقد قيل: إن الرحمة التي في باطنه نور المؤمنين، والعذاب الذي في ظاهره ظلمة المنافقين.
قوله تعالى: {يُنَادُونَهُمْ} أي ينادي المنافقون المؤمنين {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} في الدنيا يعني نصلي مثل ما تصلون، ونغزو مثل ما تغزون، ونفعل مثل ما تفعلون {قالواْ بلى} أي يقول المؤمنون {بَلَى} قد كنتم معنا في الظاهر {ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} أي استعملتموها في الفتنة.
وقال مجاهد: أهلكتموها بالنفاق.
وقيل: بالمعاصي؛ قاله أبو سنان.
وقيل: بالشهوات واللذات؛ رواه أبو نمير الهمْداني.
{وَتَرَبَّصْتُمْ وارتبتم} أي {تَرَبَّصْتُمْ} بالنبيّ صلى الله عليه وسلم الموت، وبالمؤمنين الدوائر.
وقيل:{تَرَبَّصْتُمْ} بالتوبة {وارتبتم} أي شككتم في التوحيد والنبوة {وَغرَّتْكُمُ الأماني} أي الأباطيل.
وقيل: طول الأمل.
وقيل: هو ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين ونزول الدوائر بهم.
وقال قتادة: الأماني هنا خدع الشيطان.
وقيل: الدنيا؛ قاله عبد الله بن عباس.
وقال أبو سنان: هو قولهم سَيُغْفَر لنا.
وقال بلال بن سعد: ذكرك حسناتِك ونسيانك سيئاتِك غِرّةً.
{حتى جَاءَ أَمْرُ الله} يعني الموت.
وقيل: نصرة نبيِّه صلى الله عليه وسلم.
وقال قتادة: إلقاؤهم في النار.
{وَغَرَّكُم} أي خدعكم {بالله الغرور} أي الشيطان؛ قاله عكرمة.
وقيل: الدنيا؛ قاله الضحاك.
وقال بعض العلماء: إن للباقي بالماضي معتبرًا، وللآخر بالأول مزدجرًا، والسعيد من لا يغتر بالطمع، ولا يركن إلى الخُدَع، ومن ذكر المنيّة نسي الأمنيّة، ومن أطال الأمل نسي العمل، وغفل عن الأجل.
وجاء {الْغَرُورُ} على لفظ المبالغة للكثرة.
وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السَّمَيْقَع وسِمَاك بن حرب {الغُرُورُ} بضم الغين يعني الأباطيل وهو مصدر.
وعن ابن عباس: «أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خطّ لنا خطوطًا، وخطّ منها خطًّا ناحية فقال: أتدرون ما هذا؟ هذا مثل ابن آدم ومثل التمني وتلك الخطوط الآمال بينما هو يتمنى إذ جاءه الموت» وعن ابن مسعود قال: «خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا مربعًا، وخطّ وسطه خطًّا وجعله خارجًا منه، وخطّ عن يمينه ويساره خطوطًا صغارًا فقال: هذا ابن آدم وهذا أجله محيط به وهذا أمله قد جاوز أجله وهذه الخطوط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا».
قوله تعالى: {فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ} أيها المنافقون {وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} أيأسهم من النجاة.
وقراءة العامة {يُؤْخَذُ} بالياء؛ لأن التأنيث غير حقيقي؛ ولأنه قد فصل بينها وبين الفعل.
وقرأ ابن عامر ويعقوب {تُؤْخَذُ} بالتاء واختاره أبو حاتم لتأنيث الفدية.
والأوّل اختيار أبي عبيد؛ أي لا يقبل منكم بدل ولا عوض ولا نفس أخرى.
{مَأْوَاكُمُ النار} أي مقامكم ومنزلكم {هِيَ مَوْلاَكُمْ} أي أَوْلى بكم، والمولى من يتولى مصالح الإنسان، ثم استعمل فيمن كان ملازمًا للشيء.
وقيل: أي النار تملك أمرهم؛ بمعنى أن الله تبارك وتعالى يُرَكِّب فيها الحياة والعقل فهي تتميز غيظًا على الكفار، ولهذا خوطبت في قوله تعالى: {يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقول هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30].
{وَبِئْسَ المصير}.
أي ساءت مرجعًا ومصيرًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}.
العامل في يوم ما عمل في لهم؛ التقدير: ومستقر له أجر كريم يوم ترى، أو اذكر يوم ترى إعظامًا لذلك اليوم.
والرؤية هنا رؤية عين، والنور حقيقة، وهو قول الجمهور، وروي في ذلك عن ابن عباس وغيره آثار، وأن كل مظهر من الإيمان له نور، فيطفىء نور المنافق، ويبقى نور المؤمن، وهم متفاوتون في النور.
منهم من يضيء، كما بين مكة وصنعاء، ومن نوره كالنخلة السحوق، ومن يضيء له ما قرب قدميه.
ومنهم من يهم بالانطفاء مرة ويبين مرة، وذلك على قدر الأعمال.
وقال الضحاك: النور استعارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه.
والظاهر أن النور يتقدم لهم بين أيديهم، ويكون أيضًا بأيمانهم، فيظهر أنهما نوران: نور ساع بين أيديهم، ونور بأيمانهم؛ فذلك يضيء الجهة التي يؤمونها، وهذا يضيء ما حواليهم من الجهات.
وقال الجمهور: النور أصله بأيمانهم، والذي بين أيديهم هو الضوء المنبسط من ذلك النور.
وقيل: الباء بمعنى عن، أي عن أيمانهم، والمعنى: في جميع جهاتهم.
وعبر عن ذلك بالأيمان تشريفًا لها.
وقال الزمخشري: وإنما قال: {بين أيديهم وبأيمانهم}، لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم.
وقرأ الجمهور: {وبأيمانهم}، جمع يمين؛ وسهل بن شعيب السهمي، وأبو حيوة: بكسر الهمزة، وعطف هذا المصدر على الظرف لأن الظرف متعلق بمحذوف، أي كائنًا بين أيديهم، وكائنًا بسبب أيمانهم.
{بشراكم اليوم جنات}: جملة معمولة لقول محذوف، أي تقول لهم الملائكة: الذين يتلقونهم جنات، أي دخول جنات.
قال ابن عطية: {خالدين فيها}، إلى آخر الآية، مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم. انتهى.
ولا مخاطبة هنا، بل هذا من باب الالتفات من ضمير الخطاب في {بشراكم} إلى ضمير الغيبة في {خالدين}.
ولو جرى على الخطاب، لكان التركيب خالدًا أنتم فيها، والالتفات من فنون البيان {يوم يقول} بدل من {يوم ترى}.
وقيل: معمول لاذكر.
قال ابن عطية: ويظهر لي أن العامل فيه {ذلك هو الفوز العظيم}، ومجيء معنى الفوز أفخم، كأنه يقول: إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا، لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه ومضاده أبدع وأفخم. انتهى.
فظاهر كلامه وتقديره أن يوم منصوب بالفوز، وهو لا يجوز، لأنه مصدر قد وصف قبل أخذ متعلقاته، فلا يجوز إعماله.
فلو أعمل وصفة، وهو العظيم، لجاز، أي الفوز الذي عظم، أي قدره {يوم يقول}.
{انظرونا}: أي انتظرونا، لأنهم لما سبقوكم إلى المرور على الصراط، وقد طفئت أنوارهم، قالوا ذلك.
قال الزمخشري: {انظرونا}: انتظرونا، لأنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبروق الخاطفة على ركاب تذف بهم وهؤلاء مشاة، أو انظروا إلينا، لأنهم إذا انظروا إليهم استقبلوهم بوجوهم والنور بين أيديهم فيستضيئون به. انتهى.
فجعل انظرونا بمعنى انظروا إلينا، ولا يتعدى النظر هذا في لسان العرب إلا بإلى لا بنفسه، وإنما وجد متعديًا بنفسه في الشعر.
وقرأ زيد بن علي وابن وثاب والأعمش وطلحة وحمزة: أنظرونا من أنظر رباعيًا، أي أخرونا، أي اجعلونا في آخركم، ولا تسبقونا بحيث تفوتوننا، ولا نلحق بكم.
{نقتبس من نوركم}: أي نصب منه حتى نستضيء به.
ويقال: اقتبس الرجل واستقبس: أخذ من نار غيره قبسًا.
{قيل ارجعوا وراءكم}: القائل المؤمنون، أو الملائكة.
والظاهر أن {وراءكم} معمول لارجعوا.
وقيل: لا محل له من الأعراب لأنه بمعنى ارجعوا، كقولهم: وراءك أوسع لك، أي ارجع تجد مكانًا أوسع لك.
وارجعوا أمر توبيخ وطرد، أي ارجعوا إلى الموقف حيث أعطينا الفوز فالتمسوه هناك، أو ارجعوا إلى الدنيا والتمسوا نورًا، أي بتحصيل سببه وهو الإيمان، أو تنحوا عنا، {فالتمسوا نورًا} غير هذا فلا سبيل لكم إلى الاقتباس منه.
وقد علموا أن لا نور وراءهم، وإنما هو إقناط لهم.
{فضرب بينهم}: أي بين المؤمنين والمنافقين، {بسور}: بحاجز.
قال ابن زيد: هو الأعراف.
وقيل: حاجز غيره.
وقرأ الجمهور: فضرب مبنيًا للمفعول؛ وزيد بن علي وعبيد بن عمير: مبنيًا للفاعل، أي الله، ويبعد قول من قال: إن هذا السور هو الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس، وهو مروي عن عبادة بن الصامت وابن عباس وعبد الله بن عمر وكعب الأحبار، ولعله لا يصح عنهم.
والسور هو الحاجز الدائر على المدينة للحفظ من عدو.
والظاهر في باطنه أن يعود الضمير منه على الباب لقربه.
وقيل: على السور، وباطنه الشق الذي لأهل الجنة، وظاهره ما يدانيه من قبله من جهته العذاب.
{ينادونهم}: استئناف إخبار، أي ينادون المنافقون المؤمنين، {ألم نكن معكم}: أي في الظاهر، {قالوا بلى}: أي كنتم معنا في الظاهر، {ولكنكم فتنتم أنفسكم}: أي عرضتم أنفسكم للفتنة بنفاقكم، {وتربصتم} أي بأيمانكم حتى وافيتم على الكفر، أو تربصتم بالمؤمنين الدوائر، قاله قتادة، {وارتبتم}: شككتم في أمر الدين، {وغرتكم الأماني}: وهي الأطماع، مثل قولهم: سيهلك محمد هذا العام، تهزمه قبيلة قريش مستأخرة الأحزاب إلى غير ذلك، أو طول الآمال في امتداد الأعمار، {حتى جاء أمر الله}، وهو الموت على النفاق، والغرور: الشيطان بإجماع.
وقرأ سماك بن حرب: الغرور، وتقدم ذلك.
{فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} أيها المنافقون، والناصب لليوم الفعل المنفي بلا، وفيه حجة على من منع ذلك، {ولا من الذين كفروا}، في الحديث: «إن الله تعالى يعزر الكافر» فيقول له: أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا، أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول الله تبارك وتعالى: «قد سألتك ما هو أيسر من ذلك وأنت في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك».
وقرأ الجمهور: لا يؤخذ؛ وأبو جعفر والحسن وابن أبي إسحاق والأعرج وابن عامر وهارون عن أبي عمرو: بالتاء لتأنيث الفدية.
{هي مولاكم}، قيل: أولى بكم، وهذا تفسير معنى.
وكانت مولاهم من حيث أنها تضمهم وتباشرهم، وهي تكون لكم مكان المولى، ونحوه قوله:
تحية بينهم ضرب وجيع

وقال الزمخشري: ويجوز أن يراد هي ناصركم، أي لا ناصر لكم غيرها.
والمراد نفي الناصر على البتات، ونحوه قولهم: أصيب فلان بكذا فاستنصر الجزع، ومنه قوله تعالى: {يغاثوا بماء كالمهل} وقيل: تتولاكم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقوله سبحانه: {يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} الآية، العامل في {يَوْمَ} قوله: {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} والرؤية هنا رؤية عينٍ، والجمهور أَنَّ النورَ هنا هو نور حقيقة، وقد روي في هذا عن ابن عباس وغيره آثار مضمنها: أَنَّ كل مؤمن ومُظْهِرٍ للإيمان، يُعْطَى يومَ القيامة نورًا فَيُطْفَأُ نُورُ كُلِّ منافقٍ، ويبقى نورُ المؤمنين، حتى إِنَّ منهم مَنْ نورُه يضيء كما بين مَكَّةَ وصنعاءَ؛ رفعه قتادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم مَنْ نوره كالنخلة السحوق، ومنهم مَنْ نورُه يضيء ما قَرُبَ من قدميه؛ قاله ابن مسعود، ومنهم مَنْ يَهُمُّ بالانطفاء مرة وَيَبِينُ مرة على قدر المنازل في الطاعة والمعصية، قال الفخر: قال قتادة: ما من عبد إلاَّ وينادى يوم القيامة: يا فلان، هذا نورك، يا فلان، لا نورَ لك، نعوذ باللَّه من ذلك! واعلم أَنَّ العلمَ الذي هو نور البصيرة أولى بكونه نورًا من نور البصر، وإذا كان كذلك ظهر أَنَّ معرفة اللَّه تعالى هي النورُ في القيامة، فمقادير الأنوار يومَ القيامة على حسب مقادير المعارف في الدنيا، انتهى، ونحوه للغزالي، وخَصَّ تعالى بين الأيدي بالذكر؛ لأَنَّهُ موضع حاجة الإنسان إلى النور، واخْتُلِفَ في قوله تعالى: {وبأيمانهم} فقال بعض المتأولين: المعنى: وعن أيمانهم، فكأَنَّه خَصَّ ذكر جهة اليمين؛ تشريفًا، وناب ذلك مَنَابَ أَنْ يقول: وفي جميع جهاتهم، وقال جمهور المفسرين: المعنى: يسعى نورُهم بين أيديهم، يريد الضوء المنبسط من أصل النور، {وبأيمانهم}: أصله، والشيءُ الذي هو مُتَّقَدٌ فيه، فتضمن هذا القول أَنَّهم يحملون الأنوار، وكونهم غير حاملين أكرم؛ أَلاَ ترى أَنَّ فضيلةَ عباد بن بشر وأسيد بن حضير إنَّما كانت بنور لا يحملانه، هذا في الدنيا، فكيف بالآخرة؟!: وفيما قاله: عندي نظر، وأَيضًا فأحوال الآخرة لا تُقَاسُ على أحوال الدنيا!.