فصل: (سورة الحديد: الآيات 7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (6)}.
جاء في بعض الفواتح سَبَّحَ على لفظ الماضي، وفي بعضها على لفظ المضارع، وكل واحد منهما معناه: أنّ من شأن من أسند إليه التسبيح أن يسبحه، وذلك هجيراه وديدنه، وقد عدى هذا الفعل باللام تارة وبنفسه أخرى في قوله تعالى: {وَتُسَبِّحُوهُ} وأصله: التعدي بنفسه، لأنّ معنى سبحته: بعدته عن السوء، منقول من سبح إذا ذهب وبعد، فاللام لا تخلو إما أن تكون مثل اللام في: نصحته، ونصحت له. وإما أن يراد بسبح للّه: أحدث التسبيح لأجل اللّه ولوجهه خالصا، {ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ما يتأتى منه التسبيح ويصح. فإن قلت: ما محل {يُحْيِي}؟
قلت: يجوز أن لا يكون له محل، ويكون جملة برأسها، كقوله: {لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ} وأن يكون مرفوعا على: هو يحيى ويميت، ومنصوبا حالا من المجرور في لَهُ والجار عاملا فيها. ومعناه: يحيى النطف والبيض والموتى يوم القيامة ويميت الأحياء {هُوَ الْأَوَّلُ} هو القديم الذي كان قبل كل شيء {وَالْآخِرُ} الذي يبقى بعد هلاك كل شيء {وَالظَّاهِرُ} بالأدلة الدالة عليه {وَالْباطِنُ} لكونه غير مدرك بالحواس. فإن قلت: فما معنى الواو؟ قلت الواو الأولى معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية، والثالثة على أنه الجامع بين الظهور والخفاء. وأما الوسطى، فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الأخريين، فهو المستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والآتية، وهو في جميعها ظاهر وباطن: جامع للظهور بالأدلة والخفاء، فلا يدرك بالحواس. وفي هذا حجة على من جوّز إدراكه في الآخرة بالحاسة. وقيل: الظاهر العالي على كل شيء الغالب له، من ظهر عليه إذا علاه وغلبه. والباطن الذي بطن كل شيء، أي علم باطنه، وليس بذاك مع العدول عن الظاهر المفهوم.

.[سورة الحديد: الآيات 7- 8]:

{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)}.
{مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} يعنى أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال اللّه بخلقه وإنشائه لها، وإنما موّلكم إياها، وخوّلكم الاستمتاع بها، وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فليست هي بأموالكم في الحقيقة. وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنوّاب، فأنفقوا منها في حقوق اللّه، وليهن عليكم الإنفاق منها كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه. أو جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم فيما في أيديكم: بتوريثه إياكم، فاعتبروا بحالهم حيث انتقل منهم إليكم، وسينقل منكم إلى من بعدكم، فلا تبخلوا به، وانفعوا بالإنفاق منها أنفسكم {لا تُؤْمِنُونَ} حال من معنى الفعل في مالكم، كما تقول: مالك قائما، بمعنى: ما تصنع قائما، أي: وما لكم كافرين باللّه. والواو في {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ} واو الحال، فهما حالان متداخلتان. وقرئ: {وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ} والمعنى: وأى عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه وينبهكم عليه ويتلو عليكم الكتاب الناطق بالبراهين والحجج، وقبل ذلك قد أخذ اللّه ميثاقكم بالإيمان: حيث ركب فيكم العقول، ونصب لكم الأدلة، ومكنكم من النظر، وأزاح عللكم، فإذ لم تبق لكم علة بعد أدلة العقول وتنبيه الرسول، فما لكم لا تؤمنون {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} لموجب ما، فإن هذا الموجب لا مزيد عليه. وقرئ: {أخذ ميثاقكم}، على البناء للفاعل، وهو اللّه عز وجل.

.[سورة الحديد: آية 9]:

{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9)}.
لِيُخْرِجَكُمْ اللّه بآياته من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. أو ليخرجكم الرسول بدعوته {لَرَؤُفٌ} وقرئ {لرؤوف}.

.[سورة الحديد: الآيات 10- 11]:

{وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)}.
{وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا} في أن لا تنفقوا {وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} يرث كل شيء فيهما لا يبقى منه باق لأحد من مال وغيره، يعنى: وأى غرض لكم في ترك الإنفاق في سبيل اللّه والجهاد مع رسوله واللّه مهلككم فوارث أموالكم، وهو من أبلغ البعث على الإنفاق في سبيل اللّه. ثم بين التفاوت بين المنفقين منهم فقال {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ} قبل فتح مكة قبل عز الإسلام وقوّة أهله ودخول الناس في دين اللّه أفواجا وقلة الحاجة إلى القتال والنفقة فيه، ومن أنفق من بعد الفتح فحذف لوضوح الدلالة {أُولئِكَ} الذين أنفقوا قبل الفتح وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» {أَعْظَمُ دَرَجَةً}. وقرئ: {قبل الفتح} {وَكُلًّا} وكل واحد من الفريقين {وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى} أي المثوبة الحسنى وهي الجنة مع تفاوت الدرجات. وقرئ بالرفع على: {وكل وعده اللّه}. وقيل: نزلت في أبى بكر رضى اللّه عنه، لأنه أول من أسلم وأول من أنفق في سبيل اللّه. القرض الحسن: الإنفاق في سبيله. شبه ذلك بالقرض على سبيل المجاز، لأنه إذا أعطى ماله لوجهه فكأنه أقرضه إياه {فَيُضاعِفَهُ لَهُ} أي يعطيه أجره على إنفاقه مضاعفا {أضعافا} من فضله {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} يعنى: وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه. وقرئ: {فيضعفه}. وقرئا منصوبين على جواب الاستفهام والرفع عطف على {يُقْرِضُ}، أو على {فَيُضاعِفَهُ}.

.[سورة الحديد: آية 12]:

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)}.
{يَوْمَ تَرَى} ظرف لقوله: {وله أجر كريم}. أو منصوب بإضمار (اذكر) تعظيما لذلك اليوم. وإنما قال {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ} لأنّ السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ومن وراء ظهورهم، فجعل النور في الجهتين شعارا لهم وآية، لأنهم هم الذين بحسناتهم سعدوا وبصحائفهم البيض أفلحوا، فإذا ذهب بهم إلى الجنة ومروا على الصراط يسعون: سعى بسعيهم ذلك النور جنيبا لهم ومتقدما. ويقول لهم الذين يتلقونهم من الملائكة. {بُشْراكُمُ الْيَوْمَ}. وقرئ: {ذلك الفوز}.

.[سورة الحديد: الآيات 13- 15]:

{يَوْمَ يَقول الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)}.
{يَوْمَ يَقول} بدل من {يوم ترى} {انْظُرُونا} انتظرونا، لأنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبروق الخاطفة على ركاب تزف بهم. وهؤلاء مشاة. وانظروا إلينا، لأنهم إذا نظروا اليهم استقبلوهم بوجوههم والنور بين أيديهم فيستضيئون به. وقرئ: {أنظرونا} من النظرة وهي الإمهال: جعل اتئادهم في المضي إلى أن يلحقوا بهم إنظارا لهم {نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} نصب منه، وذلك أن يلحقوا بهم فيستنيروا به {قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} طرد لهم وتهكم بهم، أي: ارجعوا إلى الموقف إلى حيث أعطينا هذا النور فالتمسوه هنالك، فمن ثم يقتبس. أو ارجعوا إلى الدنيا، فالتمسوا نورا بتحصيل سببه وهو الإيمان. أو ارجعوا خائبين وتنحوا عنا، فالتمسوا نورا آخر، فلا سبيل لكم إلى هذا النور، وقد علموا أن لا نور وراءهم، وإنما هو تخييب وإقناط لهم {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ} بين المؤمنين والمنافقين بحائط حائل بين شق الجنة وشق النار. وقيل: هو الأعراف لذلك السور بابٌ لأهل الجنة يدخلون منه {باطِنُهُ} باطن السور أو الباب، وهو الشق الذي بلى الجنة {وَظاهِرُهُ} ما ظهر لأهل النار {مِنْ قِبَلِهِ} من عنده ومن جهته {الْعَذابُ} وهو الظلمة والنار. وقرأ زيد بن على رضى اللّه عنهما: {فضرب بينهم} على البناء للفاعل {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} يريدون موافقتهم في الظاهر {فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} محنتموها بالنفاق وأهلكتموها {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالمؤمنين الدوائر {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ} طول الآمال والطمع في امتداد الأعمار {حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ} وهو الموت {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} وغرّكم الشيطان بأنّ اللّه عفوّ كريم لا يعذبكم. وقرئ: {الغرور}، بالضم {فِدْيَةٌ} ما يفتدى به {هِيَ مَوْلاكُمْ} قيل: هي أولى بكم، وأنشد قول لبيد:
فندت كلا الفرجين تحسب أنّه ** مولى المخافة خلفها وأمامها

وحقيقة مولاكم: محراكم ومقمنكم. أى: مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة للكرم، أي مكان، لقول القائل: إنه لكريم. ويجوز أن يراد: هي ناصركم، أي لا ناصر لكم غيرها. والمراد: نفى الناصر على البتات. ونحوه قولهم: أصيب فلان بكذا فاستنصر الجزع. ومنه قوله تعالى: {يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ} وقيل: تتولاكم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ}.
في هذا التسبيح ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني أن خلق ما في السموات والأرض يوجب تنزيهه عن الأمثال والأشباه.
الثاني: تنزيه الله قولا مما أضاف إليه الملحدون، وهو قول الجمهور.
الثالث: أنه الصلاة، سميت تسبيحًا لما تتضمنه من التسبيح، قاله سفيان، والضحاك.
فقوله: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ} يعني الملائكة وما فيهن من غيرهم وما في الأرض يعني في الحيوان والجماد، وقد ذكرنا في تسبيح الجماد وسجوده ما أغنى عن الإعادة.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} في انتصاره، {الْحَكِيمُ} في تدبيره.
{هُوَ الأَوَّلُ وِالأخِرُ} يريد بالأول أنه قبل كل شيء لقدمه، وبالآخر لأنه بعد كل شيء لبقائه.
{وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: الظاهر فوق كل شيء لعلوه، والباطن إحاطته بكل شيء لقربه، قاله ابن حيان.
الثاني: أنه القاهر لما ظهر وبطن كما قال تعالى: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِم فََأصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ}.
الثالث: العالم بما ظهر وما بطن.
{وَهُوَ بِكُلِّ شيء عَلِيمٍ} يعني بالأول والآخر والظاهر والباطن.
ولأصحاب الخواطر في ذلك ثلاثة أوجه:
أحدها: الأول في ابتدائه بالنعم، والآخر في ختامه بالإحسان، والظاهر في إظهار حججه للعقول، والباطن في علمه ببواطن الامور.
الثاني: الأول بكشف أحوال الآخرة حين ترغبون فيها، والآخر بكشف أحوال الدنيا حين تزهدون فيها، والظاهر على قلوب أوليائه حين يعرفونه، والباطن على قلوب أعدائه حين ينكرونه.
الثالث: الأول قبل كل معلوم، والآخر بعد كل مختوم، والظاهر فوق كل مرسوم، والباطن محيط بكل مكتوم.
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ} قال مقاتل: من مطر، وقال غيره: من مطر وغير مطر.
{وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} قال مقاتل: من نبات وغير نبات.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} قال مقاتل: من الملائكة، وقال غيره: من ملائكة وغير ملائكة.
ويحتمل وجهًا آخر: ما يلج في الأرض من بذر، وما يخرج منها من زرع، وما ينزل من السماء من قضاء، وما يعرج فيها من عمل، ليعلموا إحاطة علمه بهم فيما أظهروه أو ستروه، ونفوذ قضائه فيهم بما أرادوه أو كرهوه.
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم} فيه وجهان:
أحدهما: علمه معكم أينما كنتم حيث لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، قاله مقاتل.
والثاني: قدرته معكم أينما كنتم حيث لا يعجزه شيء من أموركم.
{وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} تحتمل هذه النفقة وجهين:
أحدهما: أن تكون الزكاة المفروضة.
والثاني: أن يكون غيرها من وجوه الطاعات.
وفي {ما جَعَلَكْم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} قولان:
أحدهما: يعني مما جعلكم معمرين فيه بالرزق، قاله مجاهد.
الثاني: مما جعلكم مستخلفين فيه بوراثتكم له عمن قبلكم، قاله الحسن.
ويحتمل ثالثًا: مما جعلكم مستخلفين على القيام بأداء حقوقه.
{وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: معناه ولله ملك السموات والأرض.
الثاني: أنهما راجعان إليه بانقباض من فيهما كرجوع الميراث إلى المستحق.
{لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} فيه قولان:
أحدهما: لا يستوي من أسلم من قبل فتح مكة وقاتل ومن أسلم بعد فتحها وقاتل، قاله ابن عباس، ومجاهد.
الثاني: يعني من أنفق ماله في الجهاد وقاتل، قاله قتادة.
وفي هذا الفتح قولان:
أحدهما: فتح مكة، قاله زيد بن أسلم.
الثاني: فتح الحديبية، قاله الشعبي، قال قتادة: كان قتالان أحدهما أفضل من الأخر، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك.
{وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} فيه قولان:
أحدهما: أن الحسنى الحسنة، قاله مقاتل.
الثاني: الجنة، قاله مجاهد.
ويحتمل ثالثًا: أن الحسنى القبول والجزاء.
{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرضُ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أن القرض الحسن هو أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والله أكبر، رواه سفيان عن ابن حيان.