فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثاني: أنه النفقة على الأهل، قاله زيد بن أسلم.
الثالث: أنه التطوع بالعبادات، قاله الحسن.
الرابع: أنه عمل الخير، والعرب تقول لي عند فلان قرض صدق أو قرض سوء، إذا فعل به خيرًا أو شرًا، ومنه قول الشاعر:
وتجزي سلامًا من مقدم قرضها ** بما قدمت أيديهم وأزلت

الخامس: أنه النفقة في سبيل الله، قاله مقاتل بن حيان.
وفي قوله: {حَسَنًا} وجهان:
أحدهما: طيبة بها نفسه، قاله مقاتل.
الثاني: محتسبًا لها عند الله، قاله الكلبي، وسمي قرضًا لاستحقاق ثوابه، قاله لبيد:
وإذا جوزيت قرضًا فاجزه ** إنما يجزى الفتى ليس الجمل

وفي تسميته {حَسَنًا} وجهان:
أحدهما: لصرفه في وجوه حسنة.
الثاني: لأنه لا مَنَّ فيه ولا أذى.
{فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} فيه وجهان:
أحدهما: فيضاعف القرض لأن جزاء الحسنة عشر أمثالها.
الثاني: فيضاعف الثواب تفضلًا بما لا نهاية له.
{وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: لم يتذلل في طلبه. الثاني: لأنه كريم الخطر.
الثالث: أن صاحبه كريم.
فلما سمعها أبو الدحداح تصدق بحديقة فكان أول من تصدق بعد هذه الآية.
وروى سعيد بن جبير أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية، فقالوا يا محمد، أفقير ربك يسأل عباده القرض؟ فأنزل الله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّذِينَ قالواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} الآية.
{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} وفي نورهم ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه ضياء يعطيهم الله إياه ثوابًا وتكرمة، وهذا معنى قول قتادة.
الثاني: أنه هداهم الذي قضاه لهم، قاله الضحاك.
الثالث: أنه نور أعمالهم وطاعتهم.
قال ابن مسعود: ونورهم على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم مَن نوره مثل النخلة، وأدناهم نورًا مَن نوره على إبهام رجله يوقد تارة ويطفأ أخرى.
وقال الضحاك: ليس أحد يعطى يوم القيامة نورًا، فإذا انتهوا إلى الصراط أطفىء نور المنافقين، فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن ينطفىء نورهم كما طفىء نور المنافقين، فقالوا: {رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا}.
وفي قوله: {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} وجهان:
أحدهما: ليستضيئوا به على الصراط، قاله الحسن.
والثاني: ليكون لهم دليلًا إلى الجنة، قاله مقاتل.
وفي قوله: {بِأَيْمَانَهِم} في الصدقات والزكوات وسبل الخير.
الرابع: بإيمانهم في الدنيا وتصديقهم بالجزاء، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أن نورهم هو بشراهم بالجنات.
الثاني: هي بشرى من الملائكة يتلقونهم بها في القيامة، قاله الضحاك.
{يَوْمَ يَقول الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ} الآية. قال ابن عباس وأبو أمامة: يغشى الناس يوم القيامة ظلمة أظنها بعد فصل القضاء، ثم يعطون نورًا يمشون فيه.
وفي النور قولان:
أحدهما: يعطاه المؤمن بعد إيمانه دون الكافر.
الثاني: يعطاه المؤمن والمنافق، ثم يسلب نور المنافق لنفاقه، قاله ابن عباس.
فيقول المنافقون والمنافقات حين غشيتهم الظلمة.
{لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ} حين أعطوا النور الذي يمشون فيه:
{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} أي انتظروا، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
أبا هند فلا تعجل علينا ** وأنظرنا نخبرك اليقينا

{قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُواْ نُورًا} فيه قولان:
أحدهما: ارجعوا إلى الموضع الي أخذنا منه النور فالتمسوا منه نورًا.
الثاني: ارجعو فاعملوا عملًا يجعل الله بين أيديكم نورًا.
ويحتمل في قائل هذا القول وجهان:
أحدهما: أن يقوله المؤمنون لهم.
الثاني: أن تقوله الملائكة لهم.
{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه حائط بين الجنة والنار، قاله قتادة.
الثاني: أنه حجاب في الأعراف، قاله مجاهد.
الثالث: أنه سور المسجد الشرقي، بيت المقدس قاله عبد الله بن عمرو بن العاص.
{بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبلِهِ الْعَذَابُ} فيه قولان:
أحدهما: أن الرحمة التي في باطنه الجنة، والعذاب الذي في ظاهره جهنم، قاله الحسن.
الثاني: أن الرحمة التي في باطنه: المسجد وما يليه، والعذاب الذي في ظاهره: وادي جهنم يعني بيت المقدس، قاله عبد الله بن عمرو بن العاص.
ويحتمل ثالثًا: أن الرحمة التي في باطنه نور المؤمنين، والعذاب الذي في ظاهره ظلمة المنافقين.
وفيمن ضرب بينهم وبينه بهذا السور قولان:
أحدهما: أنه ضرب بينهم وبين المؤمنين الذي التمسوا منهم نورًا، قاله الكلبي ومقاتل.
الثاني: أنه ضرب بينهم وبين النور بهذا السور حتى لا يقدروا على التماس النور.
{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} يعني نصلي مثلما تصلون، ونغزو مثلما تغزون، ونفعل مثلما تفعلون.
{قالواْ بَلَى وَلَكِنَكُم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بالنفاق، قاله مجاهد.
الثاني: بالمعاصي، قاله أبو سنان.
الثالث: بالشهوات، رواه أبو نمير الهمداني.
{وَتَرَبَّصْتُمْ} فيه تأويلان:
أحدهما: بالحق وأهله، قاله قتادة.
الثاني: وتربصتم بالتوبة، قاله أبو سنان.
{وَارْتَبْتُمْ} يعني شككتم في أمر الله.
{وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: خدع الشيطان، قاله قتادة.
الثاني: الدنيا، قاله ابن عباس.
الثالث: سيغفر لنا، قاله أبو سنان.
الرابع: قولهم اليوم وغدًا.
{حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} فيه قولان:
أحدهما: الموت، قاله أبو سنان.
الثاني: إلقاؤهم في النار، قاله قتادة.
{وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُوْرُ} فيه وجهان:
أحدهما: الشيطان، قاله عكرمة.
الثاني: الدنيا، قاله الضحاك. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {سَبَّحَ لله ما في السموات والأرض}.
أمّا تسبيح ما يعقل، فمعلوم، وتسبيح ما لا يعقل، قد ذكرنا معناه في قوله تعالى: {وَإنْ مِنْ شيء إلا يُسَبِّحُ بحمده} [الإسراء: 44].
قوله تعالى: {هو الأول} قال أبو سليمان الخطابي: هو السابق للأشياء {والآخِر} الباقي بعد فناء الخلق {والظاهر} بحججه الباهرة، وبراهينه النَّيِّرة، وشواهده الدَّالة على صِحَّة وحدانيته.
ويكون: الظاهر فوق كل شيء بقدرته.
وقد يكون الظهور بمعنى العلوِّ، ويكون بمعنى الغلبة.
والباطن: هو المحتجب عن أبصار الخلق الذي لا يستولي عليه توهُّم الكيفية.
وقد يكون معنى الظهور والبطون: احتجابه عن أبصار الناظرين، وتجلِّيه لبصائر المتفكِّرين.
ويكون معناه: العالم بما ظهر من الأمور، والمطَّلع على ما بطن من الغيوب {هو الذي خلق السموات والأرض} مفسر في [الأعراف: 54] إلى قوله تعالى: {يعلم ما يلج في الأرض} وهو مفسر في [سبأ: 2] إلى قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} أي: بعلمه وقدرته.
وما بعده ظاهر إلى قوله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله} قال المفسرون: هذا الخطاب لكفار قريش {وأنفِقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} يعني: المال الذي كان بأيدي غيرهم، فأهلكهم الله، وأعطى قريشًا ذلك المال، فكانوا فيه خلفاء من مضى.
قوله تعالى: {وما لكم لا تؤمنون بالله} هذا استفهام إِنكار، والمعنى: أيُّ شيء لكم من الثواب في الآخرة إذا لم تؤمنوا بالله {وقد أخذ ميثاقكم} قرأ أبو عمرو: {أُخذ} بالرفع.
وقرأ الباقون: {أخذ} بفتح الخاء {ميثاقَكم} بالفتح.
والمراد به: حين أُخرجتم من ظهر آدم {إن كنتم مؤمنين} بالحجج والدلائل.
قوله تعالى: {هو الذي ينزِّل على عبده} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم {آياتٍ بيناتٍ} يعني: القرآن {ليخرجكم من الظلمات} يعني الشرك {إلى} نور الإيمان {وإن الله بكم لرؤوف رحيم} حين بعث الرسول ونصب الأدلة.
ثم حثهم على الإنفاق فقال: {وما لكم ألاَّ تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض} أي: أي شيءٍ لكم في ترك الإنفاق مما يقرب إلى الله عز وجل وأنتم ميتون تاركون أموالكم؟! ثم بين فضل من سبق بالإنفاق فقال: {لا يستوي منكم من أنفق من قبلِ الفتح} وفيه قولان.
أحدهما: أنه فتح مكة، قاله ابن عباس، والجمهور.
والثاني: أنه فتح الحديبية، قاله الشعبي.
والمعنى: لا يستوي من أنفق قبل ذلك {وقاتل} ومن فعل ذلك بعد الفتح.
قال المفسرون: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق.
{أولئك أعظم درجةً} قال ابن عباس: أعظم منزلةً عند الله.
قال عطاء: درجات الجنة تتفاضل، فالذين أنفقوا من قبل الفتح في أفضلها.
قال الزجاج: لأن المتقدمين كانت بصائرهم أنفذ، ونالهم من المشقة أكثر {وكلًا وعد الله الحسنى} أي: وكلا الفريقين وعده الله الجنة.
وقرأ ابن عامر: {وكُلٌّ} بالرفع.
قوله تعالى: {من ذا الذي يُقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفَه له} قرأ ابن كثير، وابن عامر {فيضعِّفَه} مشددة بغير ألف، إِلا أن ابن كثير يضم الفاء، وابن عامر يفتحها.
وقرأ نافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {فيضاعفُه} بالألف وضم الفاء، وافقهم عاصم، إلا أنه فتح الفاء.
قال أبو علي: يضاعِف ويضعِّف بمعنى واحد، إلا أن الرفع في {يضاعف} هو الوجه، لأنه محمول على {يُقرض} أو على الانقطاع من الأول، كأنه قال: فهو يضاعف.
ويحمل قول الذي نصب على المعنى، لأنه إذا قال: من ذا الذي يُقرض اللهَ، معناه: أيقرض اللهَ أحدٌ قرضًا فيضاعفه.
والآية مفسرة في [البقرة: 245] والأجر الكريم: الجنة.
قوله تعالى: {يسعى نورهم} قال المفسرون: يضيء لهم نور عملهم على الصراط على قدر أعمالهم.
قال ابن مسعود: منهم مَن نوره مثل الجبل، وأدناهم نورًا نوره على إبهامه يطفىء مرة، ويتَّقد أخرى.
وفي قوله تعالى: {وبأيمانهم} قولان:
أحدهما: أنه كتبهم يعطَونها بأيمانهم، قاله الضحاك.
والثاني: أنه نورهم يسعى، أي: يمضي بين أيديهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم.
والباء بمعنى: (في).
و(في) بمعنى (عن) هذا قول الفراء.
قوله تعالى: {بشراكم اليوم} هذا قول الملائكة لهم.
قوله تعالى: {انظرونا نقتبس} وقرأ حمزة: {أنظِرونا} بقطع الهمزة، وفتحها، وكسر الظاء.
قال المفسرون: يغشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة، فيعطَى المؤمنون النور، فيمشي المنافقون في نور المؤمنين، فإذا سبقهم المؤمنون قالوا: انظرونا نقتبس من نوركم {قيل ارجعوا وراءكم} في القائل قولان.
أحدهما: أنهم المؤمنون، قاله ابن عباس.
والثاني: الملائكة، قاله مقاتل.
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.
أحدها: ارجعوا إلى المكان الذي قبستم فيه النور، فيرجعون، فلا يرون شيئًا.
والثاني: ارجعوا فاعملوا عملًا يجعله الله لكم نورًا.
والثالث: أن المعنى: لا نور لكم عندنا {فضرب بينهم بسُور} قال ابن عباس: هو الأعراف، وهو سُورٌ بين الجنة والنار {باطنه فيه الرحمة} وهي: الجنة {وظاهره} يعني: من وراء السور {من قِبله العذاب} وهو جهنم.
وقد ذهب قوم إلى أن هذا السور يكون ببيت المقدس في مكان السور الشرقي بين الوادي الذي يسمى: وادي جهنم، وبين الباب الذي يسمى: باب الرحمة، وإلى نحو هذا ذهب عبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو، وكعب.
قوله تعالى: {ينادونهم} أي: ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور: {ألم نكن معكم} أي: على دينكم نصلي بصلاتكم، ونغزو معكم؟! فيقول لهم المؤمنون: {بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم} قال الزجاج: استعملتموها في الفتنة.